مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 19

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 19/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

كتاب الإجارة

اشارة

كتاب الإجارة و هي تمليك عمل أو منفعة بعوض، و يمكن أن يقال ان حقيقتها التسليط على عين للانتفاع بها بعوض (1). و فيه فصول:

______________________________

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على أشرف خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين.

كتاب الإجارة

(1) ينبغي الإشارة إلى أمور:

الأول: يقوم نظام بقاء الإنسان على حيازة المباحات و المعاوضات من أنحاء البيوع و الإجارات، و كذا الزراعة، و الحرف، و الصناعات، و يأتي في كتاب النكاح أنه أيضا كذلك، بل هو أهمها و ليس هذه كلها من الأمور التشريعية بل هي فطرية جبلية تنشأ من حب البقاء، و جلب المنفعة، و دفع المضرة إذا لا اختصاص لمثل الإجارة بملة دون أخرى و لا بقوم دون آخرين، بل هي معاملة نظامية بين الناس، لأن أصالة احترام العمل و المال من أهم أصولها و عليهما تدور جملة من الأحكام التي ضبطوها في الكتب الفقهية بالنسبة إلى المعاملات و ليس للشريعة اصطلاح خاص فيها و جعل مخصوص.

ص: 5

.....

______________________________

نعم، لها تحديدها بحدود و قيود ترجع تلك القيود الى المصالح النوعية أيضا، و على هذا فمعنى الإجارة من المعاني المرتكزة عند الناس في جميع الازمان و الأديان و لا يحتاج إلى إتعاب الفقيه نفسه في بيان هذا المعنى العام الابتلائي.

الثاني: قد أسلفنا مرارا أن شرح موضوعات الأحكام من أول الفقه الى آخره شروح لفظية اسمية، كشروح اللغويين لمعاني الألفاظ التي ضبطوها في كتبهم و قد اتفق الكل على أنه لا يعتبر في الشروح اللفظية أن تكون جامعة و مانعة فلا وجه لتزييفها و الإشكال عليها.

الثالث: لا ريب في ان عناوين المعاوضات و العقود لها اعتبارات.

الأول: لحاظها في حد نفسها أي: بمعنى اسم المصدر.

الثاني: لحاظها من حيث الصدور عن المسبب لها، أي: من حيث المصدر.

الثالث: لحاظها بآثارها الخاصة و لوازمها المخصوصة بها، و قد خلط القوم بين الجميع في تعريفاتهم فالإجارة بالاعتبار الأول: «اضافة مخصوصة و اعتبار خاص بين المستأجر و الأجير»، ملازم لآثار مخصوصة، و بالاعتبار الثاني:

«تمليك عمل أو منفعة بالعوض أو تسليط على العين للانتفاع بها».

و أشكل على الأول. تارة: بأن الإجارة تتعلق عرفا بالعين، فيقال: آجرتك الدار مثلا و لا تتعلق بالمنفعة، فلا يقال آجرتك منفعة الدار.

و أخرى: أن المنفعة معدومة و المعدوم لا يقبل التمليك و التملك مع انها قائمة بالأجير لا مالك الدار.

و ثالثا: بأن الإجارة قد لا تقتضي تمليك المنفعة كإجارة مخل لأن يحرز فيه الأعيان الزكوية، أو نماء الوقف فإن منفعة المحل حينئذ لا تصير مملوكة لشخص خاص، كما أشكل على الأخير بأنه لا بد من تخصيصه بالأعيان المملوكة و لا يعم عمل الحر، إذ الحر لا يسلط عليه بوجه.

ص: 6

.....

______________________________

و الكل مخدوش .. أما الأول: فلا ريب في أن الاستفادة من المنفعة و تمليكها و تملكها متوقفة على الاستيلاء على العين، فقول: «آجرتك الدار» يتضمن أمرين بالظهور المحاوري العرفي.

الأول: الاستيلاء على العين.

الثاني: تمليك المنفعة و الاستيلاء على العين مأخوذ بنحو الطريقية إلى تمليك المنفعة لا بنحو الموضوعية، كالبيع فإنه فيه أخذ بنحو الموضوعية عرفا و يتبعها الاستيلاء على المنفعة قهرا.

و بعبارة أخرى: المفاد المطابقي في الإجارة أولا و بالذات تمليك المنفعة و من لوازمه الاستيلاء على العين، و في البيع يكون بعكس ذلك.

و أما الثاني: فلأن المنفعة و إن كانت معدومة في الخارج و متدرجة الحصول، لكن يكفي في اعتبارها و تعلق الغرض العقلائي المعاملي بها تحقق منشأ اعتبارها عرفا، و لا ريب في تحققه و مقتضى العموم و الإطلاق و السيرة عدم اعتبار أزيد من ذلك، مع ان الاعتباريات خفيفة المؤنة جدا، مضافا إلى أن عدم المنفعة ليس من العدم المطلق حتى لا يصلح لكل شي ء، بل من عدم الملكة الذي له نحو حظ من الوجود فيصلح لاعتبار شي ء له كما ثبت في محله.

و أما الثالث: فلا ريب في أن الملكية أما شخصية، أو نوعية، أو جهتية، و الزكاة و ما يتعلق بها من الثاني، و الوقف و ما يتعلق به من الأخير، بل في نماء الوقف الخاص تتصور الملكية الخاصة أيضا، و أما أن المنفعة قائمة بالأجير فلا يضر بالمقصود لأن لمنفعة المال إضافات، الإضافة إلى المالك الأول لكونها منفعة ماله، و الإضافة إلى نفس المال إضافة العارض بالنسبة إلى معروضه، و الإضافة إلى الأجير إضافة الاستيفاء الصرف، و جميع هذه الإضافات صحيحة معتبرة لها آثار خاصة فهذا التعريف صحيح لا إشكال فيه من هذه الجهات.

و أما الأخير: فلا ريب في أن السلطة الملكية بحيث يصير مملوكا كالعبيد لا تكون لشخص على الحر عقلا، و شرعا، و عرفا و أما سلطة استيفاء الحق لمن

ص: 7

.....

______________________________

له حق عليه، فلا ريب في ثبوتها عليه و السلطنة في المقام من هذا القبيل لا من السلطنة الملكية كما في العبيد، فهذا التعريف أيضا صحيح لا إشكال فيه.

و أما توهم أن السلطنة من الأحكام المترتبة على الأموال و الحقوق، فليست هي نفس حقيقة الإجارة (لا وجه له) إذ يكفي في التعاريف اللفظية كون المعرف (بالكسر) من اللوازم العرفية للمعرف (بالفتح)، و إن لم يكن ذاتيا له.

و لنكتف بهذا المقدار في المقام حتى لا يرد علينا ما أوردناه على الأعلام من ان الشروح الاسمية لا وجه للإشكال عليها.

و أما ما عن بعض مشايخنا (1) من: «انها جعل العين في الكرى» فهو صحيح، و لكن لو بدل: «جعل ما يصح أن ينتفع به في الكرى» لكان أولى ليشمل الاستيجار على الذمة مع عدم اعتبار المباشرة.

الرابع: عناوين العقود- كالإجارة و البيع و نحوهما- مفاهيم لها معان واقعية غير متقومة بالإنشاء، و لا الاخبار، و لا الوجود، و لا العدم كمفاهيم سائر الألفاظ.

نعم، تتصف عناوين العقود لكل ذلك بحسب اللحاظ الخارج عن مرتبة المفهومية، فقد يكون مفهوم البيع و الإجارة إنشائيا كما قد يتصف بالاخبارية و بالوجود و العدم و هكذا.

و منه يظهر أن العهد و جعل القرار الإجاري بين الطرفين شي ء، و اللفظ و الفعل المنشأ بهما تلك المعاهدة شي ء آخر، و لا ربط لأصلهما بذلك العهد و القرار فضلا عن خصوصية كون اللفظ حقيقة أو مجاز، أو ماضيا أو غيره.

نعم، للّفظ و الفعل جهة الإبراز عن ذلك العهد و القرار فقط، و يصح الإبراز و الإظهار بكلما تكون فيه هذه الحيثية و الجهة ما لم يدل دليل على الخلاف.

ص: 8


1- هو آية اللّه العظمى المحقق الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني رحمه اللّه.

فصل في أركانها، و هي ثلاثة

اشارة

فصل في أركانها، و هي ثلاثة:

الأول: الإيجاب و القبول (1)، و يكفي فيهما كل لفظ دال على المعنى المذكور (2) و الصريح منه آجرتك، أو أكريتك الدار- مثلا- فيقول قبلت، أو استأجرت، أو استكريت، و تجري فيها المعاطاة كسائر العقود (3)، و يجوز أن

______________________________

(1) بضرورة المذهب إن لم يكن من الدين لفرض انه عقد.

(2) للإطلاقات و العمومات، قال في الجواهر و ما أحسن ما قال: «ظاهر ما وصل إلينا من الأدلة في المقام و غيره كالبيع و النكاح و نحوهما، التوسعة فيما يعقد به العقد و الاكتفاء بكل لفظ يدل على إنشاء المراد حقيقة، أو مجازا غير مستنكر في أمثاله، و كفى بذلك قاطعا لأصالة عدم النقل و غيرها، و لعل شهرة عدم عقد العقود اللازمة بالمجازات محمولة على المستنكرة في ذلك، كاستعمال النكاح في البيع و بالعكس لا مطلقا، كما لا يخفى على من تصفح كلماتهم».

أقول: و يدل عليه انه لو كان شي ء معتبرا في ذلك لأشير إليه في خبر من الأخبار، لأن الموضوع من الأمور الابتلائية لجميع المكلفين في جميع الأزمان.

(3) لعموم أدلتها و إطلاقها الشامل للإجارة أيضا، و قد أثبتنا في البيع موافقتها للقاعدة فتجري في جميع العقود إلا ما خرج بالدليل.

و ما يقال: من انها صحيحة في إجارة الأموال حيث يتصور فيها التعاطي، و أما إجارة الحر لعمله فلا تصح لأن الحر لا يملك و عمله معدوم بعد، فكيف يتصور فيه التعاطي من الطرفين.

مردود .. أولا: بأن تسليم مورد العمل و الفراغ منه تسليم و إعطاء للعمل عرفا، بل البناء على الإتيان به لأجل القرار المعاملي يعتبر فيه الإعطاء عرفا.

ص: 9

يكون الإيجاب بالقول و القبول بالفعل، و لا يصح أن يقول في الإيجاب بعتك الدار- مثلا- و إن قصد الإجارة (4).

نعم، لو قال بعتك منفعة الدار، أو سكنى الدار مثلا بكذا لا يبعد صحته إذا قصد الإجارة (5).

الثاني: المتعاقدان (6)، و يشترط فيهما البلوغ (7)،

______________________________

و ثانيا: بما تقدم من انه لا يعتبر فيها التعاطي من الطرفين، و يكفي من أحدهما، بل تصلح و إن لم يكن إعطاء في البين إن وصل كل عوض إلى صاحبه، إذ المراد بالمعاطاة في كلامهم وصول العوضين الى الطرفين في عقد جامع للشرائط إلا الإيجاب و القبول اللفظيين.

(4) ان كان ذلك من المجاز المستنكر في المحاورات و لكنه ممنوع فمقتضى الإطلاقات الصحة.

و ما يتوهم من أنه لا يصح التمسك بها للعلم الإجمالي بورود تقييدات و تخصيصات عليها.

مدفوع: بأن التمسك بها إن كان قبل الفحص عن المقيدات و المخصصات فلم يقل أحد بصحة التمسك حينئذ.

و أما إن كان ذلك بعده و اليأس عن الظفر عليه، فلا ريب في الجواز حينئذ و قد ثبت ذلك في الأصول فراجع.

(5) لما مر في سابقة من غير فرق. و ما عن بعض مشايخنا «من ان اللفظ آلة لإنشاء معناه الحقيقي دون المجازي» مجرد دعوى بلا دليل عليه لأنه آلة لإفهام المقصود بالطرق المحاورية بأي نحو كان، و من الطرق الشائعة المحاورية المجازات غير المستنكرة في العرف.

(6) لأنّها عقد بالضرورة الفقهية بل الدينية.

(7) قد تكرر في العقود ذكر اشتراط البلوغ في المتعاقدين، و نسب إلى

ص: 10

و العقل (8)، و الاختيار (9)، و عدم الحجر لفلس، أو سفه، أو رقية (10).

الثالث: العوضان، و يشترط فيهما أمور:

______________________________

المشهور سلب عبارة الصبي مطلقا، و لا دليل لهم عليه من عقل أو نقل إلا أصالة عدم ترتب الأثر، و حديث رفع القلم (1)، و قوله عليه السّلام: «عمد الصبي خطأ» (2)، و دعوى الإجماع.

و الكل مخدوش: أما الأصل فلأنه محكوم بإطلاقات الأدلة و عموماتها بعد صدق العقد بالنسبة إلى عقد الصبي أيضا كالبالغ.

و أما حديث رفع القلم فالمنساق منه قلم الإلزام و العقاب لا أصل الصحة، و أما حديث «ان عمده خطأ» فالمنساق منه بقرينة غيره خصوص الجنايات لا مطلق أفعاله، و أما الإجماع فاعتباره مشكل لحصوله من مثل هذه الأدلة، و قد تقدم بعض الكلام في البيع فراجع.

(8) باتفاق العقلاء فضلا عن الفقهاء إن كان مطبقا و في دور جنونه ان كان أدواريا، و يدل عليه بعض الاخبار أيضا (3)، و تقدم في البيع بعض الكلام و يأتي بعضه الآخر في كتاب الحجر ان شاء اللّه تعالى.

(9) للإجماع، و حديث رفع ما أكرهوا عليه (4)، و لكن لو لحقه طيب النفس صح و لزم على ما تقدم تفصيله في كتاب البيع، كما ان ذلك في الإكراه بغير حق، و أما الإكراه بحق فيصح و لا إشكال فيه.

(10) لأن الإجارة تصرف مالي، و هؤلاء محجورون عن التصرف في أموالهم فلا يجوز لهم ذلك، و لكن لا يبطل أصل عقدهم، بل يتوقف صحته

ص: 11


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب القصاص.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.
4- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.

الأول: المعلومية (11)، و هي في كل شي ء بحسبه (12) بحيث لا يكون هناك غرر، فلو آجره دارا أو حمارا من غير مشاهدة و لا وصف رافع

______________________________

على إجازة الغرماء، و الولي، و المولى، و مع إجازتهم تصح و تلزم، و مع عدمها تبطل و يأتي التفصيل في محله إنشاء اللّه تعالى.

(11) عد هذا الشرط في المعاوضات من الواضحات العرفية عند المتعاملين مطلقا أولى من أن يستدل عليها بالإجماع و نحوه، لأن الناس يهتمون بأموالهم نحو اهتمامهم بأنفسهم، و لا يقدمون على المعاوضة بالنسبة إلى المجهول مطلقا، مضافا الى قاعدة نفي الغرر التي هي من أهم القواعد النظامية العقلائية، سواء كان في النبوي صلّى اللّه عليه و آله: «نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله عن الغرر»، أو «عن بيع الغرر»(1)، كما مر في شرائط العوضين (2)، لأن ذكر البيع من باب أنه أهم المعاوضات لا لخصوصية فيه فكأنه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن الغرر في المعاوضات كلها، لأن الأغراض المعاملية تدور مدار إحراز مالية العوضين نوعا بحسب الكم و الكيف.

(12) لأن المعلومية من الأمور الإضافية العرفية، و هي تختلف بحسب الأشياء و ليست من الأمور التعبدية و لا الموضوعات الصرفة الخارجية، و لإحراز خصوصيات الأشياء طرق شتى غير مضبوطة، و لم يعين له طريق واحد مخصوص لا شرعا، و لا عقلا، و لا عرفا فلا بد من ملاحظة كل شي ء بما تعارف فيه.

ثمَّ إنه لا تعتبر المعلومية من كل جهة لعدم الدليل عليها، بل ظاهر السيرة و الدليل خلافه، فقد جرت السيرة على إجارة الأرض بثلث ما يخرج منها مثلا، و قد ورد صحة قبالة الأرض بخراجها قل أو كثر (3)، و كذا إجارتها بالنصف، أو

ص: 12


1- الوسائل باب: 10 و 12 من أبواب التجارة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب التجارة.
3- راجع الوسائل باب: 17 من أبواب المزارعة حديث: 2.

للجهالة بطل (13)، و كذا لو جعل العوض شيئا مجهولا.

الثاني: أن يكونا مقدوري التسليم (14) فلا تصح إجارة العبد الآبق، و في كفاية ضم الضميمة هنا كما في البيع إشكال (15).

______________________________

الثلث، أو نحو ذلك (1).

و أما قوله عليه السّلام: «يتقبل الأرض من أربابها بشي ء معلوم إلى سنين مسماة» (2)، هو محمول على الثلث، أو الربع بقرينة غيره من الأخبار كما سيأتي، لا أن يكون المراد المعلومية من كل جهة.

(13) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و أصالة عدم ترتب الأثر بعد عدم شمول الأدلة.

(14) لأن الغرض الاوّلي من القرار المعاملي، و التعهد المعاوضي انما هو التسليم، و التسلم، و التحفظ على وصول عوض ما يتبادل عليه المال، فهو من المقومات العرفية في المعاوضات بحسب المتعارف، و لا يقدمون على المعاوضة مع عدم القدرة على التسليم و يرونها كالعدم، و على هذا الأمر المعهود بين الناس تنزل الأدلة الشرعية أيضا.

(15) إن كان صحة بيع الآبق مع الضميمة مطابقة للقاعدة تجري في جميع المعاوضات، و إن كانت مخالفة لها تختص بخصوص البيع، لورود النص فيه فقط (3). و الظاهر كونها مطابقة للقاعدة لأن العقد يقع في الواقع على الضميمة و هي معلومة، و الآبق يكون تبعا لما هو المعلوم، و لا دليل على اعتبار المعلومية في توابع العوضين، بل مقتضى الإطلاقات عدمه، و كذا لو قلنا بأنه مع تعذر الوصول الى الآبق تصير معاوضة قهرية مع الضميمة، و يمكن أن يستفاد كل

ص: 13


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الإجارة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب المزارعة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب عقد البيع و شروطه: 2.

الثالث: أن يكونا مملوكين (16)، فلا تصح إجارة مال الغير و لا الإجارة بمال الغير إلا مع الإجازة من المالك (17).

الرابع: أن تكون عين المستأجرة مما يمكن الانتفاع بها مع بقائها، فلا تصح إجارة الخبز للأكل مثلا، و لا الحطب للإشعال، و هكذا (18).

الخامس: أن تكون المنفعة مباحة (19)، فلا تصح إجارة المساكن

______________________________

منهما من قوله عليه السّلام في موثق سماعة: «فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه» (1)، و احتمال انه عليه السّلام في مقام بيان الحكم التعبدي لصورة تعذر الآبق ساقط، لظهور قوله عليه السّلام في أنه للإرشاد إلى أنه قد وصل عوض ماله إليه فلا موضوع لتوهم البطلان.

(16) بضرورة المذهب بل الدين، و يمكن أن يستدل على البطلان بالأدلة الأربعة كما مر مكررا.

(17) لما أثبتناه في كتاب البيع: ان صحة الفضولي مع الإجازة اللاحقة موافقة للقاعدة، فتجري في جميع العقود إلا ما دل دليل على الخلاف، و لا دليل كذلك في المقام.

(18) لخروج ذلك عن مورد الإجارة تخصصا، لأن استيفاء المنفعة مع بقاء العين شي ء، و الانتفاع بالإتلاف شي ء آخر، و الأول هو مورد الإجارة لغة، و عرفا، و شرعا بخلاف الأخير، و الخبز و الحطب و نحوهما من الأخير دون الأول، و يمكن جعل هذا من مقومات الإجارة لا من شروطها الخارجة عن حقيقتها.

(19) بإجماع المسلمين، بل بضرورة الدين، و ما عن بعض مشايخنا قدّس سرّه من أن اشتراط مملوكية المنفعة يغني عن هذا الشرط فإن المنفعة المحرمة غير مملوكة.

ص: 14


1- الوسائل باب: 11 من أبواب عقد البيع و شروطه: 2.

لإحراز المحرمات، أو الدكاكين لبيعها، أو الدواب لحملها، أو الجارية للغناء، أو العبد لكتابة الكفر، و نحو ذلك، و تحرم الأجرة عليها (20).

السادس: أن تكون العين مما يمكن استيفاء المنفعة المقصودة بها (21)، فلا تصح إجارة أرض للزراعة إذا لم يمكن إيصال الماء إليها مع عدم إمكان الزراعة بماء السماء أو عدم كفايته.

السابع: أن يتمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المستأجرة (22)، فلا تصح إجارة الحائض لكنس المسجد مثلا (23).

______________________________

مخدوش: لأن المملوكية قسمان عرفية و شرعية، و المقصود بالشرط الثالث المملوكية العرفية، و بالشرط الخامس المملوكية الشرعية فلا تكرار و لا إشكال في البين.

(20) للإجماع، و لأنه «إن اللّه إذا حرم شيئا حرم ثمنه» (1)، و تدل عليه أيضا جملات من خبر تحف العقول (2).

(21) لأنه بدون ذلك يكون من الأكل بالباطل المحرم كتابا، و سنة، و إجماعا كما تقدم مكررا.

(22) ما يعتبر في صحة الإجارة انما هو وجود غرض عقلائي غير منهي عنه شرعا، سواء كان ذلك هو انتفاع المستأجر، أو شخص آخر، أو أي غرض صحيح.

(23) إذا استلزم المكث و إلا فلا يحرم، كما تقدم في أحكام الحائض، هذا إذا كانت الإجارة بالمباشرة، و أما إن كانت بالأعم منها و من التسبيب فلا إشكال في الجواز.

و أشكل بعض مشايخنا (3)، هنا أيضا بأنه خرج باشتراط مملوكية المنفعة

ص: 15


1- راجع المجلد السادس عشر صفحة: 39.
2- راجع المجلد السادس عشر صفحة: 42.
3- هو آية اللّه العظمى المحقق الشيخ محمد حسين النائيني قدّس سرّه.

مسألة 1: لا تصح الإجارة إذا كان المؤجر أو المستأجر مكرها عليها

(مسألة 1): لا تصح الإجارة إذا كان المؤجر أو المستأجر مكرها عليها (24) إلا مع الإجازة اللاحقة (25)، و الأحوط عدم الاكتفاء بها بل تجديد العقد إذا رضيا (26).

نعم، تصح مع الاضطرار كما إذا طلب منه ظالم مالا فاضطر إلى إجارة دار سكناه لذلك فإنها تصح حينئذ كما أنه إذا اضطر إلى بيعها صح (27).

______________________________

فيكون ذكر هذا الشرط مستدركا.

و فيه: إن اختلاف الجهة يوجب التعدد و هذا الشرط من قبيل القدرة على التسليم، و هي: إما عرفية و قد تقدم في الشرط الثاني: أو شرعية و هي مذكورة في هذا الشرط.

(24) للإجماع، و حديث رفع ما أكرهوا عليه (1).

(25) للإطلاقات و العمومات بعد ثبوت المقتضى و فقد المانع، و حديث رفع الإكراه امتناني لا يشمل رفع الأثر بعد لحوق الإجازة، لأنه خلاف الامتنان حينئذ.

(26) خروجا عن خلاف من ذهب إلى بطلان أصل عقد المكره، فلا موضوع أصلا للحوق اجازته، و قد تعرضنا للأدلة التي استدلوا بها على البطلان و أجبنا عنها في كتاب البيع عند ذكر اعتبار الاختيار في البيع، فراجع و تأمل.

(27) لوجود طيب النفس في موارد الاضطرار دون الإكراه لأن إرادة المضطر و اختياره صادرة عن نفسه، و ليست مقهورة تحت إرادة الغير.

نعم، حدثت حادثة ضرورية أوجبت حدوث الإرادة لنفس المضطر عن نفسه بنفسه و بطيب نفسه به، و لكن إرادة المكره مقهورة تحت إرادة الغير، و من

ص: 16


1- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.

مسألة 2: لا تصح إجارة المفلس- بعد الحجر عليه- داره أو عقاره

(مسألة 2): لا تصح إجارة المفلس- بعد الحجر عليه- داره أو عقاره (28).

نعم تصح إجارته نفسه لعمل أو خدمة (29)، و أما السفيه فهل هو كذلك- أي: تصح إجارة نفسه للاكتساب مع كونه محجورا عن إجارة داره مثلا- أو لا؟ وجهان: من كونه من التصرف المالي و هو محجور، و من أنه ليس تصرفا في ماله الموجود بل هو تحصيل للمال و لا تعدّ منافعه من أمواله (30) خصوصا إذا لم يكن كسوبا، و من هنا يظهر النظر فيما ذكره بعضهم من حجر السفيهة من تزويج نفسها، بدعوى أن منفعة البضع مال، فإنه أيضا محل

______________________________

طبع البشر أنه لا تطيب نفسه بقهر الغير عليه مطلقا، فما هو المشهور من وجود طيب النفس في المضطر دون المكره مطابق للوجدان، و إذا كان طيب النفس موجودا في المضطر كما قلنا تصح عقوده و إيقاعاته لوجود المقتضى، و فقد المانع فتشملها العمومات و الإطلاقات بلا مدافع، و لا ريب في وجود عقود و إيقاعات اضطرارية بين الناس يرتب المتشرعة عليها آثار الصحة، فكم من مضطر اضطر لبيع داره و إجارة محله للاحتياج إلى مال لمداواة مريضه و نحوه، و كم مضطر اضطر الى طلاق زوجته إلى غير ذلك.

(28) لأنه تصرف مالي و هو ممنوع عنه.

(29) لعدم كون إعماله موردا لحق الغرماء، فلا يتعلق بها الحجر و انما يتعلق حقهم بأموالهم الموجودة حين الحجر عليه.

نعم، يجوز الحجر على أمواله الموجودة حين الحجر عليه.

نعم، يجوز الحجر على أمواله المتجددة أيضا.

(30) لأن المنساق من الأموال التي يقع الحجر عليها الأموال الموجودة في الخارج حين الحجر، لا مثل العمل الذي له منشأية تحصيل المال.

نعم، تحقق السفه منشأ للحجر عليه، سواء كان في أمواله الموجودة أو فيما يحصل من المال، لفرض انه سفيه في حفظ ماله، و في كيفية تحصيله

ص: 17

إشكال (31).

مسألة 3: لا يجوز للعبد أن يؤجر نفسه أو ماله أو مال مولاه إلا بإذنه

(مسألة 3): لا يجوز للعبد أن يؤجر نفسه أو ماله أو مال مولاه إلا بإذنه أو إجازته (32).

مسألة 4: لا بد من تعيين العين المستأجرة

(مسألة 4): لا بد من تعيين العين المستأجرة (33)، فلو آجره أحد هذين العبدين أو إحدى هاتين الدارين لم يصح (34)، و لا بد أيضا من تعيين

______________________________

أيضا، فالعلة الموجبة في الحجر عليه في ماله الموجود ثابتة في تحصيله للمال أيضا، فلا وجه للتفكيك بينهما بعد الاشتراك في العلة.

(31) ظهر مما ذكرناه أنه لا إشكال فيه لوجود السفه فيه أيضا، و هو العلة التامة للحجر عليه أينما وجدت.

و يظهر منهم الاتفاق على اعتبار الرشد في صحة تزويج المرأة، و في صحيح الفضلاء: «المرأة التي ملكت نفسها غير السفيهة، و لا المولى عليها، تزويجها بغير ولي جائز» (1)، و في موثق زرارة: «إذا كانت المرأة مالكة أمرها- تبيع و تشتري و تعتق و تشهد و تعطي من مالها ما شائت- فإن أمرها جائز، تزوج إن شائت بغير إذن وليها، و إن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بأمر وليها» (2)، و يظهر منه وحدة المناط في التزويج و في التصرف في المال، و يأتي التفصيل في كتاب الحجر ان شاء اللّه تعالى.

(32) كتابا، و سنة (3)، و إجماعا، قال تعالى عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ (4)، و مر التفصيل.

(33) اتفاقا من الفقهاء، بل العقلاء.

(34) لأن المردد من حيث الترديد لا وجود له عقلا و لا اعتبار به عرفا

ص: 18


1- الوسائل باب: 3 من أبواب عقد النكاح حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب عقد النكاح حديث: 6.
3- راجع المجلد الثامن عشر صفحة: 105- 109.
4- سورة النحل: 75.

نوع المنفعة (35)، إذا كانت للعين منافع متعددة (36).

نعم، تصح إجارتها بجميع منافعها مع التعدد (37)، فيكون المستأجر مخيرا بينها (38).

مسألة 5: معلومية المنفعة إما بتقدير المدة كسكنى الدار شهرا

(مسألة 5): معلومية المنفعة إما بتقدير المدة كسكنى الدار شهرا و الخياطة يوما أو منفعة ركوب الدابة إلى زمان كذا (39)، و إما بتقدير العمل كخياطة الثوب- المعلوم طوله و عرضه و رقّته و غلظته- فارسية أو رومية (40)، من غير تعرض للزمان (41).

______________________________

و شرعا، فلا موضوع لتعلق العقد به.

نعم، لو وقعت الإجارة من حيث الطبيعي الموجود فيهما، أو الكلي في المعين تصح، و لا محذور مع تساوي الافراد بحسب المتعارف.

(35) الكلام فيه عين الكلام في تعين العين المستأجرة فيما تقدم من الدليل، مضافا إلى قاعدة نفي الغرر فيهما.

(36) لأنه مع انحصار المنفعة بالتعين الخارجي يغني عن التعيين و كذا لو كان في البين انصراف معتبر فيما إذا تعددت المنافع.

(37) لوجود المقتضي للصحة، و فقد المانع عنها حينئذ فتشمله الأدلة لا محالة.

(38) إن لم يتمكن من الجمع بينها في الاستيفاء و إلا فيجمع بينها لفرض ان جميع المنافع له بواسطة الإجارة، و يأتي في مسألة الأجير الخاص بعض الكلام في المنافع المتضادة و تحقيق القول فيه.

(39) للإجماع، و لسيرة المتشرعة خلفا عن سلف، و قاعدة نفي الغرر.

(40) لأن تعين المنفعة في هذا النحو من العمل يكون بذلك في العرف و الإطلاقات و العمومات منزلة عليه، و لم يرد تحديد شرعي على خلافه فلا بد فيها من الأخذ بما هو المتعارف.

(41) لأنه ليس للزمان دخلا في خصوصية مثل هذه الأعمال، فيكون ذكره

ص: 19

نعم، يلزم تعيين الزمان الواقع فيه هذا العمل (42)، كأن يقول الى يوم الجمعة مثلا، و إن أطلق اقتضى التعجيل (43)، على الوجه العرفي (44)، و في مثل استئجار الفحل للضراب يعين بالمرة و المرتين (45)، و لو قدّر المدة و العمل على وجه التطبيق فإن علم سعة الزمان له صح (46)، و إن علم عدمها بطل (47)، و إن احتمل الأمران ففيه قولان (48).

______________________________

لغوا من هذه الجهة بعد حصول التعيين بغيره.

(42) لجريان السيرة على ذكر زمان العمل في مثل هذه الأعمال و اختلاف الأغراض المعاملية باختلاف طول المدة و قصرها، فلا بد من التعيين حينئذ.

(43) لأن مقتضى الملكية المطلقة و السلطة الفعلية بل و الشرط البنائي في المعاوضات، انما هو دفع العوض عند مطالبة مالكه له في البيع و الإجارة، و غيرهما من المعاوضات إلا مع القرينة على الخلاف و هي مفقودة.

(44) لأنه المتعارف في التعجيل في الأداء في المعاوضات و غيرها، إلا مع دليل معتبر على تحديد خاص و هو مفقود.

(45) المرجع فيه أهل خبرة هذه الأمور، و ربما يكون التحديد بغير ذلك عندهم.

(46) لشمول إطلاقات أدلة الإجارة، و ما يتوهم منه البطلان إما الغرر أو تعذر الإتيان إن أريد التطبيق الحقيقي، و كلاهما مردودان:

أما الغرر فالعرف أصدق شاهد بخلافه.

و أما التعذر فهو كذلك أيضا، إذ ليس المراد به التطبيق الدقي العقلي، بل بحسب المتعارف و المسامحات العرفية فيما جرت به السيرة.

(47) لعدم القدرة على التسليم حينئذ.

(48) مبنيان على ان إحراز العجز مانع أو ان إحراز القدرة شرط، فعلى الأول تصح الإجارة، لفرض عدم إحراز العجز، و على الثاني تبطل لفرض عدم

ص: 20

مسألة 6: إذا استأجر دابة للحمل عليها لا بد من تعيين ما يحمل عليها

(مسألة 6): إذا استأجر دابة للحمل عليها لا بد من تعيين ما يحمل عليها بحسب الجنس إن كان يختلف الأغراض باختلافه، و بحسب الوزن و لو بالمشاهدة و التخمين إن ارتفع به الغرر، و كذا بالنسبة إلى الركوب لا بد من مشاهدة الراكب أو وصفه، كما لا بد من مشاهدة الدابة أو وصفها حتى الذكورية و الأنوثية إن اختلفت الأغراض بحسبهما.

و الحاصل أنه يعتبر تعيين الحمل و المحمول عليه و الراكب و المركوب عليه من كل جهة يختلف غرض العقلاء باختلافها (49).

مسألة 7: إذا استأجر الدابة لحرث جريب معلوم

(مسألة 7): إذا استأجر الدابة لحرث جريب معلوم، فلا بد من مشاهدة الأرض أو وصفها على وجه يرتفع الغرر (50).

مسألة 8: إذا استأجر دابة للسفر مسافة لا بد من بيان زمان السير

(مسألة 8): إذا استأجر دابة للسفر مسافة لا بد من بيان زمان السير من

______________________________

إحراز الشرط، و حيث إن المنساق من القدرة على التسليم في المعاوضات هو إحراز القدرة بحسب أنظارهم، فتبطل في مورد الشك إلا مع قرينة معتبرة في البين على الإحراز، هذا إذا كان بعنوان التقييد، و أما ان كان بعنوان الشرط الخارجي فيصح و للطرف خيار تخلف الشرط مع تبين الخلاف.

(49) لأن اختلاف قيم الأشياء و أعواضها يدور مدار الأغراض العقلائية التي يقوم أساس المعاوضات عليها عند الناس، و تدور الإطلاقات، و العمومات على طبقها كما لا يخفى، و حديث رفع الغرر (1) ورد أيضا مقررا لهذه الطريقة المتعارفة.

(50) و كذا كل ما له دخل في حرث الأرض، من قربها إلى الماء أو بعدها عنه، و سائر الجهات التي يعرفها أهل خبرة هذه الأمور، لأن كل ذلك مما تختلف

ص: 21


1- الوسائل باب: 40 من أبواب آداب التجارة حديث: 3 و قد سبق في ج: 17 صفحة: 8 بعض مصادر أخرى.

ليل أو نهار (51)، إلا إذا كان هناك عادة متبعة (52).

مسألة 9: إذا كانت الأجرة مما يكال أو يوزن لا بد من تعيين كيلها

(مسألة 9): إذا كانت الأجرة مما يكال أو يوزن لا بد من تعيين كيلها أو وزنها و لا تكفي المشاهدة، و ان كانت مما يعدّ لا بد من تعيين عددها، و تكفي المشاهدة فيما يكون اعتباره بها (53).

مسألة 10: ما كان معلوميته بتقدير المدة

(مسألة 10): ما كان معلوميته بتقدير المدة لا بد من تعيينها شهرا أو سنة أو نحو ذلك (54)، و لو قال آجرتك الى شهر أو شهرين بطل (55)، و لو قال

______________________________

الأغراض المعاملية بها، و تختلف الرغبات و الأغراض بحسبها.

(51) لاختلاف الأغراض المعاملية بذلك، فلا بد من التعيين فرارا من الجهالة و الغرر.

(52) لأنها حينئذ تعيّن خارجي يغني عن التعيين الذكري.

(53) اما اعتبار تعين الكيل و الوزن و العد فيما يعتبر فيه ذلك، فللإجماع و السيرة خلفا عن السلف، و عدم الغرر بناء على ما أسلفنا من أنه قاعدة نظامية عقلائية في المعاوضات كلها، و ليست تعبدية حتى نحتاج إلى دليل عليها، بل يكفي عدم ثبوت الردع.

و أما عدم كفاية المشاهدة في المكيل و الموزون و المعدود، فلعدم رفع الجهالة و الغرر بها، و لو فرض رفع الجهل و الغرر بها فيصح الاكتفاء حينئذ، إذ ليس للكيل و الوزن و العد موضوعية خاصة، بل كل ذلك طريق لإحراز مقدار مالية المال، و يمكن أن تكون مشاهدة أهل الخبرة مثل الكيل و الوزن و العد، كما يمكن ان يحمل على ذلك ما عن المحقق رحمه اللّه من الاكتفاء بالمشاهدة و منه يعلم صحة الاكتفاء بالمشاهدات فيما جرت فيه الاكتفاء بها في التعيين.

(54) لما تقدم في المسألة السابقة من غير فرق في ذلك بينهما.

(55) للترديد المنافي للتعيين إن كان المقصود هو المردد.

و أما إن كان المراد شهرا واحدا أو شهرين كذلك، فلجهالة أول وقت

ص: 22

آجرتك كل شهر بدرهم مثلا ففي صحته مطلقا، أو بطلانه مطلقا، أو صحته في شهر و بطلانه في الزيادة فإن سكن فأجرة المثل بالنسبة إلى الزيادة، أو الفرق بين التعبير المذكور و بين أن يقول آجرتك شهرا بدرهم فإن زدت فبحسابه بالبطلان في الأول و الصحة في شهر في الثاني أقوال (56): أقواها الثاني (57). و ذلك لعدم تعيين المدة الموجب لجهالة الأجرة بل جهالة

______________________________

استيفاء المنفعة فتبطل الإجارة من هذه الجهة، إلا إذا كانت في البين قرينة معتبرة دالة على الاتصال بزمان حدوث الإجارة فتصح حينئذ.

(56) نسب الأول إلى الشيخ، و ابني جنيد، و زهرة، و الثاني إلى المشهور بين المتأخرين، و الثالث إلى المقنعة، و النهاية، و اختاره في الشرائع، و الأخير إلى القواعد.

(57) البحث في هذه المسألة:

تارة: بحسب الأذهان العرفية.

و أخرى: بحسب الإطلاقات و العمومات.

و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة.

و رابعة: بحسب الدقيات العقلية.

أما الأول: فمقتضى المرتكزات بينهم أنهم لا يرون في ذلك كله جهالة و غررا، بل السيرة استقرت على ذلك في مثل الفنادق و جملة من المساكن و المحال التي أعدت للأجرة، بحيث يكتبون ذلك و يجعلونه علامة عامة حتى يعلم به الواردون إليها، و لو كان جهل و غرر في البين لا يقدمون عليه هذا الإقدام الشائع في جميع البلاد في هذا الأمر العام البلوى لهم.

و بعبارة أخرى: الترديد في مشية المستفيد و إرادته لا في كيفية الاستفادة و قدر العوضين و شي ء من ماليتهما، و لا دليل على لزوم معلومية مشية المستفيد بعد معلومية العوضين عرفا.

ص: 23

المنفعة أيضا (58)، من غير فرق بين أن يعين المبدأ أو لا (59) بل على فرض

______________________________

و أما الثاني: فمقتضى الإطلاقات و العمومات الصحة بعد صدق الإجارة على ذلك كله عرفا.

و أما الثالث: فليس في البين إلا حديث نفي الغرر، و قد مر عدم صدقه عرفا و لو فرض الشك في صدقه لا يصح التمسك به في المقام، لأنه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك بلا كلام.

و الأخبار: فمنها خبر أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يكتري الدابة فيقول: اكثريتها منك إلى مكان كذا و كذا، فإن جاوزته فلك كذا و كذا زيادة، و يسمى ذلك؟ قال: لا بأس به كله» (1)، و منه يستفاد التوسعة، و عدم اعتبار الدقة في الخصوصيات، و كذا خبر الصيقل قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل اكترى دابة إلى مكان معلوم فجاوزه، قال عليه السّلام:

يحسب له الأجر بقدر ما جاوزه» (2).

و أما الأخير: فقد فصل بعض مشايخنا (المحقق الغروي رحمه اللّه) الكلام في المقام كما في عادته قدّس سرّه بأنه لا موضوع للتمليك و التملك و الملكية في المقام، و خلاصة تفصيله أنه لا وجود للمردد من حيث هو، فلا يعقل أن تتعلق به الملكية التي هي من عوارض الموجود هذا، و لكنه خلط بين الدقيات العقلية و الاعتباريات العرفية، و المقام و نظائره من الأخير دون الأولى، و كم من شي ء لا يصح بحسب الدقيات العقلية و لكنه صحيح و واقع بنظر العرف، و كم شي ء يكون بالعكس فالأقوى هو القول الأول.

(58) تقدم عدم الجهالة فيهما و انما الجهل في مشية المستفيد، و لا دليل على اعتبار العلم بعد معلومية العوضين عرفا.

(59) و لكن المعلومية مع تعيين المبدأ و لو انصرافا تكون أبين

ص: 24


1- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام الإجارة: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب أحكام الإجارة: 2.

عدم تعيين المبدأ يلزم جهالة أخرى (60)، الا أن يقال إنه حينئذ ينصرف إلى المتصل بالعقد، هذا إذا كان بعنوان الإجارة، و أما إذا كان بعنوان الجعالة فلا مانع منه، لأنه يغتفر فيها مثل هذه الجهالة (61)، و كذا إذا كان بعنوان الإباحة بالعوض (62).

______________________________

و أجلى كما لا يخفى.

(60) لا تضر تلك الجهالة بعد الانصراف الذي سيقول به رحمه اللّه، و هذا كله إذا وقع أصل الإجارة هكذا و أما لو وقع على شهر معين و كانت الزيادة من الشرط في ضمن عقد الإجارة فالصحة أولى، لأن الشرط يتحمل من الجهالة ما لا يتحملها غيره.

(61) لما هو المعروف بين الفقهاء، و تقتضيه سيرة المتشرعة، بل و سيرة العقلاء أيضا في اغتفار الجهالة في الجملة في الجعالة.

و قد أشكل على كون المقام من الجعالة بوجهين.

الأول: إن الجعالة انما تكون بإزاء عمل محترم دون منافع الأموال.

الثاني: إن الجعل و الالتزام فيها ممن يبذل المال دون الطرف.

و كلاهما مردودان .. أما الأول: فلأنها بإزاء كل ما فيه غرض عقلائي- عملا محترما كان أو غيره- فكأن صاحب المحل يقول من أعطاني كل شهر كذا أعطيته المنفعة الخاصة من داري، و لا ريب في شمول أدلة الجعالة لذلك.

و أما الثاني: فلأن في الجعالة البذل يكون من كل من الجاعل و العامل، من أحدهما المال، و من الآخر كل ما فيه غرض صحيح عقلائي لأنها من المعاوضات، و إن لم يكن من العقود بحيث يتوقف على القبول اللفظي من العامل بل يكون ما يصدر منه قبولا.

(62) لأنها أيضا صحيحة، و تكفي في صحتها الإطلاقات و العمومات و قاعدة السلطنة، و يكفينا ذلك ما لم يثبت الردع و هو غير ثابت.

ص: 25

مسألة 11: إذا قال ان خطت هذا الثوب فارسيا- أي بدرز- فلك درهم

(مسألة 11): إذا قال ان خطت هذا الثوب فارسيا- أي بدرز- فلك درهم و إن خطته روميا- أي بدرزين- فلك درهمان، فإن كان بعنوان الإجارة بطل، لما مر من الجهالة (63). و إن كان بعنوان الجعالة كما هو ظاهر العبارة

______________________________

و أشكل عليه .. أولا: بأن العقود محصورة فيما هو المعروف فيها، و الإباحة بالعوض ليست من أحدها.

و ثانيا: انها تحتاج إلى إنشاء خاص، فلا تقع بلفظ الإجارة.

و ثالثا: بأنها قصدية لا انطباقية قهرية.

و الكل مردود .. أما الأول: فلا دليل على الحصر من عقل أو نقل، بعد شمول العمومات و الإطلاقات لكل ما لم يكن داخلا في المحصور أيضا.

و أما الثاني: فلما مر من عدم دليل على اعتبار لفظ خاص في عناوين العقود.

نعم، لا تقع بالمجاز لمستنكر في المحاورات، و المفروض ان المقام ليس من المستنكرات.

و أما الثالث: فلأن قصد الإباحة بالعوض موجود وجدانا في ضمن قصد الإجارة و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك، بل مقتضى الإطلاقات عدمه.

(63) هكذا علل كل من قال بالبطلان في هذه المسألة، و لكنه مردود بأن المرجع في الجهالة إلى العرف و أهل الخبرة، و المتعارف من الناس لا يرون الجهالة فيها لا في العمل و لا في الأجرة، بل و لا يرون إبهاما فيما يستحق من الأجرة و يحكمون بفطرتهم بالتخيير فيه، فلا منشأ للبطلان حينئذ في المسألة و نظائرها، و لذا ذهب جمع إلى الصحة منهم المحقق في الشرائع و العلامة في جملة من كتبه و الحق معهم، و للإطلاقات و العمومات بعد الصدق العرفي.

و توهم: انه لا وجه للتمسك بها لأن مقام الإثبات فرع إمكان مقام الثبوت، و إذا كان في مقام الثبوت غير ممكن فلا وجه لمقام الإثبات.

ص: 26

صح (64)، و كذا الحال إذا قال إن عملت العمل الفلاني في هذا اليوم فلك درهمان و إن عملته في الغد فلك درهم (65)، و القول بالصحة إجارة في الفرضين ضعيف (66)، و أضعف منه القول بالفرق بينهما بالصحة في

______________________________

مدفوع: بأن مقام الثبوت صحيح و ممكن بحسب الانظار العرفية، و إن أمكن بيان امتناعه بحسب بعض الاصطلاحات الحكمية، و لكنه خارجة عن المباني الفقهية رأسا، و لا فرق في الصحة بين أن يكون الترديد بين المختلفين أو بين الأقل و الأكثر.

كما لا فرق في الصحة بين أن يكون نفس التخيير مورد الإجارة، أو كان موردها أحد الفردين معينا و شرط على أنه لو فعل الفرد الآخر لكان أجرته كذا.

نعم، القسم الثاني أولى بالصحة كما لا يخفى.

ما يقال: من ان المردد بما هو مردد لا وجود له، فلا يقبل التمليك و التملك.

مردود: بأن المراد بالمردد الذي لا يقبلهما المردد من كل جهة ظاهرا و واقعا، لا مثل موارد التخيير الذي يكون الموضوع فيها معينا و مبينا عرفا، فالمسألة خارجة عن مورد الترديد موضوعا لكثرة وقوع التخييرات في المحاورات وضعا و تكليفا.

و أما الاستدلال للصحة بما يأتي في المسألة التالية من صحيح محمد الحلبي فهو مخدوش لما يأتي بيانه في تلك المسألة.

(64) لما تقدم في المسألة السابقة.

(65) القول فيه عين القول في سابقة جوازا، و تقدم أن دليل المنع باطل، فلا وجه للتكرار.

(66) ظهر مما تقدم انه لا وجه للقول بالمنع- و إن نسب إلى جمع منهم المحقق و الشهيد الثانيين، و بعض مشايخنا قدّس سرّه اختار ذلك أيضا- إلا الجمود على

ص: 27

الثاني دون الأول (67)، و على ما ذكرناه من البطلان فعلى تقدير العمل يستحق أجرة المثل (68). و كذا في المسألة السابقة إذا سكن الدار شهرا أو أقل أو أكثر.

مسألة 12: إذا استأجره أو دابته ليحمله أو يحمل متاعه

(مسألة 12): إذا استأجره أو دابته (69) ليحمله أو يحمل متاعه إلى

______________________________

ظاهر الترديد مع انه في الواقع معلوم و شائع في العرف، و منشأه الخلط بين الترديد في التكوينيات- التي أثبتوا امتناع تعلق الوجود به- و الترديد في الاعتباريات التي تدور مدار صحة الاعتبارات العرفية بحسب أنظار العرف، و هذه المغالطة صارت منشأ لتغير جملة من المسائل عن مجاريها العرفية، التي يجب أن يبتني عليها في الشريعة السمحة السهلة.

(67) لعل وجهه ان الثاني أقرب الى مفاد ما يأتي من صحيح محمد الحلبي، و لكن لم نظفر على قائل هذا القول، لأن المسألتين متحدتان منعا و جوازا و دليلا بحسب القواعد العامة، و أما بحسب الدليل الخاص بالمقام فلم يدعيه أحد.

(68) لأصالة احترام الأموال و الأعمال التي هي من أهم الأصول النظامية العقلائية، و لكن قد مر صحة الإجارة فلا تصل النوبة إلى أجرة المثل، و إن كان الاحتياط في التراضي خروجا عن خلاف من خالف، و إن لم يكن له دليل يصح الاعتماد عليه كما مر.

و أما احتمال استحقاق الأقل من أجرة المثل و الأجرة المسماة لإقدامه عليه، فلا وجه له لعدم الأثر لإقدامه بعد بطلان الإجارة، لأنه كان مقيدا بصحتها، و كذا الكلام في جميع موارد بطلان العقود المعاوضية.

(69) الكلام في هذه المسألة من جهات:

الأولى: الأغراض المعاملية تختلف حسب اختلاف الخصوصيات و الجهات المحفوفة بالمعاوضة من الزمان و المكان، و قلة المنفعة و كثرتها،

ص: 28

.....

______________________________

و السير في الليل أو النهار، و الوقت الخاص، و غير ذلك مما لا تعد و لا تحصى، و جميع تلك الجهات تقع مورد القرار المعاملي و التعهد المعاوضي، فيقع جميعها مورد الجعل و الإنشاء إما بالذات أو بالعرض، و في الوجدان غنى عن إقامة البرهان و إثبات ذلك كله إما بالتصريح أو بالانصراف الصحيح، أو بالقرائن المعتبرة و جميع ما ذكر قيود و حدود للبناء المعاوضي و القرار المعاملي، و قد يعبر عن القيد المقوم بالعنوان أيضا كما إذا استأجر دابته بعنوان الفرسية فبان بغلا مثلا.

نعم، قد يطلق العنوان على نوع المعاملة كالإجارة و البيع و نحوهما، و لكنه ليس مرادا في المقام.

الثانية: دواعي المعاملات غير الأغراض المعاملية موضوعا و أثرا، أما الموضوع فلأن الدواعي من قبيل العلل الخارجية لحصول إرادة المعاملة، و الأغراض من قبيل العلل الداخلية للمعاملة.

و أما الأثر فلأن تخلف الداعي لا يضر و لا يوجب الخيار بخلاف تخلف الأغراض المعاملية التي يبذل بإزائها المال فإن تخلفها قد يوجب بطلان المعاملة، و قد يوجب الخيار على تفصيل يأتي ان شاء اللّه تعالى.

الثالثة: الأغراض المعاملية.

تارة: من القيود المقومة لذات المعاملة.

و أخرى: من الشروط الخارجية عنها، و الشرط.

تارة: بنحو وحدة المطلوب.

و أخرى: بنحو تعدد المطلوب، و مرجع وحدة المطلوب إلى القيد المقوم أيضا فهما متحدان حكما و إن اختلفا موضوعا و اعتبارا.

و ثالثا: يشك في أنها قيد مقوم أو شرط خارجي.

و حكم الأول انه مع تختلف القيد تبطل أصل المعاملة مطلقا، لفرض دوران إنشاء أصل المعاملة مداره فيكون كما لو استأجر فرسا فأعطاه حمارا، أو

ص: 29

مكان معين في وقت معين بأجرة معينة كأن استأجر منه دابة لإيصاله إلى كربلاء قبل ليلة النصف من شعبان و لم يوصله، فإن كان ذلك لعدم سعة الوقت و عدم إمكان الإيصال فالإجارة باطلة (70)، و إن كان الزمان واسعا و مع هذا

______________________________

استأجره للخياطة فعمل عملا آخر، و كذا إن كان بنحو الشرطية و كان بنحو وحدة المطلوب لرجوعه في حاق الواقع إلى القيدية أيضا.

و أما إن كان بنحو تعدد المطلوب فتخلفه يوجب الخيار على ما تقدم في الخيارات، و إن كان من مجرد الداعي فتخلفه لا يوجب البطلان و لا الخيار للسيرة و الإجماع.

و أما إن شك في أنه من أي من الأقسام، فمقتضى أصالتي الصحة و اللزوم صحة العقد و عدم الخيار إلا إذا كان في البين اختلاف عرفي موضوعي فيبطل العقد حينئذ.

ثمَّ إنه عند الشك في وحدة المطلوب و تعدده يمكن إجراء أصالة عدم التعدد، فيثبت وحدة المطلوب قهرا.

و من ذلك كله يظهر ان لحاظ وحدة المطلوب و تعدده في القيد المقوم لا وجه له.

نعم، يمكن ذلك في القيد الاصطلاحي الأصولي.

الرابعة: لا فرق فيما مر بين كون مورد القيد و الشرط الأعمال أو الذميات أو الخارجيات، لجريان هذه الاعتبارات في الخارجيات أيضا لأن الاعتبار خفيف المؤنة.

و ما يقال: بأنها خارجة عن هذا التقسيم لكفاية مجرد الإذن و الرضا فيها عند العقلاء فلا وجه لتعدد المطلوب فيها.

مخدوش: لصحة هذه الاعتبارات فيها وجدانا لأنها كالاعتبارات الثلاثة التي تعرض لكل ماهية جواهرا كانت أو عرضا.

(70) لعدم القدرة على التسليم فتبطل الإجارة من هذه الجهة.

ص: 30

قصر و لم يوصله، فإن كان ذلك على وجه العنوانية و التقييد (71) لم يستحق شيئا من الأجرة، لعدم العمل بمقتضى الإجارة أصلا (72)، نظير ما إذا استأجره ليصوم يوم الجمعة فاشتبه و صام يوم السبت، و إن كان ذلك على وجه ليصوم يوم الجمعة فاشتبه و صام يوم السبت، و إن كان ذلك على وجه الشرطية بأن يكون متعلق الإجارة الإيصال إلى كربلاء و لكن اشترط عليه الإيصال في ذلك الوقت فالإجارة صحيحة و الأجرة المعينة لازمة (73)، لكن له خيار الفسخ من جهة تخلف الشرط (74)، و معه يرجع

______________________________

(71) تقدم ان العنوانية و التقييد بنحو المقومية بمعنى واحد و يغني ذكر أحدهما على الآخر.

(72) لفرض إن الزمان الخاص كان مقوما حقيقة للأجرة، و كان من مقوماته الذاتية فمع انتفاء مثل هذا المقوم و الذاتي لا بد و أن ينتفي أصل الإجارة و إلا يلزم الخلف و هو معلوم البطلان، و كذا في مسألة الصوم الذي ذكر في المتن، و كما إذا استأجره لقراءة سورة (يس) فقرأ سورة (تبارك) مثلا إلى غير ذلك من الأمثلة في موارد التباين و التضاد الحقيقي، و كذا الاختلاف العرفي، و يظهر من الفقهاء الإجماع عليه، و يستفاد ذلك من النصوص الواردة في الأبواب المختلفة، و بذلك يدفع احتمال أن الأجير يستحق المسمى و يستحق المستأجر عليه قيمة العمل.

(73) هذا، إذا كان الاشتراط على نحو تعدد المطلوب كما هو المتعارف من الشروط في أبواب العقود و عليه المحققون في مسألة الشرط الفاسد، حيث قالوا: انه لا يفسد، و أما إذا كان بنحو وحدة المطلوب و القيد المقوم فحكمه حكم ما مر في المقومات الذاتية.

(74) لما تقدم في أقسام الخيارات من إن منها خيار تخلف الشرط، و هو جار في جميع العقود إلا ما دل دليل خاص على خلافه، و لا دليل في المقام كذلك.

ص: 31

إلى أجرة المثل (75).

و لو قال و إن لم توصلني في وقت كذا فالأجرة كذا أقل مما عين أولا فهذا أيضا قسمان (76)، قد يكون ذلك بحيث يكون كلتا الصورتين من الإيصال في ذلك الوقت و عدم الإيصال فيه موردا للإجارة، فيرجع إلى قوله آجرتك بأجرة كذا إن أوصلتك في الوقت الفلاني و بأجرة كذا إن لم أوصلك في ذلك الوقت، و هذا باطل للجهالة، نظير ما ذكر في المسألة السابقة من البطلان (77)، إن قال إن عملت في هذا اليوم فلك درهمان (إلخ)، و قد يكون مورد الإجارة هو الإيصال في ذلك الوقت و يشترط عليه

______________________________

(75) لأصالة احترام العمل بعد بطلان أجرة المسمى. و احتمال استحقاق أقل الأمرين من أجرة المسمى و أجرة المثل لإقدامه عليه.

مدفوع: بأن الإقدام كان مقيدا بصحة المعاوضة، و المفروض عدمها فلا وجه لجريان قاعدة الإقدام حينئذ.

نعم، لو أحرز الإقدام كان مطلقا، و غير مقيد بصحة العقد يتعين الأقل فيما إذا كان المسمى أقل من أجرة المثل لفرض اقدامه عليه مطلقا، و كأنه أهدر مقدارا من مالية ماله فلا موجب للاستحقاق حينئذ و أما إن كانت أجرة المثل أقل فيتعين ذلك أيضا لفرض ان الشارع أسقط مالية ماله بأكثر من ذلك من جهة تعيين أجرة المثل لمقدار ماله.

(76) ظاهر قوله «ره» في المقسم أقل مما عين أولا تعينه فيما يأتي من القسم الثاني، فالقسم الأول خارج عن المقسم و لا ربط له، لأن المقسم عبارة عما إذا كانت الإجارة واحدة و القسم يكون من إجارتين على تقديرين.

(77) تقدم اختيار الصحة في المسألة السابقة، فكذا في المقام، و قلنا بأن مثل هذه الجهالة لا تضر تبعا للسيرة العرفية في الجملة، و لفتوى جمع من الأعلام بالصحة في المسألة السابقة.

ص: 32

أن ينقص من الأجرة كذا على فرض عدم الإيصال (78)، و الظاهر الصحة (79)، في هذه الصورة لعموم «المؤمنون عند شروطهم» و غيره مضافا الى صحيحة محمد الحلبي (80).

______________________________

(78) ليس المراد جعل أجرة أخرى أنقص من الجعل الأول حتى يرجع إلى القسم الأول و يكون مكررا، و يصير قوله رحمه اللّه بالبطلان و الصحة هنا متهافتا لفرض كون أحدهما عين الآخر، و لا يكون المراد الإجارة في وقت خاص معين على نحو التقييد فتصير أصل الإجارة باطلا مع التخلف، كما مر، فلم يبق مورد للشرط حينئذ بل المراد الإجارة على الإيصال في ذلك الوقت بنحو الإجمال.

ثمَّ ذكر هذا الشرط بنحو شرط النتيجة، أو أن يتملك من الأجرة بنحو شرط الفعل، و لا ريب في صحته حينئذ و عدم لزوم التكرار.

(79) للإطلاقات و العمومات، و عموم أدلة الشروط، و عن جمع منهم المحقق الثاني البطلان، للتعليق و الجهالة، و لحمل الصحيح على الجعالة.

و الكل مخدوش: إذ الأولان لا بأس بهما في الشروط كما هو بناء الفقهاء، و الأخير لا وجه له بعد انسباق الإجارة منه و فهم المعظم خصوص الإجارة منه أيضا.

(80) قال: «كنت قاعدا إلى قاض و عنده أبو جعفر عليه السّلام جالس، فجائه رجلان، فقال أحدهما: إني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعا إلى بعض المعادن، فاشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا و كذا لأنها سوق أخاف أن يفوتني، فإن احتبست عن ذلك حططت من الكراء لكل يوم احتبسته كذا و كذا، و أنه حبسني عن ذلك اليوم كذا و كذا يوما، فقال القاضي: هذا شرط فاسد وفّه كراه، فلما قام الرجل أقبل إلي أبو جعفر عليه السّلام، فقال: شرطه هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه» (1)، و لعل نظر القاضي في حكمه بفساد الشرط أنه غير مقدور، إذ لا

ص: 33


1- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الإجارة: 2.

و لو قال إن لم توصلني فلا أجرة لك فإن كان على وجه الشرطية بأن يكون متعلق الإجارة هو الإيصال الكذائي فقط و اشترط عليه عدم الأجرة على تقدير المخالفة صح (81)، و يكون الشرط المذكور مؤكدا لمقتضى العقد (82).

______________________________

يعلم عروض الحوادث المانعة عن الوصول إلى المقاصد إلا اللّه تعالى.

و فيه: إن المناط في القدرة إنما هو الجهات الظاهرة المعلومة بحسب القرائن لا الواقعة الثابتة في علم اللّه تعالى، لأن ظهور الموانع الواقعية توجب بطلان أصل الإجارة كما يأتي.

(81) للأصل و إطلاق أدلة الشروط و عمومها الشامل للمقام.

(82) لأن مقتضى العقد المعاوضي و الأغراض المعاملية في المعاوضات مطلقا، انما هو جعل العوض بإزاء المعوض في مقام نفس الإنشاء و مرتبة التسليم، بحيث لو لم يسلم المعوض فلا عوض حينئذ من حيث القرار المعاملي الشامل لإنشائه و تسليمه، فيصير ذكر عدم الأجرة على فرض عدم الإيصال الكذائي مؤكدا للمدلول العرفي من عقد الإجارة، و مبينا للازمه من حيث الغرض المعاملي المعاوضي، و ليس ذلك شيئا خارجا عن حقيقة العقد بما هو المتعارف بين الناس، فلا محالة يكون مؤكدا له. و لكن أشكل عليه بوجوه:

الأول: ان الاقدام المعاملي انما هو على التحفظ على المال، فإذا سقط المسمى بالشرط فلا بد من ثبوت أجرة المثل.

و فيه: إنه كذلك لو لم يكن من العامل إقدام في ضمن عقد الإجارة على سقوط الأجرة مطلقا مع المخالفة، و قبوله بشرط عدم الأجرة مع المخالفة إقدام منه على ذلك.

الثاني: إن الإقدام المعاملي و الغرض المعاوضي انما هو على التحفظ

ص: 34

و إن كان على وجه القيدية بأن جعل كلتا الصورتين موردا للأجرة إلا أن في الصورة الثانية بلا أجرة (83).

______________________________

على المال بأي وجه أمكن، و شرط عدم الأجرة انما يسقط الأجرة المسماة دون أجرة المثل، فهي ثابتة بمقتضى الإقدام المعاملي الحاصل على التحفظ على المال و عدم المجانية المحضة.

و فيه: إن المتفاهم عرفا من مثل هذا الشرط في نظائر المقام عدم شي ء له أصلا لا أجرة المسمى و لا المثل ترغيبا له على الاهتمام بإتيان العمل المستأجر عليه، و لو فرض ثبوت أجرة المثل فهو قد يوجب التساهل و التواني لعلم الأجير بأن عمله لا يذهب هدرا و إن تواني و تساهل.

الثالث: انه مخالف لما في ذيل صحيح الحلبي من قوله عليه السّلام: «شرط هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه» إذ يستفاد من مفهومه ان شرط إسقاط جميع الأجرة غير جائز.

و فيه: ان المتيقن منه على فرض ثبوت المفهوم له انما هو ما إذا رجع إلى الفرع الآتي من قول: (آجرتك بلا أجرة) بأن ينحل العقد إلى إجارتين، إجارة على شي ء مع الأجرة و إجارة على شي ء آخر بلا أجرة و يأتي تفصيل القول فيه.

(83) عمدة الأقسام أربعة:

الأول: آجرتك بلا أجرة إن وصلتني في غير الوقت المخصوص، فإن كان المقصود منها الإجارة حدوثا و بقاء مع عدم الأجرة و الالتفات إلى أن الإجارة معاوضة خاصة، فلا ينبغي أن يصدر هذا من العاقل، لأنه تناقض واضح و بطلانه غني عن البيان.

الثاني: قصد الإجارة حدوثا فقط و قصد الهبة المجانية بقاء، و هذا ممكن ثبوتا و إثباتا إن كانت قرينة معتبرة عليه في مقام الإثبات، و تسالما عليه، و المفروض عدمها بحيث يعتمد عليها في المحاورات عرفا.

ص: 35

يكون باطلا (84)، و لعل هذه الصورة مراد المشهور القائلين بالبطلان (85)، دون الأولى حيث قالوا: «و لو شرط سقوط الأجرة إن لم يوصله لم يجز».

مسألة 13: إذا استأجر منه دابة لزيارة النصف من شعبان مثلا

(مسألة 13): إذا استأجر منه دابة لزيارة النصف من شعبان مثلا و لكن لم يشترط على المؤجر ذلك و لم يكن على وجه العنوانية أيضا و اتفق أنه لم يوصله، لم يكن له خيار الفسخ، و عليه تمام المسمى من الأجرة، و إن لم يوصله إلى كربلاء أصلا سقط من المسمى بحساب ما بقي و استحق بمقدار

______________________________

الثالث: قصد الإجارة حقيقة حدوثا و بقاء و شرط إسقاط الأجرة عن رضى و طيب نفس، و هذا أيضا صحيح ثبوتا و إثباتا مع وجود قرينة على استظهاره عرفا.

الرابع: الشك في أنه من أي الأقسام؟ و مقتضى أصالة الصحة، الصحة أيضا لو لم يكن ظاهرا في القسم الأول، و كذا الكلام في قول: بعتك بلا ثمن.

(84) إن انحلت الإجارة إلى إجارتين، إجارة خاصة في يوم كذا بمقدار معين، و إجارة أخرى في يوم آخر بلا أجرة، تبطل الثانية إن كان من القسم الأول مما مر من الأقسام الأربعة، و لكنه خلاف المتعارف و بعيد عن الإجارة الدائرة بين الناس و لا تبطل الإجارة الأولى للأصل بعد عدم دليل على البطلان، و إن لم تنحل إلى إجارتين عرفا بل كانت حصة خاصة من الإجارة بحيث يسري عدم الأجرة إلى ذات تلك الحصة فتصير تلك الحصة الخاصة من الذات من الإجارة بلا أجرة، فيبطل أصل الإجارة حينئذ، و على هذا تكون عبارته كعبارة جمع من الفقهاء قاصرة عن إفادة المطلوب، و ان كان مورد البطلان المردد بين ما فيه الأجرة و ما لا أجرة فيه لا بنحو إجارتين كما في القسم الأول.

(85) مقتضى بناء المشهور على اتباع النص مهما أمكنهم ذلك، انما هو الصورة الأولى تبعا منهم لظاهر ما مر من قول أبي جعفر عليه السّلام في الصحيح:

«شرط هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه» (1)، و كذا ظاهر ما نسب إليهم من

ص: 36


1- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الإجارة.

ما يوصله إلى كربلاء أصلا سقط من المسمى بحساب ما بقي و استحق بمقدار ما مضى، و الفرق بين هذه المسألة و ما مر في المسألة السابقة أن الإيصال هنا غرض وداع، و فيما مرّ قيد أو شرط (86).

______________________________

قولهم رحمه اللّه «و لو شرط سقوط الأجرة إن لم يوصل لم يجز» ثمَّ انه مع بطلان الإجارة يصح جعالة أو صلحا أو إباحة معوضة كما مر.

(86) تقدم ان المقصود المعاملي إما قيد مقوم للمعاملة، أو شرط خارجي عنها، أو من مجرد الداعي لإيجادها، و تخلف الأول يوجب البطلان، و تخلف الثاني يوجب الخيار، و أما الثالث فتخلفه لا يوجب شيئا أبدا كل ذلك باتفاق العقلاء فضلا عن الفقهاء، و يأتي تفصيل هذه الفروع في المسائل الآتية.

ص: 37

فصل الإجارة من العقود اللازمة

اشارة

فصل الإجارة من العقود اللازمة (1)، لا تنفسخ إلا بالتقابل (2)، أو شرط الخيار لأحدهما، أو كليهما (3). إذا اختار الفسخ، نعم الإجارة المعاطاتية جائزة (4) يجوز لكل منهما الفسخ ما لم تلزم بتصرفهما أو تصرف أحدهما

______________________________

(1) للأصل و الإجماع و الإطلاقات و العمومات، و نصوص خاصة منها صحيح ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يتكارى من الرجل البيت أو السفينة سنة أو أكثر من ذلك أو أقل؟ قال عليه السّلام: الكراء لازم له إلى الوقت الذي تكاري إليه» (1)، و قد تعرضنا لإثبات أصالة اللزوم في كل عقد مطلقا في كتاب البيع بما لا مزيد عليه فراجع (2).

(2) للإجماع، و لما مر في بحث الإقالة من أنها من الحقوق المجاملية بين الناس في عقودهم، قررها الشارع مضافا إلى بعض الإطلاقات الواردة في مقام التسهيل و التأليف كقوله عليه السّلام: «من أقال مسلما أقال اللّه عثرته يوم القيامة» (3)، و ذكر البيع في بعض الاخبار (4)، من باب الغالب لا التخصيص، لإباء العرف عن التخصيص هذا و إن قيل بأنها عقد مستأنف فلا ينبغي الإشكال حينئذ.

(3) لعموم: «المؤمنون عند شروطهم» (5)، الشامل للمقام أيضا.

(4) بناء على جوازها مطلقا ما لم تلزم بإحدى الملزمات، و قد ناقشنا في

ص: 38


1- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام الإجارة.
2- سبق في ج: 16 صفحة: 231.
3- سنن ابن ماجه: 26 من أبواب التجارات: 2199.
4- راجع المجلد الثامن عشر صفحة: 119.
5- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور: 4.

فيما انتقل إليه (5).

مسألة 1: يجوز بيع العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة

(مسألة 1): يجوز بيع العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة (6)، و لا تنفسخ الإجارة به، فتنتقل إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة (7).

نعم، للمشتري مع جهله بالإجازة خيار فسخ البيع (8)، لأن نقص

______________________________

ذلك في بيع المعاطاة و استظهرنا اللزوم لو لا الإجماع المعتبر على الجواز و هو مشكوك التحقق و إن كان منقولا.

(5) يمكن أن يقال: ان المعاطاة فيها مساوقة للّزوم غالبا، لأنها تتحقق إما بالشروع في العمل في المقدرة بنفس العمل، أو بتسليم العين في المقدرة بالزمان، و كلاهما يستلزم جزء من العوض.

(6) لقاعدة السلطنة المطلقة للمالك، فله تقطيع ماله بأي وجه شاء و أراد، و الإطلاقات و العمومات، و نصوص خاصة منها مكاتبة أبي همام: «انه كتب إلى أبي الحسن عليه السّلام في رجل استأجر ضيعة من رجل فباع المؤجر تلك الضيعة بحضرة المستأجر، و لم ينكر المستأجر البيع، و كان حاضرا له شاهدا، فمات المشتري و له ورثة هل يرجع ذلك الشي ء في ميراث الميت أو يثبت في يد المستأجر إلى أن تنقضي إجارته؟ فكتب عليه السّلام: يثبت في يد المستأجر الى أن تنقضي إجارته» (1).

(7) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق و نصوص خاصة تقدم بعضها.

و توهم: ان المنفعة تابعة للعين، فاذا زال عين ملك المالك لا وجه لتسلطه على المنفعة، فتكون الإجارة باطلة.

مردود: بأن المالك كان مسلطا على المنفعة تسلطا مرسلة مطلقة، و قد أخرج المنفعة عن ملكه بالإجارة بمقتضى سلطنته، و كان المقتضى لذلك موجودا و المانع عنه مفقودا حين الإجارة، فلا وجه لتوهم بطلانها.

(8) للإجماع و قاعدة نفي الضرر، لأن استيفاء المنفعة من أهم الأغراض

ص: 39


1- الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام الإجارة: 1.

المنفعة عيب (9)، و لكن ليس كسائر العيوب مما يكون المشتري معه مخيرا بين الرد و الأرش فليس له أن لا يفسخ و يطالب بالأرش (10)، فإن العيب الموجب للأرش ما كان نقصا في الشي ء في حد نفسه مثل العمى و العرج و كونه مقطوع اليد أو نحو ذلك (11)، لا مثل المقام الذي العين في حد نفسها

______________________________

المعاملية النوعية بين الناس، فالحرمان عنه يوجب تزلزل العقد لفقدان هذا الغرض النوعي المعاملي.

(9) نسب إلى المشهور أن هذا الخيار خيار العيب و هو صحيح، لأن البناء الواقعي اللبي النوعي في المتعاملين على صحة المال الذي وصل إليهم و الانتفاع به، فهذا بناء واقعي لبي ذكر في اللفظ أو لم يذكر، و جميع المعاوضات تدور مدار هذا البناء الواقعي و التخلف عن ذلك عيب، سواء كان بنقص في الذات كما في العيب المعهود في البيع أو المنفعة كما في المقام.

و الإشكال عليه: بأنه لو كان من خيار العيب المعهود يلزم التخيير بين الرد و الأرش.

موهون: بما ذكر في المتن و ليس كل خيار عيب يكون ذو الخيار فيه مخيرا بين الرد و أخذ الأرش، كما مر في خيار العيب فليكن المقام مما يتعين فيه الرد دون أخذ الأرش، لظهور الإجماع عليه.

(10) لظهور الإجماع عليه، و بناء على هذا لا فرق بين أن يسمى هذا خيار العيب أو خيار تخلف الشرط اللبي البنائي، إذ لا ثمرة عملية بل و لا علمية فيه بعد عدم الأرش بالإجماع، و ان صح بتراض من الطرفين.

(11) كما هو صريح كلماتهم في العيب الموجب للأرش و يقتضيه قوله عليه السّلام: «كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب» (1)، و غيره من الأخبار.

ص: 40


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام العيوب.

لا عيب فيها (12)، و أما لو علم المشتري أنها مستأجرة و مع ذلك أقدم على الشراء فليس له الفسخ أيضا (13).

نعم، لو اعتقد كون مدة الإجارة كذا مقدارا فبان أنها أزيد له الخيار أيضا (14)، و لو فسخ المستأجر الإجارة رجعت المنفعة في بقية المدة إلى البائع لا إلى المشتري (15).

نعم، لو اعتقد البائع و المشتري بقاء مدة الإجارة و أن العين مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا و تبين أن المدة منقضية، فهل منفعة تلك المدة للبائع حيث إنه كأنه شرط كونها مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا أو للمشتري لأنها تابعة للعين ما لم تفرز بالنقل الى الغير أو بالاستثناء و المفروض عدمها؟

وجهان، و الأقوى الثاني (16).

______________________________

(12) بل و لو كان فيها عيب في حد نفسها و لم يوجب ذلك نقصانا في المنفعة لا يوجب ذلك خيارا للمستأجر لفرض عدم الضرر و النقص بالنسبة إليه.

(13) لأنه مع علمه بذلك أقدم على تسلم العين مسلوبة المنفعة، و أقدم على الضرر، فلا وجه للخيار كما في خيار العيب في البيع إن أقدم المشتري على الاشتراء مع علمه بالعيب، و تقدم تفصيله في كتاب البيع.

(14) لتحقق النقص و الضرر حينئذ من دون اقدام عليه، فلا بد من تداركه بالخيار.

(15) لأن البيع وقع على العين المسلوبة المنفعة مدة خاصة، و قد استوفاها البائع في تلك المدة في ظرف إطلاق ملكيته و إرسالها فالمقتضي لذلك الاستيفاء الخاص كان موجودا و المانع عنه مفقودا فلا يبقى بعد ذلك موضوع لقاعدة تبعية النماء للملك، لأنها تجري فيما إذا لم تستوف المنفعة بوجه صحيح شرعي و إلا فلا مجرى لها كما هو معلوم.

(16) لقاعدة تبعية النماء للملك ما لم يفرز أو لم يستوف استيفاء واقعيا،

ص: 41

نعم، لو شرطا كونها مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا بعد اعتقاد بقاء المدة كان لما ذكر وجه (17).

ثمَّ بناء على ما هو الأقوى من رجوع المنفعة في الصورة السابقة إلى المشتري فهل للبائع الخيار أو لا؟ وجهان، لا يخلو أولهما من قوة خصوصا إذا أوجب ذلك له الغبن (18). هذا إذا بيعت العين المستأجرة على غير المستأجر، أما لو بيعت عليه ففي انفساخ الإجارة وجهان، أقواهما العدم (19). و يتفرع على ذلك أمور:

______________________________

و المناط في الافراز و الاستيفاء الواقعي منهما لا الاعتقادي مع تبين الخلاف.

(17) بدعوى: ان هذا الشرط له موضوعية خاصة حينئذ، و لكنه باطل: لأنه لم يشترط كون المنفعة للبائع في تلك المدة إلا بعنوان الإجارة التي تبين عدمها، فبقي قاعدة تبعية النماء للملك حينئذ بلا مقيد و مخصص.

نعم، لو استثنى المدة مطلقا و لو لم تكن بعنوان الإجارة صح الاستثناء حينئذ، و ليس للمشتري شي ء من المنفعة في تلك المدة، و لعل مراده قدّس سرّه ذلك و ان قصرت عبارته عن افادته.

(18) لا إشكال في ثبوت الخيار في هذه الصورة لأدلة خيار الغبن الشاملة لكل معاوضة، كما لا وجه لعدم الخيار في غير هذه الصورة لأصالة اللزوم بعد عدم دليل على الخيار، لا من الإجماع و لا من الاخبار.

(19) أما أصل جواز لبيع العين المستأجرة إلى نفس المستأجر فيصح، للأصل و الإطلاق و الاتفاق، و أما صحة الإجارة و عدم انفساخها فهو المشهور بين الفقهاء.

نعم، ذكر للانفساخ وجوه كلها باطلة:

الأول: ما عن جامع المقاصد من انه كما لا يمكن نكاح المملوكة، و لا بقاء النكاح بعد الملك، فكذا ملك العين يمنع عن بقاء ملك المنافع

ص: 42

منها: اجتماع الثمن و الأجرة عليه (20) حينئذ.

و منها: بقاء ملكه للمنفعة في مدة تلك الإجارة لو فسخ البيع بأحد أسبابه (21) بخلاف ما لو قيل بانفساخ الإجارة.

______________________________

في عرض ملك العين.

و فيه: أنه قياس لا نقول به.

و ثانيا: انه مع الفارق لأن الزوجية و الملكية شرعا متقابلان لا يجتمعان- كما يأتي في كتاب النكاح- بخلاف ملكية العين و ملكية المنافع، فلا دليل على تقابلهما لا من العقل و لا من النقل و لا من الاعتبار الصحيح العقلائي.

الثاني: ما عنه أيضا ان المنفعة نماء الملك و تابعة له، و حيث ان المستأجر صار مالكا للعين فتصير الأجرة في مقابل نماء ملكه، فتكون المعاوضة على مال المالك بماله.

و فيه: ما مر من ان المنفعة كانت للبائع و قد استوفى عوضها بملكيته المطلقة المرسلة، فالأجرة وقعت من المستأجر للبائع لا من المستأجر لنفسه حتى يلزم المحذور.

الثالث: ما عن المحقق الأردبيلي من ان النماء تابع للملك، فيلزم مالكية المستأجر له من هذه الجهة، و المفروض انه مالك له من حيث الإجارة أيضا، فيلزم اجتماع ملكين على مملوك واحد و اجتماع علتين على معلول واحد.

و فيه: ان اختلاف الحيثية و الجهة يرفع هذه الغائلة كما هو واضح، و لعمري ان مثل هذه الشبهات لا ينبغي أن تصدر من الأفاضل، فكيف بالأكابر فإحتمال الانفساخ لأجل هذه الشبهات ضعيف جدا.

(20) لتعدد السبب المقتضي لتعدد المسبب لا محالة.

(21) لأنهما حينئذ موضوعان مختلفان لا ربط لأحدهما بالآخر، و يكون لكل منهما حكمه.

ص: 43

و منها: إرث الزوجة من المنفعة في تلك المدة (22) لو مات الزوج المستأجر بعد شرائه لتلك العين، و إن كانت مما لا ترث الزوجة منه بخلاف ما لو قيل بالانفساخ بمجرد البيع.

و منها: رجوع المشتري بالأجرة لو تلف العين بعد قبضها و قبل انقضاء مدة الإجارة، فإن تعذر استيفاء المنفعة يكشف عن بطلان الإجارة (23)، و يوجب الرجوع بالعوض و إن كان تلف العين عليه.

مسألة 2: لو وقع البيع و الإجارة في زمان واحد

(مسألة 2): لو وقع البيع و الإجارة في زمان واحد كما لو باع العين مالكها على شخص و آجرها وكيله على شخص آخر و اتفق وقوعهما في زمان واحد، فهل يصحان معا و يملكها المشتري مسلوبة المنفعة كما لو سبقت الإجارة، أو يبطلان معا للتزاحم في ملكية المنفعة، أو يبطلان معا بالنسبة إلى تمليك المنفعة فيصح البيع على أنها مسلوبة المنفعة تلك المدة فتبقى المنفعة على ملك البائع؟ وجوه، أقواها الأول (24)، لعدم التزاحم فإن البائع لا يملك المنفعة و إنما يملك العين و ملكية العين توجب ملكية

______________________________

(22) لعموم أدلة إرثها مما تركه الزوج و ليست المنفعة مما لا ترثها الزوجة، و أما بناء على الانفساخ فتكون المنفعة تابعة للعين، فحيث لا ترث من العين لا ترث منها أيضا لفرض انها غير مستوفاة بناء على الانفساخ.

(23) هذا التعليل شامل لكلتا صورتي انفساخ الإجارة و عدمه.

نعم، على تقدير الانفساخ بالبيع تعود إليه في ضمن الأجرة من زمان البيع فهذه الثمرة ساقطة على كلا التقديرين.

(24) لقاعدة السلطنة فإن المالك له ما لان العين و المنفعة، و له أن يتصرف فيهما بما شاء و أراد، سواء كان تصرفه فيهما عرضيا أم طوليا، و قد مر أن تبعية النماء للملك انما تكون فيما إذا لم يفرز، و أما مع الأفراز فلا موضوع للتعبية كما هو واضح.

ص: 44

المنفعة للتبعية و هي متأخرة عن الإجارة (25).

مسألة 3: لا تبطل الإجارة بموت المؤجر و لا بموت المستأجر على الأقوى

(مسألة 3): لا تبطل الإجارة بموت المؤجر و لا بموت المستأجر على الأقوى (26).

______________________________

(25) يعني: ان التبعية لا موضوع لها مع الإجارة لأنها إفراز للنماء عن التبعية، فكل تبعية للنماء انما يلحظ بالنسبة إلى العين إن لم تكن إجارة في البين، فهي متأخرة عن الإجارة اعتبارا بهذا المعنى.

و عن بعض مشايخنا الإشكال على قول الماتن.

أولا: بأن التقدم و التأخر بين تمليك العين و تمليك المنفعة طبيعي لا زماني و التقدم و التأخر الطبيعي لا ينافي التقارن الزماني.

ثانيا: بأن ملك المنفعة بمقتضى التبعية متأخر عن ملك العين بالبيع لا عن الإجارة، لأن الإجارة و إن كانت في عرض البيع المتقدم على ملك المنفعة إلا ان ما في المتقدم على شي ء ليس متقدما على ذلك الشي ء.

و ثالثا: ان الإجارة لها المعية مع البيع بالزمان لا بالطبع لأن المعية بالطبيعة إنما هي بين معلولي علة واحدة لا مثل المقام.

و الكل مخدوش: و منشأ الخدشة الخلط بين التكوينيات المتحققة الخارجية و الاعتباريات العرفية و العقلائية، و الخلط بين العرفيات المبنية عليها الفقه و الدقيات العقلية التي لا ربط لها بالفقه، و إذا راجعنا في المقام متعارف الناس يقولون وصلت العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة لقاعدة سلطنة المالك على ماله، و منفعة ماله فأفرز كلا منهما بما شاء و أراد و استوفى عوض كل من مالية بمعاوضة مستقلة.

(26) لوقوعها جامعة للشرائط مقتضية للدوام إلى المدة المعينة من غير دليل على انفساخها بالموت من عقل أو نقل، فمقتضى الاستصحاب و أصالة اللزوم و الإطلاقات و العمومات الصحة و اللزوم. و ما استدل به على البطلان أمور

ص: 45

.....

______________________________

كلها مخدوشة:

الأول: ملك المنفعة تابع لملك العين، فإذا زال ملك العين بالموت يبطل ملك المنفعة أيضا فتبطل الإجارة.

و فيه: انه كان مالكا للمنفعة ملكية مرسلة مطلقة فاستوفى عوض ملكه في مدة معينة جامعا للشرائط حين الاستيفاء فلا وجه للبطلان.

الثاني: أن المستأجر رضي بأن يستوفي المنفعة من ملك المؤجر فقط فتنفسخ الإجارة مع فقده.

و فيه: انه حين الإجارة كانت المنفعة ملكا للمؤجر ملكية مرسلة مطلقة، فالاستيفاء يكون من ملك المؤجر و إن تبدل مالك العين.

الثالث: خبر الهمداني الذي استدل به على الصحة تارة و على البطلان أخرى، و هو على نسخة الكافي- الذي هو أضبط من غيره- هكذا: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام سألته عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطي الإجارة [الأجرة] في كل سنة عند انقضائها لا يقدم لها شي ء من الإجارة [الأجرة] ما لم يمض الوقت (1)، فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها، هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت أم تكون الإجارة منقضية بموت المرأة؟

فكتب عليه السّلام: إن كان لها وقت مسمى لم يبلغ فماتت فلورثتها تلك الإجارة، فإن لم تبلغ ذلك الوقت و بلغت ثلثه أو نصفه أو شيئا منه فتعطي ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت إن شاء اللّه» (2)، و قول السائل: (ما لم يمض الوقت)، و قوله عليه السّلام: (إنفاذ الإجارة إلى الوقت) يحتمل معنيان:

الأول: مدة أصل الإجارة و وقتها، فيصير جواب الامام عليه السّلام حينئذ:

«فلورثتها تلك الإجارة»، أي لهم إمضاؤها وردها لفرض انفساخها بموت المؤجر، و قوله عليه السّلام: «فتعطى ورثتها بقدر»، أي: تعطى بقدر إرثهم لانفساخ

ص: 46


1- في نسخة التهذيب: ما لم ينقص الوقت، كما عن الوافي ج: 10 باب: 66 من أبواب الإجارة.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الإجارة: 1.

نعم، في إجارة العين الموقوفة إذا آجر البطن السابق تبطل بموته بعد الانتقال الى البطن اللاحق، لأن الملكية محدودة (27). و مثله ما لو كانت المنفعة موصى بها للمؤجر ما دام حيا (28)، بخلاف ما إذا كان المؤجر هو المتولي للوقف و آجر لمصلحة البطون إلى مدة، فإنها لا تبطل بموته و لا بموت البطن الموجود حال الإجارة (29)، و كذا تبطل إذا آجر نفسه للعمل بنفسه من

______________________________

الإجارة، فيكون الحديث على هذا دليل على انفساخ الإجارة و بطلانها.

الثاني: أن يكون المراد بالوقت في جميع موارد كلمات السائل الوقت المضروب لدفع الأجرة، لا مدة أصل الإجارة، و تكون كلمة اللام في قوله عليه السّلام:

«فلورثتها تلك الإجارة» بمعنى الاختصاص، يعني: ان الإجارة لهم لقيامهم مقام مورثهم، و ليس لهم حينئذ نقض الإجارة و ردها، كما ليس للمورّث ذلك و حينئذ يكون دليلا لصحة الإجارة و مع هذين الاحتمالين لا مجال للاستدلال بالخبر لا على البطلان و لا على الصحة، فلا بد حينئذ من الرجوع إلى الأصل و العمومات الدالة على الصحة و اللزوم.

(27) بزمان حياة البطن السابق فيكون تصرفه فيما بعد موته فضوليا فإن أمضاه البطن اللاحق يصح و إلا فلا.

و دعوى: أن ملكية كل بطن للمنافع مرسلة مطلقة كملكية نفس المالك، فكما لا تبطل الإجارة بموت نفس المالك فكذا في الموقوف عليه.

باطل: لأن تلاحق البطون و فرض الملكية للجميع يمنع عن الملكية المرسلة المطلقة كما هو واضح.

(28) فيصير تصرفه فيما بعد موته أيضا فضوليا تكون صحته دائرة مدار اجازة الورثة لانتقال المال إليهم حينئذ.

(29) لأنه حينئذ كعين المالك في أن ولايته تقتضي التصرف المطلق و المرسل غير المحدود بحد خاص.

ص: 47

خدمة أو غيرها، فإنه إذا مات لا يبقى محل للإجارة (30)، و كذا إذا مات المستأجر الذي هو محل العمل من خدمة أو عمل آخر متعلق به نفسه (31).

و لو جعل العمل في ذمته لا تبطل الإجارة بموته (32)، بل يستوفي من تركته (33)، و كذا بالنسبة إلى المستأجر إذا لم يكن محلا للعمل بل كان مالكا له على المؤجر، كما إذا آجره للخدمة من غير تقييد بكونها له، فإنه إذا مات تنتقل الى وارثه فهم يملكون عليه ذلك العمل (34)، و إذا آجر الدار و اشترط على المستأجر سكناه بنفسه لا تبطل بموته (35)، و يكون للمؤجر خيار الفسخ (36).

نعم، إذا اعتبر سكناه على وجه القيدية تبطل بموته (37).

______________________________

(30) إذا كان التقييد بنحو وحدة المطلوب، و أما إن كان بنحو تعدد المطلوب فلا تبطل الإجارة، و يستوفي من تركته.

(31) لأنه ظاهر حينئذ في وحدة المطلوب، و أما لو كانت في البين قرينة معتبرة على أنه من تعدد المطلوب فلا تبطل الإجارة.

(32) لأنه حينئذ في الذمة، و الذمة لا تبطل بالموت، بل تعتبر عرفا و شرعا و لو بعده.

(33) كما في كل حق تعلق بالذمة خالقيا كان أو خلقيا.

(34) لإطلاق أدلة الإرث الشامل لهذا أيضا.

(35) إذا كان الاشتراط بنحو تعدد المطلوب لا بنحو وحدة المطلوب و الا فتبطل، لأنه حينئذ من التقييد الحقيقي، فلا موضوع للصحة مع فقده كما يأتي منه رحمه اللّه في ذيل هذه المسألة.

(36) لأنه على هذا من تخلف الشرط و لاختلاف الأغراض المعاملية بمثل هذه الشروط، سواء كانت مذكورة في العقد أو وقع العقد مبنيا عليها.

(37) لأنه بناء على هذا من القيد المقوّم، و لا ريب في انعدام الشي ء

ص: 48

مسألة 4: إذا آجر الولي أو الوصي الصبي المولّى عليه مدة

(مسألة 4): إذا آجر الولي أو الوصي الصبي المولّى عليه مدة تزيد على زمان بلوغه و رشده، بطلت في المتيقن بلوغه فيه، بمعنى أنها موقوفة على إجازته (38)، و صحت واقعا و ظاهرا بالنسبة إلى المتيقن صغره (39)، و ظاهرا بالنسبة إلى المحتمل (40)، فإذا بلغ له أن يفسخ على الأقوى- أي لا يجيز (41)- خلافا لبعضهم (42)، فحكم بلزومها عليه لوقوعها من أهلها في محلها في وقت لم يعلم لها مناف، و هو كما ترى.

نعم، لو اقتضت المصلحة اللازمة مراعاة إجارته مدة زائدة على زمان

______________________________

بانعدام مقوّمة و ما له دخل في ذاته حقيقيا كان أو اعتباريا.

(38) لأنه لا ولاية لهما بالنسبة إلى بعد البلوغ، فيكون التصرف غير مأذون فيه شرعا فيتوقف على إجازة من له الحق، كما في جميع العقود الفضولية.

(39) لوجود المقتضي للصحة و هو الولاية الشرعية و فقد المانع عنها، فلا بد من الصحة و اللزوم.

(40) لأصالة عدم البلوغ و الولاية و الصحة.

(41) لقاعدة السلطنة.

(42) عن الخلاف: الجزم بذلك لوقوع الإجارة من أهلها و في محلها في وقت لم يعلم لها مناف فتستصحب.

و عن الجواهر الرد عليها بأنها: «بالنسبة إلى الحال المفروض ليس من أهلها، و لا في محلها و الجهل لا مدخلية له في تغيير حكم الموضوع».

أقول: منشأ النزاع إنه كما ان أصل ولاية الولي محدودة بكمال المولّى عليه، و تنقطع ولايته بعد كماله، هل تكون تصرفاته التي تقع في المولّى عليه- نفسا أو مالا- في ظرف فعلية ولايته جامعة للشرائط هكذا أيضا فتكون محدودة بعروض الكمال؟ مقتضى الأصل و الإطلاق عدمه، و لا ملازمة من عقل أو نقل بين تحديد أصل الولاية بحد خاص و تحديد التصرف الصحيح الواقع فيها بذلك، بل مقتضى الأصل عدمها فما اختاره الشيخ رحمه اللّه، و تبعه سيد

ص: 49

البلوغ بحيث تكون إجارته أقل من تلك المدة خلاف مصلحته، تكون لازمة ليس له فسخها بعد بلوغه (43)، و كذا الكلام في إجارة أملاكه (44).

مسألة 5: إذا آجرت امرأة نفسها للخدمة مدة معينة فتزوجت قبل انقضائها لم تبطل الإجارة

(مسألة 5): إذا آجرت امرأة نفسها للخدمة مدة معينة فتزوجت قبل انقضائها لم تبطل الإجارة و إن كانت الخدمة منافية لاستمتاع الزوج (45).

مسألة 6: إذا آجر عبده أو أمته للخدمة ثمَّ أعتقه لا تبطل الإجارة

(مسألة 6): إذا آجر عبده أو أمته للخدمة ثمَّ أعتقه لا تبطل الإجارة بالعتق (46)، و ليس له الرجوع على مولاه بعوض تلك الخدمة في بقية المدة،

______________________________

مشايخنا (1)، في المقام هو المتّبع مضافا إلى ظهور الاتفاق على الصحة.

(43) لإطلاق دليل ولايته حينئذ.

(44) الأمر فيها أسهل لإطلاق قوله تعالى وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الشامل لهذه الصورة أيضا.

(45) لسلب المنفعة بوجه صحيح شرعي، فلا وجه لرجوعها بعد ذلك لفرض سلطنة المرأة على نفسها في مثل هذه الإجارة سلطنة مرسلة مطلقة، و قد جعلتها لغيرها و سلبيتها عن نفسها.

ثمَّ ان الظاهر اتحاد هذه المسألة مع ما تقدم في مسألة 31 من كتاب الحج، من انه إذا نذر الزيارة قبل الاستطاعة ثمَّ استطاع من حيث الكبرى، فما بالهم اختلفوا في تلك المسألة و اتفقوا في المقام؟!! و لعل وجه الوفاق في المقام صيرورة المنفعة متعلقة لحق الغير، فيرجع بالسبق الزماني حينئذ على حق الزوج، و كذا في (مسألة 6) من فصل الحج الواجب بالنذر فاختلفوا فيها أيضا دون المقام.

ثمَّ انه لو وقعت إجارة المرأة نفسها و تزويجها في آن واحد نظير ما مر في (مسألة 2) من هذا الفصل، فالظاهر اتحاد الحكم في المسألتين فراجع و تأمل.

(46) لما يأتي من قوله: «لأنه كان مالكا»، و للأصل و العموم و الإطلاق و ظهور الاتفاق و القول بالخلاف لبعض الشافعية لا لأحد من أصحابنا الذين

ص: 50


1- الفقيه آية اللّه العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني قدّس سرّه.

لأنه كان مالكا لمنافعه أبدا و قد استوفاها بالنسبة إلى تلك المدة، فدعوى أنه فوّت على العبد ما كان له حال حريته، كما ترى.

نعم، يبقى الكلام في نفقته في بقية المدة إن لم يكن شرط كونها على المستأجر و في المسألة وجوه:

أحدها: كونها على المولى (47)، لأنه حيث استوفى بالإجارة منافعه فكأنه باق على ملكه (48).

الثاني: أنه في كسبه إن أمكن له الاكتساب لنفسه في غير زمان الخدمة (49)، و إن لم يمكن فمن بيت المال (50)، و إن لم يكن فعلى المسلمين (51) كفاية.

______________________________

أطبقوا على بطلانها بالبيع.

(47) نسب ذلك إلى القواعد و لا دليل عليه بعد زوال الملكية و مقتضى أصالة البراءة عدم الوجوب.

(48) هذا التنظير عليل و لا أثر له بعد أصالة البراءة و انقطاع الملكية حقيقيا، و لا أظنه يلتزم به في مثله، و هو ما إذا أجر داره مدة ثمَّ باعها و احتاجت الدار إلى نفقة لإصلاحها.

نعم، لا يبعد أن يقال: ان هذا من شؤون التزام عقد الإجارة، فإن جهات حفظ العين و جعلها معرضا للاستفادة على المالك المجير.

(49) لا ينبغي أن يكون هذا مورد النزاع، و الظاهر كونه من المسلمات لديهم و خارجا عن مورد البحث، فلا وجه لعده قولا في مقابل ما يأتي من القول الخامس.

(50) إن انطبق عليه عنوان المصالح العامة بأن يكون ترك الإنفاق عليه مهانة لعامة المسلمين، أو يرى ولي بيت المسلمين مصلحة في ذلك.

(51) بلا إشكال فيه إن كان بقدر حفظ النفس و سد الرمق، و أما الزائد على

ص: 51

الثالث: أنه إن لم يكن اكتسابه في غير زمان الخدمة ففي كسبه و إن كان منافيا للخدمة (52).

الرابع: أنه من كسبه، و يتعلق مقدار ما يفوت منه من الخدمة بذمته (53).

الخامس: أنه من بيت المال من الأول (54)، و لا يبعد قوة الوجه الأول (55).

مسألة 7: إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيبا سابقا

(مسألة 7): إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيبا سابقا على العقد و كان جاهلا به، فإن كان مما تنقص به المنفعة فلا إشكال في ثبوت الخيار له بين الفسخ و الإبقاء (56)،

______________________________

ذلك فمقتضى الأصل و الإجماع عدم الوجوب، كما هو كذلك في الإنفاق الواجب عليهم كفاية بالنسبة إلى حفظ سائر النفوس المحترمة.

(52) من باب تقديم الأهم- و هو حفظ النفس- على المهم و هو خدمة المولى.

و دعوى: ان العرف يرى التصرف في المنفعة التي هي مال المولى مقدما على التصرف في سائر أمواله لحفظ النفس، و كذا إن احتمل تقديمه على التصرف في سائر الأموال، و أما مع التقديم العرفي و لا احتماله فلا وجه لتعين ذلك.

(53) لأنه من الجمع بين الحقين إن لم يكن طريق آخر في البين.

(54) إن انطبق عليه احدى مصارف بيت المال، و إلا فلا وجه له كما مر.

(55) تبين مما مر أن الوجه الثاني أوجه.

(56) للإجماع، و لأن عهدة العين من حيث السلامة المتوقف عليها تمام الانتفاع على المؤجر حدوثا و بقاء إلا مع شرط الخلاف، و هذه عهدة نوعية معتبرة في الإجارات مطلقا و الأدلة الشرعية منزّلة على ذلك فلا بد له من الخروج عن هذه العهدة، و مع عدمه فللمستأجر الخيار، لقاعدة: «نفي الضرر و الضرار»

ص: 52

و الظاهر عدم جواز مطالبته الأرش (57)، فله الفسخ أو الرضا بها مجانا.

نعم، لو كان العيب مثل خراب بعض بيوت الدار فالظاهر تقسيط الأجرة، لأنه يكون حينئذ من قبيل تبعض الصفقة (58)، و لو كان العيب مما لا تنقص معه المنفعة كما إذا تبين كون الدابة مقطوعة الإذن أو الذنب فربما يستشكل في ثبوت الخيار معه، لكن الأقوى ثبوته إذا كان مما يختلف به الرغبات و تتفاوت به الأجرة (59)، و كذا له الخيار إذا حدث فيها عيب

______________________________

التي هي من أهم القواعد النظامية المعتبرة.

(57) لظهور اتفاقهم عليه إلى زمان الشهيد رحمه اللّه فتردد فيه، و عن المحقق الثاني انه الأصح، و لقولهما وجه إن كان ثبوت الأرش في النقائص المعاوضية مطابقا للقاعدة، أو كان النقص في المقام مما تقسّط عليه الأجرة، و أما إن كان مخالفا للقاعدة و انما ثبت في البيع بالدليل الخاص به أو كان النقص مما لا تسقّط عليه الأجرة، فلا وجه له كما هو واضح، و يمكن حمل كلامهما على النقص الذي تقسط عليه الأجرة، فلا مخالف حينئذ في البين، و قد تعرضنا في كتاب البيع عند بيان خيار العيب بعض الكلام فراجع.

(58) لأن مدرك الخيار حينئذ القواعد العامة غير المختصة بمورد دون آخر كقاعدة نفي الضرر، و تخلف الشرط البنائي المعاملي و القرار المعاوضي فيصير أصل العقد مورد للخيار، كما في جميع موارد خيار تبعض الصفقة لا خصوص ما قسّطت عليه الأجرة في المقام.

(59) لأن اختلاف الأغراض المعاوضية التي تتفاوت بها الرغبات و الأعواض في جميع المعاوضات من أهم القواعد العامة فيها، فيكون منشأ الخيار غير مختص بمورد دون آخر، بل يجري في الجميع مع هذه الجهة.

و أما ما لا يوجب تفاوت الأعواض و الرغبات فلا منشأ للخيار حينئذ لا من ناحية حديث نفي الضرر و لا من جهة أخرى، فالمرجع أصالة اللزوم.

ص: 53

بعد العقد و قبل القبض (60)، بل بعد القبض أيضا و إن كان استوفى بعض المنفعة و مضى بعض المدة (61). هذا إذا كانت العين شخصية و أما إذا

______________________________

(60) لأن البناء المعاوضي النوعي و القرار المعاملي مطلقا وقع على تسليم الصحيح و تسلّمه، و يكون ذلك من الشروط البنائية و تخلفه يوجب الخيار في كل عقد معاوضي، و لا يختص بمورد خاص، فيكون ثبوت الخيار هنا أيضا موافقا للقواعد العامة.

(61) لأن البناء المعاملي و القرار المعاوضي وقع على الصحيح حتى تنقضي المدة، و لم يتحقق ذلك، فلا بد من التدارك بالخيار، مع أن المنفعة حيث انها متدرجة الوجود فبالنسبة إلى استيفاء المنافع المستقبلة يكون من العيب قبل القبض و يجري حكمه في المقام أيضا.

و أشكل عليه. أولا: بأنه مخالف لما عليه بناؤهم من عدم الخيار لو غصب العين غاصب بعد القبض.

و ثانيا: بأنه مخالف لما بنوا عليه من الانفساخ من حين التلف، لو تلف العين المستأجرة بعد القبض كما يأتي في الفصل الآتي.

و ثالثا: بأن تسليم المنافع المتدرجة الوجود انما يتحقق بتسليم العين، فلا وجه لتصوير التلف قبل القبض.

و الكل باطل. أما الأول: فلأنه لا منافاة بين المقام و بين ما بنوا عليه، لأن في مورد غصب العين وقع الظلم و الغصب على المستأجر خصوصا لو كان ذلك لمعاندة من الغاصب معه فقط، فلا وجه لخياره على المؤجر.

نعم، لو كان غصب الغاصب لمعاندة منه مع المؤجر كان للخيار وجه، و لم يعلم منهم القول بعدمه حينئذ راجع (مسألة 11) من الفصل التالي.

و أما الثاني: فلا وجه لمنافاته للمقام أيضا، لأن زوال موضوع الانتفاع مباين عرفا و حقيقة مع بقائه و حدوث عيب فيه.

ص: 54

كانت كلية و كان الفرد المقبوض معيبا فليس له فسخ العقد (62)، بل له مطالبة البدل (63).

نعم، لو تعذر البدل كان له الخيار في أصل العقد (64).

مسألة 8: إذا وجد المؤجر عيبا سابقا في الأجرة و لم يكن عالما به

(مسألة 8): إذا وجد المؤجر عيبا سابقا في الأجرة و لم يكن عالما به كان له فسخ العقد و له الرضا به (65)، و هل له مطالبة الأرش معه؟ لا يبعد ذلك، بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه (66)، لكن هذا إذا لم تكن الأجرة

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 19، ص: 55

______________________________

و أما الثالث: فلأن تسليم المنفعة بتسليم العين شي ء و كونها متدرجة الوجود في الخارج شي ء آخر، و الأول ملحوظ بنحو الاجمال، و الثاني بنحو التفصيل و التحليل، و لكل منهما حكم ينافي الآخر.

(62) لأصالة اللزوم، و ظهور الإجماع، و عدم انحصار مورد الإجارة في خصوص المعيب بل موردها في الذمة فلا مقتضى للخيار أصلا.

(63) لبقاء اشتغال الذمة بعد، و عدم فراغها بدفع المعيب.

(64) لكونه حينئذ من موارد تعذر التسليم، و لا ريب في أن فيه الخيار لحديث نفي الضرر و الضرار (1).

(65) لقاعدة السلطنة.

(66) بناء على ما قربناه في خيار العيب من صحة كون الأرش مطابقا للقاعدة يجري في جميع المعاوضات بلا احتياج إلى التمسك بعدم الخلاف و المناقشة، و قال المحقق بثبوته في عوض الخلع، و العلامة في الهبة و مال الكتابة، و الشهيد الثاني في المهر، و ليس أقوالهم لأجل ورود دليل في هذه الموارد بالخصوص، بل لأجل ما ارتكز في أذهانهم من كونه مطابقا للقاعدة، مع أن المهر بل الخلع ليسا من المعاوضة الحقيقية المصطلحة، فيلزمهم القول به في جميع المعاوضات الحقيقية بالأولى، فالأرش يثبت في كل ما كان المنقول عينا سواء كان بالبيع أم بغيره فما قالوا في البيع انما هو من باب المثال لا الخصوصية.

ص: 55


1- الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات: 3.

منفعة عين، و إلا فلا أرش فيه، مثل ما مر في المسألة السابقة من كون العين المستأجرة معيبا. هذا إذا كانت الأجرة عينا شخصية، و أما إذا كانت كلية فله مطالبة البدل (67) لا فسخ أصل العقد (68) إلا مع تعذر البدل على حذو ما مرّ في المسألة السابقة (69).

مسألة 9: إذا أفلس المستأجر بالأجرة كان للمؤجر الخيار بين الفسخ و استرداد العين

(مسألة 9): إذا أفلس المستأجر بالأجرة كان للمؤجر الخيار بين الفسخ و استرداد العين و بين الضرب مع الغرماء (70) نظير ما إذا أفلس المشتري بالثمن، حيث إن للبائع الخيار إذا وجد عين ماله.

مسألة 10: إذا تبين غبن المؤجر أو المستأجر فله الخيار

(مسألة 10): إذا تبين غبن المؤجر أو المستأجر فله الخيار (71)، إذا لم يكن عالما به حال العقد إلا إذا اشترطا سقوطه في ضمن العقد (72).

مسألة 11: ليس في الإجارة خيار المجلس و لا خيار الحيوان

(مسألة 11): ليس في الإجارة خيار المجلس و لا خيار الحيوان، بل و لا خيار التأخير على الوجه المذكور في البيع (73)، و يجري فيها خيار

______________________________

(67) لعدم تحقق الوفاء بالمعيب.

(68) لعدم موجب للفسخ أصلا مع إمكان الوفاء بالصحيح.

(69) لما تقدم من حديث نفي الضرر و الضرار الموجب لثبوت الخيار.

(70) للإجماع و حديث نفي الضرر، و ما ورد في البيع بعد عدم فهم الخصوصية، و يأتي في كتاب الفلس تفصيل المقام.

(71) لحديث نفي الضرر و الضرار و القطع بعدم خصوصية للبيع في ثبوت خيار الغبن فيه، بل المناط كله المبادلة و المعاوضة المالية، فيشمل جميع المعاوضات إلا ما خرج بالدليل.

(72) لاختصاص ثبوت خيار الغبن بما إذا لم يكن إقدام عليه عن علم به، و كذا يختص الخيار بما إذا لم يشترط سقوطه في ضمن العقد، فراجع ما فصلناه في خيار الغبن و سائر الخيارات.

(73) الخيارات أقسام أربعة:

ص: 56

الشرط حتى للأجنبي، و خيار العيب، و الغبن،- كما ذكرنا- بل يجري فيها سائر الخيارات كخيار الاشتراط، و تبعض الصفقة، و تعذر التسليم، و التفليس، و التدليس، و الشركة، و ما يفسد ليومه، و خيار شرط ردّ العوض

______________________________

منها: ما ثبت بدليل خاص بخصوص البيع.

و منها: ما ورد فيه دليل في البيع من غير استفادة الخصوصية، بل لأجل نفي الضرر و الضرار.

و منها: ما انحصر دليله في حديث نفي الضرر (1).

و منها: ما يكون بحسب القرار المعاملي و البناء المعاوضي كخيار الشرط.

و الأول: لا وجه لجريانه في غير مورد دليله لفرض الاختصاص به، و مقتضى أصالة اللزوم عدم الجريان، و لا محذور في جريان البقية في كل معاوضة مالية لفرض كونه مطابقا للقاعدة.

و أشكل على ثبوت سائر الخيارات في مثل الإجارة بوجهين:

الأول: ان الأرش في خيار العيب على خلاف القاعدة، فلا بد من الاقتصار على خصوص مورده و هو البيع.

و فيه: ما مر من صحة أخذ الأرش مطابقا للقاعدة، فراجع خيار العيب.

الثاني: ان غاية ما يدل عليه حديث نفي الضرر و نحوه من الأدلة العامة انما هو نفي اللزوم، و أما ثبوت حق خاص لذي الخيار كما هو المفسر به عند الفقهاء من انه حق خاص يوجب الاستيلاء على فسخ العقد فلا يثبت بذلك.

و فيه. أولا: أن نفي اللزوم الحقي عبارة أخرى عن الاستيلاء الحقي على الفسخ، و هو عبارة أخرى عن الخيار المعهود.

و ثانيا: ان الخيار ليس أمرا تعبديا شرعيا، بل هو من الحقوق النوعية المعاملية فثبوته بثبوت أصل الحق مطلقا ما لم يرد من الشارع دليل على التحديد و التقيد بشي ء، و المفروض عدمه في المقام.

ص: 57


1- الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات: 3.

نظير شرط ردّ الثمن في البيع (74).

مسألة 12: إذا آجر عبده أو داره مثلا ثمَّ باعه من المستأجر لم تبطل الإجارة

(مسألة 12): إذا آجر عبده أو داره مثلا (75) ثمَّ باعه من المستأجر لم تبطل الإجارة، فيكون للمشتري منفعة العبد مثلا من جهة الإجارة قبل انقضاء مدتها لا من جهة تبعية العين، و لو فسخت الإجارة رجعت الى البائع و لو مات بعد القبض رجع المشتري المستأجر على البائع بما يقابل بقية المدة من الأجرة و ان كان تلف العين عليه، و اللّه العالم.

______________________________

(74) كل ذلك لعموم أدلة تلك الخيارات الشامل لجميع المعاوضات من حديث نفي الضرر و عموم: «المؤمنون عند شروطهم» (1)، و الفرق بين خيار الشرط و الاشتراط ان الثاني عبارة عن خيار تخلف الشرط و الأول هو خيار شرط شي ء، و عند تخلف الشرط يثبت خيار الاشتراط.

ثمَّ ان الظاهر ان الخيار الذي لا يجري في الإجارة، كخياري المجلس و الحيوان يجوز اشتراطه فيها، لعموم: «المؤمنون عند شروطهم» (2).

و أشكل عليه بوجهين .. الأول: انه من الشرط المخالف للكتاب.

و فيه: ان عدم الثبوت لقصور الدليل لا لاعتبار عدمه في عقد الإجارة، فلا يكون مخالفا للكتاب.

الثاني: ان خيار المجلس مغيّى بالافتراق و لا حد له شرعا، و في المقام ان حدده بوقت يخرج عن موضوع خيار المجلس مثل ساعة أو ساعتين مثلا.

و فيه: انه يشترط في خيار المجلس بما هو المعهود في الشريعة، و كذا في خيار الحيوان بما هو المعهود منه فيما يمكن إثباته من أحكام يثبت و ما لا يمكن لا يثبت.

(75) هذه المسألة مكررة مع ما تقدم في ذيل مسألة 1 من هذا الفصل، و لا وجه للتكرار في شرحها فراجع ما تقدم.

ص: 58


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث: 4.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث: 4.

فصل يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان

اشارة

فصل يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان، و العمل في الإجارة على الاعمال بنفس العقد من غير توقف على شي ء (1) كما هو مقتضى سببية العقود، كما أن المؤجر يملك الأجرة ملكية متزلزلة به كذلك (2)، و لكن لا

______________________________

(1) لإطلاق أدلة سببية العقود المملّكة للملكية، و منها عقد الإجارة مضافا إلى الإجماع و بناء العقلاء في مطلق معاوضاتهم المملّكة، و قاعدة عدم تخلف المسبب عند تمامية المقتضى و فقد المانع.

نعم، لو كانت في البين قرينة معتبرة على التأجيل من شرط أو نحوه تتبع لا محالة.

(2) أي: يملك الأجرة بنفس العقد من غير توقف على شي ء لما مر في سابقة من غير فرق، و لكن لا وجه لقوله «ره»: «ملكية متزلزلة» من عقل أو نقل، فملكية المؤجر للأجرة مستقرة أيضا.

نعم، لو حصل مانع عن الاستيفاء تنفسخ الإجارة كما يأتي تفصيله، و لا ربط للانفساخ بتزلزل الملكية حدوثا بالنسبة إلى الأجير، فإن الانفساخ يكون بالنسبة إلى الطرفين و لا معنى للانفساخ إلا حدوث الملكية المطلقة قبله.

ان قيل: نعم، و لكن حيث ان المنفعة متدرجة الوجود- بخلاف الأجرة- و ملكية الأجرة تكون بإزائها و لا وجه للملكية المطلقة للأجرة بإزاء ما هو متدرج الوجود فتصير متزلزلة لا محالة.

يقال: المنفعة بحسب الوجود الخارجي و إن كانت متدرجة الوجود غالبا، و لكن بحسب الوجود الاعتباري يصلح لحاظها شيئا واحدا فتكون كالأجرة من هذه الجهة، مع ان هذا الإشكال مغالطة بين أصل حصول الملكية و وجوب

ص: 59

يستحق المؤجر مطالبة الأجرة إلا بتسليم العين أو العمل، كما لا يستحق المستأجر مطالبتهما إلا بتسليم الأجرة، كما هو مقتضى المعاوضة (3)، و تستقر ملكية الأجرة باستيفاء المنفعة أو العمل أو ما بحكمه (4)، فأصل الملكية للطرفين موقوف على تمامية العقد (5) و جواز المطالبة موقوف

______________________________

التسليم الذي يأتي البحث عنه، و لا ربط لأحدهما بالآخر فلا فرق في ملكية الطرفين في كون كل منهما مستقرة.

(3) لأن المعاوضة من الأمور الإضافية القائمة بالطرفين من حيث أحكامهما التكليفية و الوضعية، فوجوب الوفاء بالعقد و وجوب التسليم يعم المتعاوضين في عرض واحد، كما ان حصول الملكية لهما أيضا كذلك، لأن ذلك كله من فروع العهد الذي قاما به، و كذا استحقاق المطالبة بحسب الاقتضاء، و من حيث انه من لوازم الملكية فهو أيضا ثابت لهما في عرض واحد، و لكنه أقرب إلى الحكم الشرعي من الحق.

و أما استحقاقهما بحسب الخارج و من حيث ترتبه على تسليمه للعوض الذي وجب عليه دفعه، فهو لا يتحقق إلا بعد التسليم للعوض، ففرق بين أن يقول أحد المتعاوضين للآخر: «قد تمَّ العقد فأعطني عوض مالي»، و هذا من فروع وجوب الوفاء بالعقد و من سنخ الحكم الشرعي الإرشادي، أو يقول أحدهما للآخر: «أعطيتك ملكك الذي كان عندي لم لا تعطني ملكي الذي عندك»، و هذا هو الحق المحض، و ثبوت هذا الحق بحسب الذات لأحدهما متوقف على تسليم الآخر كما هو معلوم.

(4) ظهر مما مر ان استقرار الأجرة للمؤجر حاصل بنفس العقد أيضا و انما يحصل الانفساخ بحصول المانع، كما ان للمستأجر الفسخ لو امتنع المؤجر كما يأتي.

(5) للإطلاق و الاتفاق، و السيرة.

ص: 60

على التسليم (6)، و استقرار ملكية الأجرة موقوف على استيفاء المنفعة أو إتمام العمل أو ما بحكمهما (7)، فلو حصل مانع عن الاستيفاء أو عن العمل تنفسخ الإجارة- كما سيأتي تفصيله-

______________________________

نعم، نسب إلى الشيخ رحمه اللّه توقفها على انقضاء الخيار، و هو مخدوش كما تعرضنا له في كتاب البيع.

(6) في التعبير بالجواز مسامحة واضحة فإن التكليفي منه حصل بتمامية العقد، و كذا الوضعي الاقتضائي منه، فالمراد به الوضعي الحقيقي الخارجي.

(7) تقدم ان الاستقرار يحصل بتمامية العقد و إن أراد من الاستقرار زوال موضوع الفسخ و الانفساخ رأسا فهو صحيح، و لكن لا اختصاص له بملكية الأجرة بل يجري في ملكية المنفعة أيضا و لا مشاحة في الاصطلاح.

إن قيل: قد ادعى الإجماع على عدم استحقاق العامل الأجرة على وجه يجب على المستأجر بذلها له مع عدم الشرط و العادة، مضافا إلى الضرر عليه بتسليم الأجرة على عمل لا يدري حصوله.

يقال: أما الإجماع فالمتيقن منه على فرض اعتباره هو الحق الفعلي الخارجي، كما قلناه و هو مسلم، و أما الضرر فهو معارض بالمثل، لاحتمال عدم دفع الأجرة أيضا، فلا بد و أن يلحظ كل مرتبة بما هو في عرضه لا غيره مما هو في طوله.

و يظهر من ذلك ثبوت حق الامتناع عند امتناع الآخر، و مع التعاسر توضع الأجرة عند ثالث حتى يعمل العامل عمله و يأخذه، و جميع هذه الأمور و الحقوق منطو في أصل القرار المعاملي و العهد المعاوضي الواقع بينهما، فكل ذلك متفرع تفرع المفصل على المجمل كما هو واضح لمن تأمل.

هذا، خلاصة ما ينبغي أن يقال في المقام.

و أما كلمات الأعلام فهي مشوشة فراجع المطولات، و يشهد لبعض ما

ص: 61

مسألة 1: لو استأجر دارا مثلا و تسلمها و مضت مدة الإجارة استقرت الأجرة عليه

(مسألة 1): لو استأجر دارا مثلا و تسلمها و مضت مدة الإجارة استقرت الأجرة عليه، سواء سكنها أو لم يسكنها باختياره (8)، و كذا إذا استأجر دابة للركوب أو لحمل المتاع الى مكان كذا و مضى زمان يمكن له ذلك وجب عليه الأجرة و استقرت، و ان لم يركب أو لم يحمل (9) بشرط أن يكون مقدّرا بالزمان المتصل بالعقد (10)، و أما إذا عينا وقتا فبعد مضي ذلك الوقت (11).

هذا، إذا كانت الإجارة واقعة على عين معينة شخصية في وقت معين، و أما ان وقعت على كلي و عيّن في فرد و تسلمه فالأقوى أنه كذلك

______________________________

قلناه خبر الغنوي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل استأجر أجيرا فلم يأمن أحدهما صاحبه، فوضع الأجر على يدي رجل فهلك ذلك الرجل و لم يدع وفاء و استهلك الأجر، فقال عليه السّلام: المستأجر ضامن لأجر الأجير حتى يقضي إلا ان يكون الأجير دعاه إلى ذلك فرضي به، فإن فعل فحقه حيث وضعه و رضي به» (1).

(8) لوجود المقتضى- و هو العقد المملّك، و تحقق التسليم- و فقد المانع، مضافا إلى الإجماع و السيرة، و ظاهر النصوص التي يأتي التعرض لبعضها.

(9) لما تقدم في سابقة من غير فرق بين الفرعين.

(10) لتعين المدة حينئذ و مضيها، فيكون المقتضى لاستقرار الأجرة موجودا من كل جهة، و المانع عنه مفقودا كذلك.

(11) لأنه قبل مجي ء تلك المدة أو قبل انقضائها لا وجه لاستقرار أصل

ص: 62


1- الوسائل باب: 6 من أبواب أحكام الإجارة: 1.

مع تعيين الوقت و انقضائه (12).

نعم، مع عدم تعيين الوقت فالظاهر عدم استقرار الأجرة المسماة و بقاء الإجارة (13)، و إن كان ضامنا لأجرة المثل لتلك المدة من جهة تفويته المنفعة على المؤجر (14).

مسألة 2: إذا بذل المؤجر العين المستأجرة للمستأجر

(مسألة 2): إذا بذل المؤجر العين المستأجرة للمستأجر و لم يتسلم حتى انقضت المدة استقرت عليه الأجرة (15)، و كذا إذا استأجره ليخيط له ثوبا معينا مثلا في وقت معين و امتنع من دفع الثوب إليه حتى مضى ذلك

______________________________

الأجرة في الأول، لعدم مجي ء وقت استيفاء المنفعة، و لا لاستقرار تمامها في الثاني، لفرض عدم استيفاء تمام المنفعة و تأتي الفروع المتعلقة بهذه المسألة في المسائل الآتية.

(12) لتحقق التسليم الذي هو شرط استقرار الأجرة، لأن تسليم الكلي انما هو بتسليم الفرد كما هو معلوم.

(13) إن لم يعين الوقت أصلا في الإجارة تبطل من جهة الغرر و الجهالة إن كان تعيين المنفعة بتعيين المدة كما هو المفروض في هذه المسألة، فلا يبقى موضوع لبحث استقرار الأجرة و عدمه، و ان عين المدة في الجملة و أوكل التعيين التفصيلي إلى اختيار المؤجر أو كان التعيين التفصيلي موكولا إلى اختيار أي واحد منهما اختار ذلك فتستقر الأجرة لتحقق التسليم الجامع للشرائط، لأن ذلك تعيين للكلي عرفا فيكون هذا القسم كالقسم الأول، و إن أوكل التعيين إلى اختيار المستأجر و سلم المؤجر العين إليه و لم يختر لا تستقر الأجرة المسماة، لفرض ان التعيين موكول إلى اختياره، و لم يختر، و لكن يجب على المستأجر دفع أجرة المثل إلى المؤجر للمنافع الفائتة تحت يده، و لعل بما ذكرناه يمكن أن يجمع بين الكلمات فراجع.

(14) هذا في القسم الأخير الذي تعرضنا له دون سائر الأقسام.

(15) لتحقق التسليم من ناحية المؤجر و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك

ص: 63

الوقت، فإنه يجب عليه دفع الأجرة (16)، سواء اشتغل في ذلك الوقت مع امتناع المستأجر من دفع الثوب إليه بشغل آخر لنفسه أو لغيره أو جلس فارغا (17).

مسألة 3: إذا استأجره لقلع ضرسه و مضت المدة التي يمكن إيقاع ذلك فيها

(مسألة 3): إذا استأجره لقلع ضرسه و مضت المدة التي يمكن إيقاع ذلك فيها و كان المؤجر باذلا نفسه استقرت الأجرة (18)، سواء كان المؤجر حرا أو عبدا بإذن مولاه (19)، و احتمال الفرق بينهما بالاستقرار في الثاني دون الأول (20)، لأن منافع الحر لا تضمن الا بالاستيفاء، لا وجه له

______________________________

فيه، بل مقتضى الأصل و الإطلاق عدمه، مضافا إلى ظهور الاتفاق ممن تعرض للمسألة، و تقتضيه السيرة المتعارفة بين الناس.

(16) لما تقدم في سابقة من غير فرق.

(17) لتحقق مناط استحقاق الأجرة عرفا في جميع الصور، و هو التسليم و مع تحققه لا فارق بين جميع الصور إلا بدليل خاص يدل عليه، و هو مفقود.

(18) لتحقق التسليم عرفا فالمقتضي للاستقرار موجود و المانع عنه مفقود فتستقر لا محالة.

(19) لتحقق التسليم العرفي في كل منهما من دون فرق بينهما.

(20) نسب هذا الفرق إلى المحقق الثاني «ره» في جامع المقاصد، فقال:

«بأن العبد يصير تحت اليد فيصير المستأجر مسلّطا عليه لاستيفاء منفعته بخلاف الحر فإنه لا يكون كذلك، فلا يثبت فيه التسلط فلا يتحقق فيه التسليم».

و فيه: أن هذا الفرق حصل من المغالطة بين التسلط على الذات و التسلط على استيفاء المنفعة، و لا ريب في أنه لا يحصل التسلط على الذات في الحر بخلاف العبد، فيصح التسلط على ذاته، لفرض انه مملوك كسائر الأعيان المملوكة، و لكن لا نحتاج الى هذا النحو من التسلط في المقام، و ما هو المحتاج اليه انما هو التسلط على استيفاء المنفعة، و هو يحصل بالتسليم في كل منهما

ص: 64

لأن منافعه بعد العقد عليها صارت مالا للمستحق (21)، فإذا بذلها و لم يقبل كان تلفها منه، مع أنا لا نسلم أن منافعه لا تضمن إلا بالاستيفاء بل تضمن بالتفويت أيضا (22). إذا صدق ذلك كما إذا حبسه و كان كسوبا فإنه

______________________________

على حد سواء و ملكية الذات لا ربط لها بالمقام رأسا فما ينفع المقام- و هو استيلاء المستأجر على استيفاء المنفعة بالتسليم- حاصل فيها، و ما لا ينفع و هو ملكية الذات لا أثر له في المقام حتى يكون مناط الفرق، و كذا لا فرق بين أن يكون العمل كليا في الذمة أو جزئيا لتحقق الاستيلاء لاستيفاء المنفعة بالتسليم في كل منهما، فما نسب إلى الشيخ الأنصاري من الفرق بينهما باستقرار الأجرة في الجزئي دون الكلي لا وجه له.

(21) لصحة إطلاق المال عليه لغة و عرفا و شرعا، لأنه في اللغة ما تميل إليه النفس، و هذا المعنى موجود فيه بلا إشكال و إلا فلا يبذل بإزائه المال، و لا ريب في صحة اعتبار المالية فيه عرفا و كذا شرعا، فتترتب احكام المعاوضة الشرعية عليه.

نعم، للمالية مراتب متفاوتة لا تترتب آثار بعض مراتبها عليه، و هذا لا يوجب سلب آثار مطلق المالية عنه، و تقدم في كتاب الزكاة في أوصاف المستحقين، و في الحج في أحكام الاستطاعة ما ينفع المقام.

بل نقول من رأس: أنه لا دليل من عقل أو نقل على اعتبار المالية في عوضي المعاوضات مطلقا، بل المناط كله على تحقق الغرض العقلائي غير المنهي عنه شرعا سمي مالا أو لا، فليست المالية داخلة في قوامها بنحو التقوم الذاتي.

نعم، الغالب المتعارف فيها ذلك، بل المالية ملحوظة طريقا لتحقق الغرض العقلائي، فلو كان مال لا غرض للعقلاء بالنسبة إليه لا يقدمون على المعاوضة عليه، و لا ريب في تحقق الغرض العقلائي في عمل الحر، بل هو من مهام أغراضهم و عليه يدور نظام معاشهم.

(22) لأن الضمان يتحقق بقطع سلطنة الشخص عما يملكه و يستولي

ص: 65

يصدق في العرف أنه فوت عليه كذا مقدارا.

هذا، و لو استأجره لقلع ضرسه فزال الألم بعد العقد لم تثبت الأجرة لانفساخ الإجارة حينئذ (23).

مسألة 4: إذا تلفت العين المستأجرة قبل قبض المستأجر بطلت الإجارة

(مسألة 4): إذا تلفت العين المستأجرة قبل قبض المستأجر بطلت الإجارة (24)،

______________________________

عليه، ما لم يدل دليل على الخلاف، و لا ريب في أن الشخص مالك لعمله و مستول عليه، و لا دليل على الخلاف في المقام إلا توهم ان الضمان لدفع الخسارة، و التفويت ليس خسارة بل هو فوت الفائدة.

و فيه .. أولا: ان الضمان إنما هو للقهر على السلطة الملكية و الفصل بين الشخص و استيلائه على ملكه، و لا ريب في تحققه في المقام.

و ثانيا: انه أي خسارة أشد من حرمان العامل عن عوض عمله، مع ان أصالة احترام العمل من أهم الأصول النظامية، كأصالة احترام النفس و العرض و المال.

و ما عن بعض مشايخنا من ان نسبة عمل الحر إلى عامله نسبة الفعل إلى الفاعل لا نسبة الملك إلى المالك و فيه: انه لا مانع من اجتماع النسبتين في عمل الحر، ففي عين انه فعل للفاعل ملك له أيضا.

(23) لزوال أصل موضوع الاستيجار ان لم يكن غرض عقلائي آخر في قلعه، هذا و لو استأجره لقلع ضرسه حين الألم، و لكن استعمل المستأجر دواء زال ألمه و كان المؤجر باذلا نفسه، يمكن ان يقال انه من تفويت منفعة المؤجر فيضمن، و الأحوط التصالح و التراضي.

(24) للإجماع، مع ان ملكية المنفعة تدور مدار بقاء العين المنتفع بها عند متعارف الناس، فلا منفعة في البين حينئذ حتى تصح الإجارة، و يشهد للمقام

ص: 66

و كذا إذا تلفت عقيب قبضها بلا فصل (25)، و أما إذا تلفت بعد استيفاء منفعتها في بعض المدة فتبطل بالنسبة إلى بقية المدة (26)، فيرجع من الأجرة بما قابل المتخلف من المدة (27)، إن نصفا فنصف و إن ثلثا فثلث مع تساوي الأجزاء بحسب الأوقات، و مع التفاوت تلاحظ النسبة (28).

مسألة 5: إذا حصل الفسخ في أثناء المدة بأحد أسبابه تثبت الأجرة المسماة

(مسألة 5): إذا حصل الفسخ في أثناء المدة بأحد أسبابه تثبت الأجرة المسماة بالنسبة إلى ما مضى و يرجع منها بالنسبة إلى ما بقي- كما ذكرناه في البطلان- على المشهور (29)، و يحتمل قريبا أن يرجع تمام المسمى

______________________________

قاعدة: «كل مبيع تلف قبل قبضه فمن مال بائعه» (1)، و خبر عقبة بن خالد الذي تقدم في كتاب البيع (2)، و الفرق ان التلف في البيع يوجب الانفساخ، و في المقام يوجب بطلان أصل الإجارة و الفارق هو الإجماع.

(25) لأن صحة الإجارة تدور مدار وجود المنفعة، و مع انعدامها لا وجه لصحة الإجارة.

(26) لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق.

(27) لأن وجود المنفعة و إمكان استيفائها شرط لصحة الإجارة حدوثا و بقاء، فتبطل مع الانعدام و الزوال، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(28) لئلا يتحقق الضرر بالنسبة إلى كل واحد من المؤجر و المستأجر.

(29) أرسل ذلك إرسال المسلمات من غير نقل خلاف في البين، و استدل عليه بوقوع القرار المعاملي و التعهد المعاوضي على الأجرة المسماة، و تراضيا عليها فتستقر بعض تلك الأجرة بالنسبة إلى المنافع المستوفاة، و ترجع بعضها بالنسبة إلى غير المستوفاة، مع أن العقد المملك الإجاري انحلالي انبساطي بالنسبة إلى اجزاء الزمان المتدرجة الوجود، فيثبت أثره فيما ثبت العقد و ينفي

ص: 67


1- راجع القاعدة في ج: 17 صفحة: 281.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الخيار.

و يكون للمؤجر أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى، لأن المفروض أنه يفسخ العقد الواقع أولا و مقتضى الفسخ عود كل عوض إلى مالكه (30)، بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في صورة البطلان أيضا، و لكنه بعيد (31).

______________________________

فيما انتفى.

ان قيل: نعم و لكنه تبعيض في مقتضى الفسخ، و هو غير معهود، بل قد يدعى الإجماع على خلافه، إذ الفسخ هو حل العقد و ردّ كل عوض بتمامه إلى مالكه الأولى و من انتقل عنه، و عن المشهور انه لا يصح التبعيض في خيار العيب و المجلس، و ليس ذلك إلا لأجل ان أثر العقد إما أن يبقى أو ينحل، و لا وجه لأن يبعض.

يقال: مقتضى انحلال العقد بحسب الأجزاء ذاتية كانت أو زمانية الموافق للعرف هو صحة التبعيض في الفسخ، إلا مع الدليل على الخلاف من إجماع أو غيره و في الموارد التي لا يصح فيها التبعيض انما هو لأجل المانع من إجماع أو غيره، و أما في المقام فلا إشكال فيه لظهور الاتفاق عليه.

(30) هذا صحيح لو لم يكن عقد الإجارة انحلاليا و إلا فلا وجه له، و مقتضى ظهور الاتفاق و بناء العرف، و النصوص الواردة في موارد متفرقة كون عقد الإجارة انحلاليا مثل ما ورد فيمن استأجر أجيرا ليحج (1)، فمات أو للحمل و قصر عنه (2)، أو استأجر دابة إلى مسافة فأعيت (3)، أو استأجر أجيرا ليحفر بئرا فأعيى (4)، و يأتي التعرض لها في محالها إن شاء اللّه تعالى.

(31) بل مخالف لظاهر الاتفاق و النصوص الواردة في الباب الدالين على

ص: 68


1- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام النيابة في الحج.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب أحكام الإجارة.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الإجارة.
4- الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الإجارة.

مسألة 6: إذا تلف بعض العين المستأجرة تبطل بنسبته

(مسألة 6): إذا تلف بعض العين المستأجرة تبطل بنسبته و يجي ء خيار تبعض الصفقة (32).

مسألة 7: ظاهر كلمات العلماء أن الأجرة من حين العقد مملوكة

(مسألة 7): ظاهر كلمات العلماء أن الأجرة من حين العقد مملوكة للمؤجر بتمامها، و بالتلف قبل القبض أو بعده أو في أثناء المدة ترجع إلى المستأجر كلا أو بعضا من حيث البطلان، كما هو الحال عندهم في تلف المبيع قبل القبض، لا أن يكون كاشفا عن عدم ملكيتها من الأول، و هو مشكل (33)، لأن مع التلف ينكشف عدم كون المؤجر مالكا للمنفعة إلى تمام المدة فلم ينتقل ما يقابل المتخلف من الأول إليه، و فرق واضح بين تلف المبيع قبل القبض و تلف العين هنا، لأن المبيع حين بيعه كان مالا موجودا قوبل بالعوض، و أما المنفعة في المقام فلم تكن موجودة حين العقد (34).

______________________________

كون عقد الإجارة انحلاليا فيما إذا كان البطلان في الأثناء، و أما إذا كان البطلان من الأول فله حكم آخر يأتي التعرض له في مسألة 16 إنشاء اللّه تعالى.

(32) أما البطلان بالنسبة إلى ما تلف فلانعدام موضوع المنفعة كذلك.

و أما خيار التبعض فلقاعدة نفي الضرر، و تأتي فيه الأقسام الثلاثة التي تقدمت في (مسألة 4) من كون التلف قبل القبض أو بعده بلا فصل أو بعد مدة و الحكم هو الحكم بلا فرق.

(33) لا إشكال فيه لإطلاق سببية العقد للمالكية في جميع المعاوضات بلا فرق بين الإجارة و غيرها، و يأتي بيان فساد المناقشة التي ذكرها رحمه اللّه.

(34) أصل هذا الإشكال حصل عن جمع من العامة، فقالوا: إن المنافع معدومة، و المعدوم لا يملك و حيث انها تدريجية الوجود يصح حصول ملك المنفعة الموجودة تدريجا بتدريجية الوجود، و حيث أن الإجارة معاوضة فلا يعقل ملك تمام الأجرة دفعة، و ملك ما يقابلها تدريجا فلا محالة تملك الأجرة

ص: 69

و لا في علم اللّه إلا بمقدار بقاء العين (35)، و على هذا فإذا تصرف في الأجرة يكون تصرفه بالنسبة الى ما يقابل المتخلف فضوليا (36).

و من هذا يظهر أن وجه البطلان في صورة التلف كلا أو بعضا انكشاف عدم الملكية للمعوض (37).

______________________________

تدريجيا لا دفعة هذه خلاصة ما يمكن ان يقال في المقام.

و فيه .. أولا: ان ذلك مغالطة بين الوجود الحقيقي و الوجود الاعتباري و لا ريب ان الملكية من الاعتباريات و هي خفيفة المؤنة جدا، كما ان لحاظ المنفعة المتدرجة الوجود بنحو الوحدة اللحاظية الاعتبارية من حيث الطريقية إلى ما يتحقق في الخارج صحيح و لا ريب فيه، فلا يلزم تمليك المعدوم و لا تعلق الموجود بالمعدوم، بل تعلق أمر اعتباري بأمر اعتباري آخر و لا محذور فيه من عقل أو شرع أو عرف فالمنفعة المتدرجة الوجود موجودة في المقام بالوجود الاعتباري و له أثر فلا فرق بين الإجارة و البيع من هذه الجهة إلا ان العين في البيع موجود خارجي بخلاف الإجارة فإن تمام المنفعة فيها ملحوظة بالوجود الاعتباري الوحداني.

و ثانيا: انه مستلزم لعدم تملك المنافع إلا بالاستيفاء و حينئذ لا تصح الإجارة إلا بالاستيفاء في تمام المدة فلا يستحق المؤجر شيئا من الأجرة بالعقد بل بتفويت المنافع.

(35) ظهر مما تقدم أنها موجودة بالوجود الاعتباري اللحاظي من حيث الطريقية إلى الخارج المتدرج الوجود.

(36) لا وجه للفضولية بناء على ما قلناه، لفرض ان الأجرة بتمامها صارت ملكا للمؤجر بمجرد تمامية العقد، و المنفعة بتمامها صارت ملكا للمستأجر كذلك، فكيف يتحقق موضوع الفضولية و تظهر الثمرة في نماء الأجرة فإنه للمؤجر بناء على ما قلناه، و للمستأجر أو مشتركا بينهما بنسبة الزمانين بناء على ما قاله القوم.

(37) بناء على عدم حصول الملكية بنفس العقد و بناء على عدم انحلاله،

ص: 70

مسألة 8: إذا آجر دابة كلية و دفع فردا منها فتلف لا تنفسخ الإجارة

(مسألة 8): إذا آجر دابة كلية و دفع فردا منها فتلف لا تنفسخ الإجارة، بل ينفسخ الوفاء (38) فعليه أن يدفع فردا آخر (39).

مسألة 9: إذا آجره دارا فانهدمت فإن خرجت عن الانتفاع بالمرةبطلت

(مسألة 9): إذا آجره دارا فانهدمت فإن خرجت عن الانتفاع بالمرة بطلت (40)، فإن كان قبل القبض أو بعده قبل أن يسكن فيها أصلا رجعت الأجرة بتمامها، و إلا فبالنسبة (41)، و يحتمل تمامها في هذه الصورة أيضا و يضمن أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى، لكنه بعيد (42)، و إن أمكن الانتفاع بها مع ذلك (43)، كان للمستأجر الخيار بين الإبقاء و الفسخ (44)،

______________________________

و الأول خلاف المشهور و الثاني خلاف التحقيق.

(38) لكون ما وقعت عليه الإجارة غير ما دفع، فلا يقع وفاء لا محالة و مقتضى الأصل و الإطلاق بقاء أصل الإجارة هذا مضافا إلى الإجماع.

(39) لعموم وجوب الوفاء بالعقد بعد بقائه و عدم انحلاله.

(40) لانعدام مورد الانتفاع فلا موضوع للصحة، و كذا إذا خرجت عن الانتفاع الذي استأجرها له بنحو التقييد و لا اختصاص للحكم بالدار بل يجري في جميع الأعيان المستأجرة كذلك.

(41) لأن هذا معنى بطلان الإجارة من الأول أو انفساخها في الأثناء و المراد بقوله رحمه اللّه قبل أن يسكن أي قبل مجي ء الزمان الذي عين في العقد للسكنى.

(42) و قد مر انه مخالف لظاهر الاتفاق، و لما هو المنساق من العقد من الانحلال بحسب الأجزاء ذاتية كانت أو زمانية.

(43) أي: انتفاعا من سنخ ما استؤجر له عرفا بحسب المراتب الميسورة لا انتفاعا مباينا معه، كما إذا استأجر دارا للسكنى فانهدمت بحيث لا تليق إلا لمحل الحيوانات و السيارة مثلا.

(44) لقاعدة نفي الضرر و هذا الخيار خيار التبعض بالنسبة إلى زمان

ص: 71

و إذا فسخ كان حكم الأجرة ما ذكرنا (45)، و يقوى هنا رجوع تمام المسمى مطلقا و دفع أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى لأن هذا مقتضى فسخ العقد- كما مر سابقا (46)- و إن انهدم بعض بيوتها بقيت الإجارة بالنسبة إلى البقية (47)، و كان للمستأجر خيار تبعض الصفقة (48)، و لو بادر المؤجر الى تعميرها بحيث لم يفت الانتفاع أصلا ليس للمستأجر الفسخ حينئذ على الأقوى (49)، خلافا للثانيين (50).

______________________________

الانتفاع إن أمكن الإعادة في مدة قصيرة، بحيث لا يتضرر المستأجر هذا بالنسبة إلى المنفعة الفائتة، و أما بالنسبة إلى المنافع الآتية فهو من تعذر التسليم و لا مانع من اجتماع خيارين في مورد واحد مع تعدد الجهة.

(45) من رجوع تمام الأجرة إليه إن كان ذلك قبل أن يسكن و إلا فبالنسبة.

(46) و تقدم انه صحيح بناء على عدم انحلال العقد بحسب الاجزاء- زمانا كانت أو زمانيا- و أما مع الانحلال فلا وجه له و استظهرنا من القرائن الأخر.

(47) لوجود المقتضى- و هو الأصل و الإطلاق، لبقائها- و فقد المانع، و قد مر مكررا انحلال عقد الإجارة بحسب الاجزاء و الجزئيات، و تبطل بالنسبة إلى ما انهدم لانعدام الموضوع.

(48) بالنسبة إلى زمان الانتفاع إن لم يمكن الإعادة في زمان لا يضر به المستأجر، و بالنسبة إلى المنافع الآتية فهو من خيار تعذر التسليم.

(49) لعدم ضرر يوجب الخيار حينئذ لأن ثبوت الخيار لزوال المنفعة و المفروض عدم زوالها، فلا وجه للخيار حينئذ.

(50) أي المحقق الثاني في جامع المقاصد و الشهيد الثاني في المسالك و تمسكا للبقاء باستصحاب البقاء بعد أصل الثبوت بمجرد الإنهدام.

و فيه: أن أصل الثبوت مشكوك فيما إذا لم يفت الانتفاع أصلا فكيف يستصحب البقاء فيما يكون أصل ثبوته و تحققه مشكوكا؟! فالأقسام خمسة:

ص: 72

مسألة 10: إذا امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه

(مسألة 10): إذا امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه (51)، و إن لم يمكن إجباره للمستأجر فسخ الإجارة (52)، و الرجوع بالأجرة، و له الإبقاء و مطالبة عوض المنفعة الفائتة، و كذا إن أخذها منه بعد

______________________________

الأول: عدم فوت الانتفاع عرفا أصلا لا فعلا و لا شأنا، و مقتضى الأصل عدم ثبوت الخيار فيه.

الثاني: الفوت بالدقة العقلية لا بالنظر العرفي و مقتضى ان الأدلة منزلة على العرفيات عدم الخيار فيه أيضا.

الثالث: الفوت الشأني لا الفعلي، كما إذا انهدم المسكن الصيفي في الشتاء أو بالعكس، و بادر المؤجر إلى التعمير بحيث يصدق عرفا انه لا نقض لمسكنه الشتوي في الشتاء و لمسكنه الصيفي في الصيف، و مقتضى الأصل عدم الخيار فيه أيضا.

الرابع: ما إذا سافر المستأجر في مدة شهرين مثلا إلى محل و انهدم بعض بيوت الدار المحتاج إليه في تلك المدة، و عمرها المؤجر بعد شهرين مثلا و سكنها بلا فوت منفعة بالنسبة إليه إلا في زمان مسافرته التي اختارها بنفسه و باختياره، و لا وجه للخيار أيضا، لعدم ضرر بالنسبة إليه و لا منشأ له.

الخامس: ما إذا كان الخراب و الانهدام- و لو آنا ما- منافيا لشرف مثله بحيث يعد ذلك نقصا له فيثبت الخيار، لقاعدة نفي الضرر و الضرار.

(51) لأن هذا من موارد الحسبة التي يكون الحاكم الشرعي بل المؤمنون مسلطا عليه، و للمستأجر هذا الحق أيضا من جهة أخرى، و ذلك لأن الاستيلاء على الإجبار مباشرة أو تسبيبا من لوازم القرار المعاملي، و التعهد المعاوضي الواقع بينهما، مضافا إلى أن لآحاد المؤمنين حق النهي عن المنكر، و لا ريب في ان هذا منكر بالنسبة إلى الممتنع.

(52) لأصالة اللزوم، و لأن من لوازم القرار المعاملي و تعهد المعاوضة

ص: 73

التسليم بلا فصل (53). أو في أثناء المدة (54)، و مع الفسخ في الأثناء يرجع بما يقابل المتخلف من الأجرة، و يحتمل قويا (55) رجوع تمام

______________________________

انما هو حق الفسخ لأحدهما إذا امتنع الآخر من الوفاء به.

و نسب إلى الشيخ و العلامة انفساخ الإجارة تنزيلا للامتناع منزلة التلف.

و فيه: انه لا دليل لهذا التنزيل إلا ثبوت الإجماع بإلحاق الإجارة بالبيع و كون الحكم في البيع هكذا أي: كون الامتناع كالتلف.

بدعوى: انه المستفاد من رواية عقبة بن خالد حيث ذكر فيها السرقة (1)، و بها يصير المبيع ممتنع الأداء عرفا.

و فيه: ان كلا من ثبوت الإجماع و استفادة الامتناع من السرقة و إنه كالتلف مشكل، فالمرجع أصالة اللزوم إلا إذا ثبت الفسخ.

(53) لعين ما تقدم في الامتناع عن أصل الأداء، إذ ليس المراد بالأداء مجرد الحدوث فقط بل الأداء بحسب القرار المعاملي، و هو ما كان بحيث يستفيد المستأجر في زمان وقع عليه عقد الإجارة و أقدما عليه.

و عن المحقق و الشهيد الثانيين لزوم العقد و عدم الخيار لتحقق التسليم عرفا، فلا منشأ للخيار بعد ذلك.

و فيه: ان أخذ المؤجر العين المستأجرة بعد التسليم على قسمين:

الأول: من حيث انه مالك العين و آجرها و يجب عليه رفع يده عنها حدوثا و بقاء.

الثاني: انه ظالم من الظلمة و يكون في مقام الظلم و العدوان مطلقا و لا ريب في أن القسم الأول يكون ظلمه ظلما بالنسبة إلى القرار المعاملي و التعهد المعاوضي، و الثاني يأتي حكمه في المسألة التالية.

(54) لجريان عين ما تقدم في سابقة هنا أيضا.

(55) تكرر في كلماته رحمه اللّه إبداء هذا الاحتمال، و تكرر منا انه لا وجه له بناء

ص: 74


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الخيار.

الأجرة و دفع أجرة المثل لما مضى- كما مر نظيره سابقا- لأن مقتضى فسخ العقد عود تمام كل من العوضين الى مالكهما الأول، لكن هذا الاحتمال خلاف فتوى المشهور.

مسألة 11: إذا منعه ظالم عن الانتفاع بالعين قبل القبض تخير بين الفسخ و الرجوع بالأجرة

(مسألة 11): إذا منعه ظالم عن الانتفاع بالعين قبل القبض تخير بين الفسخ و الرجوع بالأجرة و بين الرجوع على الظالم بعوض ما فات (56)،

______________________________

على تحليل العقد بالنسبة إلى الاجزاء الذاتية و الزمانية مع انه في المقام مخالف لظاهر الاتفاق كما مر.

و يحتمل في جميع مثل هذه الموارد وجه ثالث و هو التخيير بين الوجهين، لعدم ترجيح بينهما في البين.

و فيه: ان الترجيح في الخيار بين فسخ الإجارة و الرجوع بالأجرة و بين الإبقاء و مطالبة عوض المنفعة الفائتة ثابت من جهة الشهرة و لا أقل من احتماله فكيف يتحقق التخيير مع هذا الاحتمال؟!

(56) أما أصل ثبوت حق الفسخ له فلما مر في المسألة السابقة فيما إذا امتنع المؤجر عن التسليم، و أما الرجوع إلى الظالم فلاستيلائه على مال الغير بغير حق فيصح للغير الرجوع إليه، لقاعدة اليد و لكن ضمان المؤجر ضمان المعاوضة، و ضمان الظالم ضمان الغرامة و عن المحقق الثاني احتمال جواز الرجوع إلى المؤجر بأجرة المثل.

و فيه: انه خلط بين ضمان المعاوضة و ضمان الغرامة، و لا وجه لذلك و لكن الظالم ..

تارة: معاند للمؤجر و لأجل الظلم عليه و المعاندة معه يستولي على المنفعة.

و أخرى: يكون معاندا للمستأجر، و لأجل الظلم عليه و العناد معه يستولي عليها.

ص: 75

و يحتمل قويا تعين الثاني (57) و إن كان منع الظالم أو غصبه بعد القبض يتعين الوجه الثاني (58)، فليس له الفسخ حينئذ (59)، سواء كان بعد القبض في ابتداء المدة أو في أثنائها (60)، ثمَّ لو أعاد الظالم العين المستأجرة

______________________________

و ثالثة: ظالم بنفسه بلا خصوصية و معاندة لأحد منهما في البين.

و رابعة: للمعاندة في كل منهما.

و العرف في الأول يحكم بتعين الرجوع إلى المؤجر، و في الثاني بتعين الرجوع إلى الظالم، و في الأخيرين يتخير بين الرجوع إلى أيهما شاء و يظهر من إطلاق المشهور تعين الرجوع إلى المؤجر.

هذا كله إن لم نقل ان الظلم كالتلف يوجب الانفساخ، و إلا فلا تصل النوبة إلى هذه التشقيقات، و لكن لا بد من مراعاة الاحتياط في هذه المسائل المختلفة فيها الأنظار الفاقدة للنص الخاص.

(57) فيما إذا كان ظلم الظالم على المستأجر و معاندة له يحكم العرف بتعينه حينئذ، و لم يعلم من المشهور مخالفة ذلك.

(58) لتمامية التسليم من طرف المؤجر حينئذ، و وقوع الظلم على المستأجر فقط.

و توهم: أن منع الظالم قبل القبض إذا كان قادحا في حصول التسليم الذي تبتني عليه المعاوضة كان قادحا بعد القبض أيضا.

مردود: بأن المنع بعد القبض انما وقع على مال المستأجر و ملكه بعد انقطاع علاقة المؤجر عنه رأسا.

نعم، لو كان الظالم انما ظلم من جهة عناده للمؤجر، و من حيث ان المال كان ماله، يمكن القول بالخيار و صحة الرجوع إلى المؤجر.

(59) لأصالة اللزوم و عدم ثبوت موجب الفسخ بالنسبة إليه لفرض تحقق التسليم جامعا للشرائط من طرف المؤجر.

(60) لجريان أصالة اللزوم في كل منهما، و الظلم انما ورد على مال المستأجر.

ص: 76

في أثناء المدة إلى المستأجر فالخيار باق (61)، لكن ليس له الفسخ إلا في الجميع (62). و ربما يحتمل (63) جواز الفسخ بالنسبة إلى ما مضى من المدة في يد الغاصب و الرجوع بقسطه من المسمى و استيفاء باقي المنفعة، و هو ضعيف للزوم التبعيض في العقد (64)، و إن كان يشكل الفرق بينه و بين ما ذكر من مذهب المشهور من إبقاء العقد فيما مضى و فسخه فيما بقي، إذ اشكال تبعيض العقد مشترك بينهما (65).

مسألة 12: لو حدث للمستأجر عذر في الاستيفاء

(مسألة 12): لو حدث للمستأجر عذر في الاستيفاء كما لو استأجر دابة لتحمله الى بلد فمرض المستأجر و لم يقدر- فالظاهر البطلان إن اشترط المباشرة على وجه القيدية (66)، و كذا لو حصل له عذر آخر، و يحتمل عدم

______________________________

(61) لأن المعقود عليه كان مجموع المنفعة بتمام اجزائها و المفروض انه لم يستلم ذلك، و لكن يشكل ذلك فيما إذا كان زمان حبس الظالم قصيرا بحيث لم يتضرر المستأجر بذلك أو كان في زمان لا يستفاد من العين منفعة في ذلك الزمان، كما إذا غصب جهاز التبريد في الشتاء مثلا ورده في أول الصيف بحيث لم يتضرر المستأجر بشي ء أبدا.

(62) للزوم التبعيض و خلاف مقتضى العقد بالنسبة إلى المؤجر.

و فيه: أنه يمكن تدارك ذلك كله بإثبات الخيار له أيضا، مضافا إلى ما مر من أن العقد الإجاري انحلالي بحسب الأجزاء الزمانية.

(63) يظهر ذلك من المحقق الثاني في جامع المقاصد.

(64) تقدم إمكان منع التضعيف بإثبات الخيار للمؤجر، مضافا إلى ان كون العقد الإجاري انحلاليا يساعد التبعيض لا أن ينافيه.

(65) و قد مر انحلال عقد الإجارة بحسب أجزاء الزمان، و هو مما يؤيد المشهور.

(66) لتعذر استيفاء المنفعة حينئذ لأن اعتبار المباشرة على قسمين:

ص: 77

البطلان (67).

نعم، لو كان هناك عذر عام بطلت قطعا (68) لعدم قابلية العين للاستيفاء حينئذ (69).

مسألة 13: التلف السماوي للعين المستأجرة أو لمحل العمل موجب للبطلان

(مسألة 13): التلف السماوي للعين المستأجرة أو لمحل العمل موجب للبطلان (70)، و منه إتلاف الحيوانات (71)، و إتلاف المستأجر

______________________________

الأول: أن يكون بعنوان المقومية لعقد الإجارة، و كونه من ذاتياته كنفس العقد و المتعاملين.

الثاني: أن يكون بعنوان الشرط الخارج عن الحقيقة و الذات و بعنوان تعدد المطلوب، فإذا كان من قبيل الأول ينتفي أصل العقد بانتفائه كانتفائه بانتفاء العقد أو أحد المتعاملين أو هما معا، و إن كان من قبيل الثاني فتخلفه يوجب الخيار للشارط، و لو شك في أنه من أيهما فمقتضى أصالة الصحة عدم بطلان العقد و مقتضى ان ذكر هذه القيود غالبا من باب الشرط كونه شرطيا خارجيا، فيثبت الخيار مع التخلف و الأحوط التراضي.

(67) لا وجه لهذا الاحتمال مع القيدية و المقومية الذاتية أصلا، و نسب عدم البطلان و تخيير المؤجر و المستأجر إلى القواعد، و لكن كلامه غير ظاهر في القيدية الحقيقية.

(68) لعدم تحقق المعاوضة مع عدم المنفعة.

(69) هذا التعليل مخدوش إن لم يرجع إلى ما قلناه، لأن تعليله رحمه اللّه يرجع إلى عدم المقتضي للمنفعة، و محل الكلام في وجود المانع بعد ثبوت المنفعة، فعدم المنفعة لوجود المانع لا لعدم المقتضى.

(70) لذهاب أصل المالية بالنسبة إلى المنفعة، فلا يبقى موضوع للصحة أصلا.

(71) لأن المراد بالتلف السماوي ما لم يستند إلى الفاعل المختار ذي

ص: 78

بمنزلة القبض (72)، و إتلاف المؤجر موجب للتخيير بين ضمانه و الفسخ (73)، و إتلاف الأجنبي موجب لضمانه (74)، و العذر العام بمنزلة التلف (75)، و أما العذر الخاص بالمستأجر كما إذا استأجر دابة لركوبها

______________________________

الشعور و الاختيار فيشمل الحيوانات أيضا.

نعم، قد يكون إتلاف الحيوان مستندا إلى إنسان فيقدم السبب حينئذ على المباشر، و هو قد يكون نفس المؤجر أو المستأجر أو الأجنبي، و الثاني بمنزلة القبض و الأول يوجب التخيير و الأخير يكون كمنع الظالم الذي تقدم حكمه في (مسألة 11).

(72) لأن الإتلاف لا يتحقق إلا بالاستيلاء عليه و الاستيلاء على شي ء عبارة عن القبض كما تقدم في كتاب البيع.

و توهم: ان هذا انما هو القبض الفرضي، و المنساق من أدلة القبض انما هو القبض الخارجي دون الفرضي.

فاسد: لأن الإتلاف استيلاء اعتباري عرفي، و لا فرق في صحة هذا الاعتبار بين بقاء المقبوض خارجا تحت استيلاء المستولي أو تلفه بمجرد استيلائه عليه، لصحة الاعتبار في كل واحد منهما، مضافا إلى أن الحكم من المسلمات عندهم.

(73) أرسل ذلك إرسال المسلمات، أما الضمان فلقاعدة الإتلاف و أما الفسخ فلتخلف المقصود و الغرض المعاملي المقتضي للخيار بمقتضى القرار المعاوضي، مع ان ظاهرهم التسالم على الحكم.

(74) أي يضمن للمستأجر ما أتلفه عليه، سواء كان ذلك في إتلاف العين المستأجرة أو في إتلاف محل العمل فيضمن في كل منهما العين مسلوبة المنفعة للمؤجر و مالية المنفعة للمستأجر، و لا محذور فيه بوجه، و الظاهر ثبوت الخيار للمستأجر أيضا، لما مر من تخلف الغرض و المقصود المعاملي.

(75) فيوجب البطلان، كما ان التلف السماوي يوجبه و المراد بالعذر العام ما يعم المستأجر و المؤجر و غيرهما، كقلة المياه و شدة الرياح بحيث يذهب

ص: 79

بنفسه فمرض و لم يقدر على المسافرة (76) أو رجلا لقلع سنه فزال ألمه (77)، أو نحو ذلك، ففيه إشكال، و لا يبعد أن يقال (78) انه يوجب البطلان إذا كان بحيث لو كان قبل العقد لم يصح معه العقد.

مسألة 14: إذا آجرت الزوجة نفسها بدون إذن الزوج فيما ينافي حق الاستمتاع وقفت على اجازة الزوج

(مسألة 14): إذا آجرت الزوجة نفسها بدون إذن الزوج فيما ينافي حق الاستمتاع وقفت على اجازة الزوج (79) بخلاف ما إذا لم يكن منافيا

______________________________

بأثمار الأشجار، و نحو ذلك بل و من ذلك ما يحصل من ناحية الحكومة كمنعه عن زرع بعض المزروعات لمصلحة تراها.

(76) قد تقدم ما يتعلق بهذا الفرع من التفصيل في أول مسألة 12، فراجع و لا وجه للتكرار.

(77) و لم يكن للمستأجر غرض صحيح آخر في قلعه، و إلا فلا وجه للبطلان.

(78) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الخصوصيات و الجهات، و ليست في البين قاعدة كلية يعتمد عليها في جميع الموارد.

(79) الاحتمالات في هذه المسألة ثلاثة:

بطلان إجارتها مطلقا، و الصحة مطلقا، و التفصيل بين المنافاة مع حق الزوج فتبطل. و عدمها فتصح.

و الأول و الأخير قولان معروفان، و أما الثاني فقد قربه بعض محققي مشايخنا قدّس سرّهم.

و وجه الأول ان إجارتها لنفسها تصرف في متعلق حق الغير، فلا بد من البطلان أي التوقف على الإجازة، فيكون بطلان الإجارة من جهة اجتماع حقين متضادين مع عدم قدرة الأجير على التسليم شرعا، و كذا المستأجر لا يقدر على التسليم شرعا، لفرض كون المورد متعلقا لحق الغير فلا بد في الصحة من الإجازة.

ص: 80

فإنها صحيحة، و إذا اتفق إرادة الزوجة للاستمتاع كشف عن فسادها (80).

مسألة 15: قد ذكرنا سابقا أن كلا من المؤجر و المستأجر يملك

(مسألة 15): قد ذكرنا سابقا أن كلا من المؤجر و المستأجر يملك ما

______________________________

و يمكن الخدشة فيه بأنه لا تنافي بين حق الزوج بناء على كونه من الكلي في المعين، كما هو الظاهر و حق المستأجر، سواء كان كذلك أيضا أو مع تعيين الزمان و الخصوصية، لأن الكلي في المعين لا ينافي غيره في مقام الإنشاء و لا المطالبة و انما يصير فردا بالتحقق و الوجود الخارجي فقط، فإذا تحقق الاستمتاع خارجا لا يتحقق الإرضاع قهرا في زمان تحقق الاستمتاع، و حينئذ إن كان وجوب التمكين للاستمتاع مقتضيا لحرمة الإرضاع من حيث المقدمية لا تقدر المرأة على تمليكه و تسليمه شرعا و لا يقدر المستأجر على تسلّمه أيضا لذلك، و لكن أثبتنا في الأصول في مسألة الضد عدم الحرمة لا من جهة المقدمية و لا من جهة أخرى، و على فرض الحرمة شرعا فمثل هذا النهي لا يوجب الفساد.

ان قيل: كما أن تعين الكلي في الفرد بوجوده خارجا كذلك يكون بالولاية على تعيينه أيضا، و المفروض إن للزوج ولاية على التعيين أي: تعيين زمان الاستمتاع، فيلزم حينئذ اجتماع ملكين متضادين في مورد واحد.

يقال: الولاية ثابتة لكونه مالكا للاستمتاع، و لكن لا ربط له بتعيين وجوده، فإنه عرفا و عقلا لا يوجد إلا بوجود الفرد.

و منه يظهر وجه صحة احتمال الثاني لو لم يكن إجماع على خلافه، و الظاهر عدمه و لو كان فهو حاصل من اجتهاداتهم لا أن يكون تعبديا.

(80) تقدم ان ارادة الاستمتاع لا أثر لها في تحقق الكلي خارجا و تعيينه، و ما يوجب التحقق و التعيين انما هو تحقق الاستمتاع خارجا، و مع ذلك لا يكشف عن فساد تلك الإجارة بل يدخل في المسألة السابقة من إتلاف الأجنبي للمنفعة، و الأحوط التراضي.

ص: 81

انتقل إليه بالإجارة بنفس العقد (81)، و لكن لا يجب تسليم أحدهما إلا بتسليم الآخر (82)، و تسليم المنفعة بتسليم العين، و تسليم الأجرة بإقباضها (83)، إلا إذا كانت منفعة أيضا فبتسليم العين التي تستوفى منها (84)، و لا يجب على واحد منهما الابتداء بالتسليم (85)، و لو تعاسرا أجبرهما الحاكم (86)، و لو كان أحدهما باذلا دون الآخر و لم يمكن جبره كان للأول الحبس (87) الى أن يسلم الآخر.

هذا كله إذا لم يشترط في العقد تأجيل التسليم في أحدهما، و الا كان

______________________________

(81) لأن هذا مقتضى سببية العقد للتمليك ما لم يكن قيد آخر في البين كما هو المفروض في المقام.

(82) إذا تمَّ العقد يحصل أمران وضعي- و هو الملكية- و تكليفي و هو وجوب التسليم، و هذا الوجوب يحصل لكل منهما في عرض واحد.

نعم، استحقاق المطالبة لأحدهما لا يحصل إلا بعد تسليم الآخر كما صرح به في أول الفصل السابق.

(83) للإجماع و السيرة في كل منهما، مع أنه لا يمكن استيفاء المنفعة إلا بتسليم العين.

(84) لأنه لا يمكن استيفاء المنفعة إلا بذلك.

(85) للأصل بعد شمول الأدلة لكل منهما في عرض واحد.

(86) لأن هذا من الأمور الحسبية التي له الولاية عليها، و هذا من احدى مراتب النهي عن المنكر و الأمر بالمعروف بالمرتبة الشديدة.

(87) لأن هذا من اللوازم العرفية لحقيقة المعاوضة فيكون العوض في مقابل العوض و التسليم في مقابل التسليم، و حق الحبس في مقابل الحبس، و يستفاد ذلك كله من الأقدام المعاملي الواقع بينهما بجميع مداليله المطابقية و الالتزامية.

ص: 82

هو المتبع (88)، هذا و أما تسليم العمل فإن كان مثل الصلاة و الصوم و الحج و الزيارة و نحوها فبإتمامه (89)، فقبله لا يستحق المؤجر المطالبة، و بعده لا يجوز للمستأجر المماطلة (90)، الا أن يكون هناك شرط أو عادة في تقديم الأجرة فيتبع (91)، و الا فلا يستحق، حتى لو لم يمكن له العمل الا بعد أخذ الأجرة كما في الحج الاستئجاري إذا كان المؤجر معسرا، و كذا في مثل بناء جدار داره أو حفر بئر في داره أو نحو ذلك (92)، فإن إتمام العمل تسليم (93)،

______________________________

(88) لأدلة وجوب الوفاء بالشرط.

(89) لأن ذلك هو المتعارف في تسليم العمل و يصدق بذلك التسليم لغة و عرفا و كذا عقلا لأن التسليم لا يكون إلا بالإيجاد و الإيجاد لا يكون إلا بالإتمام.

(90) أما الأول فلفرض عدم تحقق التسليم منه، و أما الثاني فلعدم جواز حبس مال الغير بغير رضاه و غير الإذن الشرعي بالأدلة الأربعة.

(91) أما الأول فلوجود الشرط اللفظي، و أما الثاني فلأنه من الشرط البنائي هو كالشرط اللفظي، و كل منهما مورد شمول أدلة وجود الوفاء بالشرط.

(92) لأن التسليم المعتبر في العقد المعاوضي بالنسبة إلى ما لا يتوقف على أخذ الأجرة و ما يتوقف عليه على حد سواء، و هو إيجاد العمل و إتمامه خارجا، فلا يتحقق تسليم العمل إلا بذلك و يجب على المؤجر مقدمة صرف المال من نفسه ثمَّ تداركه مما يأخذ من الأجرة بعد إتمام العمل، و لا يستحق مطالبة الأجرة قبل ذلك لفرض انه لم يسلم العمل، بل لو فرض عدم تمكن الأجير من إيجاد العمل إلا بأخذ الأجرة، لأجل عدم مال له و عدم تمكنه من تحصيله كانت الإجارة باطلة من جهة عدم القدرة على التسليم إلا بنحو الخلف المحال، و هو استحقاق الأجرة قبل العمل مع انه لا يستحقها إلا بعده.

(93) و المفروض ان الإتمام يتوقف على المال، فلا بد للمؤجر من صرف المال مقدمة للإتمام الذي يكون عبارة عن التسليم.

ص: 83

و لا يحتاج إلى شي ء آخر (94)، و أما فهي مثل الثوب الذي أعطاه ليخيطه، أو الكتاب الذي يكتبه، أو نحو ذلك مما كان العمل في شي ء بيد المؤجر فهل يكفي إتمامه في التسليم فبمجرد الإتمام يستحق المطالبة أو لا، إلا بعد تسليم مورد العمل فقبل أن يسلم الثوب مثلا لا يستحق مطالبة الأجرة؟

قولان (95)،

______________________________

(94) من قبض المستأجر و أخذه له و نحو ذلك، لأن كل ذلك لا موضوع له في العمل المحض الذي هو قائم بالمؤجر فقط.

(95) أختار الأول جمع منهم المحقق في الشرائع، و تبعه صاحب الجواهر. و استدلوا بما في المتن، و اختار الثاني جمع آخر منهم العلامة في القواعد و تبعه بعض مشايخنا.

و خلاصة ما استدل به على طوله ان العمل ..

تارة: يلحظ من حيث نفس الصدور و الوجود.

و أخرى: يلحظ باعتبار الأثر المتحقق فيه في الخارج.

و الأول: يكفي فيه الفراغ من العمل، و يكون الفراغ منه تسليمه كالعبادات الاستيجارية.

و الثاني: يكون تسليمه بتسليم مورده كالخياطة و القصارة و نحوها.

و فيه: أوّلا: ان الملحوظ من جميع الأعمال انما هو الآثار، و العمل طريق محض إليه لكن الآثار مختلفة، فتارة تكون محسوسة، و أخرى غير محسوسة و هذا لا يوجب الفرق بينها في المقام.

و ثانيا: للأثر المتحقق في الخارج جهتان: الصدور و الإيجاد و الإتمام، و جهة انه شي ء في حد نفسه.

و بعبارة أخرى: جهة لحاظ المصدر، و جهة لحاظ اسم المصدر، و يصح التفكيك بين الجهتين شرعا و عرفا مع اجتماعهما في شي ء واحد، فمن الجهة الأولى قائم بالمؤجر و تسليمه بإتمامه، و من الجهة الثانية تكون من المستأجر

ص: 84

أقواهما الأول، لأن المستأجر عليه نفس العمل (96)، و المفروض أنه قد حصل، لا الصفة الحادثة في الثوب مثلا- و هي المخيطية- حتى يقال انها في الثوب و تسليمها بتسليمه، و على ما ذكرنا فلو تلف الثوب مثلا بعد تمام الخياطة في يد المؤجر بلا ضمان يستحق أجرة العمل (97)، بخلافه على القول الآخر (98)، و لو تلف مع ضمانه أو أتلفه وجب عليه قيمته مع وصف المخيطية (99)، لا قيمته قبلها و له الأجرة المسماة (100)، بخلافه على القول الآخر فإنه لا يستحق الأجرة و عليه قيمته غير مخيط (101)،

______________________________

و لا ربط لها بالمؤجر.

(96) من حيث الإضافة الصدورية إلى العامل، سواء كان له أثر اعتباري غير مرئي أو أثر خارجي مرئي.

(97) لتحقق التسليم و هو تمام العمل.

(98) لأن التسليم بناء عليه انما يتحقق بتسليم الأثر الخارجي للعمل، و هو الخياطة الموجودة في الثوب، و لا يتحقق ذلك إلا بتسليم الثوب.

(99) لحصول التسليم بإتمام الخياطة و الفراغ منها، فالتلف مع الضمان أو الإتلاف وقع على ملك الغير مع كون وصف المخيطية للغير.

(100) لتحقق التسليم من ناحيته و هو إتمام العمل.

(101) أما عدم استحقاق الأجرة، فلعدم تحقق التسليم بناء على هذا القول إلا بتسليم مورد العمل.

و أما أنّ عليه قيمته غير مخيط فلفرض ان عنوان المخيطية لم يقبض بعد فيكون من التلف أو الإتلاف قبل القبض، و قد تقدم ما يتعلق به في المسائل السابقة هذا.

و فيه: ان الثوب بوصف المخيطية ملك للمستأجر.

نعم، المؤجر لا يستحق مطالبة الأجرة على عمله قبل تسليمه إليه، و لكن إذا أعطى المؤجر قيمته مخيطا استحق مطالبة الأجرة لأنه سلم بدل العمل إليه.

ص: 85

و أما احتمال عدم استحقاقه الأجرة (102)، مع ضمانه القيمة مع الوصف (103)، فبعيد (104)، و ان كان له وجه (105). و كذا يتفرع على ما ذكر أنه لا يجوز حبس العين بعد إتمام العمل الى أن يستوفي الأجرة، فإنها بيده أمانة، إذ ليست هي و لا الصفة التي فيها موردا للمعاوضة، فلو حبسها ضمن (106)، بخلافه على القول الآخر.

مسألة 16: إذا تبين بطلان الإجارة رجعت الأجرة إلى المستأجر

(مسألة 16): إذا تبين بطلان الإجارة رجعت الأجرة إلى المستأجر، و استحق المؤجر أجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من المنفعة (107).

______________________________

(102) لعدم تحقق التسليم منه حتى يستحق مطالبة الأجرة.

(103) لفرض ان الوصف ملك للمستأجر فلا بد له من تداركه مع التلف أو الإتلاف.

(104) لأنه مع التلف لا موضوع للصحة حتى يتحقق الضمان المعاوضي لبطلان المعاوضة.

نعم، مع الإتلاف يتحقق ضمان التغريم و لا ربط له بالمعاوضة.

(105) لا وجه له، لأنه ان كانت الإجارة صحيحة و لم تبطل فيكون الضمان بالأجرة المسمى لا بالقيمة، و ان بطلت الإجارة كما في تلف المبيع قبل القبض فلا موضوع للضمان أصلا، أما بالنسبة إلى المسمى فللبطلان و أما بالنسبة إلى القيمة فلعدم ضمان الأمين.

نعم، يصح الضمان في صورة الإتلاف بلا إشكال.

(106) إلا إذا كان بعنوان التقاص، و كان بإذن الحاكم الشرعي فلا ضمان حينئذ في هذه الصورة أيضا.

(107) لأن العقود المعاوضية مطلقا انما تكون طريقا لإحراز مالية المال و عدم صيرورة المال هدرا و باطلا، و ذكر العوض المسمى إنما هو لأجل ذلك لا لأجل موضوعية خاصة فيه، بحيث لو بطل لصار المال هدرا و أصل التعويض

ص: 86

أو فاتت تحت يده (108)، إذا كان جاهلا بالبطلان خصوصا مع علم المستأجر (109)، و أما إذا كان عالما فيشكل ضمان المستأجر، خصوصا إذا كان جاهلا، لأنه بتسليمه العين إليه قد هتك حرمة ماله (110)، خصوصا إذا

______________________________

باطلا، و كل عاقل يرجع إلى وجدانه يجد ذلك من نفسه، و هذا هو لباب معنى قاعدة الاقدام و الاحترام و الإتلاف و اليد و نفي الضرر و القاعدة المتصيدة منها، و هي: «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده»، فلا وجه لتطويل القول فيها بعد مراجعة الوجدان و بناء المتعاملين من نوع الإنسان غنى عن إقامة البرهان، و من ينكر ما قلناه انما ينكره باللسان و يعترف به بالجنان و التشكيك في ذلك كالتشكيك فيما هو واضح بالعيان، و إليه يرجع الإجماع المدعى في كلمات جمع من الأعيان.

(108) لبناء القرار المعاملي و العهد المعاوضي على التحفظ على أصل مالية المال مطلقا و ذكر المسمى يكون طريقا إليه، فإذا بطل المسمى لا يبطل أصل القرار و العهد المعاوضي مطلقا، و يجري في المقام جميع ما مر في الفرع المتقدم آنفا.

(109) لأنه حينئذ في مقام الطغيان و العدوان، فلا بد و أن لا يهمل مجازاة لظلمة.

(110) قد تكرر هذا التعليل لعدم الضمان في المعاوضات من انه مع العلم بالفساد قد هتك المال فلا حرمة له حتى يتحقق الضمان، لأن الضمان يدور مدار احترام المال، و لكن هذا التعليل عليل و قول بلا دليل، لأن هتك المال إما قصدي أو انطباقي عرفي أو شرعي و الأول مفروض الانتفاء، لفرض انه قصد المعاوضة و المعاملة لا أن يقصد المجانية المحضة حتى يتحقق هتك المال و كونه بلا عوض، و كذا الثاني لأن العرف يرونه معاملة و معاوضة باطلة كسائر المعاملات الفاسدة الدائرة فيما بينهم، فمع علمهم بالفساد يطلبون العوض و يحكمون بالضمان لا أن يحكموا بالمجانية و هتك المال و انه من الإباحة بلا عوض، و كذا الثالث إذ ليس في البين إلا الإطلاقات و العمومات و قاعدة: «ما يضمن بصحيحه

ص: 87

كان البطلان من جهة جعل الأجرة ما لا يتمول شرعا أو عرفا (111)، أو إذا كان إجارة بلا عوض (112).

______________________________

يضمن بفاسده»، أما الإطلاقات و العمومات فتشمل العقود الفاسدة كشمولها للصحيحة بعد صدق الإجارة على الإجارة الفاسدة عرفا، و مورد القاعدة هو المعاوضة في مقابل الأمانات و المجانيات، و المفروض صدق المعاوضة عليها و التحفظ على عوض المال إلا أن الشارع لم يقرر عوض المسمى، و هو أعم من سقوط أصل العوض كما هو معلوم.

و بالجملة كثرة اهتمام الناس بأموالهم نحو اهتمامهم بأنفسهم تقتضي التعويض إلا إذا أحرزت المجانية بوجه معتبر، و هذا هو معنى أصالة احترام المال.

(111) بدعوى أنه مع الالتفات إلى هذه الجهة يكون التسليط مجانيا لا تعويضيا.

و فيه أنه .. تارة: نقطع بحصول قصد المجانية.

و أخرى: نقطع بعدمه.

و ثالثة: نشك فيه، و لا كلام في القسم الأول من أحد في تحقق المجانية، و ليس ذلك محل البحث و النزاع، و كذا لا كلام لأحد في تحقق الضمان و عدم تحقق المجانية في الثاني، فيلغى ظهور اللفظ لو فرض ظهوره في المجانية لأجل القطع بالخلاف، فيكون عدم الضمان و تحقق المجانية حينئذ من تحقق المعلول بلا علة و هو محال، و كذا الثالث فإن المرجع فيه أصالة احترام المال، و ليست هذه الأمور تعبدية حتى نلتمس فيها دليلا شرعيا، و لا من الموضوعات المستنبطة حتى نحتاج إلى مراجعة كلمات الفقهاء، بل هي من الأمور العرفية و الاستظهارات المحاورية، فاللازم الرجوع إلى العرف و أهل المحاورة.

(112) الكلام فيه عين الكلام في الفرع السابق، فإن علم انه قصد العارية و قلنا بأنه يقع العقد بغير اللفظ المأنوس به تكون عارية صحيحة، و إن قلنا بعدم الوقوع تكون عارية فاسدة، و لا ضمان فيها على التقديرين و إن علم بأنه قصد

ص: 88

و دعوى: أن إقدامه و إذنه في الاستيفاء إنما هو بعنوان الإجارة و المفروض عدم تحققها، فإذنه مقيد بما لم يتحقق.

مدفوعة: بأنه إن كان المراد كونه مقيدا بالتحقق شرعا فممنوع، إذ مع فرض العلم بعدم الصحة شرعا لا يعقد قصد تحققه إلا على وجه التشريع المعلوم عدمه (113)، و إن كان المراد تقيّده بتحققها الإنشائي فهو حاصل، و من هنا يظهر حال الأجرة أيضا فإنها لو تلفت في يد المؤجر يضمن عوضها إلا إذا كان المستأجر عالما ببطلان الإجارة (114)، و مع ذلك دفعها اليه، نعم إذا كانت موجودة له أن يستردها (115)، هذا.

و كذا في الإجارة على الأعمال إذا كانت باطلة يستحق العامل أجرة

______________________________

الإجارة المعهودة، و مع ذلك تلفظ بهذا اللفظ فيسقط اعتبار لفظه لأنه من الجمع بين المتنافيين، و إن شك في ذلك كله فأصالة احترام المال جارية بعد الشك في أنه أسقط احترامه أو لا.

(113) لا ربط للمقام بالتشريع و عدمه في نفس التعويض، لأن مقتضى اهتمام الناس بأموالهم بناؤهم على التعويض مطلقا إلا مع التصريح على الخلاف، أو ظهور كذلك معتبر عند المحاورة و التشريع في السبب على فرض تحققه لا ينافي هذا البناء الذي هو من أهم أمورهم النظامية، و الرجوع إلى مرتكزات الناس في معاملاتهم الفاسدة الكثيرة الدائرة بينهم، فإنهم بارتكازهم لا يفرقون بينها و بين الصحيحة في قصد التعويض، فلا يفرقون بين قول:

«آجرتك الدار لتعمل فيه الخمر»، و بين قول: «آجرتك الدار لتسكن فيه» مع قصد التعويض في كل منهما، و كذا بين: «آجرتك الدار هذا الشهر بدينار أو بخمر أو بخنفساء مثلا، مع عدم المالية الشرعية في الثاني و عدم المالية العرفية في الآخر.

(114) تقدم ان العلم بالبطلان أعم من قصد المجانية و إسقاط العوض.

(115) لأصالة بقاء ملكيته و عدم موجب لزوالها.

ص: 89

المثل لعمله دون المسماة (116)، إذا كان جاهلا بالبطلان، و أما إذا كان عالما فيكون هو المتبرع بعمله (117). سواء كان بأمر من المستأجر أو لا، فيجب عليه رد الأجرة المسماة (118)، أو عوضها و لا يستحق أجرة المثل (119)، و إذا كان المستأجر أيضا عالما فليس له مطالبة الأجرة مع تلفها (120)، و لو مع عدم العمل من المؤجر (121).

______________________________

(116) أما استحقاق أجرة المثل، فلأصالة احترام العمل و أما عدم استحقاق المسماة فلبطلان الإجارة.

(117) تقدم مرارا أن العلم بالفساد أعم من قصد المجانية و التبرع، كما أن أمر المستأجر و عدم أمره لا دخل له في المجانية أيضا.

نعم، في الأمر استيفاء تسبيبي للعمل و يكون الضمان فيه لتسبيب منه، فلا وجه لسقوط العوض حتى مع كون العامل عالما بالفساد بعد عدم كون العلم بالفساد علة لقصد المجانية، و في مورد عدم أمر الآمر يكون التسبب منحصرا في عقد الإجارة فقط و لا ريب في سقوطه بالنسبة إلى المسمى، و يبقى أصالة احترام العمل موجبة لاستحقاق أجرة المثل من غير دليل معتبر على الخلاف.

(118) لأن هذا هو مقتضى بطلان الإجارة و كذا عوضها عند تلفها.

(119) مقتضى أصالة احترام العمل هو الاستحقاق إلا إذا أحرزت المجانية بدليل معتبر و هو مفقود.

(120) بدعوى انه مع العلم بالفساد سلّطه عليها مجانا، فلا حق بعد تلفها له عليه و قد مر مرارا ان هذه الدعوى ساقطة رأسا، إذ العلم بالفساد أعم من إسقاط احترام المال.

(121) لفرض أن المستأجر سلط المؤجر على الأجرة مجانا و بلا عوض مع علمه بالفساد، فلا أثر لعلمه و عدم العمل.

و فيه: أن هذا الفرض فرض محض لا يؤثر في تحقق المجانية خارجا مع

ص: 90

مسألة 17: يجوز إجارة المشاع، كما يجوز بيعه، و صلحه

(مسألة 17): يجوز إجارة المشاع (122)، كما يجوز بيعه، و صلحه، و هبته، و لكن لا يجوز تسليمه إلا بإذن الشريك إذا كان مشتركا (123).

نعم، إذا كان المستأجر جاهلا بكونه مشتركا كان له خيار الفسخ للشركة (124)، و ذلك كما إذا آجره داره فتبين أن نصفها للغير و لم يجز ذلك الغير فإن له خيار الشركة، بل و خيار التبعض، و لو آجره نصف الدار مشاعا و كان المستأجر معتقدا أن تمام الدار له فيكون شريكا معه في منفعتها فتبين أن النصف الآخر مال الغير فالشركة مع ذلك الغير، ففي ثبوت الخيار له حينئذ

______________________________

أصالة احترام العمل التي تطابقت الأدلة عليها.

و توهم: ان الضمان مطلقا انما كان بعنوان الإجارة، فإذا بطل ما يترتب به عليه و هو الضمان.

فاسد: لأن في المعاوضات يتحقق ضمانان طوليان مترتبان:

الأول: ضمان البنائي المعاوضي، و العهد و القرار المعاملي.

الثاني: ضمان التحفظ على أصل المالية و احترام العمل، و مع فساد الأول و بطلانه لا وجه لزوال الثاني بل الأول طريق اليه عند نوع المتعاملين لا أن يكون له موضوعية خاصة في عرضه، و الثاني هو الأصل الأصيل الذي تدور عليه أصالة احترام المال، و العمل التي هي من أهم الأصول النظامية البشرية.

(122) لعمومات الأدلة و إطلاقاتها الشاملة للشخصي الخارجي، و الكلي المشاع، و الكلي الذمي، و الكلي في المعين.

(123) لفرض ان المال مشترك في مشاع بينه و بين غيره، و لا يجوز التصرف في المشاع بغير إذن الشريك، و لكن إذا سلمه بدون إذن الشريك صح التسليم و ان عصى لفرض تحقق التسليم في ضمن الجميع و المؤجر مسلط على ماله.

(124) و هي نحو نقص و عيب في الشي ء، و لذا أرجع هذا الخيار إلى خيار العيب أو الى خيار تخلف الشرط الضمني البنائي، و لم يذكروه مستقلا في عداد سائر الخيارات.

ص: 91

وجهان (125)، لا يبعد ذلك إذا كان في الشركة مع ذلك الغير منقصة له.

مسألة 18: لا بأس باستئجار اثنين دارا على الإشاعة

(مسألة 18): لا بأس باستئجار اثنين دارا على الإشاعة (126)، ثمَّ يقتسمان مساكنها بالتراضي أو بالقرعة (127)، و كذا يجوز استئجار اثنين دابة للركوب على التناوب ثمَّ يتفقان على قرار بينهما بالتعيين فرسخ بفرسخ، أو غير ذلك، و إذا اختلفا في المبتدئ يرجعان إلى القرعة، و كذا يجوز استئجار اثنين دابة مثلا لا على وجه الإشاعة بل نوبا معينة بالمدة أو بالفراسخ، و كذا يجوز إجارة اثنين نفسهما على عمل معين على وجه

______________________________

(125) لا دليل على منعه مطلقا و لا على ثبوته كذلك، و مقتضى أصالة اللزوم لزوم العقد.

نعم، ثبوته يدار مدار فوت الغرض المعاملي و المقصود الأهم العقدي، و هو يختلف باختلاف الموارد و الأشخاص، فرب شريك يرغب اليه الناس و رب شريك يفر منه الكل، و هو نقص بل لا نقص أعظم منه.

(126) يصح كل ما ذكر في هذه المسألة لإطلاق أدلة الإجارة و عموماتها الشامل لجميع ذلك، و لا دليل على التخصيص و التقييد، فيجري في كل من المؤجر و المستأجر الشخصي الخارجي و الكلي المشاع و الكلي في المعين، و يصح الجميع مع تحقق الشرائط من المعلومية و عدم الغرر و الجهالة، و أما تصوير الكلي الذمي فيهما فهو مشكل.

(127) يأتي في كتاب القسمة إن شاء اللّه تعالى ان القسمة.

تارة: قسمة تراضي و هي ما إذا كانت القسمة مستلزمة للرد أو للضرر على الشريك الآخر، فيصح الامتناع عن القسمة و لا يجبر عليها، و تسمى هذه بقسمة التراضي.

و أخرى: لا رد و لا ضرر في البين، و تسمى هذه بقسمة الإجبار، فلا يصح لأحد الشركاء الامتناع عن القسمة و إن امتنع اجبر عليها، و الظاهر جريان كل منهما في المنافع كجريانهما في الأعيان.

ص: 92

الشركة كحمل شي ء معين لا يمكن إلا بالمتعدد.

مسألة 19: لا يشترط اتصال مدة الإجارة بالعقد على الأقوى

(مسألة 19): لا يشترط اتصال مدة الإجارة بالعقد على الأقوى (128)، فيجوز أن يؤجره داره شهرا متأخرا عن العقد بشهر أو سنة، سواء كانت مستأجرة في ذلك الشهر الفاصل أو لا (129)، و دعوى البطلان من جهة عدم القدرة على التسليم، كما ترى، إذ التسليم لازم في زمان الاستحقاق لا قبله.

هذا، و لو آجره داره شهرا و أطلق انصرف إلى الاتصال بالعقد (130)، نعم، لو لم يكن انصراف بطل (131).

______________________________

(128) لإطلاقات الأدلة و عموماتها من غير ما يصلح للتقييد و التخصيص إلا أمور: كمنافاة الانفصال للقدرة على التسليم و هي معتبرة حين العقد، و إن الإنشاءات علل لما يترتب عليها من الآثار و مع التأخير يلزم انفكاك العلة عن المعلول و هو محال، و ان استحقاق المطالبة و التسليم من مقتضيات العقد فالانفصال مناف لمقتضى العقد فيكون باطلا، و كل هذه الأمور باطلة.

أما الأول: فلما ذكر في المتن.

و أما الثاني: فلان العقد علة لما يترتب عليه من الأثر، لا من العلة التكوينية بل من العلل الاعتبارية التي تدور مدار صحة الاعتبار العرفي كيف ما تحقق، و يصح اعتبار انفصال المدة عن العقد عند متعارف الناس.

و أما الأخير: فلأنه ليس من مقتضيات ذات العقد من حيث هو بل يكون مقتضى إطلاقه فإذا قيد بالانفصال فلا منافاة بين المطلق و المقيد.

(129) لشمول إطلاق الأدلة لكليهما.

(130) لانسباق الاتصال بالعقد عند متعارف الناس ما لم يكن قرينة على الخلاف.

(131) لأجل الغرر و الجهالة. لكن يمكن أن يقال: إن العرف يحكم بالمنفعة الحالية في الإجارات مطلقا إلا مع القرينة على الخلاف، و هذا حكم عرفي غير الانصراف اللفظي، مضافا إلى أصالة الصحة إن فرض الشك فيها.

ص: 93

فصل العين المستأجرة في يد المستأجر أمانة

اشارة

فصل العين المستأجرة في يد المستأجر أمانة (1) فلا يضمن تلفها أو تعيّبها (2)

______________________________

(1) الأمانة إما مالكية أو شرعية.

و الأولى عبارة عن تسليط المالك شخصا على ماله برضاه، و هو إما عقدي كالوديعة و يعبر عنها بالأمانة بالمعنى الأخص، و إما تسليط محض لغرض صحيح عقلائي و يعبر عنه بالأمانة بالمعنى الأعم، كما في العين المستأجرة و المرهونة و المضارب بها و العارية و نحوها، و الأمانة الشرعية انما إذا كان التسليط على المال بحكم الشارع كما في أموال القصر و مورد اللقطة و مجهول المالك، و الأمانة في المقام مالكية لظهور الإجماع و سيرة متعارف الناس، و النصوص الواردة في الأبواب المتفرقة (1)، و يتبع الأمانة المالكية حكم الشارع بالاستئمان أيضا.

(2) لقاعدة منافاة التضمين مع التأمين المستدل عليها بالإجماع، و سيرة العقلاء، و الاخبار الواردة في الأبواب المتفرقة، و عن علي عليه السّلام في صحيح ابن قيس: «و لا يغرم الرجل إذا استأجر الدابة ما لم يكرهها أو يبغها غائلة» (2)، و يدل عليه أيضا صحاح ابن جعفر و الحلبي و أبي ولّاد (3).

و توهم: إن قاعدة عدم تضمين الأمين تختص بالأمين على الحفظ و لا

ص: 94


1- تقدم بعضها في المجلد: 18 صفحة: 275، 302.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب أحكام الإجارة: 1.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الإجارة 6- 3- 1.

إلا بالتعدي أو التفريط (3) و لو شرط المؤجر عليه ضمانها بدونهما فالمشهور عدم الصحة، لكن الأقوى صحته (4).

______________________________

تشمل المقام.

مردود: بأنه خلاف الوجدان مع قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح:

«صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان، و قال عليه السّلام: ليس على مستعير عارية ضمان، و صاحب العارية و الوديعة مؤتمن» (1)، فلا وجه للإشكال على القاعدة.

(3) لقاعدة الإتلاف و انقلاب الأمانة إلى الخيانة حينئذ فلا موضوع للتأمين حتى ينافيه التضمين.

(4) استدل على بطلان هذا الشرط بأنه مخالف لمقتضى العقد و مخالف للأخبار الدالة مفهوما و منطوقا على انه لا ضمان في العين المستأجرة (2)، فيكون هذا الشرط مخالفا للسنة فيصير باطلا لا محالة لأنه يعتبر في صحة الشرط مطلقا ان لا يكون منافيا لمقتضى العقد و لا مخالفا للسنة كما مر في باب الشروط من كتاب البيع.

و الجواب: ان اقتضاء العقد على قسمين اقتضاء ذاتي، و اقتضاء إطلاقي، و كذا مخالفة الكتاب و السنة، و شرط الضمان في المقام مخالف للاقتضاء الإطلاقي للعقد و السنة، فيكون مقيدا لذلك الإطلاق لا أن يكون منافيا للاقتضاء الذاتي لكل منهما حتى يكون فاسدا و باطلا لأصالة الصحة بعد الشك في الصحة و الفساد و انه من المخالفة مع أي الاقتضائين و لأصالة عدم المخالفة للاقتضاء الذاتي منهما بالعدم الأزلي.

و أورد على أصالة عدم المخالفة بوجهين:

الأول: بأنه مثبت لأن أصالة عدم جعل الحكم بنحو يكون مخالفا

ص: 95


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام العارية: 6.
2- راجع الوسائل باب: 32 من أبواب أحكام الإجارة.

و أولى بالصحة إذا اشترط عليه أداء مقدار مخصوص من ماله على تقدير التلف أو التعيب لا بعنوان الضمان (5)،

______________________________

للاقتضاء الذاتي بالعنوان الكلي لا ينطبق على خصوص هذا الفرد إلا بناء على الأصل المثبت.

و فيه: أن أصالة عدم المخالفة متحدة مع جميع ما يتصور لها من الافراد عقلا و عرفا، لأن الكلي عين الفرد وجودا و اعتبارا فلا اثنينية في البين حتى يتحقق موضوع الأصل المثبت.

نعم، للوهم أن يفرض الاثنينية فرضا وهميا لا واقعيا، و لكن لا شأن للوهم في العلوم مطلقا.

الثاني: انها معارضة بأصالة عدم المخالفة للاقتضاء الإطلاقي فتسقطان بالمعارضة.

و فيه .. أولا: أن المدار في صحة الشرط و عدمها على المخالفة و عدمها للاقتضاء الذاتي لا على الموافقة و عدمها للاقتضاء الإطلاقي كما هو واضح.

و ثانيا: على فرض صحة المعارضة و التساقط فالمرجع أصالة الصحة حينئذ، و لكن الأحوط ما نسب إلى المشهور فلا بد من التراضي.

ثمَّ انه لا فرق في الصحة على القول بها بين كون شرط الضمان بنحو شرط الفعل كأن يقول: «آجرتك داري و شرطت عليك تداركها مع التلف» أو يكون بنحو شرط النتيجة كأن يقول: «آجرتك داري و شرطت عليك الضمان مع التلف» بناء على صحة شرط النتيجة، بل لو قلنا بعدم صحتها يمكن أن نقول بصحتها في الضمان لأن التضمين مما يصح في تحققه مجرد إنشاءه و لو بنحو الشرط، و العرف و الإطلاق يشهد لما قلناه و قد مر في أحكام الشروط من كتاب البيع و يأتي في كتاب النذر ما ينفع المقام كما يأتي في الفرع التالي خبر موسى بن بكير الشاهد لصحة شرط الضمان.

(5) لأن ما هو محل البحث و الخلاف إنما هو الضمان الاصطلاحي لا مطلق تدارك الخسارة فإنه يكفي في صحته الأصل و إطلاق أدلة الشروط.

ص: 96

و الظاهر عدم الفرق في عدم الضمان مع عدم الأمرين بين أن يكون التلف في أثناء المدة أو بعدها (6). إذا لم يحصل منه منع للمؤجر عن عين ماله إذا طلبها (7) بل خلى بينه و بينها (8)، و لم يتصرف بعد ذلك فيها (9).

ثمَّ هذا إذا كانت الإجارة صحيحة، و أما إذا كانت باطلة ففي ضمانها وجهان أقواهما العدم (10)، خصوصا إذا كان المؤجر عالما بالبطلان (11)، حين الإقباض دون المستأجر.

______________________________

(6) لأصالة عدم الضمان من غير دليل حاكم عليها، و نسب إلى الشيخ و الإسكافي الضمان بعد المدة لقاعدة «اليد».

و فيه: انه لا وجه للتمسك بها بعد المدة لأن العين بعدها أما أمانة مالكية أو شرعية، و لا معنى لتضمين الأمين شرعية كانت أو مالكية.

(7) بحيث يصدق عرفا أن المال خرج عن تحت استيلائه و دخل في سلطنة صاحب المال، و لكنه لم يتصرف بالعمد و الاختيار.

(8) مع صدق القبض و الإقباض، بذلك عرفا و إلا يكون ضامنا لقاعدة «اليد» بعد تحقق العدوان.

(9) تقدم أن الملاك تحقق الاستيلاء عليه من المؤجر.

(10) لأنه لا فرق في الاستيمان على العين المستأجرة بين الإجارة الصحيحة و الفاسدة، فإن المالك يستأمن المستأجر على العين فيهما لاستفادة المنفعة، و هذا هو المشهور بين الأصحاب، و تقتضيه قاعدة: «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسدة» فإذا لم يضمن العين في الإجارة الصحيحة فلا يضمن في الإجارة الفاسدة أيضا، و تقدم بيان القاعدة أصلا و عكسا و ما أشكل عليها و الجواب عنه في كتاب البيع (1).

(11) لما مر من تحقق احتمال الإقدام على المجانية حينئذ مطلقا، و لكن مر أن العلم بالفساد أعم من المجانية.

ص: 97


1- راجع ج: 16 صفحة: 252.

مسألة 1: العين التي للمستأجر بيد المؤجر الذي آجر نفسه

(مسألة 1): العين التي للمستأجر بيد المؤجر الذي آجر نفسه لعمل فيها كالثوب آجر نفسه ليخيطه أمانة، فلا يضمن تلفها أو نقصها (12)، إلا بالتعدي أو التفريط (13)، أو اشتراط ضمانها على حذو ما مر في العين المستأجرة (14)، و لو تلفت، أو أتلفها المؤجر، أو الأجنبي قبل العمل، أو في الأثناء بطلت الإجارة (15)، و رجعت الأجرة بتمامها أو بعضها إلى المستأجر (16)، بل لو أتلفها مالكها المستأجر كذلك أيضا (17).

______________________________

(12) لما تقدم من قاعدة: «عدم ضمان الأمين» مضافا إلى ظهور الإجماع مع عدم التهمة.

(13) لانقلاب الأمانة إلى الخيانة، فيكون مقتضى عموم قاعدة على اليد الضمان حينئذ.

(14) لكن الفرق بينهما ان المشهور في العين المستأجرة عدم صحة اشتراط الضمان بخلاف المقام فإن المشهور صحة اشتراطه، و استندوا إلى خبر موسى بن بكر: «عن رجل استأجر سفينة من ملاح فحمّلها طعاما و اشترط عليه إن نقص الطعام فعليه، قال عليه السّلام: جائز، قلت: انه ربما زاد الطعام قال عليه السّلام: يدعي الملاح انه زاد شيئا؟ قلت: لا، قال عليه السّلام: هو لصاحب الطعام الزيادة و عليه النقصان إذا كان قد اشترط ذلك» (1)، و إطلاقه يشمل الضمان الاصطلاحي و تدارك الخسارة كما يشمل شرط الفعل و شرط النتيجة، بل هو ظاهر في شرط النتيجة.

(15) لانعدام موضوعها و تعذر العمل فلا موضوع للصحة أصلا.

(16) لأنه لا معنى لبطلان القرار المعاملي و التعهد المعاوضي إلا رجوع كل مال إلى صاحبه.

(17) لتحقق تعذر العمل في هذه الصورة فلا يبقى موضوع للصحة.

ص: 98


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الإجارة حديث: 5.

نعم، لو كانت الإجارة واقعة على منفعة المؤجر بأن يملك منفعته الخياطي في يوم كذا يكون إتلافه لمتعلق العمل بمنزلة استيفائه لأنه بإتلافه إياه فوت على نفسه المنفعة (18)، ففرق بين أن يكون العمل في ذمته (19)، أو أن يكون منفعته الكذائية للمستأجر، ففي الصورة الأولى التلف قبل العمل موجب للبطلان و رجوع الأجرة إلى المستأجر و إن كان هو المتلف، و في الصورة الثانية إتلافه بمنزلة الاستيفاء و حيث انه مالك لمنفعة المؤجر و قد فوّتها على نفسه فالأجرة ثابتة عليه.

مسألة 2: المدار في الضمان على قيمة يوم الأداء

(مسألة 2): المدار في الضمان على قيمة يوم الأداء (20) في

______________________________

(18) بل لأن تسليم المؤجر نفسه للعمل الذي وقعت عليه الإجارة و عدم استيفاء المستأجر لذلك العمل يوجب استقرار الأجرة، كما مر في (مسألة 1) من أول الفصل، و لا تصل النوبة إلى هذا التعليل الذي ذكره.

(19) بناء على ما قلناه من إن تسليم المؤجر نفسه للعمل الذي وقعت عليه الإجارة و عدم استيفاء المستأجر له يوجب استقرار الأجرة لا فرق بين الصورتين، و كذا بناء على إطلاق قوله رحمه اللّه فيما مر من (مسألة 13) من ان إتلاف المستأجر بمنزلة القبض، فإنه يشمل كلتا الصورتين، فالمقتضي للتسليم من طرف المؤجر موجود و المانع مفقود و التقصير من طرف المستأجر، و ما ذكره من التعليل واضح.

(20) أما أصل ثبوت الضمان في وضع اليد على الأموال المحترمة مطلقا فهو ثابت بالأدلة الأربعة بلا فرق بين المثليات و القيميات، و يمكن أن يعد هذا من الفطريات البشرية و يدور عليه نظام معاملاتهم و حفظ أموالهم.

و أما ان المدار في قيمة القيميات على أي وقت فقد اختلفت فيه الأقوال اختلافا كثيرا عمدتها ثلاثة:

الأول: يوم العدوان لصحيح أبي ولّاد لقوله عليه السّلام فيه: «قيمة بغل يوم

ص: 99

.....

______________________________

خالفته» (1)، بناء على كون الظرف قيد للقيمة.

الثاني: قيمة يوم التلف و هو المشهور.

الثالث: قيمة يوم الدفع و الأداء و هو قول محققي المتأخرين.

و لا بد من بيان ما هو المأنوس في أذهان الناس في الضمان مع تلف العين.

و ثانيا: بيان أنه هل ورد فيها نص تعبدي يتعبد به أو لا؟.

و ثالثا: ما هو مقتضى القاعدة الكلية المطلقة في جميع الموارد حتى تتبع مطلقا.

أما الأول: فتطابقت آراء العقلاء على أن كل من استولى على مال الغير لا بد له من خروجه عن عهدته، إما برد عينه أو بدله، و ليس النبوي المعروف:

«على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (2)، إلا بيانا لهذا المرتكز العقلائي و الأمر النوعي النظامي، و لا وجه للمناقشة في سنده بأن في سنده سمرة بن جندب و قيل فيه انه شر البرية، لأن القاعدة نظامية لا تعبدية حتى يلتمس فيها صحة السند، كما لا وجه لتطويل البحث في متنه بأن الوجوب المستفاد منه هل هو تكليفي أو وضعي؟ و على الأول هل المراد وجوب أداء نفس المأخوذ أو وجوب أداء البدل أو وجوب الحفظ، لأن كل ذلك من التطويل بلا طائل، لأنا إذا عرضناه على العرف يتبادر منه في أذهانهم ان كل ذي عهدة لمال محترم لا بد و أن تفرغ عهدته بالعين أو البدل، فالحكم وضعي يتبعه التكليف، و هذا واضح لا ريب فيه كما لا ريب في أنه مع بقاء العين و إمكان رده إلى صاحبه لا وجه للانتقال إلى البدل مثلا أو قيمة، ثمَّ مقتضى الأنس الذهني أنه وقت الأداء حيث إنه وقت تفريغ الذمة و قطع العلاقة بين الضامن و الطرف هو وقت تعيين المالية إلا مع دليل على الخلاف، فلو أدى الضامن ماليته وقت الدفع و الأداء لا يستنكر

ص: 100


1- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الإجارة: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الوديعة: 2 و في سنن ابن ماجه باب: 5 من كتاب الصدقات حديث: 2400.

.....

______________________________

منه عرفا، و لكن لو طالب الطرف ماليته وقت آخر لا يقبل قوله إلا بحجة معتبرة تدل على صحة قوله، و لا بد له من إثبات ذلك بوجه معتبر مع أن تقويم نوع الأشياء إنما يلحظ تقويما فعليا عند الصرف و الحاجة لا أن يكون من التقويم التعليقي فيكون التقويم في المضمونات عند الحاجة هو وقت الأداء و الدفع.

و أما الثاني: قد يستظهر من صحيح أبي ولّاد أن المدار في الضمان على وقت العدوان، و قد اختاره جمع.

و فيه .. أولا: ان الاحتمالات في متعلق الظرف ثلاثة كما تقدم في كتاب البيع و لا معين في البين لخصوص هذا الاحتمال.

و ثانيا: انه على فرض الاستظهار لا يستفاد منه إلا حدوث طبيعي الضمان في يوم المخالفة، و أما انه قيمة خصوص ذلك اليوم أو غيره فلا يستفاد ذلك منه.

و ثالثا: يبعد ذلك فيما إذا كان التفاوت فاحشا كما إذا كانت قيمة يوم العدوان درهما و حين الأداء خمسة مثلا.

و رابعا: لو كان الصحيح ظاهر فيما ذكر عرفا كيف ترتقي الأقوال في المسألة الى أكثر من عشرة؟! و كيف ينسب إلى المشهور اختيار يوم التلف بدعوى ان الضمان لا بد له من متعلق فما دام العين يكون موجودا يكون متعلقه نفس العين، و مع تلفه إما أن يزول الضمان بزوال المتعلق و هو خلاف الضرورة أو يتعلق بالقيمة و هو المطلوب، مضافا إلى ما ورد في من أعتق حصته من عبد انه يقوّم قيمته يوم أعتق (1).

و فيه. أولا: ان زوال العين من الخارج لا يوجب زوالها عن الاعتبار الذمي، فهي و ان تلفت خارجا و لكنها باقية في الذمة اعتبارا، فالضمان ثابت بالنسبة إلى نفس العين إلى حين فراغ الذمة و لا يفرّق فيه بين وجود العين في الخارج و عدمه، و أما الخبر فلا بد فيه من اعتبار يوم العتق لزوال المالية عنه

ص: 101


1- الوسائل باب: 18 من أبواب العتق حديث: 3- 4.

.....

______________________________

حينئذ، و لا وجه لماليته بعد العتق لا خارجا و لا اعتبارا، إذ الحر لا يملك بوجه و لا تعتبر الملكية فيه أيضا اعتبارا صحيحا إلا بفرض الوهم الذي لا أثر له.

و ثانيا: يشكل ذلك فيما إذا كانت القيمة يوم العدوان كثيرا و يوم التلف صارت قليلة، كما إذا كانت القيمة يوم العدوان خمسة دراهم و صارت يوم التلف درهما مثلا، فلا وجه لإطلاق هذا القول أيضا، و يجاب عما ورد في العتق بذلك أيضا فإنه لا يدل على أزيد من حدوث طبيعي الضمان يوم العتق، و أما الخصوصية فلا تستفاد منه، و كذا يشكل عليه بالإشكال الثاني أيضا فيما إذا تفاوتت القيمة تفاوتا كثيرا، ثمَّ ان هذا الأمر العام البلوى كيف كان مسكوتا عنه و لم يرد فيه إلا صحيح أبي ولّاد المجمل متنا، و خبر العتق القاصر سندا و المجمل متنا أيضا، فلا بد و ان تكون في البين قاعدة ارتكازية أوكل الأمر إليها.

و أما الثالث: و هو بيان القاعدة في نظائر المقام، فنقول: ان لكل عين من الأعيان جهات و حيثيات.

الأولى: المالية المحضة التي بها يقوم سوق الأنام، و يتم النظام.

الثانية: ما يرد عليها من الرخص و الغلاء و ارتفاع القيمة السوقية و انحطاطها.

الثالثة: شخصيتها الخارجية من حيث كونها موجودا خارجيا.

الرابعة: منافعها التي هي أيضا من أهم شؤون ماليتها.

الخامسة: اعتبار وجودها في الذمة و ان تلفت في الخارج، و هذا اعتبار صحيح عقلا و شرعا، و لا ملازمة بين التلف الخارجي و سقوط الاعتبار الذمي لأنهما كالوجود الخارجي و الذهني، فإن انعدام الشي ء من الخارج لا يوجب الانعدام الذهني، فالعين باقية في الذمة و معتبر فيها الى حين فراغ الذمة فيكون المناط على قيمة يوم الأداء و الدفع، و لو حصل ارتفاع القيمة في البين فهو على قسمين:

الأول: ما يكون حاصلا و زائلا بسرعة.

ص: 102

القيميات، لا يوم التلف (21)، و لا أعلى القيم (22) على الأقوى.

مسألة 3: إذا أتلف الثوب بعد الخياطة ضمن قيمته مخيطا

(مسألة 3): إذا أتلف الثوب بعد الخياطة ضمن قيمته مخيطا (23) و استحق الأجرة المسماة، و كذا لو حمل متاعا إلى مكان معين ثمَّ تلف مضمونا أو أتلفه، فإنه يضمن قيمته في ذلك المكان لا أن يكون المالك مخيرا بين تضمينه غير مخيط بلا أجرة أو مخيطا مع الأجرة، و هكذا لا أن يكون في المتاع مخيرا بين قيمته غير محمول في مكانه الأول بلا أجرة أو

______________________________

الثاني: ما يكون له ثبات و استمرار في الجملة و لا اعتبار بالأول عند العرف، و أما الثاني فهو معتبر فيشكل غمض النظر عنه.

نعم، لو كان العين موجودة خارجا و دفع نفس العين فلا أثر لارتفاع القيمة مطلقا، و لكن فيه أيضا إشكال إذا كانت مدة الارتفاع معتدا بها، و كان تأخير الأداء بتعمد ممن في يده المال، و كذا في صورة التلف التي تكون من تنزيل بقاء العين اعتبارا.

هذه غاية ما يمكن أن يقرب ان المناط على قيمة وقت الأداء، و لكن الأحوط التصالح و التراضي.

(21) نسب ذلك إلى المشهور و تقدم دليله و المناقشة فيه.

(22) اختاره جمع لأن زمان ارتفاع القيمة كانت العين تحت يده فتشمله قاعدة «على اليد».

و فيه .. أولا: انه معارض بزمان انخفاضه.

و ثانيا: إن الحاصل الزائل لا أثر له عند متعارف الناس.

نعم، لو كان زمان الارتفاع معتدا به عرفا، و كان التأخير بتعمد من الضامن يشكل عدم ضمانه، و حينئذ ينبغي التصالح.

(23) تقدم ما يتعلق بهذه المسألة في (مسألة 15) من الفصل السابق فراجع.

ص: 103

في ذلك المكان مع الأجرة كما قد يقال (24).

مسألة 4: إذا أفسد الأجير للخياطة أو القصارة أو التفصيل الثوب ضمن

(مسألة 4): إذا أفسد الأجير للخياطة أو القصارة أو التفصيل الثوب ضمن، و كذا الحجام إذا جنى في حجامته، أو الختّان في ختانه، و كذا الكحّال، أو البطّار، و كل من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا أفسده يكون ضامنا إذا تجاوز عن الحدّ المأذون فيه و ان كان بغير قصده، لعموم «من أتلف» و للصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يعطي الثوب ليصبغه فقال عليه السّلام: كل عامل أعطيته أجرا على أن يصلح فأفسد فهو ضامن» (25) بل

______________________________

(24) بدعوى: ان المقام من تلف الوصف الموجب للخيار لا من تلف العين الموجب للضمان.

و فيه: انه من التكليف البعيد بلا دليل عليه، و مجرد إمكان إرجاعه إلى تلف الوصف بالإمكان العقلي لا يوجب كونه منه عرفا حتى يتحقق موضوعه لدى العرف، و كان هو المنسبق إلى أذهانهم.

(25) هذا هو صحيح الحلبي (1)، و مثله صحيح أبي الصباح قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القصار هل عليه ضمان؟ فقال عليه السّلام: نعم كل من يعطى الأجر ليصلح فيفسد فهو ضامن» (2)، فيكون مستند الضمان قاعدة الإتلاف، و الإجماع، و النص الخاص و تتميم البحث في المقام من جهات:

الأولى: من القواعد النظامية قاعدة «ان إتلاف مال الغير يوجب الضمان»، و أطبق فقهاء المسلمين عليها أيضا، و لا فرق فيها بين المباشرة و التسبيب و الاختيار و عدمه، كما لا يعتبر البلوغ و العقل و غير ذلك مما هو معتبر في التكليف فمتى صح انتساب الإتلاف إلى شخص يترتب عليه الضمان، فالإتلاف المباشري أو التسبيبي يوجب الضمان مع تقديم السبب على المباشر،

ص: 104


1- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الإجارة حديث: 19.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الإجارة حديث: 13.

.....

______________________________

و يأتي تفصيل ذلك في كتاب الغصب و الديات بلا فرق في ذلك بين موارد الاستيمانات و غيرها، و بلا فرق أيضا بين ما إذا كان فعل المتلف علة تامة للإتلاف، أو حصل الإتلاف من فعله بنحو التوليد، أو كان فعله من قبيل الشرط للإتلاف.

الثانية: بعد ان مر أنه يكفي في الإتلاف الموجب للضمان مجرد صحة انتساب التلف الى المتلف لا فرق فيه بين العمد و الخطأ، ففي صورة الخطأ يثبت الضمان بالإتلاف لصحة الانتساب.

نعم، في بعض موارد الخطأ يكون الضمان على العاقلة كما يأتي في كتاب الديات، و لكنه لا ينافي ثبوت أصل الضمان بالخطإ.

الثالثة: لو كان استيفاء المنفعة في مورد متوقفا على الإتلاف كاستيجار المرأة للإرضاع، و البئر للاستسقاء، أو حصول نقص في العين المستأجرة كاستيجار المركوب للمسافرة مدة طويلة، بحيث يلازم حصول النقص منه عرفا فلا منشأ للضمان حينئذ لفرض بناء مثل هذا الاستيجار على الإتلاف و النقص، فيكون إقداما على إسقاط الضمان مع الإتلاف و منه ختان طفل مريض يموت بالختان عرفا بل لا يصح شرط الضمان في مثل استئجار المرأة للإرضاع و البئر للاستسقاء بالنسبة الى إتلاف اللبن و الماء.

الرابعة: الأقسام المتصورة ثلاثة:

الأول: الإتلاف و هو إما مباشري أو تسبيبي بأي وجه صح الانتساب عرفا، و يتحقق الضمان في ذلك كله.

الثاني: التلف و لا وجه للضمان فيه، لكونه أمينا و لا وجه لتضمين الأمين كما مر.

الثالث: الشك في إنه من أيهما، و مقتضى الأصل عدم الضمان بعد عدم صحة التمسك بالأدلة اللفظية للضمان، أو لعدمه من جهة الشك في الموضوع إلا أن يتمسك بالضمان الاحتياطي الذي أسسه أمير المؤمنين عليه السّلام احتياطا لأموال

ص: 105

.....

______________________________

الناس، فإنه يشمل صورة الشك كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يضمن القصّار و الصائغ احتياطا للناس، و كان أبي يتطول عليه إذا كان مأمونا» (1)، و يستفاد من صدره و ذيله ثبوت الضمان، لأن التطول و التفضل لا يكون إلا مع ثبوت الضمان، و مثله خبر أبي بصير عنه عليه السّلام أيضا (2)، و في خبر السكوني عنه عليه السّلام أيضا، قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يضمن الصباغ و القصّار و الصائغ احتياطا على أمتعة الناس، و كان لا يضمن من الغرق و الحرق و الشي ء الغالب» (3)، و ذيله دليل على عدم الضمان مع التلف كما مر، و حكم أمير المؤمنين عليه السّلام بالضمان ليس مطلقا حتى مع عدم التعدي و التفريط، بل هو حكم بالضمان ما لم يثبت عدمه بالبينة أو الحلف، و كذا صحيح آخر للحلبي الظاهر أن المناط في عدم الضمان انما هو ثبوت التلف بوجه معتبر، و يبقى مورد الشك مشمولا لأدلة الضمان ما لم يثبت خلاف ذلك شرعا، حيث قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

فيه: «و لم يقم البينة و زعم أنه قد ذهب الذي ادعى عليه، فقد ضمنه إن لم تكن له بينة على قوله» (4) و قريب منه خبر أبي بصير عنه عليه السّلام أيضا (5).

الخامسة: هاهنا مسائل ..

الأولى: التلف بلا تعد و لا تفريط، و قد مر عدم الضمان فيه.

الثانية: الإتلاف و الإفساد مباشرة أو تسبيبا، و هذه هي مورد بحثنا التي ثبتت الضمان فيها.

الثالثة: دعوى التلف و مقتضى القاعدة انه لا يقبل منه إلا بالبينة أو اليمين خصوصا مع الاتهام و يأتي في (مسألة 9 من فصل التنازع) فلا يختلط أحد القسمين بمورد الكلام.

السادسة: الأخبار الواردة في المقام أقسام منها ما تقدم من صحيح الحلبي، و أبي الصباح الواردين في مقام بيان القاعدة الكلية، و في سياقها بعض

ص: 106


1- الوسائل باب: 29 من حديث: 4 و 12 و 6.
2- الوسائل باب: 29 من حديث: 4 و 12 و 6.
3- الوسائل باب: 29 من حديث: 4 و 12 و 6.
4- الوسائل باب: 29 من حديث: 3 و 5.
5- الوسائل باب: 29 من حديث: 3 و 5.

ظاهر المشهور ضمانه و إن لم يتجاوز عن الحد المأذون فيه (26)، و لكنه مشكل (27). فلو مات الولد بسبب الختان مع كون الختّان حاذقا من غير أن يتعدى عن محل القطع بأن كان أصل الختان مضرا به في ضمانه

______________________________

الأخبار الأخر (1)، و منها الأخبار الواردة في التضمين الاحتياطي الذي أسسه أمير المؤمنين عليه السّلام احتياطا لأموال الناس و هو أيضا قاعدة كلية تقتضي التضمين مطلقا إلا فيما نص فيه على الخلاف و العرف و الاعتبار أيضا يشهد بلزوم هذا التضمين الاحتياطي، خصوصا إذا استولى الفساد على أهل الزمان و شاع عدم الاهتمام بالدين عند الناس.

و منها: خبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «لا يضمن الصائغ و لا القصّار و لا الحائك إلا أن يكونوا متهمين فيخوف بالبينة و يستحلف لعله يستخرج منه شيئا» (2)، و في سياقه بعض الأخبار الأخر، و لا بد من حمل مثل هذه الأخبار على صورة دعوى التلف بلا إحراز صدقه فيه، فلا بد من إثباته حينئذ بالبينة أو الحلف و بذلك يجمع بين جميع أخبار الباب و كلمات الأصحاب، فراجع و تأمل.

(26) لإطلاق كلماتهم و إطلاق النصوص الشاملان لهذه الصورة أيضا كما يشمل صورة حضور المالك و غيبته.

(27) الأقسام ثلاثة .. فتارة: يكون الفساد من لوازم العمل الاستيجاري و الفعل المأذون فيه بحسب المتعارف مع علم الاذن بذلك، فلا وجه للضمان حينئذ لفرض الاقدام على الفساد و سقوط الضمان في مثل هذه الإجارة، كما تقدم البحث فيه في الجهة الثالثة.

و أخرى: لا يكون كذلك.

و ثالثة: يشك فيه أنه من أيهما، و مقتضى ما تقدم من أدلة الضمان في

ص: 107


1- تقدم في صفحة: 104.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب الإجارة: 11.

إشكال (28).

مسألة 5: الطبيب المباشر للعلاج إذا أفسد ضامن

(مسألة 5): الطبيب المباشر للعلاج إذا أفسد ضامن، و ان كان حاذقا (29)، و أما إذا لم يكن مباشرا بل كان آمرا ففي ضمانه إشكال (30) إلا أن يكون سببا و كان أقوى من المباشر (31) و أشكل منه إذا كان واصفا

______________________________

صورة الإفساد و التضمين الاحتياطي الذي أسسه علي عليه السّلام الضمان في هذين القسمين، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن يظهر منه عدم الضمان أي في القسم الأول، و من يظهر منه الضمان أي في القسمين الأخيرين.

(28) تبين مما مر أنه لا ضمان مع عدم تحمل الولد له لهزال أو مرض أو نحوهما، بحيث كان الموت من لوازم الختان بالنسبة إليه عرفا و في غيره يكون ضامنا لما مر.

(29) لجميع ما تقدم في المسألة السابقة من النصوص و الإجماع و قاعدة الإتلاف، و خبر السكوني: «من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه و إلا فهو ضامن»(1)، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين المباشر للعلاج أو الذي يخبر عن الداء و الدواء كما هو الغالب خصوصا في الأزمنة القديمة، و القول بعدم الضمان من جهة الإذن في العلاج.

مردود: لأن الإذن انما هو في العلاج دون الفساد.

(30) و قد اختار جمع عدم الضمان فإن كان ذلك لأجل ان الإذن يوجب عدم الضمان فقد مر انه أعم من ذلك، و إن كان دعوى ظهور الأدلة في المباشرة فهو من مجرد الدعوى، و مخالف للانسباق المحاوري إذا كان في مقام العلاج و اعمال صنعته و مهنته مع انه مخالف للتضمين الاحتياطي الذي أسسه علي عليه السّلام كما تقدم.

(31) الظاهر أن موارد الطبابة تكون غالبا من السبب الذي هو أقوى من

ص: 108


1- الوسائل باب: 24 من أبواب موجبات الضمان: 1.

من دون أن يكون آمرا، كأن يقول: إن دواءك كذا و كذا، بل الأقوى فيه عدم الضمان (32)، و ان قال: الدواء الفلاني نافع للمرض الفلاني، فلا ينبغي الإشكال في عدم ضمانه (33). فلا وجه لما عن بعضهم (34) من التأمل فيه، و كذا لو قال: لو كنت مريضا بمثل هذا المرض لشربت الدواء الفلاني.

مسألة 6: إذا تبرأ الطبيب من الضمان و قبل المريض أو وليه

(مسألة 6): إذا تبرأ الطبيب من الضمان و قبل المريض أو وليه و لم يقصّر في الاجتهاد و الاحتياط برئ على الأقوى (35).

______________________________

المباشر و في مثله لا إشكال في الضمان، و مع الشك في أنه من أيّهما يشمله التضمين الاحتياطي الذي أسسه أمير المؤمنين عليه السّلام كما تقدم فيما سبق.

(32) إن لم يصدق التسبيب عرفا و لم يكن من الشك في التسبيب و عدمه أيضا، و الظاهر ان المسألة تختلف باختلاف الموارد و الأشخاص و الخصوصيات.

(33) هذه الصورة أيضا مختلفة باختلاف الخصوصيات و الأشخاص، فقد تكون من التسبيب و قد تكون من الشك في أنه من السبب أو لا، و قد تكون من مجرد حكاية شي ء من دون أن تكون من التسبيب أو الشك فيه، فإذا قلنا أن مورد الشك يضمن فيه احتياطا فلا بد من ملاحظة الجهات و القرائن حتى لا يختلف الموضوع فيختلف لأجله الحكم.

(34) الظاهر أن النزاع صغروي لما قلناه من اختلاف الحكم باختلاف الخصوصيات و الجهات، فلا نزاع في الواقع في أصل الكبرى فطريق الاحتياط في جميع هذه الموارد أخذ البراءة من الطرف أو التراضي و التصالح.

فرع: الظاهر ضمان أصحاب الصيادلة لو أعطوا دواء يضر المريض خطأ، سواء كان ذلك في أصل الدواء أو في كميته أو كيفيته، لقاعدتي الضرر و الإتلاف، و ما مر من النصوص السابقة خصوصا التضمين الاحتياطي الذي جعله علي عليه السّلام كما مر.

(35) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر السكوني: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام من

ص: 109

مسألة 7: إذا عثر الحمال فسقط ما كان على رأسه أو ظهره مثلا ضمن لقاعدة الإتلاف

(مسألة 7): إذا عثر الحمال فسقط ما كان على رأسه أو ظهره مثلا- ضمن (36) لقاعدة الإتلاف.

مسألة 8: إذا قال للخياط مثلا إن كان هذا يكفيني قميصا فاقطعه

(مسألة 8): إذا قال للخياط مثلا إن كان هذا يكفيني قميصا فاقطعه،

______________________________

تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه و إلا فهو له ضامن» (1)، و هذا هو المشهور بين الفقهاء.

و يمكن أن يجعل ذلك موافقا للقاعدة أي: قاعدة السلطنة و الإذن في الشي ء بنحو لا يستعقب الضمان و لا ريب في أن للمالك و الولي أن يأذن هذا النحو من الإذن.

و بعبارة أخرى لهما أن يدفعا الضمان، كما أن لهما أن يرفعاه فلا وجه لما نسب إلى الحلي و غيره من عدم صحة التبري لأنه إسقاط ما لم يجب، و حملا للخبر على ما بعد الجناية، إذ الحمل بعيد عن مساق الخبر عرفا و إسقاط ما لم يجب، لا بأس به إذا كان في معرض الوجوب عرفا، مع ما مر من أنه دفع لا أن يكون رفعا حتى يكون من إسقاط ما لم يجب.

(36) لإطلاق قول أمير المؤمنين عليه السّلام: «الأجير المشارك هو ضامن إلا من سبع، أو من غرق، أو حرق، أو لص مكابر» (2)، و إطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«في رجل حمل متاعا على رأسه فأصاب إنسانا فمات أو انكسر منه شي ء فهو ضامن» (3)، مضافا إلى قاعدة الإتلاف و ما قررناه من التضمين الاحتياطي إلا إذا ثبت كونه من التلف فلا ضمان عليه حينئذ، و من قال بعدم الضمان و جعله من التلف يكون نزاعه صغرويا لا أن يكون كبرويا، و لا فرق في صورة الضمان بينما إذا كان السقوط باختياره و عمده أو لا، فكلما صح اضافة السقوط إليه ضمن بأي وجه صحت الإضافة و النسبة.

ص: 110


1- تقدم في صفحة: 121.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الإجارة حديث: 4 و 11.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب الإجارة حديث: 4 و 11.

فقطعه فلم يكف، ضمن في وجه (37) و مثله لو قال: هل يكفي قميصا، فقال: نعم (38) فقال: اقطعه، فلم يكفه، و ربما يفرق بينهما (39) فيحكم بالضمان في الأول دون الثاني، بدعوى عدم الإذن في الأول دون الثاني.

و فيه: ان في الأول أيضا الإذن حاصل (40) و ربما يقال بعدم الضمان فيهما للإذن فيهما، و فيه أنه مقيد بالكفاية إلا أن يقال إنه مقيد باعتقاد الكفاية و هو حاصل (41)، و الأولى الفرق (42). بين الموارد و الأشخاص بحسب صدق الغرور (43) و عدمه أو تقيد الإذن و عدمه، و الأحوط مراعاة الاحتياط.

______________________________

(37) لاستناد الإفساد إلى فعله مع عدم الإذن فيه، لفرض ان الإذن كان مقيدا بوجه خاص بخصوصية، و هي منتفية فينتفي أصل الإذن لا محالة.

ثمَّ انه لا اختصاص لهذه المسألة بالخياطة، و يجري حكمها في البناء و النجارة و الحياكة و غيرها لأن الحكم لا بد و ان ينقح بحسب القاعدة و هي عامة في جميع الموارد و ليس في المقام نص خاص يتعبد به.

(38) لجريان عين ما تقدم في سابقة فيه أيضا. و احتمال الفرق بينهما يأتي التعرض له و لما فيه من الإشكال.

(39) نسب ذلك إلى القواعد و تبعه في الجواهر.

(40) لكنه مقيد بالكفاية لا ان يكون مطلقا و لا أثر للمقيد مع انتفاء القيد.

(41) إذا كان لنفس الاعتقاد موضوعية خاصة فهو حاصل لا محالة، و لكنه ليس كذلك بل هو طريق إلى ما في الخارج و المفروض انه غير حاصل بلا فرق من هذه الجهة أيضا بين الصورتين.

(42) و هذا هو المتعين فيكون نزاعهم في هذا الفرع أيضا صغرويا لا أن يكون كبرويا.

(43) بأن يحصل من قوله الاطمئنان للاذن فيأذن فيه للاطمئنان الحاصل

ص: 111

مسألة 9: إذا آجر عبده لعمل فأفسده

(مسألة 9): إذا آجر عبده لعمل فأفسده ففي كون الضمان عليه، أو على العبد يتبع به بعد عتقه، أو في كسبه إذا كان من غير تفريط و في ذمته يتبع به بعد العتق إذا كان بتفريط، أو في كسبه مطلقا، وجوه و أقوال (44) أقواها الأخير، للنص الصحيح (45).

هذا في غير الجناية على نفس أو طرف و إلا فيتعلق برقبته و للمولى فداؤه بأقل الأمرين من الأرش و القيمة (46).

______________________________

من قول الخياط، فيكون المأذون ضامنا من جهة التسبيب لوقوع الفساد في مال الغير.

(44) نسب الأول إلى النهاية، و جمع آخر لما في الحسن عن الصادق عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: في رجل، كان له غلام استأجره منه صائغ أو غيره، قال عليه السّلام: إن كان ضيع شيئا أو أبق منه فمواليه ضامنون» (1)، و نسب الثاني إلى الحلي و المحقق الثاني لقاعدة الإتلاف الصادقة بالنسبة الى العبد، و اختار الثالث في المسالك لأن إذن المولى لعبده في العمل يكون كإسقاطه حقه عن كسبه، و أما في صورة التفريط فحيث لا إذن من المولى فيه فلا بد و ان يكون في ذمته و اختار الأخير في الشرائع و تبعه غيره.

(45) و هو صحيح ابي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل استأجر مملوكا فيستهلك مالا كثيرا، فقال عليه السّلام: ليس على مولاه شي ء، و ليس لهم ان يبيعوه، و لكنه يستسعى و ان عجز عنه فليس على مولاه شي ء و لا على العبد شي ء» (2)، و يحمل حسنه السابق على أن مواليه ضامنون في كسبه حملا للمطلق على المقيد فلا تنافي بينهما، كما لا وجه لقول المسالك في مقابل هذا الصحيح لأنه كالاجتهاد في مقابل النص.

(46) يأتي التفصيل في كتاب الديات.

ص: 112


1- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام الإجارة: 2.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام الإجارة: 3.

مسألة 10: إذا آجر دابة لحمل متاع فعثرت و تلف أو نقص لا ضمان على صاحبها

(مسألة 10): إذا آجر دابة لحمل متاع فعثرت و تلف أو نقص لا ضمان على صاحبها (47) إلا إذا كان هو السبب بنخس أو ضرب (48).

مسألة 11: إذا استأجر سفينة أو دابة لحمل متاع فنقص أو سرق لم يضمن صاحبها

(مسألة 11): إذا استأجر سفينة أو دابة لحمل متاع فنقص أو سرق لم يضمن صاحبها (49).

نعم، لو اشترط عليه الضمان صح لعموم دليل الشرط و للنص (50).

مسألة 12: إذا حمل الدابة المستأجرة أزيد من المشترط أو المقدار المتعارف مع الإطلاق ضمن تلفها أو عوارها

(مسألة 12): إذا حمل الدابة المستأجرة أزيد من المشترط أو المقدار المتعارف مع الإطلاق ضمن تلفها أو عوارها (51). و الظاهر ثبوت

______________________________

(47) للأصل بعد فرض عدم تسبيب منه للتلف أو النقص، مضافا إلى قاعدة «عدم تضمين الأمين»، و لصحيح أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «في الرجل يستأجر الجمال فيكسر الذي يحمل عليه أو يهريقه، قال عليه السّلام: إن كان مأمونا فليس عليه شي ء، و ان كان غير مأمون فهو ضامن» (1)، و سيأتي في موجبات الضمان في كتاب الديات ما يتعلق بالمقام فراجع.

(48) لحصول التسبيب الى التلف أو النقص منه حينئذ فيثبت موجب الضمان و كذا في صورة الشك لما تقدم من التضمين الاحتياطي الذي أسسه أمير المؤمنين عليه السّلام، و لكن الأحوط التراضي.

(49) لما تقدم في المسألة السابقة مع فرض عدم التفريط و التسبيب.

(50) هو خبر موسى بن بكر، و قد تقدم في (مسألة 1) من أول الفصل فراجع.

(51) لقاعدة الإتلاف و تحقق التعدي، و للإجماع، و النصوص الدالة على الضمان فيما إذا تجاوز عن المسافة المعينة كصحيح أبي ولّاد (2)، و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح الحلبي: «إن كان جاز الشرط فهو ضامن» (3)، و قوله عليه السّلام:

ص: 113


1- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الإجارة حديث: 11.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الإجارة: 1.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب أحكام الإجارة: 2.

أجرة المثل لا المسمى (52).

______________________________

أيضا في خبر الصيقل: «و إن عطب الحمار فهو ضامن» (1)، و مقتضى إطلاق النص و الفتوى ضمان تمام القيمة، و احتمال ان الضمان انما هو بالنسبة إلى مقدار غير المأذون فقط دون التمام.

مخدوش .. أولا: بكونه مخالفا لظاهر النص فيكون كالاجتهاد في مقابله.

و ثانيا: ان منشأ الضمان هو تحقق عنوان التعدي و العدوان المنطبق على فعله و عمله، و لا ريب في تحقق هذا العنوان بالنسبة إلى هذا الموجود الخارجي، فيوجب الضمان بالنسبة إليه و التحليل العقلي و ان أمكن حتى بالنسبة إلى الجزء الذي لا يتجزى خارجا لكنه بمعزل عن الأحكام الشرعية المبنية على العرفيات.

(52) الوجوه المتصورة في هذه المسألة أربعة:

الأول: ما إذا كانت الإجارة مقيدة بالكمية الخاصة تقييدا حقيقيا بحيث تبطل أصل الإجارة مع زوال القيد و لا ريب في أن حكمها حينئذ بطلان أصل الإجارة مع حمل الزيادة، كما في زوال كل عنوان يكون مقوما لها- مثل ما إذا آجره فرس فبان حمارا مثلا- كما لا ريب في ثبوت أجرة المثل للزائد و المزيد عليه، و ما حكى عن المقدس الأردبيلي من ثبوت أجرة المثل في المجموع إن كان مراده هذه الصورة فلا إشكال فيه لكونه مطابقا للقاعدة، و حيث انه مطابق للقاعدة فالمشهور أيضا يقولون به إذ لا نص على الخلاف حتى يتعبد به على خلاف القاعدة.

الثاني: ما إذا لم تكن الكمية الخاصة من التقييد الحقيقي، بل كان لداع مخصوص- كأن لا يتعب الدابة كثيرا مثلا- و لا ريب في صحة الإجارة بالنسبة إلى الكمية المسماة و ثبوت أجرة المثل بالنسبة إلى الزائد، و هذا هو المشهور

ص: 114


1- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام الإجارة: 2.

.....

______________________________

و يبعد عن المحقق الأردبيلي ان يخالف المشهور في هذه الصورة لأن حكم كل من الزائد و المزيد عليه مطابق للقاعدة.

الثالث: ما إذا كان ذكر الكمية الخاصة من باب تعيين أجرة كل ما يزاد بنسبة تلك الكمية إذا كانت الزيادة معلومة بحسب المتعارف، كما إذا قال:

«آجرتك الدابة لتحمل عليها عشرين كيلوا- مثلا- و ان زدت خمس كيلوات، فبحسابه» بناء على صحة هذا الإجارة و عدم البطلان للجهالة فلا إشكال حينئذ في تقسيط المسمى بالنسبة إلى الزيادة فإن كان مراد ما نسب إلى المقنعة من ثبوت أصل المسمى في المقدار المذكور، و بحسابه في الزيادة هذه الصورة فالظاهر ان الكل متفقون عليه بلا نزاع حينئذ في البين، و إن كانت في البين قرينة على ان الزائد على الكمية المستأجرة يحسب بأزيد من المسمى تتبع تلك القرينة.

الرابع: ما إذا شك في أنه من أي الأقسام، و الظاهر الحاقه بالقسم الثاني لأن بقية الأقسام بعيدة عن الإجارة الشائعة عند متعارف الناس، و لا ريب في اختلاف الموضوع باختلاف الخصوصيات و الجهات، و لكن مقتضى القواعد العامة ما ذكرناه.

فروع: الأول: لا فرق في ضمان المستأجر لأجرة الزائد بين تعمده و خطأه، و لا بين علم المؤجر و جهله.

نعم، لو علم منه التبرع بأجرة الزائد فلا ضمان حينئذ لمكان التبرع.

الثاني: لو حمل نفس المؤجر الزيادة عن الكمية الخاصة على المركوب فلا ضمان على المستأجر، للأصل و مجرد وصول النفع إليه لا يوجب الضمان بعد عدم تسبب منه إليه.

الثالث: لو كان حمل الزائد بفعل أجنبي و لم يكن بتسبيب من المؤجر و المستأجر فالضمان على الأجنبي، و لو كان بأمرهما فالضمان على المستأجر لأن ذلك استيفاء لمنفعة المركوب بالنسبة اليه، و لا ينفع لدفع الضمان عن

ص: 115

مع عدم التلف (53) لأن العقد لم يقع على هذا المقدار من الحمل.

نعم، لو لم يكن ذلك على وجه التقييد ثبت عليه المسماة و أجرة المثل بالنسبة إلى الزيادة.

مسألة 13: إذا اكترى دابة فسار عليها زيادة عن المشترط ضمن

(مسألة 13): إذا اكترى دابة فسار عليها زيادة عن المشترط ضمن، و الظاهر ثبوت الأجرة المسماة بالنسبة إلى المقدار المشترط و أجرة المثل بالنسبة إلى الزائد (54).

مسألة 14: يجوز لمن استأجر دابة للركوب أو الحمل أن يضربها

(مسألة 14): يجوز لمن استأجر دابة للركوب أو الحمل أن يضربها إذا وقفت على المتعارف أو يكبحها باللجام أو نحو ذلك على المتعارف (55)، إلا مع منع المالك من ذلك (56)، أو كونه معها و كان

______________________________

المستأجر أذن المؤجر و أمره لأنه أعم من التبرع، كما هو واضح.

و منه يعلم حكم ما إذا كان بأمر المستأجر دون المؤجر.

ثمَّ إنه يأتي من الماتن في (مسألة 6) من الفصل التالي لزوم أجرة المثل و أجرة المسماة، و هو مناف لما اختاره من المقام في ثبوت أجرة المثل فقط، و يأتي هناك بعض ما يرتبط بالمقام.

(53) بل و مع التلف أيضا فيجتمع عليه ضمان العين و ضمان المنفعة الزائدة المستوفاة لقاعدتي اليد و الإتلاف، و صحيح أبي ولّاد (1).

(54) لظاهر صحيح أبي ولّاد (2)، مضافا إلى الإجماع.

(55) لأن الأدلة منزلة على المتعارف، و المفروض ان هذا هو المتعارف بين الناس.

(56) مجرد منع المالك ما لم يذكر في ضمن العقد لا أثر له فلو منع من دون شرط في العقد لا أثر له بعد كون المتعارف ذلك.

ص: 116


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الإجارة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الإجارة حديث: 1.

المتعارف سوقه هو (57)، و لو تعدى عن المتعارف أو مع منعه ضمن نقصها أو تلفها (58).

أما في صورة الجواز ففي ضمانه مع عدم التعدي إشكال، بل الأقوى العدم، لأنه مأذون فيه (59).

مسألة 15: إذا استؤجر لحفظ متاع فسرق لم يضمن إلا مع التقصير في الحفظ

(مسألة 15): إذا استؤجر لحفظ متاع فسرق لم يضمن (60) إلا مع التقصير في الحفظ (61) و لو لغلبة النوم عليه (62) أو مع اشتراط الضمان (63)، و هل يستحق الأجرة مع السرقة؟ الظاهر لا، لعدم حصول العمل المستأجر عليه، إلا أن يكون متعلق الإجارة الجلوس

______________________________

(57) لأنه بعد كون المتعارف سوقه هو بنفسه فليس للمستأجر حينئذ صرف الدابة لعدم حق له عليها من هذه الجهة.

(58) لقاعدة الإتلاف و للاتفاق.

(59) مجرد الإذن أعم من عدم الضمان، و الأولى التعليل بأنه مع تعارف ذلك لا يكون من التعدي و العدوان حتى يستعقب الضمان.

(60) لأنه أمين و لا وجه لتضمين الأمين إلا مع العدوان، و في الصحيح:

«عن رجل استأجر أجيرا فأقعده على متاعه فسرق، قال عليه السّلام: هو مؤتمن» (1).

و نسب الى ابن إدريس الضمان لما يأتي من خبر إسحاق بن عمار، و لكنه مهجور لدى الأصحاب من هذه الجهة إذ لم ينسب العمل به في المقام إلا إلى ابن إدريس.

(61) لتحقق التعدي حينئذ فلا بد من الضمان لقاعدة الإتلاف.

(62) إن عد ذلك من التقصير عرفا و إلا فلا وجه للضمان.

(63) تقدم ما يتعلق به في (فصل العين المستأجر أمانة) فراجع.

ص: 117


1- الوسائل باب: 29 من أبواب الإجارة ذيل الحديث: 3.

عنده (64)، الغرض هو الحفظ لا أن يكون هو المستأجر عليه.

مسألة 16: صاحب الحمام لا يضمن الثياب

(مسألة 16): صاحب الحمام لا يضمن الثياب (65) إلا إذا أودع و فرّط أو تعدّى (66)، و حينئذ يشكل صحة اشتراط الضمان أيضا لأنه أمين محض (67) فإنه إنما أخذ الأجرة على الحمام و لم يأخذ على الثياب (68).

______________________________

(64) الظاهر ان هذا هو مورد الإجارة لأنه هو المقدور للمؤجر و أما المحفوظية بمعنى نتيجة عمله فهو أمر آخر و هو من الداعي و لا يضر تخلفه في المعاملات، فالنزاع في هذا الفرع يصير صغرويا كما لا يخفى، فمن يقول بالاستحقاق يرى ان المستأجر عليه هو الجلوس عنده، و من يقول بعدمه يرى ان المستأجر عليه هو تحقق الحفظ خارجا.

(65) للأصل، و النصوص، و الإجماع ففي خبر ابن عمار، عن جعفر، عن أبيه عليه السّلام: «إن عليا عليه السّلام كان يقول لا ضمان على صاحب الحمام فيما ذهب من الثياب، لأنه إنما أخذ الجعل على الحمام و لم يأخذ على الثياب» (1)، و نحوه خبر أبي البختري (2)، و في خبر غياث (3): «أن أمير المؤمنين عليه السّلام أتى بصاحب حمام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمنه، و قال عليه السّلام: إنما هو أمين»، و لا إشكال في أنه لا يجب حفظ مال الغير إلا بقرار عقدي أو وجوب شرعي، و كلاهما منتفيان في مثل الحمام و الفندق و نحوهما، لأن الأجرة فيهما إنما تؤخذ بإزاء شي ء آخر.

(66) فيجب الحفظ حينئذ من جهة الوديعة الحاصلة بينهما و مع العدوان يتحقق الضمان قهرا.

(67) و ظاهرهم الاتفاق على انه لا يصح اشتراط الضمان في الأمين المحض و فيه ما أشرنا في (مسألة 3) من فصل في الوديعة.

(68) هذا التعليل في كلمات الفقهاء مأخوذ مما مر في خبر ابن عمار،

ص: 118


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الإجارة 3 و 2 و 1.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الإجارة 3 و 2 و 1.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب الإجارة 3 و 2 و 1.

نعم، لو استؤجر مع ذلك للحفظ أيضا ضمن مع التعدي أو التفريط و مع اشتراط الضمان أيضا لأنه حينئذ يأخذ الأجرة على الثياب أيضا فلا يكون أمينا محضا (69).

______________________________

فحفظ الثياب ليس في عهدة صاحب الحمام لا من حيث الإجارة و لا من حيث الوديعة.

نعم، لا ريب في ان صاحب الثياب راض بكون ثيابه عند الحمامي، و هو أعم من الرضا الحاصل في ضمن عقد الإجارة و عنوان الوديعة.

(69) الأمين المحض من كان نائبا عن المالك في الحفظ فقط من دون أخذ أجرة و يعبر عنه بالوديعة بالمعنى الأخص، و في المقام يكون حفظ الثياب مورد الإجارة و أخذ الأجرة، ففرق بينهما من هذه الجهة، و عمدة الفرق بينهما جواز اشتراط الضمان في الإجارة على ما مر بخلاف الوديعة و الأمين المحض حيث يظهر منهم الاتفاق على عدم صحة هذا الشرط فيها.

ص: 119

فصل يكفي في صحة الإجارة كون المؤجر مالكا للمنفعة

اشارة

فصل يكفي في صحة الإجارة كون المؤجر مالكا للمنفعة، أو وكيلا عن المالك لها، أو وليا عليه، و إن كانت العين للغير (1). كما إذا كانت مملوكة بالوصية، أو بالصلح، أو بالإجارة، فيجوز للمستأجر أن يؤجرها من المؤجر أو من غيره لكن في جواز تسليمه العين إلى المستأجر الثاني بدون إذن المؤجر إشكال (2).

______________________________

(1) لأن ما هو المعتبر في صحة الإجارة انما السلطنة على إيجاد عقد الإجارة و تمليك المنفعة بها، سواء كانت العين و المنفعة مملوكة له حقيقة أو لا، بل كان مسلطا على نقلها بوجه شرعي، و كذا الكلام في البيع و سائر العقود المعاوضية، و الوجه في ذلك الإطلاقات و العمومات و ظهور الاتفاق.

(2) نسب جواز التسليم بدون اذن المؤجر إلى المشهور، و نسب المنع إلى العلامة و الحلي، و عن ابن الجنيد التفصيل بين كون الثاني أمينا فيجوز، و لا بد من تنقيح البحث أولا بحسب القاعدة ثمَّ بحسب الأخبار الواردة.

أما الأول: فصحة الإجارة الثانية كما هو المفروض ملازمة عرفا لصحة الدفع و الاستيمان لاستيفاء المنفعة لفرض عدم شرط و قيد في البين من المؤجر الأول فهما متلازمان عند العرف و المتشرعة، فيكون دليل أحد المتلازمين دليلا على الآخر أيضا و الإذن في شي ء إذن في لوازمه.

و لعل نظر العلامة و الحلي حيث منعا عن ذلك إلى ان الملازمة انما تكون بين صحة الإجارة و التمكين من الاستفادة و الاستيلاء عليها و دفع الموانع عنها

ص: 120

.....

______________________________

و كل ذلك أعم من الاستيمان.

و فيه: ان التمكين من الاستفادة إما مع التضمين لو تلفت العين بلا تعد و تفريط، أو مع عدم الضمان، و الأول مخالف لفرض صحة الإجارة عرفا و شرعا و الناس بحسب فطرتهم لا يقدمون على ذلك.

الثاني: هو المطلوب و هو المأنوس في الأذهان.

و أما قول ابن الجنيد فالظاهر أن مراده عدم ظهور أمارة الخيانة و التعدي فيه، و إلا فلا يجوز و هذا من المتفق عليه بين الكل، لأنه من التسليم إلى الخائن و هو موجب للضمان بلا إشكال، و لا يقول بذلك المشهور أيضا فلا مخالف في الحقيقة في المسألة بين الفقهاء.

و أما الثاني: فمن الاخبار صحيح ابن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام قال:

«سألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت، ما عليه؟ قال عليه السّلام: إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها، و إن لم يسم فليس عليه شي ء»(1)، و هو ظاهر فيما نسب إلى المشهور و لا وجه لحمله على وضعها أمانة في يد الغير كما في الجواهر، لأنه مخالف لإطلاق نفي الضمان، و من الأخبار ما ورد من النصوص المطلقة في إجارة الأرض و غيرها بمساو الأجرة أو بالأقل أو الأكثر- على ما سيأتي التعرض لها في المسألة الآتية- فإنها ظاهر في جواز التسليم:

و منها: خبر الصفار قال: «كتبت إلى الفقيه عليه السّلام: في رجل دفع ثوبا الى القصّار ليقصّره، فدفعه القصّار إلى قصّار غيره ليقصّره، فضاع الثوب، هل يجب على القصّار أن يرده إذا دفعه إلى غيره، و إن كان القصّار مأمونا؟ فوقع عليه السّلام: هو ضامن له إلا أن يكون ثقة مأمونا إن شاء اللّه» (2)، و نحوه مكاتبة محمد بن علي بن محبوب (3).

و فيه: أن مفاده انه مع التلف و ثبوته شرعا لا ضمان و مع غيره يكون فيه

ص: 121


1- الوسائل باب: 16 من أبواب أحكام الإجارة:
2- الوسائل باب: 18 من أبواب أحكام الإجارة: 18.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب أحكام الإجارة: 18.

فلو استأجر دابة للركوب أو لحمل المتاع مدة معينة فآجرها في تلك المدة أو في بعضها من آخر يجوز، و لكن لا يسلمها اليه بل يكون هو معها و ان ركبها ذلك الآخر أو حمّلها متاعه، فجواز الإجارة لا يلازم تسليم العين بيده (3)، فإن سلمها بدون اذن المالك ضمن (4)، هذا إذا كانت الإجارة الأولى مطلقة، و أما إذا كانت مقيدة كأن استأجر الدابة لركوب نفسه فلا يجوز إجارتها من آخر (5)، كما أنه إذا اشترط المؤجر عدم إجارتها من غيره أو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه لنفسه كذلك أيضا أي لا يجوز إجارتها من الغير (6).

نعم، لو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه، و لم يشترط كونها لنفسه جاز أيضا إجارتها من الغير بشرط أن يكون هو المباشر للاستيفاء لذلك الغير (7)،

______________________________

الضمان، و ليس هذا إلا معنى الإجارة الصحيحة فيكون المستفاد من الجميع شيئا واحدا و مطابقا للقاعدة هذا، مع ان مورده عين المستأجر لا عين المؤجر و الكلام في الثاني دون الأول إلا ان يدعي القطع بعدم الفرق.

(3) إن كان نظره إلى صحة التفكيك بينهما عقلا فهو صحيح، إذ لا ملازمة بينهما كذلك، و إن كان مراده قدّس سرّه عدم الملازمة بحسب المتعارف و ظواهر الأدلة فهو خلاف المنساق منهما كما لا يخفى.

(4) لتحقق العدوان منه حينئذ سواء تلف أو تعب عند المستأجر الثاني بلا تعد أو معه، و هذه هي الثمرة بين القول بجواز الدفع بلا إذن منه و عدمه.

(5) لما يأتي منه رحمه اللّه من عدم كونه مالكا للمنفعة المطلقة بل يملك ركوب نفسه فقط.

(6) لأنه لا إجارة إلا فيما يتسلط عليه شرعا، و المفروض عدم تسلطه كذلك، فلو آجر تكون فضولية و تتوقف صحته على إذن المالك.

(7) للإطلاقات بعد عدم تخلفه عن مقتضى الإجارة الأولى في شي ء.

ص: 122

ثمَّ لو خالف و آجر في هذه الصور (8).

______________________________

(8) أي الصور الأربعة: و هي ما إذا كانت مقيدة، أو اشترط عدم الإجارة من الغير، أو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه لنفسه، أو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه. ثمَّ انه هل لا بأس بالإشارة إلى أمور توضيحا للمقام:

الأمر الأول: اشتراط استيفاء المنفعة بنفسه يمكن أن يكون من الالتزام في ضمن الالتزام، و يمكن أن يكون بتضييق دائرة المملوك في إنشاء أصل عقد الإجارة، و ذلك لسلطنة المالك على ملكه بجميع الشؤون المتصورة فيه ما لم يمنع عنه مانع عقلي أو شرعي، و لا مانع كذلك في البين.

و عن بعض مشايخنا (1)، المنع عن ذلك ببيان أن طبيعي سكنى الدار مثلا من شؤون الدار و قائم بها و ليس وصفا للمالك و قائما به، و لا يكون تحت سلطته و اختياره حتى يكون له حق التوسعة و التضييق.

و فيه: أن طبيعي السكنى له إضافة إلى الدار و إضافة أخرى إلى مالكها، و هاتان الإضافتان متلازمتان قوة و فعلا و اعتبارا في كل جهة تتصور فيهما، فكما يصح اعتبار ضيق منفعة الدار وسعتها بالنسبة إلى الدار يصح اعتبار تمليك ملك المنفعة الوسيعة أو الضيقة، إذ الاعتبار خفيف المؤنة و ليس من الوجودات العينية الخارجية، بل له نحو تحقق في مقابل الذهنيات و الخارجيات، و هو أعم منهما من كل جهة.

الأمر الثاني: اشتراط استيفاء المنفعة بنفسه إما بنحو شرط الوصف أو بنحو شرط النتيجة أو الفعل، و الكل صحيح أما الأخير فواضح كأن يقول:

آجرتك الدار بشرط أن تسكنها بنفسك.

أما الثاني كأن يقول آجرتك الدار بشرط كون السكنى لك فقط.

و أشكل عليه بأن شرط النتيجة على فرض الصحة إنما يصح فيما إذا كفى

ص: 123


1- هو الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني قدّس سرّه.

.....

______________________________

نفس الشرط في حصولها كشرط ملكية كذا و استحقاق كذا مثلا، و في المقام لا يكفي الشرط في حصول النتيجة لأن السكنى من شؤون المستأجر لا المؤجر بلا سلطنة له بالنسبة إليه حتى يكفى فيه شرط النتيجة.

و فيه: ان مرجع شرط النتيجة في المقام إلى أن المستأجر محجور عن جميع التصرفات إلا السكنى بنفسه و لا ريب في أن ذلك داخل تحت سلطنة المؤجر و يكون من شؤونه.

و الأول كأن يقول: آجرتك الدار بوصف سكناك فقط.

و أشكل عليه: بأن السكنى قائم بالمستأجر و ليس تحت سلطنة المؤجر حتى يتعلق به.

و فيه: ان أصل السكنى ملك المؤجر و له السلطنة عليه فالوصف المتعلق بالمملوك تحت اختيار المالك بالتبع، لأن ذلك من حدود ملكه و قيوده كما إذا قال المالك: آجرتك الدار بشرط كونك هاشميا مثلا.

الأمر الثالث: قد تشكل صحة الإجارة الثانية بأن المنفعة فيها ليست ملكا لأحد، فلا وجه لكون المستأجر الثاني مالكا لها أيضا لأنه بعد تقييد المنفعة في الإجارة الأولى باستيفائها المستأجر بنفسه تصير الحصة الخاصة منها التي لا يعقل التعدي عنها مملوكة للمستأجر، فلا يعقل ان يكون استيفاء المستأجر الثاني استيفاء، لما ملكه المتسأجر الأول لعدم كونه مالكا إلا للحصة التي يستوفيها على فرض الاستيفاء و ليست مملوكة للمؤجر أيضا، لأن المنافع متضادة، فما كان المؤجر مالكا لها ملكها إلى المستأجر الأول و استيفاء المستأجر الثاني ضد لذلك فيلزم التضاد في مرتبة الملكية، و هو غير جائز كالتضاد في الأشياء الخارجية و هذه هي الشبهة المشهورة في ان المنافع المتضادة لا تملك بالنسبة إلى المالك الواحد، و كذا بالنسبة إلى المالكين من جهة عدم القدرة على التسليم بالنسبة إليهما.

و هذا الإشكال ساقط من أصله، لأن المنافع مطلقا حيثيات قائمة بالعين،

ص: 124

.....

______________________________

و هي بالقوة في مقام قيامها بالعين، و مهملة بلا تعيين فيها في تلك المرتبة، و يمكن أن تفرض فيها إضافات و نسب، و هي أيضا بنحو القوة و الإهمال و الإجمال و عدم التعيين بذاتها، و جميع إضافاتها و نسبها المهملة مملوكة لمالك العين و لا يعقل التضاد في تلك المرتبة، لأنه من صفات الموجودات العينية الخارجية و المفروض انها في تلك المرتبة من مجرد القوة و الاستعداد المحض، فاذا خرجت جهة من جهاتها عن ملك المالك بتمليكه لها إلى المستأجر الأول بقيت بقية الجهات على ملكه، لأنه لا موجب لانتقالها عنه إلى غيره إلا لأحد أمور ستة كلها مخدوشة:

الأول: النقل إلى المستأجر الأول يوجب النقل إليه من تمام الجهات.

و فيه: انه خلف لفرض ان النقل إليه من جهة خاصة لا من كل جهة.

الثاني: تضاد المملوكين فيتضاد الملكان، و لا يمكن الجمع بينهما بالنسبة إلى المالك المؤجر.

و فيه: ما مر من عدم التضاد فيما هو بالقوة، مع أن الملكية من الأمور الاعتبارية و الضدية تختص بالأعيان الخارجية.

الثالث: إذا خرج ما بالقوة إلى الفعلية ينحصر فيه، فلا فرد له أصلا إلا ما صار بالفعل.

و فيه: انه لا دليل على هذا الانحصار من عقل أو نقل بل كل ما بالقوة إذا صار بعض جهاته و إضافاته بالفعل تبقى بقية جهاته على ما كانت عليه.

الرابع: ما هو بالقوة و يكون غير متعين بواحد و لا يعقل خروج بعض جهاته الأخر على القوة.

و فيه: انه واحد و لكن ليس بواحد شخصي حقيقي خارجي، بل واحد نوعي اعتباري لا ينافي تحقق جهات من الحيثيات فيه كما هو واضح.

الخامس: المنافع المتضادة غير مقدورة عرضا، فهي غير مملوكة لأن كل غير مقدور كذلك غير مملوك.

ص: 125

.....

______________________________

و فيه: أنه لا دليل على هذه الكلية من عقل أو نقل بل الملكية شي ء و القدرة شي ء آخر يصح اعتبار كل منهما مع قطع النظر عن الآخر، سواء لوحظت القدرة بالنسبة إلى التسليم أو الى الاستيفاء و قد جرت سيرة الفقهاء في المعاملات على اشتراط الملكية و القدرة كل منهما متعددا غير مربوطة إحداهما بالأخرى.

السادس: الملكية نحو من السلطنة و لا سلطنة للمالك على المتضادين.

و فيه: ما مر مرارا من عدم التضاد فيما هو بالقوة و في ما هو من الاعتباريات، مع ان اختلاف الحيثية يرفع التضاد على فرض تحققه، فلا محذور في ملكية المنافع المتضادة بنحو ما قلناه، مع ان الاعتباريات خفيفة المؤنة جدا تصح بكل ما أمكن الاعتبار العرفي بالنسبة إليها.

الأمر الرابع: لا ريب في ان المنافع مطلقا يصح اعتبار الملكية فيها كما يصح اعتبار المالكية أيضا فيها، و لا يصح تمليك المنافع المتضادة لعدم القدرة على التسليم، كما لا يصح استيفاؤها في عرض واحد أيضا لعدم القدرة عليه و في العرف و الوجدان في ذلك كله غنى عن إقامة البرهان، فلا يستحق المالك الأجرة المسماة بالنسبة إلى المستأجر الثاني من جهة عدم قدرته على التسليم و عدم قدرة المستأجر على الاستيفاء لفرض أن المالك استوفاها و أخذ الأجرة المسماة من المستأجر الأول بإزائها فلا يبقى موضوع لاستيفاء غيره لتلك المنفعة فلا وجه لضمانه له من هذه الجهة، و إن صح من حيث تفويت المال على صاحبه فيضمن له من هذه الجهة لا من حيث الإجارة.

نعم، إذا كانت المنافع متفاوتة في المالية فما يكون أكثر مالية هو المضمون، فاذا فرض ان المنفعة المستوفاة أو الفائتة بالتفويت متساوية في المالية للمنفعة المملوكة بالإجارة الأولى لا يضمن للمالك شيئا لاستيفاء المالك مالية ماله بالأجرة المسماة في الإجارة الأولى، فلا يضمن المستأجر الثاني إلا مالية ما ملكه المستأجر الأول بالتفويت لا بالاستيفاء.

ص: 126

ففي الصورة الأولى- و هي ما إذا استأجر الدابة لركوبه نفسه- بطلت، لعدم كونه مالكا إلا ركوبه نفسه (9) فيكون المستأجر الثاني ضامنا لأجرة المثل للمالك (10) إن استوفى المنفعة (11)، و في الصورة الثانية و الثالثة في بطلان الإجارة و عدمه وجهان مبنيان على أن التصرف المخالف للشرط

______________________________

و أما إذا كانت المنفعة المستوفاة أو المضمونة ذات مالية زائدة على مالية ما ملكه المستأجر الأول فهي مضمونة على المستأجر الثاني للمالك، لأن ملك الزيادة لماله المضاف إليه بإضافة الملكية، و هذا هو أثر كون المنفعة باقية على مالك مالكه، و يمكن تصوير بقاء ملكيته مطلقا بنحو الترتب، و لو بحسب المرتبة الفعلية للملكية فإن الممتنع من اجتماع الملكية للمنافع المتضادة في مرتبة الفعلية انما هو فيما إذا كانت عرضية من كل جهة لا ما إذا فرضت طولية، كما في اجتماع الخطابين التكليفيين الطوليين، و كذا الكلام في القدرة على التسليم و القدرة على الاستيفاء فإنه يجوز فرضهما بنحو الترتب طولا.

(9) فلا تصح الإجارة منه، لعدم الملكية و لا تصح اجازة هذه الإجارة من المالك، لفرض انه أخرج هذه الملكية عن نفسه و جعلها للمستأجر الأول، و لكن بناء على ما احتملناه أخيرا من صحة فرض ملكه بنحو الترتب يصح له اجازة هذه الإجارة للمستأجر الأول، كما أن للمستأجر الأول ان يجيزها للمالك، لأن الحق لا يعدوهما بناء على عدم تصور الملك بلا مالك مع صحة اعتبار الملكية كما هو المفروض.

(10) بناء على صحة اعتبار الملكية للمالك و لو بنحو الترتب، و أما بناء على عدم صحته فلا وجه لكون أجرة المثل له.

نعم، يستحق الزيادة عن المسمى كما مر في الأمر الرابع و يأتي ما يناسب المقام في (مسألة 6).

(11) و إن لم يستوف المنفعة فهو ضامن من حيث التفويت.

ص: 127

باطل (12) لكونه مفوتا لحق الشرط، أو لا بل حرام و موجب للخيار (13)، و كذا في الصورة الرابعة (14) إذا لم يستوف هو بل سلمها إلى ذلك الغير.

مسألة 1: يجوز للمستأجر مع عدم اشتراط المباشرة و ما بمعناها

(مسألة 1): يجوز للمستأجر مع عدم اشتراط المباشرة و ما بمعناها أن يؤجر العين المستأجرة بأقل مما استأجر، و بالمساوي له مطلقا- أي شي ء كانت- بل بأكثر منه أيضا إذا أحدث فيها حدثا، أو كانت الأجرة من غير جنس الأجرة السابقة (15)، بل مع عدم الشرطين أيضا فيما عدا البيت و الدار و الدكان و الأجير و أما فيها فإشكال (16).

______________________________

نعم، يصح ضمانه للزيادة للمالك بنحو ما مر.

(12) المراد بالبطلان هو التوقف على إجازة الشارط لا البطلان المطلق بحيث لا يقبل الصحة بالإجازة أيضا، و على أي حال فثبوت الحق في الجملة في مورد الشرط للشارط مما لا ينكره العرف المنزل عليه الأدلة.

(13) التعبير قاصر جدا و حق العبارة ان يقال: انه مع تخلف الشرط في المقام هل تكون الإجارة الثانية فضولية بالنسبة إلى المالك، فيصح له الإجازة بناء على ثبوت الحق في مورد الشرط أو لا بل يوجب الخيار فقط؟.

(14) الظاهر ثبوت الخيار في هذه الصورة لو لم يمكن الإلزام بالعمل بالشرط وجها واحدا.

(15) كل ذلك للإطلاقات و العمومات و أصالة الصحة و ظهور الإجماع، و يأتي البحث عن اتحاد الجنس و اختلافه في التنبيه الثالث.

(16) البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصول و القواعد و الإطلاقات و العمومات.

و أخرى: بحسب الأدلة الخاصة.

أما الأول: فمقتضى أصالة الصحة و قاعدة السلطنة و العمومات و الإطلاقات الجواز فيها مطلقا كما في غيرها، فإن ثبت الحكم فيها يكون مخالفا للأصل و العمومات و الإطلاق، و لا بد من الاقتصار على ما تطابقت عليه

ص: 128

.....

______________________________

النصوص و لم يكن له معارض و مناف مخصوص.

و أما الثاني: فالعناوين الواردة في الأخبار ستة:

الأول: البيت و الدار، و هما واحد.

الثاني: الحانوت، و هو الدكان.

الثالث: الأرض.

الرابع: الرحى.

الخامس: الأجير.

السادس: السفينة (1)، و يأتي حكم العمل في المسألة التالية.

و نسب الجواز مع الكراهة إلى أكثر علمائنا، و نسب إلى جمع الحرمة لما وصل إلينا من الأخبار، و لا بد من بيانها حتى يتبين الحال فنقول: أما البيت و الدار و الحانوت و الأجير فقد نص على حرمة فضل الأجرة فيها، ففي خبر أبي الربيع عن الصادق عليه السّلام: «سألته عن الرجل يتقبل الأرض من الدهاقين ثمَّ يؤجرها بأكثر مما يتقبلها، و يقوم فيها بحط السلطان؟

فقال عليه السّلام: لا بأس به إن الأرض ليست مثل الأجير و لا البيت إن فضل الأجير و البيت حرام» (2)، و في خبر أبي المعزى: «ان هذا ليس كالحانوت و لا الأجير إن فضل الحانوت و الأجير حرام» (3)، و في خبر ابن المثنى: «ان فضل البيت حرام و فضل الأجير حرام» (4)، هذه الأخبار التي استدل بها على حرمة فضل الأجرة في الثلاثة بدعوى ظهور لفظ الحرمة الوارد في الكتاب و السنة في الحرمة المعهودة المصطلح عليها بين الفقهاء.

و فيه .. أولا: ان ذلك من مجرد الدعوى.

نعم، لو كان هذا اللفظ مما ورد فيه الإثم و السحت و نحوهما من القرائن الخارجية و الداخلية، مما يدل على العقاب و ارادة الحرمة الاصطلاحية لكان لهذه الدعوى وجه، و اما المقام الذي يكون أصل الحكم فيه مخالفا للأصل

ص: 129


1- الوسائل باب: 22 و 20 من أبواب الإجارة.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الإجارة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب الإجارة حديث: 4 و 5.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب الإجارة حديث: 4 و 5.

.....

______________________________

و الإطلاق و القاعدة فلا وجه لهذا الظهور مع احتمال إرادة مطلق المنع.

و ثانيا: انها معارضة بصحيح الحلبي: «في الرجل يستأجر الدار ثمَّ يؤجرها بأكثر مما استأجرها به، قال عليه السّلام: «لا يصلح إلا أن يحدث فيها شيئا» (1)، فإن لفظ (لا يصلح) إما ظاهر في الكراهة الاصطلاحية أو مجملة من هذه الجهة، و على الأول يكون صارفا للفظ الحرمة عن الحرمة الاصطلاحية على فرض ظهورها، و على الثاني يكون من القرينة المجملة الموجب لإجمال ذي القرينة.

نعم، لو كانت الحرمة ظاهرة في الحرمة الاصطلاحية فلا وجه لسراية الإجمال حينئذ، و لكنه أول الدعوى كما مر، فالحق مع أكثر الفقهاء حيث نسب إليهم الكراهة.

و أما الرحى ففي موثق أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «إني لأكره أن استأجر رحى وحدها ثمَّ أوجرها بأكثر مما استأجرتها به إلا أن يحدث فيها حدثا أو يغرم فيها غرامة» (2)، و قريب منه صحيح ابن خالد (3)، و لا ريب في ظهورهما في الكراهة المعروفة ما لم يكن قرينة على الخلاف و هي مفقودة.

و أما السفينة فليس فيها إلا خبر ابن عمار، عن جعفر عليه السّلام، عن أبيه عن إبائه عليهم السّلام كان يقول: «لا بأس ان يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثمَّ يؤجرها بأكثر مما استأجرها إذا أصلح فيها شيئا» (4)، فإنه بالمفهوم يدل على البأس مع عدم الزيادة و الإصلاح.

و فيه: ان البأس في المفهوم أعم من الحرمة كما هو واضح.

أما الأرض: فما ورد فيها من الأخبار أقسام ثلاثة:

الأول: ما هو ظاهر بل نص في الجواز كخبر الشامي و أبي المعزى و ابن

ص: 130


1- الوسائل باب: 22 من أبواب الإجارة: 4.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب الإجارة: 5.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب الإجارة: 1.
4- الوسائل باب: 22 من أبواب الإجارة: 2.

.....

______________________________

المثنى (1).

الثاني: ما يدل على التفصيل بين الإجارة و المزارعة، فلا يجوز في الأولى بالأكثر و يجوز في الثانية به لخبر الحلبي و ابن عمار (2)، و لعل المراد بقوله عليه السّلام:

«لأن هذا مضمون و ذلك غير مضمون» (3)، هو بيان الفرق بين الإجارة و المزارعة، و عبر عن الإجارة بالضمان لوجوب الأجرة فيها على كل حال بخلاف المزارعة فإن أجرتها غير مضمونة، و لكن في خبر أبي بصير «مصمتان» (4)، بالصاد المهملة بدل «مضمونان» و لعل المراد واحد إن لم يكن من الغلط.

الثالث: ما يدل على عدم جواز كل من الإجارة و المزارعة بالأكثر كخبر الهاشمي عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمى ثمَّ آجرها و شرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر، و له في الأرض بعد ذلك فضل أ يصلح له ذلك؟

قال عليه السّلام: نعم، إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك فله ذلك، قال و سألته عن الرجل استأجر أرضا من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام معلوم فيؤجرها قطعة قطعة أو جريبا جريبا بشي ء معلوم، فيكون له فضل فيما استأجر من السلطان و لا ينفق شيئا، أو يؤجر تلك الأرض قطعا على أن يعطيهم البذر و النفقة فيكون له في ذلك فضل على إجارته و له تربة الأرض، أو ليست له؟ فقال له: إذا استأجرت أرضا فأنفقت فيها شيئا أو رممت فيها فلا بأس بما ذكرت» (5)، بناء على أن الإجارة فيه أعم من الإجارة المصطلحة فيشمل المزارعة أيضا كما يظهر عن جمع، و يطلق الإجارة على المزارعة إطلاقا شائعا.

و أحسن طريق للجميع هو حمل الأخبار المانعة على الكراهة مع اختلاف مراتبها ففي الإجارة بالمرتبة الشديدة، و في المزارعة بالمرتبة الخفيفة،

ص: 131


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الإجارة: 3 و 4 و 5.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب الإجارة: 1 و 6.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب الإجارة: 1 و 6.
4- الوسائل باب: 21 من أبواب الإجارة: 6 و 3 و 4.
5- الوسائل باب: 21 من أبواب أبواب الإجارة: 6 و 3 و 4.

.....

______________________________

فما نسب إلى الأكثر من الكراهة في فضل الأجرة مطلقا هو الموافق للتحقيق بعد التأمل الدقيق.

و ينبغي التنبيه على أمور:

الأول: ان الحكم- كراهة أو حرمة- مخصوص بخصوص السبعة المنصوصة، و التعدي عنها إلى مطلق فضل الأجرة في مطلق الإجارة في هذا الحكم المخالف للأصل و الإطلاق و حمل ما ورد في الأخبار على المثال مشكل جدا، و دون إثباته خرط القتاد.

الثاني: هل الحرمة على فرض ثبوتها تكليفية محضة أو وضعية، و هل تختص بخصوص الزيادة أو تعم أصل الإجارة وجوه؟ المنساق من الأدلة هو الحرمة التكليفية بالنسبة إلى خصوص الزيادة و إثبات غيره يحتاج الى دليل و هو مفقود.

الثالث: إذا كانت الأجرة في الإجارة اللاحقة من غير جنس أجرة الإجارة السابقة فظاهرهم الجواز حينئذ، و في الجواهر دعوى الإجماع عليه، و لم يذكر فيما وصل إلينا من النصوص اسم عن تغاير الجنسين، فإن كان مراد من اعتبر ذلك انه مع الاتحاد يلزم الرباء فهو فاسد، إذ ليس المقام من الربا القرضي و لا المعاملي قطعا، و إن أراد أن هذا نحو ربا خاص في مقابل الربا القرضي فلا دليل عليه و للأصل و حصر الرباء في الشريعة فيما هو المعهود منه ينفيه، و إن كان مرادهم أن لفظ الأكثر و الفضل الوارد في الأخبار (1). ظاهر في الأكثر و الفضل فيما إذا كانت الأجرتان من جنس واحد، و أما مع الاختلاف فلا يصدق هذا اللفظ.

و فيه: أن الأكثر و الفضل يصدق على الأكثر و الأفضل مالا بلا إشكال، فيصح أن يقال: عشرة دنانير أكثر من عشرة دراهم مثلا، و لها فضل عليها، و أما اعتبار اتحاد الجنس فاستفادته من هذه الأخبار التي وصلت إلينا في المقام مشكل جدا، و لا أقل من الشك فيه فلا يصح التمسك لاعتباره بهذه الاخبار لأنه

ص: 132


1- الوسائل باب: 21 من أبواب أحكام الإجارة.

فلا يترك الاحتياط بترك إجارتها بالأكثر (17)، بل الأحوط إلحاق الرحى و السفينة بها أيضا في ذلك (18)، و الأقوى جواز ذلك مع عدم الشرطين في الأرض على كراهة (19) و إن كان الأحوط الترك فيها أيضا (20)، بل الأحوط الترك في مطلق الأعيان (21)، إلا مع إحداث حدث فيها، هذا.

______________________________

من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، و على أي حال يكفي التغاير الاعتباري كنقد دولة مع دولة أخرى.

(17) أما حسن الاحتياط فللخروج عن خلاف جمع من الفقهاء، حيث نسب إليهم المنع مستندا الى ما تقدم من الأخبار القاصرة الدلالة على المنع بعد رد بعضها إلى بعض، و ملاحظة المجموع من حيث المجموع.

و أما وجوب الاحتياط فظهر مما تقدم عدم دليل عليه، بل الأصل و القاعدة و الإطلاقات تنفيه.

(18) يجري هنا أيضا عين ما تقدم في الاحتياط السابق عليه من غير فرق.

(19) تقدمت النصوص الواردة في الأرض (1)، و انه لا يستفاد منها أزيد من الكراهة بعد رد بعضها الى بعض.

(20) خروجا عن خلاف من ذهب إلى المنع و إن كان لا دليل له عليه كما مر.

(21) بناء على التعدي عما ورد في النصوص إلى إجارة مطلق الأعيان كما نسب ذلك إلى جمع منهم السيدين و الشيخين، و لا دليل لهم عليه إلا حمل ما ورد في النصوص على مجرد المثال لكل عين توجد، و التعليل الوارد في قوله عليه السّلام لبيان الفرق بين الإجارة و المزارعة: «أن هذا مضمون و ذلك غير مضمون» (2).

ص: 133


1- تقدم في صفحة: 147.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب أحكام الإجارة: 1.

و كذا لا يجوز أن يؤجر بعض أحد الأربعة المذكورة بأزيد من الأجرة، كما إذا استأجر دارا بعشرة دنانير و سكن بعضها و آجر البعض الآخر بأزيد من العشرة فإنه لا يجوز بدون إحداث حدث (22).

و أما لو آجر بأقل من العشرة فلا إشكال (23)، و الأقوى الجواز بالعشرة أيضا (24)، و إن كان الأحوط تركه (25).

______________________________

و فيه: أن التعدي في هذا الحكم المخالف للأدلة نحو تعد في الأحكام و التعليل ليس من العلة الحقيقية و إنما هي تقريبية في مورد النصوص.

نعم، لا ريب في صلاحيته لحسن الاحتياط أو الكراهة في سائر الأعيان أيضا لأنهما خفيفتا المؤنة كما هو معلوم.

(22) لفحوى ما مر من الأخبار الواردة في تمام البيت و الدار، و صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «لو أن رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم، فسكن ثلثيها و آجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس، و لا يؤجرها بأكثر مما استأجرها به إلا أن يحدث فيها شيئا» (1)، فإن الضمير في الجملة الأخيرة إن رجع الى كل الدار يدل على المقام بالفحوى، و ان رجع إلى ثلث الدار فهو نص في المقام، و في خبر أبي الربيع المروي عن الفقيه: «لو أن رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم فسكن ثلثيها و آجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس، و لكن لا يأجرها بأكثر مما استأجرها» (2).

(23) للأصل و الإطلاق و الاتفاق و قاعدة السلطنة، و ما تقدم من صحيح الحلبي، و غيره.

(24) للأصل و الإطلاق و قاعدة السلطنة، و ما مر من صحيح الحلبي و خبر أبي الربيع.

(25) خروجا عن خلاف ما نسب إلى الشيخ رحمه اللّه من المنع لكونه ربا إذا

ص: 134


1- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام الإجارة: 3.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب أحكام الإجارة: 3.

مسألة 2: إذا تقبل عملا من غير اشتراط المباشرة و لا مع الانصراف إليها

(مسألة 2): إذا تقبل عملا من غير اشتراط المباشرة و لا مع الانصراف إليها يجوز أن يوكله إلى عبده أو صانعه أو أجنبي (26)، و لكن الأحوط

______________________________

كانت الأجرة من جنس واحد، و لمضمر سماعة المشتمل على المنع عن بيع المرعى بأزيد مما اشتراه أو بالمساوي (1)، بناء على إرادة الإجارة من البيع، و لخبر ابن جعفر (2)، المشتمل على السؤال عن ذكر الإجارة بالأنقص و لو قليلا، بدعوى: ان ذلك هو منتهى الجواز.

و فيه: ان هذه الاستشعارات لا تعارض ما دل من الأصول و الأدلة الدالة على الجواز، و لكن الاحتياط حسن على كل حال.

فروع الأول: لو ارتفعت أجرة المثل عن المسمى في الإجارة الأولى فهل يشمل دليل المنع- حرمة أو كراهة- لهذه الصورة أيضا مثلا إذا كانت أجرة المثل حين الإجارة الأولى كل سنة مائة دينار مثلا فصارت بعد مدة مأتي دينار هل تصح اجارة الدار بمائتين مع عدم إحداث الحدوث أو لا؟ يمكن القول بالأول بدعوى انصراف الأدلة عن هذه الصورة.

الثاني: هل يكفي في إحداث الحدث الرافع للمنع مطلقا أو لا بد و أن تكون بمقدار الزيادة التي يزيدها في الإجارة الثانية، مقتضى الإطلاق هو الأول و يظهر من الشرائع الثاني.

الثالث: هل تعتبر في الزيادة الرافعة للمنع ان تكون بإذن المالك أو تشمل مطلقها، و لو مع عدم رضاه و منعه مقتضى المتفاهم عند المتشرعة هو الأول، ثمَّ أن الظاهر ان التبييض و التلوين و كل ما توجب زيادة رغبات الناس من الزيادة الرافعة للمنع.

(26) للعموم و الإطلاق و الاتفاق، و لا معنى لعدم الاشتراط عرفا إلا ذلك.

ص: 135


1- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام الإجارة: 6 و 8.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام الإجارة: 6 و 8.

عدم تسليم متعلق العمل كالثوب و نحوه إلى غيره من دون إذن المالك، و إلا ضمن (27) و جواز الإيكال لا يستلزم جواز الدفع كما مر نظيره في العين المستأجرة، فيجوز له استئجار غيره لذلك العمل بمساوئ الأجرة التي قررها في إجارته أو أكثر (28)، و في جواز استئجار الغير بأقل من الأجرة إشكال (29)، إلا أن يحدث حدثا أو يأتي ببعض، فلو آجر نفسه لخياطة

______________________________

(27) تقدم ما يتعلق بالضمان و عدمه في أول الفصل، و لا فرق بينه و بين المقام أصلا، فمع الاستظهار من القرائن جواز التسليم لا إشكال فيه من أحد، و مع استظهار عدمه منها كما إذا لم يكن ثقة و أمينا لا يجوز و الظاهر انه لا يقول بعدم الضمان حينئذ أحد، و مع الشك فمنشأ الضمان و عدمه صحة التمسك بإطلاق صحة الإجارة الثانية، فمع صحة التمسك به لا ضمان و مع عدمها يثبت الضمان، و الظاهر صحة التمسك كما لا يخفى، و على أي تقدير فالنزاع بين الفقهاء في الضمان و عدمه صغروي، و يزيد المقام على ما مر في العين المستأجرة ان الغالب في مثل الخياطة تسليم الثوب إلى الصنّاع و لا يخيطه من يتقبله بنفسه، و هذه قرينة عامة على رضا المالك بالتسليم إلى غيره.

(28) للأصل، و العموم و الإطلاق و الاتفاق و قاعدة السلطنة.

(29) نسب المنع الى المشهور، و الجواز الى جمع منهم الشهيدين و العلامة و المحقق الثاني.

و استدل المانعون بأخبار منها صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «انه سئل عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه و يدفعه الى آخر فيربح فيه، قال عليه السّلام: لا» (1)، و بصحيح أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يتقبل العمل فلا يعمل و يدفعه إلى آخر يربح فيه، قال عليه السّلام: لا» (2)، و هذه هي النسخة الصحيحة و يأتي نقله بنسخة أخرى غير صحيحة، و استدلوا أيضا

ص: 136


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام الإجارة حديث: 1 و 4.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام الإجارة حديث: 1 و 4.

ثوب بدرهم يشكل استئجار غيره لها بأقل منه، إلا أن يفصله أو يخيط شيئا منه (30) و لو قليلا، بل يكفي أن يشتري الخيط أو الإبرة (31) في جواز

______________________________

بمفهوم قوله عليه السّلام: «لا بأس قد عمل فيه» (1)، فإنه يدل على البأس ما لم يعمل.

و فيه أن البأس أعم من الحرمة كما لا يخفى.

و استدل المجوزون بأمور ..

منها: الأصل و الإطلاق و العموم.

و فيه: انها محكومة بالأدلة المانعة لو تمت دلالتها.

و منها: خبر علي الصائغ عن الصادق عليه السّلام: «أتقبل العمل ثمَّ أقبله من غلمان يعملون معي بالثلثين، فقال «ع»: لا يصح ذلك إلا ان تعالج معهم فيه.

قلت: فإني أذيبه لهم، فقال عليه السّلام: لا بأس ذلك عمل» (2)، و أشكل عليه، بأن كلمة «لا يصلح» لا اقتضاء بالنسبة إلى الكراهة و الحرمة فتحمل في المقام على الحرمة بقرينة ما تقدم من صحيح ابن مسلم، و يمكن الإشكال عليه بأن هذه الكلمة لها الظهور العرفي في عدم الحرمة فتصلح لصرف النهي عن ظاهره.

و منها: صحيح ابن حمزة المتقدم على ما رواه ابن إدريس من تبديل كلمة «لا» بكلمة «لا بأس»، ثمَّ قال عليه السّلام: «لا بأس فيما تقبلت من عمل استفضلت فيه»، فإن ذيله كبيان قاعدة كلية للجواز مطلقا و صدره و إن كان مشتملا على العمل و هو انسق لكنه وقع في كلام السائل فلا يقيد به إطلاق كلام الإمام في الذيل.

و فيه: انه يمكن تقييد الذيل بالصدر و إن كان القيد في كلام السائل فتأمل.

و الحق ان الجزم بالمنع مشكل كما أن الجزم بالجواز أيضا كذلك و طريق الاحتياط واضح.

(30) فيجوز حينئذ نصا كما تقدم و إجماعا.

(31) لخبر أبي محمد الخياط عن مجمع عن الصادق عليه السّلام قال: «أتقبل

ص: 137


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام الإجارة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام الإجارة: 7.

الأقل، و كذا لو آجر نفسه لعمل صلاة سنة أو صوم شهر بعشرة دراهم مثلا في صورة عدم اعتبار المباشرة يشكل استئجار غيره بتسعة مثلا إلا أن يأتي بصلاة واحدة أو صوم يوم واحد مثلا (32).

مسألة 3: إذا استؤجر لعمل في ذمته لا بشرط المباشرة يجوز تبرع الغير عنه

(مسألة 3): إذا استؤجر لعمل في ذمته لا بشرط المباشرة يجوز تبرع الغير عنه (33).

______________________________

الثياب أخيطها ثمَّ أعطيها الغلمان بالثلثين، فقال عليه السّلام: أ ليس تعمل فيها؟ فقلت:

أقطعها و اشتري لها الخيوط، قال عليه السّلام: لا بأس» (1)، فإن تقريره عليه السّلام لما قاله الراوي من شراء الخيوط يدل على المطلوب.

إن قيل: ان التقرير يرجع إلى المجموع من حيث المجموع أي القطع و شراء الخيوط، و لا ريب في أن القطع عمل فينطبق على الأخبار المشتملة على أنه إن عمل فيه لا بأس.

يقال: الظاهر أن المناط صرف مال فيه سواء انطبق ذلك على العمل كما هو الغالب أم صرف مال آخر فيه، فذكر العمل فيه في بعض الأخبار انما هو من باب الغالب فلا يصلح للتقييد.

(32) قد يقال بخروج العمل المحض عن أخبار المقام لأن المنساق منها العمل في العين الخارجي كالثوب و نحوه بقرينة ما ذكر في الأخبار من العمل فيه و ذكر الخياطة و الصياغة في بعضها (2)، فيبقى العمل المحض على مقتضى الأصل و الإطلاق و هو الجواز مطلقا.

و فيه: ان العمل و الخياطة و الصياغة إنما هو من باب المثال لاعتبار وجود العين الخارجي في مورد العمل، و لكن مع ذلك فيه تأمل لأن الحكم مخالف للأصل و الإطلاق لا بد و إن يقتصر فيه على ظاهر الدليل.

(33) للأصل، و الإطلاق، و السيرة بلا فرق بين كون مورد الإجازة عملا

ص: 138


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام الإجارة: 6.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام الإجارة: 4.

و تفرغ ذمته بذلك، و يستحق الأجرة المسماة (34).

نعم، لو أتى بذلك العمل المعين غيره لا بقصد التبرع عنه لا يستحق الأجرة المسماة (35) و تنفسخ الإجارة حينئذ لفوات المحل، نظير ما مر سابقا من الإجارة على قلع السن فزال ألمه، أو لخياطة ثوب فسرق أو حرق.

مسألة 4: الأجير الخاص

(مسألة 4): الأجير الخاص (36)،- و هو من آجر نفسه على وجه يكون جميع منافعه للمستأجر في مدة معينة، أو على وجه تكون منفعته

______________________________

محضا أو عملا متعلقا بالعين الخارجي.

(34) لفرض أن المتبرع تبرع عن الأجير فكأن الأجير أتى بالعمل بنفسه.

(35) لعدم إضافة العمل حينئذ إلى الأجير لأن الإضافة إليه متقومة بالقصد و المفروض عدم تحققه، فلا وجه لاستحقاقه الأجرة.

نعم، يحتمل ضمان العامل للأجير من حيث تفويت المال عليه.

(36) المراد بالخاص هنا- كما في سائر الموارد- الخصوصية الخارجية في مقابل العام و الكلي و تتحقق تلك الخصوصية.

تارة: بالنسبة إلى خصوصية ذات العمل كالخياطة مثلا في مقابل سائر الأعمال.

و أخرى بالنسبة إلى الزمان المخصوص.

و ثالثة: بالنسبة إليهما معا و يمكن فرضها بالنسبة إلى المكان أيضا، ثمَّ إن الخصوصية.

تارة: بنحو التقوم الذاتي و لو في الاعتباريات.

و أخرى: بنحو الشرطية الخارجة عن الذات، و الجامع بين الجميع صيرورة العمل بواسطة تلك الخصوصية مورد حق الغير، فلا يصح التصرف فيه بغير إذنه.

ص: 139

الخاصة كالخياطة مثلا له، أو آجر نفسه لعمل مباشرة مدة معينة أو كان اعتبار المباشرة أو كونها في تلك المدة أو كليهما على وجه الشرطية لا القيدية- لا يجوز له أن يعمل في تلك المدة لنفسه أو لغيره بالإجارة أو الجعالة أو التبرع عملا ينافي حق المستأجر إلا مع إذنه (37)، و مثل تعيين المدة تعيين أول زمان العمل بحيث لا يتوانى فيه إلى الفراغ (38).

نعم، لا بأس بغير المنافي (39) كما إذا عمل البناء لنفسه أو لغيره في الليل، فإنه لا مانع منه إذا لم يكن موجبا لضعفه في النهار، و مثل إجراء عقد أو إيقاع أو تعليم أو تعلم في أثناء الخياطة و نحوها، لانصراف المنافع عن مثلها.

هذا و لو خالف و أتى بعمل مناف لحق المستأجر فإن كانت الإجارة على الوجه الأول بأن يكون جميع منافعه للمستأجر و عمل لنفسه في تمام المدة أو بعضها فللمستأجر أن يفسخ (40) و يسترجع تمام الأجرة المسماة

______________________________

(37) لأن التصرف في متعلق حق الغير بدون إذنه حرام بالأدلة الأربعة كما تقدم مرارا، مضافا إلى الإجماع في المقام، و خبر إسحاق ابن عمار قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام: عن الرجل يستأجر الرجل بأجر معلوم فيبعثه في ضيعته و يعطيه رجل آخر دراهم، و يقول: اشتر بهذا كذا و كذا و ما ربحت بيني و بينك؟

فقال: إذا اذن له الذي استأجره فليس به بأس» (1).

(38) لأنه أيضا نحو تعيين و لا يعد من الأجير العام المطلق عرفا، فيكون تصرفه تصرفا في متعلق حق الغير و يتوقف على إذنه.

(39) لأن تصرفه حينئذ لا يكون تصرفا في متعلق حق الغير، فلا يكون حراما، لفرض عدم المنافاة، فتشمله أدلة الصحة من الأصل و الإطلاق و العموم.

(40) لفرض كون العمل منافيا لحقه فلم يتحقق التسليم الذي يعتبر في

ص: 140


1- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الإجارة.

أو بعضها (41)، أو يبقيها و يطالب عوض الفائت من المنفعة بعضا أو كلا (42)، و كذا إن عمل للغير تبرعا (43) و لا يجوز له على فرض عدم الفسخ مطالبة الغير المتبرع له بالعوض، سواء كان جاهلا بالحال أو عالما، لأن المؤجر هو الذي أتلف المنفعة عليه دون ذلك الغير (44) و إن كان ذلك الغير آمرا له بالعمل (45)، إلا إذا فرض على وجه يتحقق معه صدق الغرور (46)، و إلا فالمفروض أن المباشر للإتلاف هو المؤجر (47).

______________________________

الإجارة فتكون له السلطة على حقه إبقاء أو فسخا، كما هو مقتضى سلطة كل ذي حق على حقه بدفع المنافي عن حقه و إثباته و هذا هو حق الفسخ الثابت في المقام.

(41) لعموم قاعدة السلطنة الشاملة للكل و البعض من غير ما يصلح للتخصيص، و أما بناء على عدم التبعيض في الفسخ فيفسخ في الكل، و يكون له المسمى و عليه عوض البعض المستوفى.

(42) لقاعدة السلطنة الشاملة للإبقاء لذلك أيضا، بل لا معنى لحق الفسخ إلا التخيير بين الإبقاء و الإزالة.

(43) لتعلق حقه بذات العمل الصادر منه سواء كان لنفسه أم لغيره تبرعا، فيتخير المستأجر حينئذ بين فسخ إجارته و بين إبقائها كما مر.

(44) لعدم صحة انتساب الإتلاف إليه لا مباشرة و لا تسبيبا.

(45) حيث إن الآمر استوفى بأمره عمل الأجير الذي هو ملك للمستأجر من دون تبرع من مالكه، فيجوز للمالك الرجوع اليه و أخذ عوض ملكه عنه، و تبرع الأجير لا أثر له بعد عدم كونه مالكا و لا مأذونا من المالك في ذلك.

(46) صدق الغرور مشكل و على فرضه فهو موجب لرجوع الأجير إليه لا المستأجر، إلا أن يقال: انه بذلك يصير أقوى من الأجير فيرجع المستأجر إليه حينئذ.

(47) نعم المباشر هو الأجير، و لكن مستوفي المنفعة عرفا هو الآمر

ص: 141

و إن كان عمل للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة فللمستأجر أن يجيز ذلك (48) و يكون له الأجرة المسماة في تلك الإجارة أو الجعالة (49)، كما أن له الفسخ و الرجوع إلى الأجرة المسماة، و له الإبقاء و مطالبة عوض المقدار الذي فات (50) فيتخير بين الأمور الثلاثة (51).

و إن كانت الإجارة على الوجه الثاني و هو كون منفعته الخاصة للمستأجر فحاله كالوجه الأول.

إلا إذا كان العمل للغير على وجه الإجارة أو الجعالة و لم يكن من نوع العمل المتسأجر عليه، كأن تكون الإجارة واقعة على منفعة الخيّاطي فآجر نفسه للغير للكتابة أو عمل الكتابة بعنوان الجعالة، فإنه ليس

______________________________

و المستوفى أقوى من المباشر بحسب المتعارف و لا أقل من التساوي، فيجوز الرجوع إلى كل منهما.

(48) لان العقد وقع على ما يتعلق به فله السلطنة على حله و إبقائه، و له إثبات المنافي لما يتعلق به و ازالته على ما تقدم في بيع الفضولي.

(49) بلا فرق بين كون الإجارة أو الجعالة الثانية واقعة على الشخص أو على الذمة.

أما الأول: فلأن العقد الثاني وقع على عين ماله فتكون له الأجرة المسماة.

و أما الثاني: فلأن ما في الذمة يتعين فيما يقع في الخارج فيصير مال المستأجر عرفا بعد التعين و بالجملة العرف يراه مال المستأجر.

(50) و يجوز له الرجوع إلى كل من الأجير و المستوفى لكون كل منهما سبب للضمان، الأول بالمباشرة و الثاني بالاستيفاء.

(51) و هناك وجه رابع، و لعله أحوط و هو إبقاء إجارة نفسه ورد الإجارة الثانية و الرجوع إلى مستأجرها بأجرة مثل العمل، لفرض انه المستوفى لمال المالك، و وجه الاحتياط انه مع تمكن المستأجر الأول من استيفاء ماله بلا حرج

ص: 142

للمستأجر إجازة ذلك، لأن المفروض أنه مالك لمنفعة الخيّاطي (52) فليس له إجازة العقد الواقع على الكتابة فيكون مخيرا بين الأمرين (53) من الفسخ و استرجاع الأجرة المسماة و الإبقاء و مطالبة عوض الفائت.

و إن كانت على الوجه الثالث فكالثاني، إلا انه لا فرق فيه في عدم صحة الإجازة بين ما إذا كانت الإجارة أو الجعالة واقعة على نوع العمل المستأجر عليه أو على غيره، إذ ليست منفعة الخياطة- مثلا- مملوكة للمستأجر حتى يمكنه إجازة العقد الواقع عليها، بل يملك عمل الخياطة في ذمة المؤجر (54)، و إن كانت على الوجه الرابع و هو كون اعتبار المباشرة أو المدة المعينة على وجه الشرطية لا القيدية ففيه وجهان: يمكن أن يقال بصحة العمل للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة من غير حاجة إلى

______________________________

و مشقة فمقتضى الأصل عدم تسلطه على فسخ عقد نفسه.

(52) هذا التعليل عليل، أما بناء على صحة تملك المنافع المتضادة كما اخترناه سابقا فلا إشكال في صحة تعلق الإجارة، و اما بناء على عدمها فتصح الإجازة أيضا، لأنه لا يعتبر في صحة الإجازة كونها متعلقة بالملك، بل يكفي كون موردها حقا أيضا كحق الرهانة و نحوه، سواء كان الحق ثابتا أولا و بالذات أو بالواسطة و الملازمة.

(53) ظهر مما مر تخييره بين الأمور الثلاثة بل الأربعة.

(54) بعد عدم اعتبار كون مورد الإجازة ملكا للمجيز و كفاية مجرد الحقية تصح الإجازة هنا أيضا، لفرض كون الإجارة الثانية منافية لحق المستأجر الأول، ففي جميع الصور تصح الإجارة، سواء كانت الإجارة الثانية مماثلا للإجارة الأولى أم ضدا لها بأي نحو من المضادة و المنافاة، لفرض ثبوت حق له في الجملة سواء كان بلا واسطة أم معها فتنفع إجازته في الصحة و تبطل الإجارة مع عدمها.

ص: 143

الإجازة (55)، و إن لم يكن جائزا من حيث كونه مخالفة للشرط الواجب العمل، غاية ما يكون أن للمستأجر خيار تخلف الشرط، و يمكن أن يقال بالحاجة إلى الإجازة لأن الإجارة أو الجعالة منافية لحق الشرط فتكون باطلة بدون الإجازة (56).

مسألة 5: إذا آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة

(مسألة 5): إذا آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة و لو مع تعيين المدة، أو من غير تعيين المدة و لو مع اعتبار المباشرة جاز عمله للغير و لو على وجه الإجارة قبل الإتيان بالمستأجر عليه، لعدم منافاته له من حيث إمكان تحصيله لا بالمباشرة أو بعد العمل للغير، لأن المفروض عدم تعيين المباشرة أو عدم تعيين المدة، و دعوى أن إطلاق العقد من حيث الزمان يقتضي وجوب التعجيل، ممنوعة (57)، مع أن لنا ان نفرض الكلام فيما لو كانت قرينة على عدم إرادة التعجيل.

مسألة 6: لو استأجر دابة لحمل متاع معين شخصي أو كلي

(مسألة 6): لو استأجر دابة لحمل متاع معين شخصي أو كلي على وجه التقييد فحمّلها غير ذلك المتاع، أو استعملها في الركوب لزمه الأجرة

______________________________

و بالجملة: المحذور المانع عن صحة الإجارة الثانية انما هو من ناحية مراعاة حق المستأجر الأول، فيجوز له إزالة هذا المحذور بالإجازة.

(55) لا وجه لهذا الاحتمال لما مر في الشروط من كتاب البيع و في بعض المسائل السابقة، من أن الشرط يوجب ثبوت حق في الجملة للشارط على المشروط عليه للتنفيذ و الإسقاط، فيتحقق موضوع الإجازة حينئذ.

(56) و هذا هو الحق و حينئذ فيرجع الأجير إلى من عمل له بأجرة المثل، لقاعدة «ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده».

(57) كيف تكون ممنوعة مع اعترافه قدّس سرّه في (مسألة 5) من أول كتاب الإجارة من ان الإطلاق يقتضي التعجيل، و هو المعروف بين الأصحاب، و يشهد له المتعارف بين الناس أيضا.

ص: 144

المسماة و أجرة المثل (58) لحمل المتاع الآخر أو للركوب، و كذا لو استأجر عبدا للخياطة فاستعمله في الكتابة، بل و كذا لو استأجر حرا لعمل معين في زمان معين و حمله على غير ذلك العمل مع تعمده و غفلة ذلك

______________________________

(58) هذا الفرع من فروع مسألة ملكية المنافع المتضادة و من ثمراتها، و قد صححناها في أول هذا الفصل (1)، فلا إشكال ثبوتا في أصل هذا الفرع، و إنما أشكل إثباتا بوجوه:

الأول: ان ذلك مما لم يقل به أحد.

و فيه: ان ذلك لعله لما كان في أذهانهم من امتناع ملكية المنافع المتضادة فالمسألة مبنائية لا ان تكون لأجل دليل وصل إليهم، و لم يصل ذلك إلينا، و مخالفة الفقهاء في اجتهاداتهم شائعة في الفقه من أوله إلى آخره.

نعم، لو كان قول مخالف للإجماع لا بد من طرحه حينئذ إن كان الإجماع معتبر، و لا وجه للإجماع في هذه المسائل الاجتهادية الخلافية.

الثاني: انه خلاف المرتكز العرفي و مذاق الفقاهة.

و فيه: أما مخالفة مذاق الفقاهة فلما ارتكز في أذهانهم من امتناع ملكية المنافع المتضادة، و أما المرتكز العرفي فوجوب أجرة المسمى و أجرة المثل موافق لمرتكزات الآخذين و مخالف لمرتكزات المعطين لهما، و بأي وجه يرجع الثانية على الأولى.

الثالث: انه مخالف لظهور كلماتهم في الموارد المتفرقة من الغصب، و غيره في المنافع المتضادة من ضمان أعلى المنافع قيمة.

و فيه .. أولا: انه ما لم تصل إلى الإجماع لا اعتبار بها لأنها كلها اجتهادية في مثل هذه المسألة التي فيها خلاف عظيم بينهم ربما تصل أقوالهم فيها إلى سبعة أو أكثر.

ص: 145


1- راجع صفحة: 124.

.....

______________________________

و ثانيا: بعد ظهور بنائهم على امتناع ملكية المنافع المتضادة يكون قولهم هذا بنائيا.

الرابع: انه مخالف لصحيح أبي ولّاد (1)، حيث حكم أبو عبد اللّه عليه السّلام فيه بدفع أجرة المثل، و لم يذكر عليه السّلام عن أجرة المسمى شيئا لا نفيا و لا إثباتا.

و فيه: أن المتأمل في الرواية يرى ان الإمام عليه السّلام في مقام رد أبي حنيفة القائل بعدم وجوب أجرة المثل مستدلا بما ذكره عليه السّلام في الرواية و ليس في مقام بيان شي ء آخر حتى يتمسك بإطلاقه.

نعم، كل ما سأل أبو ولّاد من الإمام عليه السّلام أجابه عليه السّلام لذلك، و لكن لا ربط للسؤالات و الأجوبة بالمقام.

و بالجملة مقتضى الالتزام المعاملي الصادر منه أولا و العمل الذي صدر منه بعده و أصالة احترام المال هو تعدد الأجرة نظير ما إذا أقر أحد بعين لشخص، ثمَّ أقر به لآخر فيجب عليه تسليم العين إلى الأول و القيمة إلى الأخير، و المراد بالتنظير التشبيه في الجملة لا من كل جهة.

ثمَّ انه قد مر أن المملوك في المنافع المتضادة طبيعي المنفعة بنحو الإهمال و الإجمال المنطبق على الجميع متضادة كانت أو لا، مستوفاة كانت أو لا، و أما احتمال انه هو الواحد المردد أو أحدها في ظرف عدم الآخر، فلا دليل عليه لا ثبوتا و لا إثباتا.

و الاشكال: بأنه لو كان المملوك الطبيعي المهمل من كل جهة المنطبق على المستوفاة و غيرها يضمن الغاصب جميع المنافع مطلقا مستوفاة كانت أو لا، مع أنهم لا يقولون به، بل يخصصون الضمان بخصوص المستوفاة فقط.

مدفوع: بأنه لا بأس بالقول بالضمان مطلقا، و يشهد له ما ينقل من أن «الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال»، و لكن لا بد من الاحتياط في هذه المسائل المتعارضة الآراء و الدلائل مع عدم تنقيحها كما هو حقه.

ص: 146


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الإجارة: حديث 1.

الحر و اعتقاده أنه العمل المستأجر عليه (59) و دعوى: أن ليس للدابة في زمان واحد منفعتان متضادتان، و كذا ليس للعبد في زمان واحد إلا إحدى المنفعتين من الكتابة أو الخياطة فكيف يستحق أجرتين، مدفوعة بأن المستأجر بتفويته على نفسه و استعماله في غير ما يستحق كأنه حصلت له منفعة أخرى (60).

مسألة 7: لو آجر نفسه للخياطة- مثلا- في زمان معين

(مسألة 7): لو آجر نفسه للخياطة- مثلا- في زمان معين فاشتغل بالكتابة للمستأجر مع علمه بأنه غير العمل المستأجر عليه لم يستحق شيئا، أما الأجرة المسماة فلتفويتها على نفسه بترك الخياطة، و أما أجرة المثل للكتابة- مثلا- فلعدم كونها مستأجرا عليها فيكون كالمتبرع بها، بل يمكن أن يقال بعدم استحقاقه لها و لو كان مشتبها غير متعمد، خصوصا مع جهل المستأجر بالحال (61).

______________________________

(59) لا أثر لهذا الاعتقاد فإن تسبيب الغير لاستيفاء منفعة الأجير يوجب الضمان لعوض المنفعة، سواء اعتقد انه العمل المستأجر عليه أو لا، و لعل نظره قدّس سرّه من ذكر هذه الجملة انه مع علمه بأنه غير العمل المستأجر عليه يقصد التبرع فلا يستحق شيئا، و هو مشكل أيضا لأنه مع تسبيب المستأجر لاستيفاء منفعة الأجير لا أثر لهذا العقد بالنسبة إليه و يأتي في (مسألة 19) من الفصل التالي ما ينفع المقام.

(60) لا ريب في أنه منفعة أخرى غير ما استأجر عليه، كما لا ريب في حصول التسبيب لاستيفاء هذه المنفعة من طرف المستأجر فاستوفى و حصل منفعة أخرى، فيلزمه عوضها، و لا وجه لإشكال بعض عليه كما لا يخفى.

(61) لأنه لا يتصور تسبيب منه لاستيفاء المنفعة حينئذ، و حيث إن الأجير هو الذي فوت عوض عمله بعمده و اختياره فلا وجه للتمسك بأصالة احترام العمل حينئذ.

ص: 147

مسألة 8: لو آجر دابته لحمل متاع زيد من مكان إلى آخر

(مسألة 8): لو آجر دابته لحمل متاع زيد من مكان إلى آخر فاشتبه و حملها متاع عمرو لم يستحق الأجرة على زيد، و لا على عمرو (62).

مسألة 9: لو آجر دابته من زيد مثلا فشردت قبل التسليم اليه

(مسألة 9): لو آجر دابته من زيد مثلا فشردت قبل التسليم اليه أو بعده في أثناء المدة بطلت الإجارة (63) و كذا لو آجر عبده فأبق، و لو غصبهما غاصب فإن كان قبل التسليم فكذلك، و ان كان بعده يرجع المستأجر على الغاصب بعوض المقدار الفائت من المنفعة، و يحتمل التخيير (64) بين الرجوع على الغاصب و بين الفسخ في الصورة الأولى و هو ما إذا كان الغصب قبل التسليم.

مسألة 10: إذا آجر سفينته لحمل الخل- مثلا- من بلد الى بلد

(مسألة 10): إذا آجر سفينته لحمل الخل- مثلا- من بلد الى بلد فحملها المستأجر خمرا لم يستحق المؤجر إلا الأجرة المسماة، و لا يستحق أجرة المثل لحمل الخمر، لأن أخذ الأجرة عليه حرام (65) فليست هذه

______________________________

(62) أما الأول: فلعدم الإتيان بعمله المستأجر عليه.

و أما الثاني: فلعدم التسبيب منه في استيفاء المنفعة، فلا وجه لوجوب الأجرة عليه.

(63) لتعذر استيفاء المنفعة إذا كان ذلك من الأول و تعذر الاستيفاء في بقية المدة إذا كان ذلك في الأثناء، و تقدم في (مسألة 3) من الفصل الثالث نظير المقام.

(64) تقدم الكلام فيه في (مسألة 11) من الفصل الثالث، و قد اضطرب كلامه في الموردين فراجع و تأمل.

(65) حرمة استيفاء المنفعة على من يستوفيها لا يوجب عدم استحقاق المالك عوض ماله ان لم يكن تسبيب من ناحيته في فعل الحرام، كما في ضمان الغاصب المنافع المستوفاة للمالك مع حرمة الاستيفاء عليه، و لزوم مهر المثل على الزاني مع كون المرأة مشتبهة، و على هذا فلو كانت أجرة حمل الخمر أكثر

ص: 148

المسألة مثل مسألة إجارة العبد للخياطة فاستعمله المستأجر في الكتابة.

لا يقال: فعلى هذا إذا غصب السفينة و حملها خمرا كان اللازم عدم استحقاق المالك أجرة المثل لان أجرة حمل الخمر حرام، لأنا نقول: إنما يستحق المالك أجرة المثل للمنافع المحللة الفائتة في هذه المدة و في المسألة المفروضة لم يفوّت على المؤجر منفعة، لأنه أعطاه الأجرة المسماة لحمل الخل بالفرض.

مسألة 11: لو استأجر دابة معينة من زيد للركوب الى مكان فاشتبه و ركب دابة أخرى له لزمه الأجرة المسماة للأولى

(مسألة 11): لو استأجر دابة معينة من زيد للركوب الى مكان فاشتبه و ركب دابة أخرى له لزمه الأجرة المسماة للأولى (66) و أجرة المثل للثانية، كما إذا اشتبه فركب دابة عمرو فإنه يلزمه أجرة المثل لدابة عمرو و المسماة لدابة زيد حيث فوّت منفعتها على نفسه.

______________________________

من أجرة حمل الخل وجب عليه إعطاء الزيادة، لإمكان فرض كونها ملكا للمالك.

(66) مع تحقق التسليم و التمكين من استيفاء المنفعة في المدة المعينة.

فروع:

الأول: لو اشتبه المالك و أعطى إلى المستأجر شيئا آخر غير ما استأجره لا يستحق الأجرة المسماة لعدم تحقق التسليم منه، و يستحق أجرة المثل بالنسبة إلى ما أعطاه مع استفادة المستأجر منه.

الثاني: في صورة اشتباه المستأجر لو علم المالك باشتباهه و مع ذلك سكت عن إعلامه، لأن يأخذ منه الأجرتين المسماة و المثل، فهل تجب على المستأجر الأجرتان أيضا؟ وجهان الظاهر هو الأول.

الثالث: هل يجري هذا الحكم فيما اتحدا من كل جهة كالأشياء التي تخرج من معمل واحد بقالب واحد، متحد من حيث القيمة و الانتفاع و الرغبات

ص: 149

مسألة 12: لو آجر نفسه لصوم يوم معين عن زيد- مثلا

(مسألة 12): لو آجر نفسه لصوم يوم معين عن زيد- مثلا ثمَّ آجر نفسه لصوم ذلك اليوم عن عمرو لم تصح الإجارة الثانية (67)، و لو فسخ الأولى بخيار أو إقالة قبل ذلك اليوم لم ينفع في صحتها (68). بل و لو أجازها ثانيا (69)، بل لا بد له من تجديد العقد لأن الإجازة كاشفة و لا يمكن الكشف هنا لوجود المانع حين الإجارة (70)، فيكون نظير من باع

______________________________

أو لا؟ الظاهر هو الأخير إن عد قصد الخصوصية في أحدها دون الآخر من اللغو المحض عند المتعارف.

الرابع: في صورة اشتباه المستأجر و أخذه شيئا آخر مما استأجره إن تصرف المالك فيما آجره يجب عليه أجرة المثل للمستأجر، فيأخذ منه الأجرة المسماة في الإجارة و يعطيه أجرة المثل لتصرفه فيه.

الخامس: لا فرق في جميع ما مر بين الاشتباه و العمد إلا تحقق الإثم في الثاني دون الأول.

(67) بلا إجازة من زيد و تصح مع إجازته لأن المانع منحصر في حقه فقط، فيزول بالإجازة.

(68) الجزم به مشكل و المسألة من صغريات نظير من باع شيئا ثمَّ ملك، و ما إذا باع الراهن العين المرهونة ثمَّ فك الرهن، و هي محل البحث بينهم كما مر في بيع الفضولي.

(69) هذا من مجرد الدعوى و يأتي وجهه.

(70) نعم، و لكن هذا المانع تعليقي على رضا المستأجر الأول، و ليس مانعا دائميا فإذا أجاز و رضى يستكشف انه في الواقع و في علم اللّه تعالى لم يكن مانع في البين أصلا، فتصح الإجارة الثانية حينئذ لوجود المقتضى و فقد المانع واقعا.

ص: 150

شيئا ثمَّ ملك (71) بل أشكل (72).

______________________________

(71) و قد مر في الفضولي انه يصح مع الإجازة لا ان يكون باطلا أصلا بحيث لا يقبل الإجازة.

(72) لم يظهر وجه للأشكلية بل الأمر بالعكس.

و ما يتوهم في وجه أشكلية المقام من أن عدم القدرة على الضد الثاني يوجب خروجه عن صلاحية الملك، فالمانع فيه ذاتي بخلاف مسألة من باع ثمَّ ملك فإن المانع فيه عرضي، و هو تبدل المالك من دون قصور في ذات المملوك.

فاسد: بما مر من أن القدرة على التسليم أو الاستيفاء لا ربط لها بمرتبة الملكية، فإنهما شيئان مستقلان لا ربط لأحدهما بالآخر في مرتبة المفهوم و التحقق و الاعتبار، فإذا لوحظ المقام و مسألة من باع شيئا ثمَّ ملك بالنسبة إلى حال إنشاء العقد فكل منهما غير مالك لمتعلق العقد ظاهرا، و إذا لو حظ بالنسبة إلى بعد الإجازة و التنفيذ فكل منهما مالك له في علم اللّه تعالى، فأي فرق بينهما حتى يكون المقام أشكل منه، و الظاهر أن مسألة «من باع شيئا ثمَّ ملك» أشكل من المقام لما أشير إليه من عدم المقتضى، و هو عدم الملك في مسألة «من باع» بخلاف المقام فإنه لأجل المانع و هو عدم القدرة على التسليم، و قد مر صحة ملكية المنافع المتضادة فراجع و تأمل.

ص: 151

فصل لا يجوز إجارة الأرض 1 لزرع الحنطة أو الشعير

اشارة

فصل لا يجوز إجارة الأرض (1) لزرع الحنطة أو الشعير بما يحصل منها من الحنطة أو الشعير، لا لما قيل من عدم كون مال الإجارة موجودا حينئذ لا في الخارج و لا في الذمة، و من هنا يظهر عدم جواز إجارتها بما يحصل منها و لو من غير الحنطة و الشعير، بل عدم جوازها بما يحصل من أرض أخرى أيضا، لمنع ذلك فإنهما في نظر العرف و اعتبارهم بمنزلة الموجود كنفس المنفعة و هذا المقدار كاف في الصحة نظير بيع الثمار سنتين أو مع ضم الضميمة فإنها لا تجعل غير الموجود موجودا مع أن البيع وقع على

______________________________

(1) مقتضى الإطلاقات و العمومات و أصالة الصحة صحة مثل هذه الإجارات مطلقا، و استدل على البطلان بالأدلة الثلاثة العقل، و الإجماع، و السنة.

أما الأول: فلأن مال الإجارة معدوم و التمليك صفة وجودية، و لا يصح تعلق الصفات الوجودية بالمعدوم.

و فيه .. أولا: انه ليس من العدم المطلق بل من عدم الملكة و له حظ من الوجود، كما ثبت في محله فيصح تعلق الملكية به حينئذ.

و ثانيا: ان التمليك و التملّك و الملكية من الاعتباريات و ليست من الخارجيات لا من الأعيان و لا من العوارض، و الاعتباريات خفيفة المؤنة جدا تدور مدار صحة الاعتبار كيف ما اعتبر، و إن لم يصح ذلك في العقليات الدقيقة، هذا مضافا إلى ما ذكر في المتن.

أما الثاني: فالظاهر أنه على فرض تحققه انما حصل مما بأيدينا من الأخبار فلا اعتبار به.

ص: 152

.....

______________________________

أما الثالث: الاخبار الخاصة- التي هي العمدة- الواردة في المزارعة منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق أبي بصير: «لا تستأجر الأرض بالتمر و لا بالحنطة و لا بالشعير و لا بالأربعاء و لا بالنطاف، قلت: و ما الأربعاء؟ قال عليه السّلام: الشرب، و النطاف فضل الماء، و لكن تقبلها بالذهب و الفضة و النصف و الثلث و الربع» (1)، و مثله خبره الآخر بزيادة قوله عليه السّلام: «لأن الذهب و الفضة مضمون و هذا ليس بمضمون» (2)، و منها خبر ابن يسار قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن إجارة الأرض بالطعام، قال: إن كان من طعامها فلا خير فيه» (3)، و مثله خبر أبي بردة (4)، و منها قول أبي جعفر عليه السّلام في خبر يونس بن عبد الرحمن: «العلة في ذلك ان الذي يخرج منها حنطة و شعير و لا يجوز إجارة حنطة بحنطة و لا شعير بشعير» (5)، و منها صحيح الحلبي: «لا تستأجر الأرض بالحنطة ثمَّ تزرعها حنطة». (6)،

و المتأمل في هذه الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض لا يستفيد أزيد من الكراهة، كما يظهر ذلك من المحقق «ره» في النافع و تبعه العلامة في بعض كتبه.

و استدل بعضهم للمنع بلزوم الغرر و الربا و اتحاد العوضين. و هو مخدوش بأن المحصول في المزارعة معلوم نوعا عند أهل الخبرة بها مع أنها مبنية على المسامحة من هذه الجهة، و أما الآفات السماوية فهي تعم جميع الأشياء فإذا لوحظت الإجارة بالنسبة إليها يلزم الغرر في جملة منها، و أما لزوم الرباء.

ففيه. أولا: انه مبنى على جريانه في غير البيع من سائر المعاوضات و هو مشكل كما مر في محله.

و ثانيا: المقام خارج عن الربا تخصصا لأن العوض يقع بإزاء العمل بلا

ص: 153


1- الوافي باب: 165 من أبواب أحكام الأرضين و المياه صفحة: 137 المجلد العاشر.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب المزارعة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب المزارعة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب المزارعة حديث:.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب المزارعة حديث: 9.
6- الوسائل باب: 16 من أبواب المزارعة حديث: 3.

المجموع بل للأخبار الخاصة (2).

و أما إذا آجرها بالحنطة أو الشعير في الذمة لكن بشرط الأداء منها ففي جوازه إشكال (3)، و الأحوط العدم لما يظهر من بعض الاخبار (4)، و إن كان يمكن حمله على الصورة الأولى (5). و لو آجرها بالحنطة أو الشعير من غير اشتراط كونهما منها فالأقوى جوازه (6).

______________________________

اتحاد في جنس العوضين حتى يلزم الرباء و منه يعلم دفع إشكال اتحاد العوضين أيضا.

(2) و حيث ان الحكم- حرمة أو كراهة- مخالف للأصول و القواعد فلا بد من الاقتصار على خصوص مورد النصوص، و هو خصوص الإجارة لزرع الحنطة بحنطة منها، و لزرع الشعير بشعير منها من دون تعد إلى سائر الحبوب و الأشياء، و لا سائر الأقسام في الحنطة و الشعير أيضا.

(3) مقتضى الأصول و القواعد الجواز، و ليس في الاخبار الخاصة ما يصلح للمنع إلا بعض الإطلاقات التي لا بد من تقييدها بغيرها من الأخبار، ففي صحيح ابن يسار: «إن كان من طعامها فلا خير فيه» (1)، و مثله خبر أبي بردة (2)، فيقيّد بهما إطلاق قول الصادق عليه السّلام في خبر أبي بصير: «لا تؤاجر الأرض بالحنطة و لا بالشعير» (3)، و المنساق من قوله عليه السّلام «من طعامها» هو خصوص ما إذا كان شخصيا خارجيا، و شموله لما إذا كان في الذمة و شرط إعطائها من طعامها خلاف المنساق منه عرفا في هذا الحكم المخالف للأدلة.

(4) و هو إطلاق خبر أبي بصير المتقدم.

(5) كما هو المتعارف في الفقه من أوله إلى آخره من حمل المطلق على المقيد خصوصا في الأحكام المخالفة للأصول و القواعد.

(6) للإطلاقات و العمومات و قاعدة السلطنة، و شمول تعليل الجواز في

ص: 154


1- الوسائل باب: 16 من أبواب المزارعة: حديث: 5 و 9 و 2.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب المزارعة: حديث: 5 و 9 و 2.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب المزارعة: حديث: 5 و 9 و 2.

نعم، لا يبعد كراهته (7)، و أما إجارتها بغير الحنطة و الشعير من الحبوب فلا إشكال فيه (8)، خصوصا إذا كان في الذمة (9) مع اشتراط

______________________________

الذهب له من قوله عليه السّلام: «لأن الذهب و الفضة مضمون و ذلك ليس بمضمون» (1)، من غير ما يصلح للتقييد و التخصيص إلا إطلاق قول الصادق عليه السّلام في صحيح الحلبي: «لا تستأجر الأرض بالحنطة ثمَّ تزرعها حنطة» (2)، و فيه ان الأخذ بإطلاقه خلاف المشهور إذ لم يعملوا بهذا الإطلاق فلا بد من حمله على الكراهة.

(7) لأن الكراهة خفيفة المؤنة و قابلة للمسامحة فيصلح لها ما تقدم من صحيح الحلبي بعد حمله عليها.

(8) للأصل و الإطلاق و قاعدة السلطنة و خروجه عن مورد النصوص المانعة.

نعم، في خبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «لا تؤجر الأرض بالحنطة و لا بالشعير و لا بالتمر و لا بالأربعاء و لا بالنطاف» (3)، لكن المشهور لا يقولون بجميع ما في الذيل، و ظاهر جملة من الكلمات التعميم لكل ما يخرج من الأرض، و الظاهر انه اجتهاد منهم فلا اعتبار به ما لم يكن إجماعا معتبرا، و يمكن استفادة التعميم لمطلق ما يخرج من الأرض من قوله عليه السّلام: «ان هذا ليس بمضمون»، ان ثبت انه علة تامة للمنع و لكنه مشكل بل ممنوع، كما انه لو كان المنع مطابقا للقاعدة لعمّ الجميع أيضا، و لكنه ممنوع كما مر و لعل نظر من عمّ المنع إلى جميع الحبوب إلى ما ارتكز في ذهنه من تلك الأمور التي ناقشنا فيها.

(9) لأن المنساق من الأدلة على فرض تمامية دلالتها على المنع ما إذا كان العوض شخصيا خارجيا لا ما إذا كان في الذمة أولا و بالذات، و اشترط الأداء

ص: 155


1- الوسائل باب: 16 من أبواب المزارعة: حديث: 2 و 3.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب المزارعة: حديث: 2 و 3.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب المزارعة: حديث: 2.

كونه منها أو لا.

مسألة 1: لا بأس بإجارة حصة من أرض معينة مشاعة

(مسألة 1): لا بأس بإجارة حصة من أرض معينة مشاعة، كما لا بأس بإجارة حصة منها على وجه الكلي في المعيّن مع مشاهدتها على وجه يرتفع به الغرر (10)، و أما إجارتها على وجه الكلي في الذمة فمحل إشكال، بل قد يقال بعدم جوازها لعدم ارتفاع الغرر بالوصف و لذا لا يصح السلم فيها، و فيه أنه يمكن وصفها على وجه يرتفع فلا مانع منها إذا كان كذلك (11).

مسألة 2: يجوز استئجار الأرض لتعمل مسجدا

(مسألة 2): يجوز استئجار الأرض لتعمل مسجدا (12) لأنه منفعة محللة (13)، و هل يثبت لها آثار المسجد من حرمة التلويث و دخول الجنب و الحائض و نحو ذلك قولان، أقواهما العدم (14).

______________________________

منها و لكن الاحتياط حسن في جميع ذلك.

(10) كل ذلك للعموم و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(11) لوجود المقتضي للصحة حينئذ و فقد المانع عنها فتشمله الأدلة قهرا.

(12) فتشمله الأدلة العامة و الخاصة.

(13) يكفي مطلق الغرض الصحيح غير المنهي عنه شرعا، سواء عد ذلك منفعة أم لا.

(14) لا ريب في أن المساجد التي تكون في الخارج مؤبدة. إنما البحث في أن التأبيد مقوّم لحقيقة المسجدية، بحيث لو جعل شخص محلا مسجدا ألف سنة أو أقل أو أكثر لا يكون ذلك مسجدا لغة و عرفا و شرعا، أو أنه أيضا مسجد كسائر المساجد المؤبدة؟.

نسب الأول إلى المشهور و لا دليل لهم على ذلك من عقل أو نقل إلا أصالة عدم ترتب الأثر و دعوى الإجماع عليه، و لأن المسجد مثل التحرير و لا

ص: 156

نعم، إذا كان قصده عنوان المسجدية لا مجرد الصلاة فيه (15).

و كانت المدة طويلة كمائة سنة أو أزيد لا يبعد ذلك لصدق المسجد عليه حينئذ (16).

مسألة 3: يجوز استئجار الدراهم و الدنانير للزينة

(مسألة 3): يجوز استئجار الدراهم و الدنانير للزينة أو لحفظ الاعتبار أو غير ذلك من الفوائد التي لا تنافي بقاء العين (17).

______________________________

وجه للتحرير المحدود.

و الكل مخدوش. أما الأول: فهو محكوم بإطلاق المسجد عليه عرفا و لغة، بل شرعا أيضا إذ المسجد عبارة عن المعبد و ليس من الحقائق التعبدية الشرعية لأن لكل مذهب- حقا كان أو باطلا- معبد و مسجد و إنما أضاف الشرع حدودا و قيودا و أحكاما خاصة لهذه الحقيقة المعهودة، كما في سائر الحقائق العرفية، مع ان أصالة عدم اعتبار التأبيد مقدمة عليها.

و توهم: إنه حقيقة شرعية و أمر تعبدي.

فاسد: كما لا يخفى على من راجع العرف و اللغة.

و أما الدليل الآخر و انه مثل التحرير فهو عين المدعى كما لا يخفى، فإن ثبت إجماع على ذلك فهو الدليل و إثباته مشكل بل ممنوع، فالجزم بالعدم مشكل بعد فرض انها جعلت مسجدا و فرض صدق المسجد عليه.

(15) لا ريب في أن جعل محل لمجرد الصلاة فيه أعم من عنوان المسجدية، و محل البحث هو الثاني دون الأول إذ لم يقل أحد بعدم جواز استيجار محل لفعل الصلاة فيه، و لا إشكال في عدم ترتب آثار المسجد عليه.

(16) مع صدق المسجد لا فرق بين المدة الطويلة و القصيرة، فالأقسام ثلاثة: الصدق عليه، عدم الصدق عليه، الشك في الصدق و عدمه. و في الأخيرين لا تترتب أحكام المسجدية بخلاف الأول.

(17) و كذا الكلام في النقود الورقية و غيرها مما يكون في إجارتها غرض

ص: 157

مسألة 4: يجوز استئجار الشجر لفائدة الاستظلال

(مسألة 4): يجوز استئجار الشجر لفائدة الاستظلال و نحوه كربط الدابة به أو نشر الثياب عليه (18).

مسألة 5: يجوز استئجار البستان لفائدة التنزه

(مسألة 5): يجوز استئجار البستان لفائدة التنزه لأنه منفعة محللة عقلائية (19).

مسألة 6: يجوز الاستئجار لحيازة المباحات

(مسألة 6): يجوز الاستئجار لحيازة المباحات (20) كالاحتطاب و الاحتشاش و الاستقاء، فلو استأجر من يحمل الماء له من الشط مثلا ملك

______________________________

صحيح غير منهي عنه شرعا. و الإشكال عليه بأن هذا لا يعد منفعة و لا مالية فيه.

ساقط: من أصله لأن للمنافع مراتب كثيرة و المالية أيضا هو ذلك مع انه يكفي وجود الغرض الصحيح غير المنهي عنه، و إن لم يعد ذلك منفعة و لم يعد من الأموال أيضا، و كذا يجوز إجارة العطور للاستشمام و نحو ذلك، فكلما فيه غرض كذلك تصح إجارته للعمومات و الإطلاقات. و توهم المنع لعدم جواز وقفها.

فاسد. أما أولا: فلعدم الملازمة بينهما عقلا و شرعا.

و ثانيا: بأن عدم جواز وقفها عين المدعى.

(18) المناط كله وجود الغرض الصحيح غير المنهي عنه أي شي ء كان، فمع وجوده تصح الإجارة، للعمومات و الإطلاقات، و مع العدم لا تصح لأنه أكل للمال بالباطل.

(19) الكلام فيه عين الكلام في سابقة فمع الغرض الصحيح غير المنهي عنه تصح الإجارة، أي غرض كان و مع العدم لا تصح، لما مر في سابقة من غير فرق.

(20) للأصل، و الإطلاقات و العمومات، مضافا إلى السيرة، و لا يخفى ان مقتضى الأصل جواز الوكالة و النيابة في كل شي ء إلا ما خرج بالدليل، و يدل عليه السيرة و بناء الفقهاء على بيان ما خرج عن هذا الأصل بدليل خاص دل عليه،

ص: 158

.....

______________________________

و مقتضى الأصلين العملي و اللفظي عدم اعتبار المباشرة في شي ء من التوصليات إلا ما خرج بالدليل، فصحة النيابة في حيازة المباحات لا إشكال فيه لما مر من الأصل و الإطلاق و السيرة قديما و حديثا، فالمحاز ملك للمنوب عنه و إن أخذه النائب لأنه ليس معنى النيابة إلا هذا.

و توهم: انه مخالف لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «من أحيا أرضا مواتا فهي له» (1)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لليد ما أخذت و للعين ما رأت» (2)، فإن المنساق من هذه التعبيرات ان لنفس الاحياء و الأخذ موضوعية خاصة و أثر وضعي بالنسبة إلى المحيي و الآخذ، فهو يصير مالكا لا المنوب عنه، و إن قصد النائب الحيازة له لأنه ليس للقصد أثر فيما هو من الأمور الوضعية.

مدفوع: أولا: بأن نفس هذه التعبيرات ظاهرة في أن الحيازة أمر قصدي اختياري لأن إضافة الفعل إلى الفاعل المختار ظاهرة في اعتبار القصد و الاختيار.

و ثانيا: أن الأخذ و الإحياء تصح نسبتهما إلى المباشر كما تصح الى المنوب عنه، و المتبرع عنه إذا كان تسبيب منه في البين، كما مر في سائر الموارد و النسبة إلى الأول من نسبة الفعل إلى الفاعل، و إلى الثاني من نسبة الفعل إلى الغاية، و هي أولى و أقوى لأنها منشأ و علة لفعل الفاعل و فاعليته، و قد ثبت ذلك في محله كما في مثل البناء و الخياطة و نحوهما من سائر الصنائع التي يؤتى بها نيابة أو تبرعا، فتكون لها إضافتان و يكون القصد لنفسه منافيا لانطباق عنوان النيابة و التبرع عليه إلا إذا كانتا بحيث لم تكن منافاة و مضادة في البين.

و ثالثا: لو كانت هذه هي الحيازة المتعارفة و لم يعقل الاستيجار و التبرع فيها ابدا فهو مخالف للسيرة و الإطلاقات و العمومات، فهذا هو الحيازة الواقعة في الخارج.

و أما ما يمكن تصويرها في الذهن و مقام الثبوت فهو أقسام:

ص: 159


1- الوسائل باب: 1 من أبواب إحياء الموات: 5 ج 17.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب الصيد: 1.

ذلك الماء بمجرد حيازة السقاء (21) فلو أتلفه متلف قبل الإيصال إلى

______________________________

الأول: كون المحاز ملكا للحائز و لو لم يقصد الحيازة أصلا، سواء قصد نفسه أو قصد غيره فالحيازة غير متقومة بالقصد و الاختيار، و تكون من الوضعيات المحضة و لا دليل على هذا الاحتمال من عقل أو نقل، و مخالف لأصالة عدم حصول الملكية، و قد تقدم توهم شمول الإطلاقات له مع دفعه.

الثاني: تقوّمها بقصد ذات الحيازة من حيث هي و صيرورة المحاز ملكا للحائز، سواء قصد نفسه أم لا، و سواء قصد الغير أم لا، و هذا أيضا باطل، لأن عنوان الحيازة من العناوين ذات الإضافة لا بد و ان يقصد فيه من يحوز له و لو إجمالا و ارتكازا.

الثالث: أن يكون المحاز ملكا لمن له سبيبة في الحيازة بإجارة أو جعالة، سواء قصد الحائز أم لا و سواء قصد نفسه أم لا، و هذا الوجه حسن في الجملة و لكنه مخدوش من حيث إخراجها عن العناوين القصدية أي: قصد من يحوز له و لو إجمالا.

الرابع: أن يكون ملكا لمن قصد له الحيازة، سواء كان تسبيب منه أم لا، فيشمل المتبرّع عنه أيضا، بل و نفسه إن قصد تمليك نفسه، و الظاهر انسباق هذا الوجه من الحيازة في المتفاهمات العرفية إلا في بعض صور قصد النفس الذي- تأتي الإشارة إليه- فهي متقوّمة بقصد عنوان الحيازة و لو بتهيئة بعض مقدماتها و قصد من يحاز له و لو بنحو الإجمال و الارتكاز، هذه خلاصة الكلام في المقام، و أما كلمات الفقهاء فهي مختلفة مع ان بعضها ظاهرة الخدشة.

(21) لأن الأجير حينئذ بمنزلة الآلة و كنفس المستأجر من غير فرق في الأحكام المترتبة كما في سائر موارد الوكالة و النيابة من العقود و الإيقاعات و الأفعال و سائر الجهات.

ص: 160

المستأجر ضمن قيمته له (22) و كذا في حيازة الحطب و الحشيش.

نعم، لو قصد المؤجر كون المحوّز لنفسه فيحتمل القول بكونه له (23) و يكون ضامنا للمستأجر عوض ما فوته عليه من المنفعة، خصوصا إذا كان المؤجر آجر نفسه على وجه يكون تمام منافعه في اليوم الفلاني للمستأجر، أو يكون منفعته من حيث الحيازة له، و ذلك لاعتبار النية في التملك بالحيازة و المفروض أنه لم يقصد كونه للمستأجر (24) بل قصد نفسه، و يحتمل القول بكونه للمستأجر لأن المفروض أن منفعته من طرف الحيازة له فيكون نيّة كونه لنفسه لغوا، و المسألة مبنية على أن الحيازة من الأسباب القهرية لتملك الحائز و لو قصد الغير (25)، و لازمه عدم صحة الاستئجار لها (26). أو يعتبر فيه نيّة التملك و دائرة مدارها (27) و لازمه

______________________________

(22) لقاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن.

(23) هذا الاحتمال ساقط إذا كان قصده لنفسه مكذبا للاستيجار و منافيا و مضادا له، و يكون ظاهر إقدامه الإجاري مقدما عليه.

(24) الالتزام الإجاري قصد لكون الحيازة و التملك للمستأجر فيصير قصده لنفسه لغوا لا محالة.

(25) تقدم ان مقتضى الأصل عدم حصول الملكية بمجرد الحيازة، بل لا بد من قصد التملك و لو بنحو الإجمال.

(26) ان لم يكن غرض صحيح غير تملك المحوز في البين و إلا فتصح الإجارة إذا الصحة تدور مدار الأغراض الصحيحة، و لكن أصل هذا الوجه ساقط لا دليل عليه من عقل أو نقل.

(27) و هو الحق الذي لا محيص عنه و لو بنحو الإجمال و الارتكاز، و مجرد الداعي فقط كما في سائر موجبات الملك، حيث لا يلتفت إلى التملك تفصيلا بل قد يكون ذلك مغفولا عنه عند إيجاد السبب، و الحيازة من أهم

ص: 161

صحة الإجارة و كون المحوز لنفسه إذا قصد نفسه إن كان أجيرا للغير (28) و أيضا لازمه عدم حصول الملكية له إذا قصد كونه للغير من دون أن يكون أجيرا له أو وكيلا عنه و بقاؤه على الإباحة إلا إذا قصد بعد ذلك كونه له بناء على عدم جريان التبرع في حيازة المباحات و السبق إلى المشتركات، و إن كان لا يبعد جريانه، أو أنها من الأسباب القهرية لمن له تلك المنفعة (29)، فإن لم يكن أجيرا يكون له و إن قصد الغير فضولا فيملك بمجرد قصد الحيازة و إن كان أجيرا للغير يكون لذلك الغير قهرا و إن قصد نفسه أو قصد غير ذلك الغير، و الظاهر عدم كونها من الأسباب القهرية مطلقا فالوجه

______________________________

أسباب الملك و أولها، و يكفي القصد في حصول نية التملك، و قصده كما في جميع الأسباب التوليدية، و لعل بذلك يجمع بين الكلمات فمن يقول باعتبار قصد التملك أي الإجمالي، و لو من باب أن قصد السبب قصد للمسبب في التوليديات و من يقول بعدم الاعتبار أي: التفصيلي الالتفاتي منه.

(28) يمكن أن يقال: أن قصد النفس ساقط حينئذ لأنه بما وقع منه من الالتزام الإجاري قد أسقط هذا القصد، و جعله مورد حق المستأجر عند المزاحمة فبالإجارة قصد التملك للغير، فلا يبقى موضوع لقصد نفسه، مع انه يمكن تصحيح ملك المستأجر باختلاف الرتبة ففي الرتبة الأولى يتملك لنفسه إن قصد ذلك، و ينتقل هذا التملك إلى المستأجر في الرتبة الثانية لأجل الالتزام الإجاري الصادر منه و لا محذور فيه.

(29) هذا الاحتمال ساقط، بل الحيازة مقتض للملكية في الجملة كسائر الأسباب المملكة، و لا بد و ان تتم سائر جهاتها بحسب الأدلة و القواعد و ذلك، لأن أصل اقتضائها للملكية في الجملة معلوم و خصوصية القهرية مشكوكة فيرجع فيها إلى الأصل، و الإطلاقات و العمومات الواردة في الحيازة ليست في مقام البيان من كل جهة حتى يصح التمسك بها لإثبات القهرية، بل هي في مقام

ص: 162

الأول غير صحيح، و يبقى الإشكال في ترجيح أحد الأخيرين، و لا بد من التأمل (30).

مسألة 7: يجوز استئجار المرأة للرضاع

(مسألة 7): يجوز استئجار المرأة للرضاع (31)، بل للرضاع (32)

______________________________

بيان أصل الاقتضاء فيها كما هو المركوز في الأذهان.

(30) يظهر من التأمل فيما قدمناه و في الحيازة الواقعة في الخارج بين الناس انها من مقتضيات الملكية، و يعتبر فيها القصد في جميع جهاتها، و عند تزاحم القصدين لا بد و إن يعمل بما يوجب تقديم أحدهما عرفا.

(31) لوجود المقتضي، و فقد المانع فيشمله الأصل و الإطلاق و الاتفاق، فإنه منفعة محللة و يصح الاستيجار لكل منفعة محللة فيكون مثل إجارة العامل، و قال تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (1). و الإرضاع فعل محلل من أفعالها و منفعة من منافعها و ليس من الأعيان حتى يشكل عليه بأن الإجارة لنقل المنفعة لا العين، كالإشكال في إجارتها للرضاع و الشجرة للثمر و الفحل للضراب و نحو ذلك مما يأتي في (مسألة 12).

(32) لوجود المقتضي للصحة- و هو الارتضاع و لا ريب في أنه منفعة محللة- و فقد المانع فتشمله الأدلة لا محالة.

و ما يقال: في وجه البطلان من أن الإجارة لنقل المنافع لا الأعيان، و في هذه الموارد يستلزم نقل العين فلا وجه للصحة.

مردود .. أولا: المنفعة في العرف اعتبار خاص قائم بشي ء أعم من أن تكون عينا كالأمثلة التي في (مسألة 12) أو حيثية قائمة بالشي ء كسكنى الدار مثلا فيقال في العرف: «منفعة البستان كانت كذا»، و «منفعة الدار كانت هكذا»:

و «منفعة أرضي في كل سنة ألف كيلو حنطة» مثلا فإطلاق المنفعة على الأعيان المستخرجة من الشي ء كثير في المحاورات.

ص: 163


1- سورة الطلاق: 6.

بمعنى الانتفاع بلبنها و إن لم يكن منها فعل (33) مدة معينة و لا بد من مشاهدة الصبي الذي استؤجرت لارضاعه لاختلاف الصبيان، و يكفي وصفه على وجه يرتفع الغرر، و كذا لا بد من تعيين المرضعة شخصا أو وصفا على وجه يرتفع الغرر.

نعم، لو استؤجرت على وجه يستحق منافعها أجمع التي منها الرضاع لا يعتبر حينئذ مشاهدة الصبي أو وصفه (34)، و إن اختلفت الأغراض بالنسبة إلى مكان الإرضاع لاختلافه من حيث السهولة و الصعوبة و الوثاقة و عدمها لا بد من تعيينه أيضا (35).

مسألة 8: إذا كانت الامرأة المستأجرة مزوّجة

(مسألة 8): إذا كانت الامرأة المستأجرة مزوّجة لا يعتبر في صحة

______________________________

و ثانيا: المنفعة على قسمين:

الأول: ما تكون حيثية خاصة بلا استتباع للعين كسكنى الدار مثلا.

الثاني: ما إذا كانت المنفعة مستتبعة للعين كمنفعة الشجر و الشاة و نحوهما كما أن العين التي هي مورد البيع قد يكون مستتبعا للمنفعة و قد لا يكون كذلك، و كلا القسمين في الأول يصح أن تقع مورد الإجارة كما ان كليهما في الثاني يصح أن يقع مورد البيع، و أما دعوى الإجماع في المقام جوازا أو منعا فلا وجه له إذا المسألة اجتهادية لا أن تكون تعبدية.

(33) مراده من الانتفاع الارتضاع أي: ارتضاع الطفل من ثديها، بلا فعل منها، و أما مع وجود فعل منها فلا إشكال في الجواز لأنها عاملة حينئذ، و تأخذ أجرة عملها.

(34) لفرض أن الإجارة وقعت حينئذ على مطلق منافعها بأي مرتبة من الكمية و الكيفية، فلا معنى للمشاهدة و التوصيف حينئذ و يكونان لغوا مع كون المقصد و المتعلق هو المطلق من كل جهة.

(35) لأن عدم التعيين حينئذ غرر و جهالة يوجب البطلان لا محالة.

ص: 164

استئجارها إذنه (36)، ما لم يناف ذلك لحق استمتاعه، لأن اللبن ليس له (37) فيجوز لها الإرضاع من غير رضاه، و لذا يجوز لها أخذ الأجرة من الزوج على إرضاعها لولده سواء كان منها أو من غيرها (38).

نعم، لو نافى ذلك حقه لم يجز إلا بإذنه (39)، و لو كان غائبا فآجرت نفسها للإرضاع فحضر في أثناء المدة و كان على وجه ينافي حقه انفسخت الإجارة (40) بالنسبة إلى بقية المدة.

مسألة 9: لو كانت الامرأة خليّة فآجرت نفسها للإرضاع أو غيره

(مسألة 9): لو كانت الامرأة خليّة فآجرت نفسها للإرضاع أو غيره من الاعمال ثمَّ تزوجت قدّم حق المستأجر على حق الزوج في صورة المعارضة (41) حتى أنه إذا كان وطؤه لها مضرّا بالولد منع منه (42).

مسألة 10: يجوز للمولى إجبار أمته على الإرضاع إجارة أو تبرعا

(مسألة 10): يجوز للمولى إجبار أمته على الإرضاع إجارة أو تبرعا

______________________________

(36) للأصل و الإطلاق، و أصالة عدم حق له على مثل ذلك منها، و نسب إلى جمع اعتبار إذنه لعدم الصحة بدونه، و لأن منافعها له و الأول عين المدعى و فساد الثاني أظهر من أن يخفى.

(37) فلا حق له عليها و هكذا الإرضاع و الارتضاع.

(38) للعمومات و الإطلاقات من غير ما يصلح للتخصيص و التقييد، و نسب إلى المبسوط المنع و لا دليل له عليه من عقل أو نقل.

و دعوى: أنها أخذت عوضا للاستمتاع فلا وجه لأن تأخذ عوضا أخر بطلانها غنى عن البيان.

(39) لأنه حينئذ تصرف في حق الغير فلا بد من إذنه بالأدلة الأربعة.

(40) لا وجه للانفساخ بل للزوج حق الإنفاذ و الرد، كما في جميع العقود الفضولية الواردة على مورد حق الغير.

(41) لأصالة اللزوم و أصالة عدم ثبوت حق للزوج على المنع.

(42) لما مر من تقديم حق المستأجر على حق الزوج.

ص: 165

قنّة كانت أو مدبرة أو أم ولد (43)، و أما المكاتبة المطلقة فلا يجوز له إجبارها، بل و كذا المشروطة (44)، كما لا يجوز في المبعّضة (45) و لا فرق بين كونها (46) ذات ولد يحتاج إلى اللبن أو لا لإمكان إرضاعه من لبن غيرها.

مسألة 11: لا فرق في المرتضع بين أن يكون معينا أو كليا

(مسألة 11): لا فرق في المرتضع بين أن يكون معينا أو كليا، و لا في المستأجرة بين تعيين مباشرتها للإرضاع أو جعله في ذمتها (47)، فلو مات الصبي في صورة التعيين أو الامرأة في صورة تعيين المباشرة انفسخت الإجارة (48) بخلاف ما لو كان الولد كليا أو جعل في ذمتها فإنه لا تبطل بموته أو موتها (49) إلا مع تعذر الغير من صبي أو مرضعة (50).

مسألة 12: يجوز استئجار الشاة للبنها، و الأشجار للانتفاع بأثمارها

(مسألة 12): يجوز استئجار الشاة للبنها، و الأشجار للانتفاع بأثمارها.

______________________________

(43) كل ذلك لقاعدة السلطنة و ظهور الاتفاق.

(44) للأصل بعد قصور سلطنة المالك لأجل الكتابة.

(45) لقصور سلطنة المالك من حيث تحرر بعض المملوك مع ان الإجبار خلاف الأصل لا بد فيه من السلطنة المطلقة.

إن قيل: ان أم الولد أيضا تشبثت بالحرية لأجل ولدها، و لا يجوز بيعها فلا يصح إجبارها أيضا.

يقال: الفارق هو الإجماع كما ادعاه بعض.

(46) لإطلاق دليل سلطنة المالك الشامل للصورتين.

(47) كل ذلك لإطلاق دليل الإجارة الشامل لجميع الصور.

(48) لانعدام موضوعها، فلا وجه لبقاء الإجارة بعد زوال موضوعها.

(49) ففي صورة موت الصبي يسلم إليها المستأجر صبيا آخر، و في صورة موت المرضعة يستأجر مرضعة أخرى من تركتها.

(50) فتبطل الإجارة من جهة تعذر التسليم.

ص: 166

و الآبار للاستقاء، و نحو ذلك (51)، و لا يضر كون الانتفاع فيها بإتلاف الأعيان، لأن المناط في المنفعة هو العرف و عندهم يعد اللبن منفعة للشاة، و الثمر منفعة للشجر و هكذا.

و لذا قلنا بصحة استئجار المرأة للرضاع و ان لم يكن منها فعل بأن انتفع بلبنها في حال نومها أو بوضع الولد في حجرها و جعل ثديها في فم الولد من دون مباشرتها لذلك، فما عن بعض العلماء (52) من إشكال الإجارة في المذكورات لان الانتفاع فيها بإتلاف الأعيان و هو خلاف وضع الإجارة، لا وجه له (53).

______________________________

(51) للإطلاقات و العمومات الشاملة لجميع ذلك و لا مانع في البين إلا ما تعرض له في المتن و أجاب عنه.

و كذا يجوز استيجار الدجاج لبيضها، و المرعى لرعي الأنعام فيها، و يدل على الصحة صحيح ابن سنان: «عن رجل دفع إلى رجل غنمه بسمن و دراهم معلومة لكل شاة كذا و كذا في كل شهر، قال عليه السلام: لا بأس بالدراهم، و أما السمن فلا أحب ذلك إلا أن تكون حوالب، فلا بأس بذلك» (1)، و مثله خبر الحلبي (2)، بناء على كونهما من الإجارة و إلا فلا ربط لهما بالمقام.

(52) نسب إلى المشهور البطلان في الشاة، و في الأشجار ادعي عدم الخلاف في البطلان.

و لكن الشهرة على فرض الثبوت و عدم الخلاف مستندان إلى الإشكال المردود فإذا سقط البناء ينهدم المبنى لا محالة، و قد مر في استيجار المرأة للارتضاع بعض الكلام فراجع.

(53) لأن الأدلة الشرعية منزّلة على العرفيات فاذا لم يرى العرف به بأسا

ص: 167


1- الوسائل باب: 9 من أبواب عقد البيع: 4 و 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب عقد البيع: 4 و 1.

مسألة 13: لا يجوز الإجارة لإتيان الواجبات العينية كالصلوات الخمس

(مسألة 13): لا يجوز الإجارة لإتيان الواجبات العينية كالصلوات الخمس، و الكفائية (54). كتغسيل الأموات و تكفينهم و الصلاة عليهم، و كتعليم القدر الواجب من أصول الدين و فروعه، و القدر الواجب من تعليم القرآن كالحمد و سورة منه، و كالقضاء و الفتوى و نحو ذلك، و لا يجوز

______________________________

و لم يرد عنه نهى بالخصوص فتشمله الأدلة لا محالة، و قد مر مرارا ان الدقيات العقلية لا اعتبار بها في الشرعيات المبنية على العرفيات خصوصا في المعاملات.

و توهم: ان المنفعة الملحوظة في الإجارة ما كانت في مقابل العين فلا تشمل نفس العين.

فاسد: لأن ذلك انما هو من باب الغالب لا أن يكون مقوما لذات المنفعة، فإن مادة [نفع] تستعمل في ضد الضرر فيشمل جميع ما يجلب منه الخير من الأعيان و عوارضها، و النافع من أسماء اللّه الحسنى و يعم الجميع بلا اشكال.

و النفع: الخير و ما يتوصل به الإنسان إلى غيره و لا ريب في شموله للأعيان و غيرها.

نعم، في باب الإجارة عند الفقهاء يستعمل في مقابل العين من باب الغالب، كما هو كذلك في جميع اصطلاحات الفقهاء لا التقوم الذاتي المنطقي لأنه بمعزل عن اصطلاحهم، و الإشكال انما نشأ من الخلط بين الغلبة الخارجية و التقوّم الذاتي، و هذا النحو من الخلط كثير في تعاريفهم، و لذا لا وقع للإشكال على هذه التعاريف أصلا بأنها غير مطّردة و لا منعكسة، و كذا لا وجه لابتناء مبنى عليها و دعوى إجماع على هذا المبنى.

(54) هذا المسألة مكررة في الفقه في موارد كثيرة و استدل عليه ..

تارة: بأن الإيجاب يوجب سقوط الاحترام، فلا مال و لا احترام فيكون أخذ العوض أكلا للمال بالباطل.

ص: 168

.....

______________________________

و أخرى: بأن العامل حيث انه مقهور عليه لمكان الإيجاب، فيكون العمل صادرا بلا إذنه و رضاه لمكان القهر عليه.

و ثالثة: بأنه لا ملكية فيه لمكان القهر عليه بالإيجاب.

و رابعة: بأن العمل الواجب ملك للّه تعالى، و لا يصح العقد على ملك الغير.

و خامسة: بعدم ترتب آثار الملك عليه من الإبراء و الإقالة و نحوهما.

و سادسة: بأن بذل المال على ما يتعين على الأجير لغو و باطل.

و سابعة: بأن فائدة الواجب ترجع إلى نفس الأجير، فلا فائدة فيه بالنسبة إلى المستأجر فتكون الإجارة من أكل المال بالباطل.

و هذه الوجوه كلها فاسدة:

أما الأول: فلان نفي المالية عن العمل خلاف وجدان الناس، لأنه يميل إليه الناس فيبذلون بإزائه المال، كما هو مشاهد بالوجدان، و لا ريب في أن الوجوب لا يوجب سقوط الاحترام بحيث يصير العمل وجوده كالعدم، و يكون لغوا و باطلا من كل جهة، بل لنا أن نقول ان إيجابه يؤكد احترامه.

و أما الثاني: فبطلانه غنى عن البيان لوجود الرضا و الإذن وجدانا في الواجبات كوجودهما في المباحات.

و أما الثالث: فالقهر لا يوجب سلب الملكية كما في وجوب بيع الطعام عند المخمصة.

و أما الرابع: فلأن جميع الموجودات من أعيانها و أعراضها و اعتبارياتها و تمام الأعمال ملك للّه تعالى، و هذه الملكية الحقيقية لا تنافي الملكية الاعتبارية للعبد لما يتعلق به عينا كان أو عملا واجبا كان أو لا، و عدم كون زمان العمل الواجب بيد المكلف شرعا لا ينافي مالكيته لعمله عرفا و شرعا.

و أما الخامس: فترتب جميع آثار الإجارة لعموم أدلتها الشامل لهذه الصورة أيضا، فهي من حيث عقد الإجارة تترتب و إن لم تترتب من حيث ذات

ص: 169

الإجارة على الأذان (55).

نعم، لا بأس بارتزاق القاضي و المفتي و المؤذن من بيت المال (56)، و يجوز الإجارة لتعليم الفقه و الحديث و العلوم الأدبية و تعليم القرآن ما عدا المقدار الواجب و نحو ذلك (57).

______________________________

الوجوب فإن الوجوب إذا لو حظ بحسب ذاته لا تترتب تلك الآثار، و إذا لو حظ من حيث كونه مورد عقد الإجارة تترتب و لا محذور فيه أبدا لإمكان اختلاف شي ء واحد بحسب الحيثيات و الجهات.

و أما السادس: فلا ريب في أنه إذا كان في بذل المال غرض صحيح لا يكون لغوا و باطلا كما هو واضح و مورد البحث فيما إذا كان في البين غرض صحيح، دون غيره.

و منه يظهر فساد الوجه السابع فإنه إذا كان في الإجارة غرض صحيح ترجع الفائدة إلى المستأجر أيضا.

و الحق أن هذه الوجوه انما قيل من باب ضيق الخناق فإنهم حيث رأوا قطعيّة الحكم بين الفقهاء خلفا عن سلف من غير تعرض لدليله، و ذكر متأخري المتأخرين هذه الوجوه شاهدا للمطلب لا أن يكونوا في مقام بيان الاستدلال الحقيقي، فعمدة الدليل هو الإجماع و كونه من القطعيات، و الذي يسهل الخطب ان كل واجب عينيا كان أو كفائيا محفوف بمقدمات و مقارنات من الآداب و الخصوصيات تصح الإجارة بالنسبة إليها، و إن لم تصح بالنسبة إلى ذات الواجب من حيث هي فتسقط ثمرة هذا البحث رأسا.

(55) لما تقدم في الأذان و الإقامة راجع (مسألة 9) من فصل يستحب فيها أمور و (مسألة 64) من المكاسب المحرمة.

(56) لأنها معدة لمصالح المسلمين و هذه كلها من أهم مصالحهم.

(57) كل ذلك للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

ص: 170

مسألة 14: يجوز الإجارة لكنس المسجد و المشهد و فرشها

(مسألة 14): يجوز الإجارة لكنس المسجد و المشهد و فرشها و إشعال السراج و نحو ذلك (58).

مسألة 15: يجوز الإجارة لحفظ المتاع أو الدار أو البستان مدة معينة

(مسألة 15): يجوز الإجارة لحفظ المتاع أو الدار أو البستان مدة معينة (59) عن السرقة و الإتلاف، و اشتراط الضمان (60)، لو حصلت السرقة أو الإتلاف و لو من غير تقصير، فلا بأس بما هو المتداول (61) من اشتراط الضمان على الناطور إذا ضاع مال، لكن لا بد من تعيين العمل و المدة و الأجرة على شرائط الإجارة.

مسألة 16: لا يجوز استئجار اثنين للصلاة عن ميت واحد في وقت واحد

(مسألة 16): لا يجوز استئجار اثنين للصلاة عن ميت واحد في وقت واحد، لمنافاته للترتيب المعتبر في القضاء (62) بخلاف الصوم فإنه لا يعتبر فيه الترتيب (63) و كذا لا يجوز استئجار شخص واحد لنيابة الحج الواجب عن اثنين (64)

______________________________

(58) لعموم الأدلة و إطلاقها الشاملة لذلك كله.

(59) لعمومات أدلة الإجارة و إطلاقاتها الشاملة لذلك كله.

(60) تقدم ما يتعلق به في فصل العين المستأجرة في يد المستأجر أمانة، فقد قلنا هناك بصحة شرط الضمان، سواء كان بنحو شرط الفعل أم النتيجة.

(61) لعموم أدلة الشرط و يمكن إدخال ما تعارف في هذه الأعصار مما اصطلحوا عليه ب (التأمين) في هذا القسم من الإجارة، و لا محذور فيه و قد تقدم التفصيل في كتاب الجعالة.

(62) قد أثبتنا عدم وجوب الترتيب في صلاة القضاء في (مسألة 19) كتاب الصلاة (فصل في القضاء) فلا بأس باستئجار اثنين أو أكثر عن ميت واحد في وقت واحد لقضاء صلاته.

(63) فيجوز استيجار ثلاثين شخصا مثلا لقضاء شهر رمضان واحد في يوم واحد عن ميت واحد، راجع كتاب الصوم فصل أحكام القضاء (مسألة 8).

(64) راجع كتاب الحج فصل في النيابة (مسألة 26).

ص: 171

و يجوز ذلك في الحج المندوب (65).

و كذا في الزيارات (66)، كما يجوز النيابة عن المتعدد تبرعا في الحج و الزيارات (67)، و يجوز الإتيان بها لا بعنوان النيابة بل بقصد إهداء الثواب لواحد أو متعدد (68).

______________________________

(65) للأصل و الإطلاق و الاتفاق، و نصوص خاصة منها صحيح ابن إسماعيل قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام كم أشرك في حجتي؟ قال عليه السلام: كم شئت» (1)، و في صحيح ابن عمار عن الصادق عليه السلام: «أشرك أبوي في حجتي؟

قال عليه السلام: نعم، قلت: أشرك أخوتي في حجتي؟ قال عليه السلام: نعم إن اللّه عز و جل جاعل لك حجا و لك أجر بصلتك إياهم» (2)، و نحوهما غيرهما، و إطلاقها يشمل النيابة و إهداء الثواب أيضا، و الظاهر أن ذكر الحج فيها من باب المثال فيشمل كل ما فيه ثواب مضافا إلى ما ورد في الزيارة، و تأتي إليه الإشارة و قد مر في (مسألة 26) من فصل النيابة من كتاب الحج بعض الكلام.

(66) للأصل، و الإطلاق و الاتفاق، و قول أبي الحسن موسى عليه السلام: «إذا أتيت قبر النبي صلّى اللّه عليه و آله فقضيت ما يجب عليك فصل ركعتين ثمَّ قف عند رأس النبي صلّى اللّه عليه و آله ثمَّ قل: السلام عليك يا نبي اللّه عن أبي و أمي و ولدي و خاصتي و جميع أهل بلدي حرهم و عبدهم و أبيضهم و أسودهم، فلا تشأ ان تقول للرجل قد أقرأت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنك السلام إلا كنت صادقا» (3).

(67) لظاهر ما مر من النصوص و إطلاق الترغيب إلى الخيرات و الحسنات من غير ما يصلح للتقييد، و لا ريب في أن ذلك في الخيرات و الحسنات، و يكفينا نفس تلك الأدلة بلا احتياج إلى التماس دليل آخر.

(68) لأن الثواب حقه و عوض عمله له ان يفعل فيه كل ما يشاء، و يجعله

ص: 172


1- الوسائل باب: 28 من أبواب النيابة في الحج: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب النيابة في الحج: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب النيابة في الحج: 1.

مسألة 17: لا يجوز الإجارة للنيابة عن الحي في الصلاة

(مسألة 17): لا يجوز الإجارة للنيابة عن الحي في الصلاة (69) و لو في الصلوات المستحبة (70).

______________________________

لكل من يريد واحدا كان أو متعددا، و في مرسل الفقيه: «قال رجل للصادق عليه السلام جعلت فداك اني كنت نويت ان أدخل في حجتي العام أبي أو بعض أهلي فنسيت، فقال عليه السلام: الآن فأشركهما» (1)، و نحوه خبر ابن المغيرة (2)، و بعد كون الحكم مطابقا للقاعدة لا نحتاج إلى التمسك بالأخبار لأنها وردت مطابقة للقاعدة، و قد تقدم في كتاب الصلاة و الحج بعض ما يرتبط بالمقام و يأتي في (مسألة 21) بعض الكلام.

(69) للإجماع على عدم جوازها في الصلوات الواجبة، و اعتبار المباشرة فيها في زمان الحيوة.

(70) مقتضى الأصل جواز النيابة في كل شي ء إلا ما خرج بالدليل، و خرجت الصلوات الواجبة بالدليل، و لا دليل على خروج الصلوات المندوبة فتبقى تحت الأصل، و يمكن أن يستدل على صحة النيابة فيها بأمور:

الأول: كثرة ما ورد في الشرع من التسهيل و المسامحة فيها كجواز قطعها في الأثناء، و جواز الإتيان بها جالسا أو ماشيا اختيارا، و عدم الشك فيها مع أنها ثنائية، و جواز ترك السورة فيها اختيارا و جواز تركها رأسا إلى غير ذلك من كثرة التساهل فيها مما يوجب القطع بصحة النيابة فيها.

الثاني: ما تسالم عليه الفقهاء من أن القيود المعتبرة فيها من باب تعدد المطلوب لا أن تكون من وحدة المطلوب، فلتكن المباشرة أيضا كذلك فتصح النيابة فيها عمدا و اختيارا في زمان الحيوة.

و توهم: ان ذلك مناف لأصالة المساواة بين الفريضة و النافلة إلا ما خرج بالدليل، و حيث لا تصح النيابة في الفريضة زمن الحيوة فالنافلة أيضا كذلك.

ص: 173


1- الوسائل باب: 29 من أبواب النيابة في الحج: 2 و 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب النيابة في الحج: 2 و 1.

.....

______________________________

مردود: بأن مدركها إما الإجماع أو حديث: «كل سنة إنما تؤدى على جهة الفرض» (1)، و المتيقن من الأول مثل الطهارة و الأركان، و المنساق من الثاني ذلك أيضا بعد ورود كثرة التخصيصات عليه.

الثالث: قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر ابن مروان: «ما يمنع الرجل منكم ان يبر والديه حيين و ميتين يصلي عنهما و يتصدق عنهما، و يحج عنهما، و يصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك» (2)، و عن ابن أبي حمزة: «قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: أحج و أصلي و أتصدق عن الاحياء و الأموات من قرابتي و أصحابي؟ قال عليه السلام: نعم تصدق عنه وصل عنه و لك أجر بصلتك إياه» (3)، و لا وجه لحملهما على صلاة الطواف و الزيارة بقرينة ما يأتي من الحديث كما عن صاحب الوسائل، و هو خبر ابن جندب قال: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله في البر و الصلة و الخير أثلاثا، ثلثا له و ثلثين لا بويه، أو يفردهما بشي ء مما يتطوع به، و إن أحدهما حيا و الآخر ميتا؟ فكتب: أما إلى الميت فحسن جائز و أما الحي فلا إلا البر و الصلة» (4)، بناء على ضبط (الصلاة) بدل (الصلة) في سؤال السائل، و بناء على أن الحديث من النيابة في العمل لا من التشريك في الثواب، و كلا البنائين لا يناسب سياق السؤال و الجواب.

و أما خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن رجل جعل ثلث حجه لميت و ثلثها لحي، فقال عليه السلام: للميت ذلك و للحي فلا» (5)، فلا بد من حمله أو طرحه لما مر من النص على جواز التبرع بالحج عن الحي، و لعل وجه المنع في هذا الحديث هو أن الحي بعد باق و يتمكن بنفسه من عمل الخير، و الميت انقطع

ص: 174


1- الوسائل باب: 9 من أبواب تكبيرة الإحرام حديث: 11.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصلاة: 1 و 9.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصلاة: 1 و 9.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصلاة: 16.
5- الوسائل باب: 35 من أبواب النيابة في الحج: 9.

نعم، يجوز ذلك في الزيارات و الحج المندوب (71)، و إتيان صلاة الزيارة ليس بعنوان النيابة بل من باب سببية الزيارة (72) لاستحباب الصلاة بعدها ركعتين، و يحتمل جواز قصد النيابة فيها لأنها تابعة للزيارة، و الأحوط إتيانها بقصد ما في الواقع.

مسألة 18: إذا عمل للغير لا بأمره و لا إذنه لا يستحق عليه العوض

(مسألة 18): إذا عمل للغير لا بأمره و لا إذنه لا يستحق عليه العوض (73)

______________________________

عن الدنيا بالكلية فلا بد و أن يراعي جانبه أكثر من مراعاة الحي فليس هذا الحديث مربوطا بالمقام.

إن قيل: ان مقتضى الأصل بقاء التكليف الاستحبابي، فلا يسقط بإتيانه نيابة عنه.

يقال. أولا: الشك في أصل الموضوع و ان جعل هذا التكليف بنحو يثبت بعد إتيان النائب، أو أنه يسقط و مع هذا الشك لا وجه لجريان الأصل.

و ثانيا: على فرض الجريان فهو محكوم بما مر من الأدلة التي استظهرنا منها الجواز.

إن قيل: إنه خلاف الإجماع.

يقال: لم أظفر عاجلا على الشهرة المعتبرة على المنع فضلا عن الإجماع عليه، فمقتضى الصناعة هو الجواز.

(71) نصا و إجماعا و تقدم ما يرتبط بالمقام في كتاب الحج.

(72) الظاهر شمول نفس النيابة للصلاة أيضا، كشمول الكل للأجزاء فأصل النيابة منبسطة على تمام العمل من أول الشروع فيه إلى آخره و الصلاة أيضا تابعة للزيارة التي استنيب فيها تبعية الجزء للكل، كما سيصرح به رحمه اللّه بعد ذلك.

(73) للأصل بعد عدم تسبيب من الغير لا عقدا و لا أمرا و لا تجري قاعدة

ص: 175

و إن كان بتخيل أنه مأجور عليه فبان خلافه (74).

مسألة 19: إذا أمر بإتيان عمل فعمل المأمور ذلك

(مسألة 19): إذا أمر بإتيان عمل فعمل المأمور ذلك فإن كان بقصد التبرع لا يستحق عليه أجرة (75) و ان كان من قصد الآمر إعطاء الأجرة (76).

و إن قصد الأجرة و كان ذلك العمل مما له أجرة استحق (77) و إن

______________________________

احترام العمل، لأن العامل هو الذي أقدم على هتك عمله.

(74) لأنه لا أثر للخيالات، بل الاعتقادات في أبواب الضمان، بل لا بد و أن تنطبق على القواعد المعتبرة و لا قاعدة تقتضي الضمان في المقام.

(75) لفرض انه هتك عمله بقصده التبرع مع ان الحكم إجماعي.

(76) لأن قصد صاحب العمل مقدم عرفا على قصد الآمر، و حيث انه قصد التبرع و المجانية فلا يبقى موضوع لقصد الآمر.

(77) لأصالة احترام العمل التي هي من أهم الأصول النظامية العقلائية، و توهم ان الضمان لا بد و ان يكون إما لليد أو بالإتلاف، و الكل منتف هنا مع أن أصالة الاحترام لا تفيد أزيد من الحكم التكليفي، و لا يستفاد منه الحكم الوضعي.

فاسد: لان اليد و العقد و الإتلاف طريق إلى الاستيلاء على ما يتعلق بالغير، فكل من استولى على ما يتعلق بالغير بأي نحو من الاستيلاء، مباشرة أو تسبيبا لا بد له من تدارك عوضه إلا إذا ثبتت المجانية بوجه معتبر، و لا ريب في تحقق الاستيلاء التسبيبي هنا بالأمر، و أما أن أصالة احترام العمل و المال و العرض و النفس انما تفيد الحكم التكليفي فقط فهو مما لا شاهد عليه، بل الشواهد على خلافه فهي بجامع الاحترام تفيد الأعم من الحكم التكليفي و الوضعي، و لو فرض استظهار خصوص الحكم التكليفي منها فالمقام مما يستلزمه الحكم الوضعي بحسب الانظار العرفية.

ص: 176

كان من قصد الآمر إتيانه تبرعا (78) سواء كان العامل ممن شأنه أخذ الأجرة و معدا نفسه لذلك أو لا (79)، بل و كذلك إن لم يقصد التبرع و لا أخذ الأجرة فإن عمل المسلم محترم (80) و لو تنازعا بعد ذلك في أنه قصد التبرع أو لا قدم قول العامل لأصالة عدم قصد التبرع بعد كون عمل المسلم محترما، بل اقتضاء احترام عمل المسلم ذلك (81) و إن أغمضنا عن جريان أصالة عدم التبرع، و لا فرق في ذلك بين أن يكون العامل ممن شأنه و شغله أخذ الأجرة و غيره إلا ان يكون هناك انصراف أو قرينة على كونه بقصد التبرع أو على اشتراطه.

______________________________

(78) لأن المدار في الإفادة و الاستفادة و الاحتجاجات على ظواهر الألفاظ لا المقاصد و المنويات، إلا إذا أبرزت بقرينة معتبرة مقالية أو حالية.

(79) لجريان أصالة الاحترام و استيفاء منفعة الغير في كل منهما.

نعم، لو لم يكن من شأنه أخذ الأجرة و كان ذلك من القرينة الحالية المعتبرة على المجانية بحيث يعتمد العرف عليها، و كان الأمر استدعاء صرفا و التماسا محضا يشكل ثبوت الأجرة حينئذ، و لعل نظر من فرق بينهما إلى هذه الصورة.

(80) كأصالة احترام المال عند الشك في أن صاحب المال راض بالتصرف فيه أو لا، و أصالة احترام النفس عند الشك في انه مهدور الدم أو لا، و أصالة احترام العرض عند الشك في أنه مهتوك أو لا، فيجري الأصل في كل ذلك و يثبت الاحترام، و ليس لنا التمسك بالأدلة اللفظية، لأنه من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية.

ثمَّ إنه لو لم يكن تواط منهما على أجرة معينة فالمتيقن هو أجرة المثل، و أما مع التواطؤ و المقاولة يتعين ما تواطئا عليه، و يجري عليها حكم الإجارة المعاطاتية و لو كان ذاك من توكيل العامل في تعين الأجرة.

(81) و هذا أصل معتبر عقلا و شرعا، و لا ربط له بقاعدة المقتضي و المانع

ص: 177

مسألة 20: كل ما يمكن الانتفاع به منفعة محللة مقصودة للعقلاء

(مسألة 20): كل ما يمكن الانتفاع به منفعة محللة مقصودة للعقلاء مع بقاء عينه يجوز إجارته، و كذا كل عمل محلل مقصود للعقلاء عدا ما استثني يجوز الإجارة عليه و لو كان تعلق القصد و الغرض به نادرا (82) لكن في صورة تحقق ذلك النادر (83).

بل الأمر في باب المعاوضات الواقعة على الأعيان أيضا كذلك، فمثل حبة الحنطة لا يجوز بيعها لكن إذا حصل مورد يكون متعلقا لغرض العقلاء و يبذلون المال في قبالها يجوز بيعها.

______________________________

كما عن سيد مشايخنا (1)، في حاشيته.

(82) جميع المعاملات و المعاوضات الدائرة بين الناس تدور مدار الأغراض العقلائية غير المنهي عنها شرعا، و تلك الأغراض تختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و تكون ..

تارة: نوعية، و أخرى: صنفية، و ثالثة: شخصية، و الأدلة الشرعية تشمل جميع ذلك، و مالية الأموال أيضا تدور مدار الأغراض العقلائية فكل ما ليس لهم غرض فيه لا يبذلون بإزائه المال، و تعبيرات الفقهاء في عناوين العقود و المعاملات مطلقا لا بد و إن يرجع إلى هذا، و خلاصة مقصودهم ذلك أيضا و إن قصرت عباراتهم عنه.

(83) إذ مع عدم تحققه تصير المعاملة سفهية فتبطل حينئذ لفرض ندرة الغرض و عدم إقدام النوع عليه.

إن قيل: المعروف ان تخلف الدواعي في المعاملات لا يوجب البطلان، و هل الأغراض إلا الدواعي.

يقال: الغرض غير الداعي، إذ الأول انما ينتزع من ذات الشي ء باعتبار

ص: 178


1- و هو السيد أبو الحسن الأصفهاني رحمه اللّه.

مسألة 21: في الاستئجار للحج المستحبي أو الزيارة

(مسألة 21): في الاستئجار للحج المستحبي أو الزيارة لا يشترط ان يكون الإتيان بها بقصد النيابة بل يجوز أن يستأجره لاتيانها بقصد إهداء الثواب إلى المستأجر أو الى ميته (84)، و يجوز ان يكون لا بعنوان النيابة و لا إهداء الثواب (85) بل يكون المقصود إيجادها في الخارج من حيث إنها من الأعمال الراجحة فيأتي بها لنفسه و لمن يريد نيابة أو إهداء.

______________________________

خصوصية فيه- نوعية كانت تلك الخصوصية أو شخصية- و الداعي أمر خارج عن العوضين تلحظ في مرتبة حصول إرادة إيجاد المعاملة، مثلا الغرض النوعي من شراء الخبز هو دفع الجوع، و الداعي لاشترائه يمكن ان يكون ضيافة الضيف مثلا، فإذا لم تتحقق الضيافة لا يقول أحد ببطلان المعاملة، و لكن إذا لم يترتب عليها الغرض النوعي بأن كان غير قابل للأكل و دفع الجوع أصلا يبطل البيع حينئذ، و قد يطلق في الاستعمالات أحدهما على الآخر.

(84) لأن هذا غرض صحيح عقلائي و شرعي يصح أن يبذل بإزائه المال.

و توهم: ان ترتب الثواب مشكوك فتبطل الإجارة من حيث الجهالة.

فاسد: لأن الإجارة إنما تصح على ما هو مقتض للثواب، و إهدائه بحسب الموازين الشرعية لا بما هو علة تامة منحصرة للصحة و الثواب و إلا لبطلت الإجارة على جملة كثيرة مما يؤتى بها لأجل الثواب إذ لا يعلم العلية التامة المنحصرة إلا اللّه تعالى.

(85) لأن كل ما فيه غرض صحيح عقلائي غير منهي عنه شرعا تصح الإجارة بالنسبة إليه، و لا ريب أن المقام داخل تحت هذه الكبرى، كما لا ريب في أن نفس الحج و الإحجاج مطلوب لدى الشارع مباشرة أو تسبيبا بأي نحو كان، و لكن الظاهر أن قصد نفس الحج مع قصد الغير يلازم إما النيابة أو إهداء الثواب، فلا وجه لعد هذا قسما مستقلا في مقابل القسمين الأولين.

نعم، يصح الفرق في فرض العقل و لكنه غير ما يقع في الخارج.

ص: 179

مسألة 22: في كون ما يتوقف عليه استيفاء المنفعة كالمداد للكتابة

(مسألة 22): في كون ما يتوقف عليه استيفاء المنفعة كالمداد للكتابة و الإبرة و الخيط للخياطة- مثلا- على المؤجر أو المستأجر قولان (86)، و الأقوى وجوب التعيين (87) إلا إذا كان هناك عادة ينصرف إليها الإطلاق (88)، و ان كان القول بكونه مع عدم التعيين و عدم العادة على المستأجر لا يخلو عن وجه أيضا (89) لأن اللازم على المؤجر ليس إلا العمل.

______________________________

(86) هذه المسألة عرفية لا أن تكون شرعية حتى يتبع فيها نظر الفقيه و العرف يختلف بحسب اختلاف الأعصار و الأمصار، فما كان فيه عرف متبع انه على المستأجر أو على المؤجر يتبع شرعا أيضا من باب الشرط الضمني و القرار المعاملي فتشملها الأدلة الدالة على اللزوم لا محالة، و لا موضوع للبحث و النظر فيه بل لا بد و أن يبحث عن حكم صورة الشك التي يتحير فيها العرف بحسب الأصول و القواعد، أما الأصول النافية فلا تجري في الطرفين لمنافاتها للعلم الإجمالي بالوجوب على أحدهما، فلا مجرى للأصول العملية النافية بهذا المعنى و يأتي جريانها بوجه آخر.

و أما التمسك بإطلاق وجوب مقدمية الواجب حيث أن تسليم ما يتمكن به من استيفاء المنفعة المقصودة واجب على المؤجر مطلقا، بمقتضى القرار المعاملي، و مقتضى إطلاق وجوب العمل على الأجير كون جميع ما له دخل في إتيانه عليه من باب المقدمية للواجب المطلق إلا ما خرج بالدليل، فهو لا يصح أيضا لأنه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه فلا بد من التعيين.

(87) لما ظهر وجهه من البيان السابق، و لكن يأتي وجه وجيه لكونها على المستأجر.

(88) فهي المتبعة حينئذ من باب انه كالشرط الضمني، و لا فرق بينه و بين الشرط الذكري عند العرف.

(89) لأصالة عدم وجوب ما زاد على ذات العمل المحض على الأجير،

ص: 180

مسألة 23: يجوز الجمع بين الإجارة و البيع- مثلا

(مسألة 23): يجوز الجمع بين الإجارة و البيع- مثلا بعقد واحد (90) كأن يقول بعتك داري و آجرتك حماري بكذا، و حينئذ يوزع العوض عليهما بالنسبة و يلحق كلا منهما حكمه، فلو قال آجرتك هذه الدار و بعتك هذا الدينار بعشرة دنانير فلا بد من قبض العوضين بالنسبة إلى البيع

______________________________

و أصالة اشتغال ذمة المستأجر عما وجب عليه من تسليم ماله دخل في العمل، و ما يمكن استيفاء المنفعة المقصودة منها و جعل هذا الوجه هو الأقوى بعض مشايخنا و استوجهه بعضهم «قدس سرهم» في حواشيهم الشريفة على المقام.

إن قيل: مع وجوب العمل مطلقا يجب مقدماته أيضا.

يقال: نعم، و لكن وجوبها أعم من كونه مجانا أو من مال الأجير أو من المستأجر.

(90) للإطلاق و الاتفاق و أصالة الصحة، و يجوز الجمع بين عقود كثيرة كالبيع و الإجارة و النكاح و الصلح أيضا بعقد واحد، لما مر من الأصل و الإطلاق و الاتفاق.

و أشكل عليه .. تارة: بأنه خلاف المتعارف.

و أخرى: بجهالة العوض.

و ثالثة: بالشك في شمول الأدلة له.

و الكل باطل. أما الأول: فلا إشكال فيه بعد وجود الإطلاق و الاتفاق في البين.

و أما الثاني: ففيه. أولا: انه يكفي معلومية العوض بما يجعل عوضا في العقد و لا يعتبر المعلومية بعد التقسيط.

و ثانيا: نفرض الكلام فيما إذا كان معلوما ذلك أيضا بالمقاولة قبل العقد و البناء عليه.

و أما الأخير: فهو تشكيك في الواضحات لا أن يكون من الشك المتعارف في المحاورات.

ص: 181

في المجلس (91)، و إذا كان في مقابل الدينار بعد ملاحظة النسبة أزيد من دينار أو أقل منه بطل بالنسبة إليه للزوم الربا (92)، و لو قال آجرتك هذه الدار و صالحتك على هذا الدينار بعشرة دنانير مثلا فإن قلنا بجريان حكم الصرف من وجوب القبض في المجلس و حكم الربا في الصلح فالحال كالبيع (93)، و إلا فيصح بالنسبة إلى المصالحة أيضا.

مسألة 24: يجوز استئجار من يقوم بكل ما يأمره

(مسألة 24): يجوز استئجار من يقوم (94) بكل ما يأمره من حوائجه (95) فيكون له جميع منافعه، و الأقوى أن نفقته على نفسه لا على المستأجر (96).

______________________________

(91) إن قلنا بشمول أدلة اعتبار القبض في المجلس في بيع الصرف لمثل الفرض، و لكنه مشكل و يكفي الشك في الشمول في الرجوع إلى الأصل.

(92) إن قلنا بعدم شمول ما دل على أن الضميمة مانعة عن لزوم الربا لمثل المقام، و لكنه ممنوع و الظاهر الشمول فلا ربا لأجل الضميمة.

(93) تقدم ما ينفع المقام في كتاب البيع فراجع.

(94) للإطلاق و الاتفاق و السيرة في الخادم و الخادمة، فالمقتضي للصحة موجود و المانع مفقود فتشمله الأدلة لا محالة.

(95) و يحمل على المتعارف بالنسبة إلى مقدوره، فلا جهالة و لا غرر في البين.

(96) للأصل بعد عدم كون ذلك من مقومات الإجارة و شئونها، و عن جمع منهم المحقق في الشرائع انها على المستأجر و لم يأتوا بشي ء يصلح للتأييد فضلا عن الدلالة، و الظاهر ان هذه المسألة أيضا عرفية و ليست بشرعية حتى يتبع فيها نظر الفقيه.

و أما صحيح ابن سالم قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل استأجر رجلا بنفقة و دراهم مسماة على ان يبعثه إلى أرض، فلما ان قدم أقبل رجل من

ص: 182

إلا مع الشرط أو الانصراف من جهة العادة (97)، و على الأول لا بد من تعيينها (98) كما و كيفا إلا أن يكون متعارفا و على الثاني على ما هو المعتاد المتعارف، و لو أنفق من نفسه أو أنفقه متبرع يستحق مطالبة عوضها على الأول، بل و كذا على الثاني لأن الانصراف بمنزلة الشرط (99).

______________________________

أصحابه يدعوه إلى منزله الشهر و الشهرين فيصيب عنده ما يغنيه عن نفقة المستأجر، فنظر الأجير إلى ما كان ينفق عليه في الشهر إذا هو لم يدعه فكافأ به الذي يدعوه فمن مال من تكون تلك المكافأة؟ أمن مال الأجير أو من مال المستأجر؟ قال عليه السلام: إن كان في مصلحة المستأجر فهو من ماله، و إلا فهو على الأجير.

و عن رجل استأجر رجلا بنفقة مسماة، و لم يفسر شيئا على أن يبعثه إلى أرض أخرى، فما كان من مئونة الأجير من غسل الثياب و الحمام فعلى من؟

قال عليه السلام: على المستأجر» (1)، ففيه انه لا ربط له بالمقام لأنه في الاستيجار لمنفعة خاصة لا جميع المنافع، كما هو محل الكلام مع ان الظاهر منه كون النفقة مأخوذة قيدا في الإجارة و هو أيضا غير الفرض.

(97) أما الشرط فيشمله أدلة وجوب الوفاء به، و أما الانصراف العادي فهو كالقرينة المحفوفة بعقد الإجارة فيكون بمنزلة الشرط أيضا.

(98) المراد بالأول صورة الشرط، و يكفي التعين الإجمالي للأصل و عدم جريان العادة على الاستقصاء في ذلك مع أن شمول أدلة نفي الغرر (2)، لمثل الشرط مشكل أيضا بل لنا أن نقول أن الشرط منزّل على المتعارف و إن لم يعين أبدا، و لا يلزم حينئذ التعين لا إجمالا و لا تفصيلا.

(99) فيوجب- كالشرط- ثبوت حق للأجير على المستأجر فله السلطة على مطالبة حقة.

ص: 183


1- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الإجارة: 1.
2- تقدم في صفحة: 21.

مسألة 25: يجوز أن يستعمل الأجير مع عدم تعيين الأجرة

(مسألة 25): يجوز أن يستعمل الأجير مع عدم تعيين الأجرة و عدم إجراء صيغة الإجارة (100).

فيرجع إلى أجرة المثل (101)، لكنه مكروه (102) و لا يكون حينئذ من الإجارة المعاطاتية- كما قد يتخيل- لأنه يعتبر في المعاملة المعاطاتية اشتمالها على جميع شرائط تلك المعاملة عدا الصيغة، و المفروض عدم تعيين الأجرة في المقام (103) بل عدم قصد الإنشاء منهما (104).

______________________________

نعم، لو تبرع المتبرع عن المستأجر فلا حق للأجير حينئذ لفرض وصول حقه إليه من طرف المستأجر بتبرع المتبرع.

(100) للأصل و الاتفاق و قاعدة السلطنة.

(101) لأصالة احترام العمل التي هي من أهم الأصول النظامية العقلائية.

(102) إجماعا و نصا، قال أبو عبد اللّه عليه السلام في خبر مسعدة: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يستعمل الأجير حتى يعلمه بما أجّره» (1)، و صحيح سليمان الجعفري: «أن مولانا الرضا عليه السلام ضرب غلمانه و غضب غضبا شديدا، حيث استعانوا برجل في عمل و ما عينوا له أجرته، فقال له سليمان لم تدخل على نفسك؟ قال عليه السلام: قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرة، و أعلم أنه ما من أحد يعمل لك شيئا من غير مقاطعة، ثمَّ زدته على ذلك الشي ء ثلاثة أضعاف على أجرته إلا ظن أنك قد أنقصته أجرته، و إذا قاطعته ثمَّ أعطيته أجرته حمدك على الوفاء فاذا زدته حبة عرف ذلك لك و رأى انك قد زدته» (2)، و هو أيضا محمول على الكراهة بقرينة ذيله مضافا إلى الإجماع.

(103) التعيين الإجمالي لأجرة المثل متحقق نوعا، و هذا المقدار يكفي في التعيين و لا دليل على اعتبار الأزيد منه.

(104) بناؤهما على هذا الموضوع قصد للإنشاء منهما فإن قصد الإنشاء

ص: 184


1- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الإجارة: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الإجارة: 2.

و لا فعل من المستأجر (105)، بل يكون من باب العمل بالضمان (106)، نظير الإباحة بالضمان كما إذا أذن في أكل طعامه بضمان العوض، و نظير التمليك بالضمان كما في القرض على الأقوى من عدم كونه معاوضة فهذه الأمور عناوين مستقلة غير المعاوضة (107)، و الدليل عليها السيرة، بل الأخبار أيضا (108)، و أما الكراهة فللأخبار أيضا (109).

مسألة 26: لو استأجر أرضا مدة معينة فغرس فيها

(مسألة 26): لو استأجر أرضا مدة معينة فغرس فيها أو زرع ما لا يدرك في تلك المدة فبعد انقضائها للمالك أن يأمره بقلعها (110).

بل و كذا لو استأجر لخصوص الغرس أو لخصوص الزرع و ليس له

______________________________

خفيف المؤنة جدا.

(105) لا يتحقق عنوان الاستعمال إلا بصدور ما يدل عليه من المستأجر من فعل أو قول أو نحوه، و لا ريب في أنه فعل في مقابل الإنشاء العقدي اللفظي.

(106) مراده استيفاء منفعة الغير الموجب للضمان و تقدم في (مسألة 19) نظير المقام.

(107) لا دليل من عقل أو نقل على حصر العقود بما ذكرها الفقهاء، بل و لا على حصر المعاوضات فيها فكلما كان عن تراض و يصح يترتب عليه الأثر إلا مع ورود النهي عنه شرعا، سواء سمي بعنوان من العناوين المعنونة بالتبويب أم لا.

(108) كالخبرين المتقدمين بل تدل على الصحة العمومات و الإطلاقات أيضا.

(109) يعني الكراهة في المقام لما من الخبرين مضافا إلى الإجماع، و يمكن زوال الكراهة إذا كان الأجير من أهل القناعة و كان بناؤه على عدم قبول شي ء زائدا على أجرة المثل لما يستفاد من ذيل صحيح الجعفري المتقدم.

(110) لقاعدة سلطنة الناس على أموالهم و عمدة الأقسام في المسألة أربعة:

ص: 185

.....

______________________________

الأول: ان يذكر الغرس أو الزرع الذي لا يدرك في المدة المعينة في عقد الإجارة عادة، و حكمه أن للمالك قلعها بعد انقضاء المدة لقاعدة السلطنة، و لا تعارض القاعدة بلزوم الضرر على صاحب الغرس و الزرع لإقدامه عليه، و في مثله لا تجري قاعدة الضرر كما هو معلوم خصوصا إذا أمكن الانتفاع بما لم يدرك أيضا، أو أمكن عادة قلع الغرس و غرسه في محل آخر من دون ضرر عليه في البين.

الثاني: أن يكون المراد مجرد حدوث الغرس أو الزرع بلا نظر إلى البقاء، فيجوز للمالك القلع و ليس لصاحبهما معارضته، لأن مورد الإجارة كان هو الحدوث فقط دون البقاء.

الثالث: أن يكون الزرع أو الغرس مما يدرك في المدة المعينة عادة، فاتفق حدوث حادث سماوي منع عن ذلك، و لا يلزم على المالك الضرر على الصبر إلى الدرك و ليس للمالك القلع حينئذ لقصور سلطنته عن الإضرار بالغير، لفرض عدم التضرر بالبقاء حتى يلزم تعارض الضررين، فلا تجري قاعدة السلطنة بالنسبة إليه مع أن متعارف الناس يوبخون المالك لو بادر إلى القلع في هذه الصورة.

بل لنا ان نقول ان ذكر المدة المعينة لا موضوعية فيها، بل طريق للدرك عند حدوث الموانع السماوية و الالتزام الإجاري في حاق الواقع وقع على زمان الدرك، و لا يلزم بطلان الإجارة لمعلومية المدة عند متعارف الناس من أهل الخبرة بتلك الأمور، و لو مع ملاحظة العوارض السماوية.

الرابع: عين هذه الصورة مع تضرر المالك بالبقاء، و لا بد لهما من التصالح و التراضي و لو امتنعا أجبرهما الحاكم الشرعي جمعا بين الحقين و دفعا عن التضرر مهما أمكن من البين، و المسألة مذكورة في موارد مختلفة من الفقه و لها أقسام أخر تعرضنا لها في الموارد المناسبة لها.

ص: 186

الإبقاء و لو مع الأجرة، و لا مطالبة الأرش مع القلع لأن التقصير من قبله (111).

نعم، لو استأجرها مدة يبلغ الزرع فاتفق التأخير لتغير الهواء أو غيره أمكن أن يقال بوجوب الصبر على المالك مع الأجرة، للزوم الضرر (112) إلا أن يكون موجبا لتضرر المالك (113).

______________________________

(111) هذا هو القسم الثاني الذي تعرضنا له، هذا مع عدم رضا المالك بالإبقاء مع الأجرة أو الأرش مع القلع و إلا فيجوز كل منهما مع الرضا.

(112) هذا هو القسم الثالث الذي تعرضنا له.

(113) هذا هو القسم الرابع الذي تعرضنا له، و قلنا أن حكمه التصالح مع الرضا و إلا فيجبرهما الحاكم الشرعي عليه، و هذه الفروع تذكر في كتاب المزارعة كما صنعه المحقق في الشرائع.

ص: 187

فصل في التنازع

اشارة

فصل في التنازع

مسألة 1: إذا تنازعا في أصل الإجارة قدّم قول منكرها

(مسألة 1): إذا تنازعا في أصل الإجارة قدّم قول منكرها مع اليمين (1)، فإن كان هو المالك استحق أجرة المثل (2)، دون ما يقوله المدعي (3).

______________________________

فصل في التنازع

(1) التنازع في أصل وقوع الإجارة.

تارة: يكون قبل استيفاء المنفعة و لا إشكال من أحد في أن القول قول المنكر سواء كان هو المالك أم طرفه، للأصل و قاعدة: «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»، فيرجع كل مال إلى صاحبه بلا محذور في البين، و إن كان بعد الاستيفاء المقتضي لثبوت أجرة المثل لو لا الإجارة، فمقتضى طبع هذا القسم من هذا النزاع بحسب المتعارف أن يكون المالك منكرا للإجارة مع زيادة أجرة المثل على المسماة، و المتصرف منكر لها مع زيادة أجرة المسماة على أجرة المثل، فيصح حينئذ إطلاق قول جمع منهم المحقق رحمه اللّه في الشرائع من أن القول قول المنكر بيمينه.

(2) لتحقق الاستيفاء فلا بد من العوض و هو أجرة المثل إلا إذا ثبت الخلاف بحجة معتبرة، و المفروض عدم الثبوت بعدم قيام البينة على دعوى المدعي.

(3) ما يدعيه المدعي في مال الإجارة إما مساو لأجرة المثل أو انقص

ص: 188

و لو زاد عنها لم يستحق تلك الزيادة (4)، و إن وجب على المدعي المتصرف إيصالها اليه (5)، و إن كان المنكر هو المتصرف فكذلك (6)، لم يستحق المالك إلا أجرة المثل و لكن لو زادت عما يدعيه من المسمى لم يستحق الزيادة لاعترافه بعدم استحقاقها و يجب على المتصرف إيصالها إليه هذا إذا كان النزاع بعد استيفاء المنفعة، و إن كان قبله رجع كل مال إلى صاحبه.

______________________________

منها أو أزيد، و الأول ثابت للمالك لأجل الاستيفاء و لا ربط له بدعوى المدعي و لا يتصور للنزاع ثمرة حينئذ، فدعوى المدعي يكون حينئذ من الدعاوي غير الملزمة فلا وجه للتوجه اليمين على المنكر، و في الثاني تصح الدعوى و تكون له ثمرة و يصح توجه اليمين على المالك حينئذ كما قلناه أنه المتعارف و مقتضى طبع مثل هذه الدعاوي، و في الثالث و هو ما إذا ادعى المدعي الزيادة على أجرة المثل كما إذا قال الأجير: «انما وقع هي الإجارة و الأجرة عشرة دنانير»، و قال المالك لم يكن إجارة و أجرة المثل ثمانية دنانير مثلا لا تكون الدعوى ملزما لفرض أن المدعي يعترف بكون حق المنكر عشرة دنانير، فلا موضوع لتوجه اليمين على المنكر، فيجب على المدعي بذل الزيادة إلى المنكر لاعترافه باستحقاقه لها سواء قبلها المنكر أو لا.

(4) لأن الشارع حكم عليه بأنه يستحق أجرة المثل و المفروض انها أنقص مما يدعيه الطرف.

(5) لأجل اعترافه بأن المالك يستحقها هذا إذا كان صادقا فيما بينه و بين اللّه و إلا فلا وجه للوجوب.

(6) يجري فيه جميع ما مر من الأقسام الثلاثة فيما إذا كان المالك منكر من غير فرق، و لعل إطلاق كلماتهم «من أن اليمين على المنكر» منزل على ما قلناه أولا من فرض المسألة بطبعها العادي، أو أن بناؤهم على لزوم الحلف على

ص: 189

مسألة 2: لو اتفقا على أنه أذن للمتصرف في استيفاء المنفعة

(مسألة 2): لو اتفقا على أنه أذن للمتصرف في استيفاء المنفعة و لكن المالك يدعي أنه على وجه الإجارة بكذا أو الإذن بالضمان و المتصرف يدعي أنه على وجه العارية ففي تقديم أيهما وجهان، بل قولان (7).

______________________________

المنكر في كل دعوى مطلقا و لو لم يكن ملزما، و كل منهما بعيد عن سياقها فراجعها في المطولات لعلك تفهم غير ما أطلعنا عليه و يأتي في كتاب القضاء ان شاء اللّه تعالى ما ينفع في نظائر المقام.

(7) البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الاستيناس من الأدلة.

و ثالثة: بحسب موازين القضاء.

و رابعة: بحسب الكلمات.

أما الأول: فالأصل الموضوعي في المقام هو أصالة احترام المال التي هي مقدمة على جميع الأصول الحكمية كأصالة البراءة، و لا يعدل عنها إلا بحجة معتبرة و دليل قاطع، و مع وجود أصالة الاحترام لا تصل النوبة إلى أصالة البراءة كما هو المتسالم بين المحققين و الاعلام.

و توهم: ان أصالة الاحترام لا تفيد أزيد من الحكم التكليفي.

شطط من الكلام و مخالف للوجدان و طريقة الفقهاء، بل و مرتكزات الأنام فلا مدفع عن ثبوت أجرة المثل.

و أما الثاني: فروى ابن عمار في صحيحه، عن أبي الحسن عليه السلام فيمن استودع رجلا ألف درهم فضاعت، فقال الرجل انها وديعة، و قال الآخر: إنها قرض، قال عليه السلام: «المال لازم له إلا أن يقيم البينة أنها كانت وديعة» (1)، و هذه الرواية مطابقة لما تقدم من أصالة احترام المال إلا إذا ثبت الخلاف بحجة معتبرة فلا موقع لأصالة البراءة رأسا.

ص: 190


1- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام الوديعة: 1.

من أصالة البراءة (8)، بعد فرض كون التصرف جائزا، و من أصالة احترام مال المسلم الذي لا يحل إلا بالإباحة و الأصل عدمها (9)، فتثبت

______________________________

و أما الثالث: فلا حجة في البين تتقدم على أصالة الاحترام إلا الحلف الصادر من مدعي الوديعة و هو ساقط رأسا لتعارضه مع الحلف الصادر عن مدعي الإجارة، فلا بد من الرجوع إلى الأصل و لا أصل إلا أصالة الاحترام مع انه لا تنافي بين أصالة البراءة في المقام و أصالة الاحترام، لأن أصالة البراءة عما يدعيه المالك من الأجرة المسماة لا تستلزم البراءة عن العوض مطلقا.

و أما الرابعة: فعن جمع منهم الشيخ و الشهيد تقديم قول مدعي العارية لأصالة البراءة.

و عن آخرين منهم المحقق في الشرائع تقديم قول المالك في دعوى الإجارة لأصالة الاحترام و بعد وضوح أصل المبنى و ثبوته لا وجه لصرف الوقت في البيان و بيان سقوطه.

ثمَّ إن أجرة المثل أما مساوية مع الأجرة المسماة أو تكون أزيد أو تكون انقص و لا إشكال في الأول، و في الثاني ليس للمالك مطالبة الزيادة لاعترافه بعدم استحقاقه لها و كذا في الأخير لفرض سقوط دعواه بالنسبة إلى الزيادة بالتحالف، و تجري أصالة البراءة عنها بالنسبة إلى مستوي المنفعة، و ربما يمكن أن يجمع بذلك بين شتات الكلمات و ان بعد عن ظواهر العبارات.

(8) كيف تجري البراءة مع وجود أصل موضوعي معتبر في البين و هو أصالة احترام المال، مضافا إلى ما مر من عدم المنافاة بين أصالة البراءة عما يدعيه المالك من الزيادة على أجرة المثل و بين أصالة الاحترام بالنسبة إلى أجرة المثل.

(9) و هذا أيضا أصل موضوعي مقدم على أصالة البراءة.

إن قيل: انها معارضة بأصالة عدم الإجارة فتسقط بالمعارضة، فلا

ص: 191

أجرة المثل بعد التحالف، و لا يبعد ترجيح الثاني (10) و جواز التصرف أعم من الإباحة.

مسألة 3: إذا تنازعا في قدر المستأجر عليه

(مسألة 3): إذا تنازعا في قدر المستأجر عليه قدّم قول مدعي الأقل (11).

مسألة 4: إذا تنازعا في رد العين المستأجر عليه قدّم قول المالك

(مسألة 4): إذا تنازعا في رد العين المستأجر عليه قدّم قول المالك (12).

______________________________

مجرى لها.

يقال: لا وجه للمعارضة لاختلاف الرتبة لأن دعوى الإجارة و العارية يسقطان بالتحالف فلا وجه لجريان أصالة عدم الإجارة.

(10) ظهر مما مر أنه المتعين لأصالة الاحترام.

(11) للأصل الموضوعي و هو أصالة عدم وقوع الإجارة إلا على ما توافقا عليه و الأصل الحكمي، و هو أصالة البراءة فيصير مدعي الزائد مدعيا و القائل بخلافه منكرا فيجري عليه حكم المدعي و المنكر.

نعم، لو فرض كون الأقل و الأكثر ملحوظا بشرط لا يصير من التداعي و لكنه من مجرد الفرض الذهني لا الوقوع الخارجي، و لا فرق فيما قلناه بين كون النزاع بالنسبة إلى المنفعة أو بالنسبة إلى الأجرة.

(12) للأصل و دعوى الإجماع، و كذا في رد العين المرهونة و العارية و رد مال المضاربة ورد ما بيد الوكيل.

إن قيل: أن دعوى التلف مسموعة في جميع الموارد المذكورة لأنه أمين و عدم تصديقه في دعوى التلف من اتهام المؤتمن، و قد ورد أنه: «ليس لك ان تتهم من ائتمنته» (1)، و قوله عليه السلام: «صاحب العارية مؤتمن و صاحب البضاعة

ص: 192


1- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الوديعة: 1.

مسألة 5 إذا ادعى الصائغ، أو الملاح، أو المكاري تلف المتاع

(مسألة 5) إذا ادعى الصائغ، أو الملاح، أو المكاري تلف المتاع من غير تعدّ و لا تفريط و أنكر المالك التلف، أو ادعى التفريط، أو التعدي قدم قولهم (13) مع اليمين على الأقوى (14).

______________________________

مؤتمن» (1)، فما الفارق بين المقامين مع اشتراكهما في الايتمان و الاتهام، و هذه الأخبار مقدمة على أصالة عدم الرد.

يقال: عمدة الوجه دعوى الإجماع على الفرق بين التلف و الرد، فإن ثبت فهو و الا فالكل مشترك في كبرى الاتهام، و قد استوجه بعض مشايخنا كون دعوى الرد كدعوى التلف في جميع الموارد، لأن كلا منهما اتهام لمن جعل أمينا، و النص و الاعتبار العرفي ينفيه، و على أي تقدير سواء قدم قول المالك أو قول طرفه لا بد في ثبوت قوله بحجة معتبرة علمية كبينة أو حلف، لأن الدعاوي و الأقوال الاقتراحية لا أثر لها شرعا، بل و لا عند كافة العقلاء.

(13) نصوصا و فتوى و يأتي التعرض لبعض النصوص.

(14) البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الأخبار الخاصة الواردة في المقام.

أما الأولى: فمقتضى الأصل عدم حجية كل دعوى بل كل قول، إلا إذا ثبت قوله بحجة معتبرة من بينة أو حلف أو حصول اطمينان عادي بصدقه، فلا وجه لقبول قول مدعى التلف في المقام بمجرد اقتراحه لذلك، و هذا هو الموافق لموازين القضاء و ان البينة على المدعي و اليمين على من أنكر، فلا بد له في إثبات دعواه إما من إقامة البينة أو الحلف، فمقتضى الأدلة العامة عدم سماع كل دعوى إلا بأحدهما سواء كان المدعي متهما أو لا و إن كان ذلك في صورة الاتهام أولى، و هذا أيضا مقتضى التضمين الاحتياطي الذي أسسه أمير المؤمنين عليه السلام في أمتعة الناس فأسقط عليه السلام دعوى التلف إلا حفظا مع أحدهما للأموال لخفة دعوى

ص: 193


1- الوسائل باب: 1 من أبواب العارية: 6.

.....

______________________________

التلف خصوصا إذا استولى الفساد على أهل الزمان فما أسسه عليه السلام موافق للأصل و القاعدة و الارتكاز العرفي، و حيث ان مدعى التلف في المقام هو مدع يجوز إقامة البينة و حيث انه أمين يجوز تحليفه.

و أما الأخبار الخاصة: فمنها قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «كان أمير المؤمنين عليه السلام ضمن القصار و الصائغ احتياطا للناس، و كان أبي يتطول عليه إذا كان مأمونا» (1)، و المراد بصدره ليس الحكم بالضمان مطلقا- و لو ثبت أن التلف كان مع عدم التعدي و لا التفريط- بل الحكم بالضمان إلا مع ثبوت أحدهما، و هذا هو الموافق لذيل الحديث، و الموافق لسائر ما ورد في الباب من الأخبار لأن المحصل من مجموعها انه لا ضمان مع إحراز الصدق، و يضمن في غيره و منها صحيح ابن مسكان عن الصادق عليه السلام: «سألته عن قصّار دفعت إليه ثوبا فزعم إنه سرق من بين متاعه؟ قال عليه السلام: فعليه ان يقيم البينة انه سرق من بين متاعه و ليس عليه شي ء و ان سرق متاعه كله فليس عليه شي ء» (2)، و هو ظاهر في ان المناط كله إحراز صدقه لا التعبد بمجرد قوله عليه السلام: «بعد أن يكون الرجل أمينا» (3)، و قريب منه صحيح الحلبي عنه عليه السلام أيضا (4).

و منها خبر بكر بن حبيب عنه عليه السلام أيضا: «أعطيت جبة إلى القصّار فذهبت بزعمه، قال: إن اتهمته فاستحلفه و إن لم تتهمه فليس عليه شي ء» (5)، و المراد بالاتهام عدم أمارة معتبرة على صدقه، كما أن المراد بعدم الاتهام وجود أمارة على الصدق بقرينة خبر أبي بصير عنه عليه السلام أيضا: «لا يضمن الصائغ و لا القصّار و لا الحائك إلا أن يكونوا متهمين، فيخوف بالبينة، و يستحلف لعله يستخرج منه شي ء» (6)، إذ المنساق من ذيله أن كل ذلك طريق لإحراز صدقه فلا وجه لأن يقال: انه لا معنى للبينة بالنسبة إلى الأمين و لا التضمين، لأن كل ذلك صحيح إذا

ص: 194


1- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الإجارة: حديث: 4.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الإجارة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب الوديعة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الإجارة حديث: 2 و 3.
5- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الإجارة حديث: 2 و 3.
6- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الإجارة حديث: 16.

مسألة 6: يكره تضمين الأجير

(مسألة 6): يكره تضمين الأجير (15) في مورد ضمانه من قيام البينة على إتلافه، أو تفريطه في الحفظ، أو تعديه، أو نكوله عن اليمين، أو نحو ذلك.

مسألة 7: إذا تنازعا في مقدار الأجرة قدم قول المستأجر

(مسألة 7): إذا تنازعا في مقدار الأجرة قدم قول المستأجر (16).

______________________________

حصل الاطمئنان العادي بصدقه في دعوى التلف لا أن يتعبد بقوله، و لو مع عدم إحراز الصدق فاجتمع مجموع الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض على شي ء واحد، و لم يعلم مخالفة أحد من المحققين لذلك فضلا عن المشهور.

إن قيل: نعم، و لكنه خلاف «البينة على المدعى و اليمين على من أنكر» لأن في المقام يصح إقامة البينة و الحلف بالنسبة إليه.

يقال: لا بأس به في المقام لما مر في خبر أبي بصير، و قريب منه خبر حمّاد عن الحلبي عن الصادق عليه السلام: «في حمّال يحمل معه الزيت فيقول: قد ذهب أو أهرق أو قطع عليه الطريق، فإن جاء ببينة عادلة انه قطع عليه أو ذهب فليس عليه شي ء و إلا ضمن» (1).

(15) نسب ذلك إلى الأصحاب و استندوا الى خبر ابن منصور عن الصادق عليه السلام: «عن الرجل يحمل المتاع بالأجر فيضيع المتاع فتطيب نفسه إن يغرمه لأهله أ يأخذونه؟ فقال لي: أمين هو؟ قلت: نعم؟ قال عليه السلام فلا يأخذ منه شيئا» (2)، و المتيقن من إجماعهم على فرض التحقق و المنساق من الحديث ثبوت الكراهة بشرطين.

الأول: إحراز الأمانة حدوثا و بقاء و كان الإتلاف من باب «أن الجواد قد يكبو».

الثاني: أن يغرم بطيب نفسه من دون مطالبة صاحب المال و مع عدم الشرطين لا كراهة في البين.

(16) لأصالة عدم الزيادة و ظهور الإجماع.

ص: 195


1- الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام الإجارة: 16 و 12.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام الإجارة: 16 و 12.

مسألة 8: إذا تنازعا في أنه آجره بغلا أو حمارا أو آجره هذا الحمار

(مسألة 8): إذا تنازعا في أنه آجره بغلا أو حمارا أو آجره هذا الحمار مثلا أو ذاك فالمرجع التحالف (17)، و كذا لو اختلفا في الأجرة أنها عشرة دراهم أو دينار (18).

مسألة 9: إذا اختلفا في أنه شرط أحدهما على الآخر شرطا أو لا

(مسألة 9): إذا اختلفا في أنه شرط أحدهما على الآخر شرطا أو لا

______________________________

(17) نسب ذلك إلى المشهور، لانطباق ضابط التحالف عليه و هو أن لا يتفق الخصمان على أمر واحد في ظاهر التخاصم، كما في سائر موارد التحالف.

و عن بعض مشايخنا «قدس سرهم» في حاشيته الشريفة على المقام ما هذا لفظه «الأقوى تقديم قول المؤجر مع يمينه على نفي ما يدعيه المستأجر في الأول، و تقديم قول المتسأجر مع يمينه على نفي ما يدعيه المؤجر في الثاني»، فجعل قدّس سرّه المقام من المدعي و المنكر لأنه بعد اتفاقهما على استحقاق المالك للأجرة، فالنزاع انما هو في استحقاق المستأجر لمنفعة ما يدعيه فيكون هو المدعي و المالك ينفيه فيكون منكرا فالمقام من صغريات المدعي و المنكر، لفرض اتفاقهما على شي ء و الاختلاف في شي ء آخر فلا يكون من مورد التحالف.

و هو حسن لو كان هذا هو المتفاهم من مثل هذا النزاع عرفا، هذا إذا كان النزاع قبل التصرف و استيفاء المنفعة، و أما إن كان بعد انقضاء المدة فبعد يمين المالك يدفع المستأجر اليه أجرة المثل عن المنفعة المستوفاة فيما يدعيه لأصالة احترام المال كما مر، و أما المنفعة التي يدعي وقوع الإجارة عليها فتلزمه لها الأجرة المسماة المتفق عليها بينهما لأنه هو الذي فوتها باختياره.

(18) و فيه أيضا يرجع إلى المدعي و المنكر لاتفاقهما على أن منفعة العين المستأجرة صارت ملكا للمستأجر و يختلفان في الأجرة، فالمؤجر يدعي أنها عشرة دراهم و المستأجر يدعي إنها دينار، و مرجعه إلى إنكار دعوى المؤجر فتصير من المدعي و المنكر و إن أمكن جعله من مورد التحالف.

ص: 196

فالقول قول منكره (19).

مسألة 10: إذا اختلفا في المدة أنها شهر أو شهران مثلا فالقول قول منكر الأزيد

(مسألة 10): إذا اختلفا في المدة أنها شهر أو شهران مثلا فالقول قول منكر الأزيد (20).

مسألة 11: إذا اختلفا في الصحة و الفساد قدّم قول من يدعي الصحة

(مسألة 11): إذا اختلفا في الصحة و الفساد قدّم قول من يدعي الصحة (21).

مسألة 12: إذا حمل المؤجر متاعه إلى بلد

(مسألة 12): إذا حمل المؤجر متاعه إلى بلد فقال المستأجر

______________________________

(19) للأصل و ظهور الإجماع إذا كانت الدعوى هكذا كما هو الظاهر بأن يكون أصل الإجارة مسلما عندهما، و كان الاختلاف في ذكر الشرط و عدمه فلا إشكال في انه من المدعي و المنكر، و أما إذا كان التخاصم في خصوص عنوان ذكر الشرط و عدمه من حيث كونهما عنوانين مستقلين ملفوظين، و هو المعبر عنه بمصب الدعوى لعدم اتفاقهما على أمر واحد حينئذ، و قد قال بعض الأعاظم رحمه اللّه في شرحه: «بإمكان إرجاع جملة من الدعاوي المذكورة في المتن إلى التداعي، بأن يجعل نفس ما صدر من كل من المتخاصمين من حيث هو مورد النزاع مع قطع النظر عن سائر الجهات»، و فيه أن مصب الدعوى لا بد و ان يلحظ بحسب المتفاهم العرفي لا بحسب الفرض الذهني و مصبه في نظائر المقام ما ينسبق إلى الذهن من ظاهر الكلام، فلا فرق بين المصب و المنسبق الظاهري حينئذ.

(20) لأصالة عدم وقوع العقد على الزيادة، و نسب إلى الشيخ القرعة و إلى العلامة التحالف فيما اختلفا في الأجرة و المدة معا، و لا وجه للقرعة مع جريان الأصل كما لا وجه للتحالف لوجود قدر متيقن للنزاع في البين.

(21) لأصالة الصحة عند الشك فيها و هي من الأصول النظامية المقررة في الشرعية الإسلامية خصوصا في أبواب المعاملات مطلقا، و قد نقحنا المقام فيها في تهذيب الأصول من شاء فليرجع إليه.

ص: 197

أستأجرك على أن تحمله إلى البلد الفلاني غير ذلك البلد و تنازعا (22)، قدم قول المستأجر (23).

فلا يستحق المؤجر أجرة حمله (24)، و إن طلب منه الرد إلى المكان الأول وجب عليه (25)، و ليس له رده إليه إذا لم يرض (26)، و يضمن له إن

______________________________

(22) يمكن كون النزاع بينهما من المدعي و المنكر بأن يدعي المستأجر:

آجرتك لتحمل المتاع إلى النجف مثلا و يقول الأجير: ما أجرتني لحمل المتاع اليه، و هذا ظاهر عرفا في المدعي و المنكر، و يجري عليه أحكامهما كما يمكن جعل النزاع من التداعي بأن ادعى المستأجر: آجرتك لتحمل المتاع إلى النجف، و قال الأجير: أجرتني لأحمل المتاع إلى الكوفة مثلا، فيصير من المتداعيين، و يستظهر هذا من التفريعات التي ذكرها رحمه اللّه للمسألة مع انه يمكن أن يجعل ذلك أيضا من المدعي و المنكر بوجه آخر بأن يجعل الأجرة المشتركة بين المحلين مسلمة عندهما، و كان النزاع في الزائد عليها و إن كان ظاهر فرض المتن هو التداعي.

(23) إن كان التخاصم من المدعي و المنكر لأصالة عدم استحقاق الأجير لما يدعيه، و أما بناء على كون النزاع من التداعي فالحكم هو التحالف إن كان المنساق العرفي من النزاع ذلك، فيكون نزاع الفقهاء في المقام صغرويا لا أن يكون نزاعا في الكبرى، و تشخيص ذلك بنظر القاضي الذي يستقضي لديه لا بنظر غيره ممكن يكون غائبا عن المتخاصمين.

(24) لأصالة عدم الاستحقاق بعد حلف المستأجر على نفي ما ادعاه المؤجر، و هذا الحلف لازم سواء كان الموضوع من التحالف أو من المدعي و المنكر لأصالة عدم الحجية إلا إذا أقام المؤجر بينة على دعواه.

(25) لأنه قطع استيلاء المالك عن ماله في ظاهر الشرع فيجب عليه تداركه عرفا و شرعا فيشمله مثل قاعدة اليد.

(26) لأنه تصرف في مال الغير بدون رضاه، و هو حرام بالأدلة الأربعة كما تقدم مكررا.

ص: 198

تلف أو عاب لعدم كونه أمينا حينئذ في ظاهر الشرع (27).

مسألة 13: إذا خاط ثوبه قباء و ادعى المستأجر أنه أمره بأن يخيطه قميصا

(مسألة 13): إذا خاط ثوبه قباء (28). و ادعى المستأجر أنه أمره بأن يخيطه قميصا فالأقوى تقديم قول المستأجر، لأصالة عدم الاذن (29)، في خياطته قباء، و على هذا فيضمن له عوض النقص الحاصل من ذلك (30)

______________________________

(27) و من لوازم عدم الاستيمان ثبوت الضمان مع التلف و لو بلا تعد و تفريط.

(28) هذا الفرع مذكور في كتب الفريقين، و كيفية ذكره مختلفة فعلى بعضها يكون من التداعي كما قرره في المتن، و على بعضها الآخر يكون من المدعي و المنكر.

أما الأول: فهو فيما إذا كان قرار معاملي في البين و ادعى أحدهما أن مورده قطع القباء، و الآخر أن مورده قطع القميص، و حكمه التحالف و سقوط كل من الدعويين، و الرجوع الى أصالة البراءة عن استحقاق الأجرة، و أصالة عدم الإذن في القطع قباء، و لا مجرى لأصالة احترام العمل لسقوطها بحلف الطرف، و يضمن الخياط أرش النقص الحاصل من قطعه قباء لقاعدة الإتلاف.

و أما الثاني: فهو أن يكون النزاع في أصل الأمر الموجب لاستيفاء العمل لا بنحو تملك المنفعة و الاستيجار، فيدعي الخياط: «أمرتني بقطع القبا»، و ينكر المالك و قوله مطابق للأصل فيقدم لأصالة عدم صدور الاذن في القباء، و ليس للخياط أجرة المثل إذ لم يثبت من المالك ما يوجب استيفاء عمل الخياط فذهب عمله هدرا و باطلا، بل يضمن أرش الثوب لما مر من قاعدة الإتلاف بعد عدم الاذن فيه من المالك فالنتيجة واحدة و إن كان إثباتها ..

تارة: بحلف المنكر إن كان النزاع من المدعي و المنكر و أخرى: بالتحالف إن كان من التداعي.

(29) هذا أصل موضوعي يجري على كلا التقديرين سواء كان النزاع من المدعي و المنكر أم من التداعي، و كذا أصالة البراءة عما يدعيه الطرف.

(30) لقاعدتي اليد و الإتلاف بعد سقوط أمانته بحلف المالك، أما للتداعي

ص: 199

و لا يجوز له نقضه إذا كان الخيط للمستأجر (31) و إن كان له كان له (32).

و يضمن النقص الحاصل من ذلك (33) و لا يجب عليه قبول عوضه لو طلبه المستأجر، كما ليس عليه قبول عوض الثوب لو طلبه المؤجر (34)، هذا.

______________________________

أو لأجل كون المقام من المدعي و المنكر.

(31) لأنه تصرف في مال الغير و يدور التصرف مدار إذنه و رضاه.

(32) لقاعدة السلطنة إن عد الخيط مالا عرفا، و أما إن عدت الخياطة إتلافا للمال عرفا في الثوب ليحصل هيئة خاصة منه في الثوب كإتلاف الألوان في البيوت و الجدران، و كالجص و الاسمنت الذي يصرف في البناء إن قلع لا مالية له الى غير ذلك من الأمثلة و هي كثيرة، فتتبدل كل ذلك الى القيمة لا أن يكون لمالكها حق أخذها لفرض صدق التلف، و إن فرض أن الإتلاف كان بعمده و اختياره فليس له السلطة على الأخذ لعدم الموضوع و إقدامه على هتك ماله باختياره إن كان متوجها إلى أنه لا حق له.

إن قيل: إن تصرفه في خيطه على فرض بقاء المالية له تصرف في الثوب أيضا، و هو لا يجوز الا برضا صاحب الثوب مطلقا.

يقال: ان مقتضى السلطنة المطلقة التي تكون لصاحب الخيط جواز تصرفه في ماله، و مع تصرفه و عدم رضائه ببقائه لا يبقى موضوع لسلطنة المالك سلطنة مطلقة، لفرض أن السلطنة المطلقة مقيدة برضا صاحب الخيط و المفروض عدمه.

نعم، لو كان يتضرر المالك بذلك يمكن أن يقال بالتبديل الى المثل أو القيمة جمعا بين الحقين، و يأتي في أحكام الشركة و أقسامها بعض ما ينفع المقام، و لذا أجملنا الكلام و لم نتعرض لما يتصور من الاقسام لئلا تضطرب الافهام.

(33) لحصول النقض بفعله فتشمله أدلة الضمان.

(34) لقاعدة السلطنة فيه و في سابقة.

ص: 200

و لو تنازعا في هذه المسألة المتقدمة قبل الحمل و قبل الخياطة فالمرجع التحالف (35).

مسألة 14: كل من يقدم قوله في الموارد المذكورة عليه اليمين

(مسألة 14): كل من يقدم قوله في الموارد المذكورة عليه اليمين

______________________________

(35) لدعوى كل منهما في ظاهر دعواه غير ما يدعيه الآخر، و عدم وجود قدر جامع في مورد النزاع و التخاصم في الزائد عليه حتى يصير النزاع من المدعي و المنكر.

و فيه: أن الدعوى مطلقا، سواء كان في مورد التداعي أو في مورد المدعي و المنكر لا بد و أن يكون له أثر ملزم فعلي حتى يستحق الدعوى و المطالبة به حين تقرير الدعوى، و في المقام متفقان على استحقاق الأجرة و المستأجر يطالب الأجير بالعمل الخاص و هو ينكره فهما من المدعي و المنكر.

نعم، إن طالب الأجير المستأجر بحق فعلي ملزم يكونان من المتداعيين، و لكنه ليس بحق فعلي بل حق تعليقي على عمله لو عمل به، و في مثله ليست الدعوى ملزمة فهو من المتداعيين بمعنى أن أحدهما له الدعوى الفعلي و الآخر له الدعوى الاستقبالي، و في تعميم التحالف الى هذا النحو من الدعوى إشكال بل منع لكونه خلاف الموازين المقررة في كتاب القضاء، و لذا قال سيد مشايخنا في حاشيته الشريفة على المقام و نعم ما قال: «بل يقدم قول المؤجر في المسألتين مع يمينه على نفي ما يدعيه المستأجر» و محل تنقيح هذه المسائل انما هو كتاب القضاء فراجع.

فروع: لا بأس بالإشارة إليها و إن كان لها محل آخر.

الأول: يأتي في كتاب القضاء ان حكم الحاكم لا يغير الواقع عما هو عليه، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إنما أقضي بينكم بالبينات و الايمان، و بعضكم ألحن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له قطعة من النار» (1)، فالحاكم الذي يحكم ببطلان كلا الدعويين في مورد التحالف مع العلم

ص: 201


1- الوسائل باب: 2 من أبواب كيفية القضاء: 1.

.....

______________________________

الإجمالي بكون إحداهما ثابتا في الواقع يصير حكمه خلاف الواقع، فلا اعتبار به و قد أجيب عنه بوجوه تعرضنا لبعضها في حجية القطع من كتابنا (تهذيب الأصول)، منها أن مصلحة اعتبار حكم الحاكم أقوى من مفسدة الوقوع في خلاف الواقع لان الواقع تحت سلطة الشارع فله أن يحكم فيه بما يشاء و يتخير فيه بما يريد.

الثاني: قد أثبتنا في كتاب القضاء أنه يجب تنفيذ حكم الحاكم الجامع للشرائط بالأدلة الأربعة، ففي مورد التحالف الذي يعلم إجمالا بمخالفة حكمه للواقع كيف يجب هذا لتنفيذ مع العلم بأنه خلاف الواقع؟! و ليس الحكم إلا كسائر الحجج التي لا اعتبار بها مع العلم بمخالفتها للواقع.

و يمكن أن يجاب بأن الشارع في مورد الحكم رفع اليد عن الواقع لكثرة أهمية الحكم و المصالح الكثيرة المترتبة على تنفيذه و عدم رده، كما رفع اليد عن الواقع في مورد التقية و التكاليف الاضطرارية و مفسدة ترك الواقع متداركة بمصلحة هي أهم منها، و لا محذور في ذلك من عقل أو نقل بل هو واقع كثيرا في الفقه، و كلما يقال في عدم جواز مقاصة ذي الحق بعد اليمين و إن علم ثبوت حقه و كذب المنكر الذي وردت فيه النصوص (1)، يقال في نفس اعتبار الحكم و حجتيه أيضا.

و أما ما تقدم من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في الصحيح فهو ان ما ورد لسد باب من يعلم بكذب نفسه و مع ذلك يدعي أو ينكر، و لاعتبار كثرة الاهتمام بالجزم بالدعوى، و أما إذا لم يكن كذلك بل كان كل منهما معتقدا لصدقه في مقاله، فلا يشمل الصحيح له لانحصار حسم النزاع حينئذ في الترافع لدى الحاكم، و لم يصدر من المتنازعين قصور و لا تقصير و سيأتي الكلام في حكم الحاكم في القضاء.

الثالث: ليس للمدعي بعد حلف طرفه مطالبة حقه منه و لا مقاصته و لا تسمع دعواه بعد ذلك إجماعا و نصا، قال الصادق عليه السلام في صحيح ابن أبي يعفور:

ص: 202


1- راجع الوسائل باب: 48 من أبواب الإيمان ج: 16.

للآخر (36).

______________________________

«اليمين قد أبطلت كلما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

من حلف لكم على حق فصدقوه، و من سألكم باللّه فأعطوه، ذهبت اليمين بدعوى المدعي و لا دعوى له» (1)، و في خبر النخعي عن الصادق عليه السلام: «في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده، قال عليه السلام: «إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئا، و ان تركه و لم يستحلفه فهو على حقه» (2)، و في صحيح ابن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وقع لي عنده مال فكابرني عليه و حلف ثمَّ وقع له عندي مال آخذه لمكان مالي الذي أخذه و أجحده و أحلف عليه كما صنع؟ قال عليه السلام: إن خانك فلا تخنه و لا تدخل فيما عتبته عليه» (3)، إلى غير ذلك مما يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

الرابع: لا فرق في سقوط الدعوى باليمين بين كون الدعوى دينا أو عينا، لظهور الاتفاق على عدم الفرق، و يقتضيه بعض الإطلاقات أيضا و ليس المقام محل ذكر هذه المسائل و انما محلها كتاب القضاء على ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(36) لأصالة عدم الحجية و الاعتبار إلا إذا اقترن بما يصح عليه الاعتماد من حلف أو بينة أو علم بالصدق أو نحو ذلك.

ص: 203


1- الوسائل باب: 9 من أبواب كيفية القضاء 1 و 2.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب كيفية القضاء: 1.
3- الوسائل باب: 83 من أبواب ما يكتسب به: 7.

خاتمة

اشارة

خاتمة فيها مسائل:

الأولى: خراج الأرض المستأجرة في الأراضي الخراجية على مالكها

الأولى: خراج الأرض المستأجرة في الأراضي الخراجية على مالكها (1).

و لو شرط كونه على المستأجر صح على الأقوى (2) و لا يضر كونه

______________________________

خاتمة

(1) لظهور تسالمهم عليه من غير خلاف يعرف بينهم، و المراد بالمالك من بيده الأرض و من أستولى عليها فعلا و آجرها إلى المستأجر، و إلا فالأراضي الخراجية ملك للمسلمين لمن كان منهم موجودا حين الفتح و من سيوجد إلى يوم الدين، و المراد بالأرض الخراجية ما كانت محياة حين الفتح، و قد تقدم أقسام الأرضين و أحكامها في كتاب البيع (1).

(2) لعموم أدلة الشرط الشامل للمقام و ظهور الاتفاق و السيرة. و أشكل عليه.

تارة: بالجهالة و جوابه ما ذكر في المتن مع أن الخارج معلوم غالبا و لو كان تفاوت فهو يسير قابل للمسامحة، مضافا إلى أن الجهالة في الشرط و الإجارة مغتفرة في الجملة.

و أخرى: بأن مورد الحق شرعا هو المؤجر فهذا الشرط يكون مخالفا للسنة.

و فيه. أولا أن كون مورد الحق هو المؤجر إنما هو بنحو الاقتضاء لا بنحو

ص: 204


1- راجع ج: 17 صفحة: 59- 71.

مجهولان حيث القلة و الكثرة لاغتفار مثل هذه الجهالة عرفا، و لإطلاق بعض الأخبار (3).

الثانية: لا بأس بأخذ الأجرة على قراءة تعزية سيد الشهداء

الثانية: لا بأس بأخذ الأجرة على قراءة تعزية سيد الشهداء و سائر

______________________________

الانحصار، فيصح توجيه إلى الغير، و ثانيا أن مفاد الشرط هو أداء ما على صاحبه لا أن يكون مفاده توجيه الخطاب و التكليف الشرعي إليه حتى يكون مخالفا للسنة.

(3) كصحيح ابن سرحان عن الصادق عليه السلام: «الرجل تكون له الأرض عليها خراج معلوم و ربما زاد و ربما نقص فيدفعها الى رجل على أن يكفيه خراجها و يعطيه مائتي درهم في السنة، قال عليه السلام: لا بأس» (1)، و نحوه صحيح ابن شعيب (2)، و هما ظاهران بل نصان في التردد بين الأقل و الأكثر و انه لا بأس به، و يدل عليه أيضا إطلاق صحيح يعقوب بن شعيب الآخر، عن الصادق عليه السلام قال: «سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها و يصلحها و يؤدي خراجها فما كان من فضل فهو بينهما؟ قال عليه السلام: لا بأس» (3)، و خبر ابن ميمون «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قرية لأناس من أهل الذمة لا أدري أصلها لهم أم لا، غير أنها في أيديهم و عليه إخراج فاعتدى عليهم السلطان، فطلبوا إليّ فأعطوني أرضهم و قريتهم على أن أكفيهم السلطان بما قل أو كثر، ففضل لي بعد ذلك فضل بعد ما قبض السلطان ما قبض قال عليه السلام: لا بأس بذلك لك ما كان من فضل» (4)، و نحوهما غيرهما و إطلاقها يشمل ما إذا كان الخراج شرطا أو عوضا، كما أن إطلاقها تشمل الإجارة و المزارعة.

ص: 205


1- الوسائل باب: 17 من أبواب المزارعة.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب المزارعة.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب المزارعة: 2.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب المزارعة: 2.

الأئمة صلوات اللّه عليهم (4)، و لكن لو أخذها على مقدماتها من المشي إلى المكان الذي يقرأ فيه كان أولى (5).

الثالثة: يجوز استئجار الصبي المميز من وليه الإجباري

الثالثة: يجوز استئجار الصبي المميز من وليه الإجباري أو غيره- كالحاكم الشرعي- لقراءة القرآن و التعزية و الزيارات (6)، بل الظاهر جوازه لنيابة الصلاة عن الأموات بناء على الأقوى من شرعية عباداته (7).

الرابعة: إذا بقي في الأرض المستأجرة للزراعة بعد انقضاء المدة

الرابعة: إذا بقي في الأرض المستأجرة للزراعة بعد انقضاء المدة

______________________________

(4) لأصالة الصحة و إطلاقات الأدلة بعد تحقق جميع شرائط الإجارة التي منها تعيين كيفية القراءة و كميتها، و لو بحسب العادة المعروفة من القارئ.

(5) تنزها عن المشاعر المذهبية عن تلوثها بالماديات الجسمانية، و لاحتمال الجهالة في الكيفية و الكمية المانعة عن صحة الإجارة، و يمكن أن يجعل ذلك كله من الإباحة بالعوض مع التراضي التي لا يعتبر فيها شي ء غير رضا الطرفين.

(6) لإطلاق الأدلة و أصالة الصحة بلا فرق بين كون قراءة القرآن و الزيارة و التعزية متقومة بقصد القربة أو كان المراد مجرد إتيانها أما الأول فلا ريب في تحقق القربة منه.

و دعوى: أن عباداته ساقطة لأنها بالنسبة إلى الصبي تمرينية لا حقيقية.

باطل: لما مر غير مرة في هذا الكتاب من شمول إطلاق أدلة العبادات و عمومها له أيضا و حديث الرفع (1)، إنما يرفع الوجوب و العقاب على الترك لا أن يرفع أصل التشريع.

(7) فيشمله الإطلاق و العموم الدال على صحة الاستنابة عن الميت و لا وجه لدعوى الانصراف عنه، مع أنه تكفي المشروعية في حق المنوب عنه في صحة النيابة بالنسبة إلى النائب فإن المسافر مثلا يصح له النيابة عن الحاضر في صلاة التمام و بالعكس.

ص: 206


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات: 11 و غيره.

أصول الزرع فنبتت فإن لم يعرض المستأجر عنها كانت له (8)، و إن أعرض عنها و قصد صاحب الأرض تملكها كانت له (9). و لو بادر آخر إلى

______________________________

(8) لقاعدة التبعية مضافا إلى الإجماع، و مثله ما حمله السيل و ما تناثر من الحاصل و الفرخ و البيض، فكل فرع تابع لأصله في الملكية شرعا و بالسيرة العقلائية ما لم يجعله مالك الأصل مباحا لكل من استولى عليه.

(9) البحث في نظير هذه المسألة من جهات:

الأولى: عمدة الأقسام في مثل الفرض أربعة:

الأول: وجود أمارة معتبرة على أن المالك أعرض عنه و أباح تملكه لكل من استولي عليه.

الثاني: وجود أمارة على أنه لم يعرض و لم يبح تملكه لمن استولى عليه.

الثالث: وجود أمارة على الإعراض دون الإباحة.

الرابع: الشك في كل منهما.

و لا بد من بيان أحكام الأقسام بحسب الأصل و القاعدة أولا، ثمَّ التعرض لما ورد من النصوص، ثمَّ بيان الكلمات.

فنقول: مقتضى الأصل عدم حصول الملكية للآخذ مطلقا إلا مع وجود دليل معتبر عليها، و لا ريب في خروج القسم الأول عن تحت الأصل لفرض وجود الأمارة على الاعراض و الإباحة، فيكون المأخوذ كالمباحات الأولية التي يملكها من حازها و أخذها بالإجماع و النص و السيرة بل الضرورة، كما لا ريب في خروج القسم الثاني عن مورد البحث للأصل و لوجود الأمارة على عدم الاعراض و الإباحة، فالمال باق على ملك مالكه بلا شبهة و ريبة و لا يجوز لأحد التصرف فيه.

و أما الثالث: فمقتضى الأصل بقاء المال على ملك مالكه، و مقتضى الاعراض المتحقق بالفرض جواز تصرف غيره فيه و إلا فلا معنى للاعراض

ص: 207

.....

______________________________

عرفا، لأنه عبارة عن صحة تصرف الغير بحسب المتعارف، و منه يظهر حكم القسم الرابع فإن مقتضى الأصل عدم جواز تصرف الغير فيه و عدم صحة تملكه.

الثانية: مقتضى الأصل عدم كون الاعراض موجبا للخروج عن الملك و عدم كونه مملكا، لأن عدم كون الاعراض موجبا للخروج الملك و عدم كون مملكا، لأن موجبات الخروج عن الملك و أسباب التمليك محدودة شرعا و هو ليس منها و يأتي التعرض للنصوص التي قد يقال باستفادة كون الاعراض مملكا منها و الخدشة فيها.

الثالثة: هل الإعراض و الإشراف على التلف و الضياع أمارة معتبرة على إباحة التملك حتى يصير الشي ء كالمباحات الأولية؟ مقتضى الأصل العدم إلا إذا كانا مقرونين بقرائن معتبرة تدل على ذلك.

نعم، لو تمت دلالة النصوص على أن الاعراض و الاشراف على التلف سبب شرعي تعبدي لإباحة التملك، و لو لم يكن ذلك من قصد المالك تتبع النصوص لا محالة.

الرابعة: من الأخبار الواصلة إلينا ما ورد عن الصادق عليه السلام في خبر السكوني عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا غرقت السفينة و ما فيها فأصابه الناس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله و هم أحق به، و ما غاص عليه الناس و تركه صاحبه فهو لهم» (1)، و ظهور لفظ الترك في الإعراض مما لا ينكر، و لكن لا يستفاد منه اباحة التملك كما لا يستفاد من قوله عليه السلام: «فهو لهم» حصول الملكية للآخذ.

نعم، لا ريب في استفادة حق الاختصاص منه، و عن الصادق عليه السلام في خبر الشعيري في السفينة المغروقة: «أما ما أخرجه البحر فهو لأهله اللّه أخرجه، و أما ما اخرج بالغوص فهو لهم و هم أحق به» (2)، و الكلام فيه عين الكلام في خبر السكوني، و يمكن أن يستفاد من لفظ الأحق مجرد الحقيقة لا الملكية، و عنه عليه السلام أيضا في صحيح ابن سنان: «من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلت

ص: 208


1- الوسائل باب: 11 من أبواب اللقطة: 1 و 2 ج: 17.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب اللقطة: 1 و 2 ج: 17.

.....

______________________________

و قامت و سيبها صاحبها لما لم تتبعه فأخذها غيره، فأقام عليها و أنفق نفقة حتى أحياها من الكلام و من الموت فهي له و لا سبيل له عليها، و انما هي مثل الشي ء المباح» (1)، و عنه عليه السلام أيضا في خبر مسمع: «أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول في الدابة إذا سرحها أهلها أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للذي أحياها، قال:

و قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ترك دابة بمضيعة، قال عليه السلام: إن كان تركها في غير كلأ و لا ماء و أمن فهي لمن أحياها» (2)، و صحيح هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام: «قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه إني وجدت شاة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: هي لك أو لأخيك أو للذئب. فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إني وجدت بعيرا، فقال صلّى اللّه عليه و آله معه حذاؤه و سقاؤه- حذاؤه: خفه، و سقاؤه: كرشه- فلا تهجه» (3)، إلى غير ذلك من الاخبار و كلمة «اللام» فيها و إن كانت لمجرد الاختصاص الذي هو أعم من الملكية.

لكن يمكن أن يقال أن العرف يستفيد منها الملكية بعد قصد التملك، كما أن مقتضى الأخوة الإيمانية بل وجدان الإنسانية انه لو انقطعت علاقة المالك و دار أمره بين التلف أو إباحته المطلقة لكل من يملكه انه يقدم الثاني على الأول، و لو لم يكن ملتفتا إليه تفصيلا فهو ثابت في حاق قصده واقعا، مع أنه يمكن أن يقال: انه عند انقطاع سلطة المالك عن ماله في هذه الموارد يجري عليه حكم المباحات الأولية أعرض المالك عنه أو لا، اباحه لمن تملكه أولا، و لا محذور فيه إلا أصالة بقاء سلطنته و هي محكومة بإطلاق بعض هذه الأخبار و هذا حكم شرعي حكمته التحفظ على عدم ضياع المال كبيع الحاكم مال المالك الممتنع عن البيع في المخمصة لحكمة عدم ضياع النفوس، مع ان الملكية أمر اعتباري عرفي إنما تعتبر بلحاظ الآثار، فإذا انعدمت الآثار فأي وجه للاعتبار حينئذ فلا وجه لأصالة بقاء الملكية حينئذ، مع أن العرف يراه منقطع العلاقة بالنسبة إلى هذا الشي ء، و هذه الاخبار وردت على طبق هذا المرتكز

ص: 209


1- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة: 2 و 3 و 1 ج: 17.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة: 2 و 3 و 1 ج: 17.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب اللقطة: 2 و 3 و 1 ج: 17.

..........

______________________________

العرفي لا أن يكون تعبدا في شي ء.

و أما الكلمات فليس في البين إجماع معتبر على تفصيل شقوق المسألة يصح الاعتماد عليه.

نعم، نسب إلى المشهور عدم العمل بإطلاق هذه الأخبار، و انه يضمن الآخذ للشاة في الفلاة. و هل تصح هذه النسبة؟! ثمَّ على فرض الصحة هل يكون ذلك من الإعراض الموهن، لا بد من التأمل في كل منهما و يأتي في كتاب الاحياء ما ينفع المقام.

فرعان:

الأول: ما ينثر في الأعراس و في المشاهد المشرفة، و عند قدوم الحجيج، و نحو ذلك أو يوضع في مجالس الضيافة لا ريب في حلية أكلها، للسيرة و لظهور الإباحة.

و أما الأخذ و البيع بعده فيشكل ذلك لعدم جريان سيرة المتشرعة عليه و الشك في شمول الإباحة له.

نعم، لو كان ما ينثر من الدراهم و الدنانير فهو قرينة على صحة التملك للأخذ و الصرف في أي مصرف شاء.

الثاني: المنساق مما مرّ من الأخبار ما إذا ترك المالك ماله بعمده و اختياره من دون جبر أحد و لا إكراه و تقدم حكمه.

و أما إن كان ذلك لأجل أحدهما كالأموال التي تصادرها الحكومات في المارك أو غيرها فهل يجوز أخذها لو استولى عليه شخص، و هل يجوز شراؤها من الحكومة أو لا؟ أما مع قدرة المالك على أخذها بأي وجه من الوجوه- بالواسطة أو بلا واسطة- فلا يجوز، لبقاء ملكه و عدم زواله و لا يجوز التصرف في مال الغير بغير رضاه بالأدلة الأربعة، و أما مع قطع علاقته عنه بالمرة و عدم قدرته على استرجاعه بوجه من الوجوه بحيث صار كماله التالف عند العرف فقد قال شيخنا المحقق الشيخ ضياء الدين العراقي قدّس سرّه في بحثه الشريف

ص: 210

تملكها ملك (10).

و إن لم يجز له الدخول (11) في الأرض إلا بإذن مالكها.

الخامسة: إذا استأجر القصاب لذبح الحيوان فذبحه على غير الوجه الشرعي بحيث صار حراما ضمن قيمته

الخامسة: إذا استأجر القصاب لذبح الحيوان فذبحه على غير الوجه الشرعي بحيث صار حراما ضمن قيمته (12)، بل الظاهر ذلك إذا أمره

______________________________

ما هذا لفظه: «الإعراض على قسمين.

الأول: الاعراض القصدي العمدي سواء كان بطيب النفس كما في الأشياء الجزئية اليسيرة التي تلقي في المزابل و أبواب الدور و نحوها، أو لأجل ضرورة دعت إليه كما في جميع موارد الدوران بين تلف النفس و المال فإن مقتضى الفطرة الإعراض عن المال، فيترك المال عمدا حفظا للنفس فيتحقق الاعراض، و كذا لو كانت في البين ضرورة أخرى داعية اليه.

الثاني: الإعراض الانطباقي العرفي بأن يحكم العرف بقطع علاقته عن ماله، و انه لا مال له و لا سلطنة له على هذا المال أبدا لأجل قهر القاهر و ظلم الظالم، فتكون نسبة المال إلى صاحبه كنسبته الى الأجنبي إلا باعتبار ما كان الذي ليس له أثر إلا في الفرض فقط.

نعم، إذا أرتفع المانع تعود الملكية و آثارها، و لكن البحث في صورة وجود المانع فيكون حينئذ كالإعراض عن عمد و اختيار في ترتب أحكام الاعراض عليه»، و يأتي في كتاب الأحياء تفصيل القول إن شاء اللّه تعالى.

(10) إذا أعرض عنه صاحبه و اباحه لكل من أخذه يصير من المباحات فيملكه كل من أخذه و قصد حيازته، و لا بد من تقييد إطلاق المتن بما ذكر كما مر في سابقة.

(11) إن كانت في البين أمارة على المنع من سور أو تحجير أو نحو ذلك، و أما مع عدمها فمقتضى السيرة جواز العبور لدخول ما لم يستلزم الضرر على المالك.

(12) لقاعدة الإتلاف فيه و في نظائره، و تقدم ما يتعلق بنظير المقام في مسألة 4) من فصل كون العين المستأجرة أمانة.

ص: 211

بالذبح تبرعا، و كذا في نظائر المسألة.

السادسة: إذا آجر نفسه للصلاة عن زيد فاشتبه و أتى بها عن عمرو

السادسة: إذا آجر نفسه للصلاة عن زيد فاشتبه و أتى بها عن عمرو فإن كان من قصده النيابة عمن وقع العقد عليه و تخيل أنه عمرو فالظاهر الصحة عن زيد و استحقاقه الأجرة (13)، و إن كان ناويا النيابة عن عمرو على وجه التقييد لم تفرغ ذمة زيد و لم يستحق الأجرة (14) و تفرغ ذمة عمر و إن كانت مشغولة (15) و لا يستحق الأجرة من تركته لأنه بمنزلة التبرع (16)، و كذا الحال في كل عمل مفتقر إلى النية (17).

______________________________

(13) لفرض انه قصد المنوب عنه الحقيقي واقعا و انما وقع الخطأ في التطبيق، و هو لا يضر بشي ء فالمقتضي لصحة الإجارة و استحقاق الأجرة موجود و المانع عنه مفقود و تقدم نظير المسألة في صلاة الجماعة أيضا.

(14) لأن ما قصده على وجه التقييد ليس هو المنوب عنه و ما هو المنوب عنه لم يقصد أصلا، و النيابة متقومة بالقصد فكيف تبرأ ذمة من لم يقصد.

(15) لوجود المقتضي لفراغ ذمته- و هو قصد العامل تفريغ ذمة عمرو- و فقد المانع عنه فتفرغ ذمة عمرو لا محالة.

(16) لعدم تحقق أي جهة من الجهات يوجب تسبب عمرو إلى استيفاء هذا العمل من إجارة أو أمر، و تقدم نظير المسألة في (مسألة 18) من فصل لا يجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة أو الشعير فراجع.

(17) فإن فيه أقسام ثلاثة.

الأول: قصد المستأجر حقيقة.

الثاني: قصد غيره على نحو الخطأ في التطبيق و فيهما تبرأ ذمة المستأجر و يستحق الأجير الأجرة.

الثالث: قصد الغير على وجه التقييد فتبرأ ذمة الغير، و لا يستحق الأجير الأجرة عليه و لا تبرأ ذمة المستأجر، و تقدم حكم نفس الإجارة و الفروع المتعلق

ص: 212

السابعة: يجوز أن يؤجر داره- مثلا- إلى سنة بأجرة معينة

السابعة: يجوز أن يؤجر داره- مثلا- إلى سنة بأجرة معينة و يوكل المستأجر في تجديد الإجارة عند انقضاء المدة (18) و له عزله بعد ذلك (19).

و إن جدّد قبل أن يبلغه خبر العزل لزم عقده (20) و يجوز أن يشترط في ضمن العقد أن يكون وكيلا عنه في التجديد بعد الانقضاء، و في هذه الصورة ليس له عزله (21).

الثامنة: لا يجوز للمشتري ببيع الخيار بشرط رد الثمن للبائع أن يؤجر

الثامنة: لا يجوز للمشتري ببيع الخيار بشرط رد الثمن للبائع أن يؤجر

______________________________

بها في الأجير الخاص و غيره فراجع.

(18) لعموم أدلة الوكالة الشاملة للمقام أيضا.

(19) لأن الوكالة عقد جائز من الطرفين يجوز لكل منهما الرجوع عنها بلا محذور في البين.

(20) لوقوعه عن أهله و في محله لما يأتي في كتاب الوكالة ان شاء اللّه تعالى من أنه يعتبر في سقوط تصرفات الوكيل وصول خبر العزل اليه، و ما لم يبلغ ذلك يكون تصرفه نافذا و إن كان معزولا في الواقع.

(21) لوجوب الوفاء بالشرط و لو كان من شرط النتيجة إذا كان نفس الشرط كافيا في تحققه كما في المقام، إذ الوكالة متقومة بالإذن و الرضا و هما يستكشفان بمجرد الشرط أيضا، و كذا لو كان مرجع الشرط إلى شرط أن لا يعزله، و لكن لا بد في إيجاد عقد الإجارة من استجماعه للشرائط فلو كان الموكل كارها للإجارة أو لخصوصية منها لا بد من مراعاة رضاه، لأن بقاء الوكالة أعم من بقاء سائر الجهات.

نعم، لو كانت الوكالة المشروطة وكالة تفويضية من كل حيثية و جهة بحيث يكون الموكل بعد التوكيل كالأجنبي فالظاهر سقوط رضاه حينئذ، و لكنه مشكل أيضا.

ص: 213

المبيع أزيد من مدة الخيار للبائع (22) و لا في مدة الخيار من دون اشتراط الخيار حتى إذا فسخ البائع يمكنه أن يفسخ الإجارة، و ذلك لأن اشتراط الخيار من البائع في قوة إبقاء المبيع على حاله حتى يمكنه الفسخ فلا يجوز تصرف ينافي ذلك (23).

التاسعة: إذا استؤجر لخياطة ثوب معين لا بقيد المباشرة فخاطه شخص آخر

التاسعة: إذا استؤجر لخياطة ثوب معين لا بقيد المباشرة فخاطه شخص آخر تبرعا عنه (24)، استحق الأجرة المسماة، و إن خاطه تبرعا عن المالك لم يستحق المستأجر (25)، شيئا و بطلت الإجارة (26)، و كذا إن لم يقصد التبرع عن أحدهما (27).

و لا يستحق على المالك أجرة لأنه لم يكن مأذونا من قبله و إن كان

______________________________

(22) إن تعلق الحق برد عين المبيع من حيث هي و الوجه في المنع حينئذ واضح لأنه تصرف في حق الغير بدون إذنه، و هو باطل بالأدلة الأربعة كما تقدم مرارا فيكون من صغريات الفضولي، فإن أجاز من له الخيار يصح و إلا يبطل، و أما إن كان متعلق حق الخيار مالية المال دون خصوصية العين فيصح التصرف بلا إشكال، بلا فرق فيه على كلا التقديرين بين الخيارات الأصلية و الخيارات الاشتراطية، و قد تعرضنا لبعض المقال في الخيارات فراجع.

(23) فيكون من موارد الفضولي كما مر.

(24) أي: عن الأجير و الوجه في استحقاقه الأجرة واضحة لأن المتبرع عن الأجير كأحد عمال الأجير حينئذ فيصدق وفاء الأجير بما استؤجر عليه مع عدم المباشرة كما هو المفروض.

(25) أي الأجير و الوجه في عدم استحقاقه واضح لعدم صدور مورد الإجارة عنه لا مباشرة و لا تسبيبا و لا تبرعا عنه.

(26) لزوال موضوعها و انعدامه فلا موضوع حينئذ لبقاء الإجارة.

(27) فلا يستحق الأجير شيئا لعدم صدور عمل منه لا مباشرة و لا تسبيبا

ص: 214

قاصدا لها أو معتقدا أن المالك أمره بذلك (28).

العاشرة: إذا آجره ليوصل مكتوبة إلى بلد كذا إلى زيد- مثلا- في مدة معينة

العاشرة: إذا آجره ليوصل مكتوبة إلى بلد كذا إلى زيد- مثلا- في مدة معينة فحصل مانع في أثناء الطريق أو بعد الوصول إلى البلد فإن كان المستأجر عليه الإيصال و كان طيّ الطريق مقدمة لم يستحق شيئا (29)، و إن كان المستأجر عليه مجموع السير و الإيصال استحق بالنسبة (30) و كذا الحال في كل ما هو من هذا القبيل، فالإجارة مثل الجعالة قد تكون على العمل المركب من أجزاء و قد تكون على نتيجة ذلك العمل (31).

فمع عدم حصول تمام العمل في الصورة الأولى يستحق الأجرة بمثل ما أتى به (32) و في الثانية لا يستحق شيئا، و مثل الصورة ما إذا جعلت الأجرة في مقابلة مجموع العمل من حيث

______________________________

و لا تبرعا، عنه فلا وجه لاستحقاقه الأجرة و تبطل الإجارة لزوال موضوعها.

(28) لأن مجرد الاعتقاد لا يوجب استحقاق شي ء ما لم يطابق الواقع و المفروض عدمه، إذ لم يصدر من طرف المالك شي ء يوجب ضمانه للعوض من عقد إجارة أو تسبيب لاستيفاء منفعة.

(29) لعدم تحقق المستأجر عليه فلا وجه للاستحقاق حينئذ هذا بالنسبة إلى أجرة المسماة، و أما من جهة احترام أصل العمل فلا بد من استحقاقه لأجرة المثل.

إلا أن يقال: إن إقدامه المعاملي على النتيجة إسقاط لاحترام عمله بالنسبة إلى الأجزاء.

(30) لفرض انبساط الإجارة على الجميع فلا بد من تقسيط الأجرة كذلك.

(31) مع معلوميتها بحسب المتعارف في الإجارة حتى لا يلزم الغرر و الجهالة. و أما الجعالة فهما مغتفران فيها كما تقدم.

(32) لاحترام العمل، و المفروض أن الإجارة وقعت بنحو تقسيط الأجرة على الأجزاء.

ص: 215

المجموع (33)، كما إذا استأجره للصلاة أو الصوم فحصل مانع في الأثناء عن إتمامها.

الحادية عشرة: إذا كان للأجير على العمل خيار الفسخ فانفسخ قبل الشروع فيه فلا إشكال

الحادية عشرة: إذا كان للأجير على العمل خيار الفسخ فانفسخ قبل الشروع فيه فلا إشكال (34) و إن كان بعده استحق أجرة المثل (35)، و إن كان في أثنائه استحق بمقدار ما أتى به من المسمى أو المثل على الوجهين المتقدمين (36)، إلا إذا كان المستأجر عليه المجموع من حيث المجموع فلا يستحق شيئا (37)، و إن كان العمل مما يجب إتمامه بعد الشروع فيه كما في الصلاة بناء على حرمة قطعها و الحج بناء على وجوب إتمامه فهل

______________________________

(33) لا أثر للمجموع من حيث المجموع، و لا الاستغراق و الأفراد في المقام فليس نظير العام، بل المناط كله على قابلية الأجزاء لتقسيط الأجرة عليها، فتقسط الأجرة بأي نحو كانت الأجزاء، و عدم قابليتها له فلا وجه للتقسيط حينئذ بأي نحو كانت الأجزاء لفرض عدم قابليتها له، و لو فرض أن اجزاء الصلاة قابلة للتقسيط من حيث الفاتحة و السورة و نحوهما لتقسط الأجرة عليها أيضا، و نظير المقام خيار تبعض الصفقة فإنه انما يثبت فيما إذا كانت الأجزاء مورد الغرض و الاعتبار و إلا فلا وجه للخيار.

(34) لأن له حق الخيار و قد أعمل حقه بلا مانع في البين، و حكم المقدمات قد تقدم في (مسألة 22) من فصل لا يجوز إجارة الأرض.

(35) لفرض عدم التبرع و تحقق القرار المعاوضي و المعاملي بينهما فإذا بطل العوض المسمى بالفسخ يثبت لا محالة، هذا مضافا إلى ظهور الإجماع و كونه أولى من الإجارة الفاسدة التي يستحق الأجير فيها أجرة المثل.

(36) راجع (مسألة 5) من فصل يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان.

(37) إن لم تكن الأبعاض قابلة للتقسيط و التبعيض و إلا فيستحق كما مر.

ص: 216

هو كما إذا فسخ بعد العمل أو لا وجهان، أوجههما الأول (38).

هذا إذا كان الخيار فوريا كما في خيار الغبن إن ظهر كونه مغبونا في أثناء العمل و قلنا إن الإتمام مناف للفورية، و إلا فله أن لا يفسخ إلا بعد الإتمام، و كذا الحال إذا كان الخيار للمستأجر (39)، إلا أنه إذا كان المستأجر عليه المجموع من حيث المجموع و كان في أثناء العمل يمكن أن يقال إن الأجير يستحق بمقدار ما عمل من أجرة المثل (40)، لاحترام عمل المسلم، خصوصا إذا لم يكن الخيار من باب الشرط (41).

______________________________

(38) لصدق أن المستأجر استوفى عمل الأجير بالقرار المعاوضي و العقد المعاملي عند العرف فيجب عليه أجرة المسماة، و حيث أن تمام العمل منسوب إلى المنوب عنه لفرض أن الأجير لم يقصد التبرع بعد الفسخ بعد قصد الواقع بحسب الحكم الشرعي فيلزم على المستأجر عوض المسمى لما استوفاه من المنفعة.

و توهم: أن لازم ذلك ثبوت الأجرة و إن لم يتم العمل.

فاسد: إذ ليس المستأجر عليه هو مجرد الحدوث فقط بل الحدوث من حيث كونه طريقا إلى تفريغ الذمة و قد حصل ذلك ظاهرا في المقام فلا بد من استحقاق الأجرة.

(39) فتجري فيه أيضا جميع الأقسام الخمسة التي تقدمت في صورة كون الخيار للأجير من غير فرق بينهما.

(40) إذا كانت للأبعاض مالية فلا فرق فيه بين ما إذا كان الخيار للأجير أو للمستأجر في الاستحقاق، لجريان قاعدة الاحترام في كل منهما، فلا فرق أيضا في عدم استحقاق شي ء.

(41) لعدم اقدام منه حينئذ على إسقاط احترام عمله لأن الخيار حينئذ بحكم الشارع و لا دخل لإقدامه فيه، بخلاف ما إذا كان بنحو الشرط فإن الأجير

ص: 217

الثانية عشرة: كما يجوز اشتراط كون نفقة الدابة المستأجرة

الثانية عشرة: كما يجوز اشتراط كون نفقة الدابة المستأجرة و العبد و الأجير المستأجرين للخدمة أو غيرها على المستأجر إذا كانت معينة بحسب العادة أو عيناها على وجه يرتفع الغرر، كذلك يجوز (42) اشتراط كون نفقة المستأجر على الأجير أو المؤجر بشرط التعيين أو التعين الرافعين للغرر، فما هو المتعارف من إجارة الدابة للحج و اشتراط كون تمام النفقة و مصارف الطريق و نحوها على المؤجر لا مانع منه (43) إذا عينوها

______________________________

لأجل قبوله للشرط كأنه أقدم على هتك عمله.

و فيه: أن الاقدام على الشرط أعم من الاقدام على هتك العمل عرفا و وجدانا بل و كذا الاقدام على أصل المعاملة مع العلم بفسادها فإنه أعم من الإقدام على الهتك كما مر مرارا.

(42) لعموم أدلة الشرط الشامل لجميع ذلك، مضافا إلى ظهور الاتفاق على الصحة.

(43) عمل الحملدارية يتصور على وجوه.

الأول: إجارة النفس للإحجاج بالمسافرين بجميع ما يتعلق بهم، و لو بصرف الأعيان كإجارة الصبّاغ و الغسّال و الخيّاط و المرأة أنفسهم للصبغ و الغسل و الإرضاع.

الثاني: إجارة المركوب للحج بجميع ما يتعلق بسفر الحج من المنزل و الطعام و الخدمة و نحو ذلك.

الثالث: إجارة النفس لأن يكون معهم في مصالحهم و أغراضهم من دون صرف مال منه أبدا.

الرابع: إجارة النفس لأن يكون مرشد أعمال حجهم فقط.

الخامس: إجارة الحملدار الحجيج في مدة معينة بقدر معين لأن يقوم بشؤونهم.

ص: 218

على وجه رافع للغرر.

الثالثة عشرة: إذا آجر داره أو دابته من زيد إجارة صحيحة بلا خيار له

الثالثة عشرة: إذا آجر داره أو دابته من زيد إجارة صحيحة بلا خيار له ثمَّ آجرها من عمرو كانت الثانية فضولية (44)، موقوفة على إجازة زيد، فإن أجاز صحت له (45)، و يملك هو الأجرة (46) فيطلبها من عمرو، و لا يصح له إجازتها على أن تكون الأجرة للمؤجر و إن فسخ الإجارة الأولى بعدها لأنه لم يكن مالكا للمنفعة حين العقد الثاني (47).

______________________________

السادس: اباحة عمله و عمل من معه من خدمة و عمال، و اباحة منفعة ما معه و اباحة أعيان ما معه فيما يصرف عنه بالعوض مع عدم الغرر.

السابع: ما هو مركب مما ذكر، و الكل صحيح للعمومات و الإطلاقات مع إحراز الخصوصيات و الجهات الموجبة لاختلاف الرغبات و الأغراض الموجبة لاختلاف العوض.

(44) لأنه تصرف في مورد حق الغير بغير إحراز رضاه، و كل ما كان كذلك يكون من الفضولي كما مر في محله.

(45) يعني صحت لزيد لأن المنفعة ملكه و ماله.

(46) لأنه عوض ملكه و ماله.

(47) بناء على أنه يشترط في المعاوضة أن يدخل العوض في ملك من يخرج منه العوض، و يدخل المعوض في ملك من يخرج العوض من ملكه، لا تصح هذه الإجازة لأن المنفعة تخرج من ملك زيد و العوض يدخل في ملك المؤجر، و هذا خلاف ما يعتبر في المعاوضة.

و لكن الكلام في أصل هذا الشرط و منشأ اعتباره فإن كان المراد به ما هو الغالب الواقع ما في الخارج من المعاوضات فلا ريب في أنه كذلك، و أما إن كان المراد أن ذلك يعتبر في قوام ذاتها بحيث لو لم تكن كذلك لا تتحقق ذات المبادلة و المعاوضة أصلا فلا دليل عليه من عقل أو نقل، و إن نسب إلى

ص: 219

و ملكيته لها حال الفسخ لا تنفع إلا إذا جدد الصيغة (48) و إلا فهو من قبيل من باع شيئا ثمَّ ملك (49).

______________________________

المشهور. تارة، و ادعي عدم الخلاف فيه أخرى، و لكنه لا وجه لكل منهما، لأن الأصل في الدعوى العلامة رحمه اللّه في جملة من كتبه و لم يستدل عليه، غير أن معنى المعاوضة و المبادلة يقتضي ذلك.

و هو مردود، لأن المبادلة و المعاوضة تقوم بكون مال بدل مال آخر و كون أحد المالين عوضا عن الآخر، و أما دخل اشتراط دخول المعوض في ملك من خرج منه العوض و بالعكس في قوام المبادلة و المعاوضة فهو مشكوك منفي بالأصل و الإطلاق.

إن قيل: فعلى هذا يجتمع عند المؤجر عوضان لمنفعة ماله.

الأول: ما أخذه من زيد.

و الثاني: ما أجازه زيد في الإجارة الثانية.

يقال: لا بأس به مع اختلاف الجهة لأن العوض الثاني كان لزيد فأجازه له لغرض صحيح، و قد مر في المنافع المتضادة بعض ما ينفع المقام.

(48) ظهر مما مر أن ذلك مما لا وجه له لأنه بعد صحة المعاوضة بلحاظ نفس تبادل المالين مع قطع النظر عن لحاظ إضافتهما إلى المالكين لا وجه لهذا التفريع، لأن كلا منهما عنوان ملحوظ مستقل في حد نفسه و مادة المعاوضة و المبادلة غير متقومة باللحاظين من كل جهة، كما في سائر استعمالات باب المفاعلة كالمطالعة و المشايعة و المطالبة، فلا الهيئة تقتضي ذلك بنحو التقوم و لا المادة.

نعم مقتضى الغلبة الخارجية ذلك فبأي وجه تؤخذ الغلبة الوجودية الخارجية مقوما للمفهوم و الذات ثمَّ تبنى على ذلك فروع و مسائل مع إمكان التفكيك بينهما عقلا و عرفا، و قد تقدم بعض الكلام فيه في كتاب البيع فراجع.

(49) تقدم في كتاب البيع صحته مع الإجازة فراجع. فإنه لا وجه للإعادة.

ص: 220

و لو زادت مدة الثانية عن الأولى لا يبعد لزومها على المؤجر (50) في تلك الزيادة و أن يكون لزيد إمضاؤها بالنسبة إلى مقدار مدة الأولى.

الرابعة عشرة: إذا استأجر عينا ثمَّ تملكها قبل انقضاء مدة الإجارة

الرابعة عشرة: إذا استأجر عينا ثمَّ تملكها قبل انقضاء مدة الإجارة بقيت الإجارة على حالها (51)، فلو باعها و الحال هذه لم يملكها المشتري إلا مسلوبة المنفعة في تلك المدة (52) فالمنفعة تكون له و لا تتبع العين. نعم، للمشتري خيار الفسخ إذا لم يكن عالما بالحال (53) و كذا الحال إذا تملك المنفعة بغير الإجارة في مدة ثمَّ تملك

______________________________

(50) لأنه حينئذ مالك للمنفعة في الجملة حين العقد الثاني، فلا يلزم المحذور المتقدم على فرض صحة كونه محذورا.

(51) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(52) لأصالة لزوم الإجارة السابقة و عدم بطلانها، و لا دليل على خلاف هذا الأصل يكون حاكما عليه إلا تبعية المنفعة للعين، و لا تجري هذه القاعدة في المقام لأنها قاعدة اقتضائية كجملة من القواعد الأخر، فإذا فقد المانع عن جريانها تصير من العلة التامة فيؤثر أثرها حينئذ، و المانع في المقام أن المالك أخرج المنفعة عن التبعية في مدة خاصة برضائه و رضا المستأجر. فلا تجري القاعدة تخصصا لعدم الموضوع لها. فمع موافقتهما على قطع التبيعة و التفكيك بنى العين و المنفعة كيف تجري القاعدة.

و توهم أن التفكيك كان ما داميا أي ما دام لم يملك العين لا أن يكون دائميا حتى بعد تملكه، حينئذ تحدث تبعية أخرى لتجدد المالك لشخص آخر فتشمله قاعدة التبعية، و لا ترجيح لتقديم القاعدة في التبعية الأولى دون الأخيرة.

مدفوع: بأن الدوران فيها بين التخصص و التخصيص فإن جريان القاعدة في الأولى يوجب زوال الموضوع في الثانية بخلاف العكس فإنه لا بد من تخصيص القاعدة و هو بلا مخصص.

(53) لقاعدة الضرر الموجبة للخيار.

ص: 221

العين كما إذا تملكها بالوصية أو بالصلح أو نحو ذلك فهي تابعة للعين إذا لم تكن مفروزة (54) و مجرد كونها لمالك العين لا ينفع في الانتقال إلى المشتري.

نعم، لا يبعد تبعيتها للعين إذا كان قاصدا لذلك حين البيع (55).

الخامسة عشرة: إذا استأجر أرضا للزراعة

الخامسة عشرة: إذا استأجر أرضا للزراعة مثلا- فحصلت آفة سماوية أو أرضية توجب نقص الحاصل لم تبطل (56).

و لا يوجب ذلك نقصا في مال الإجارة (57) و لا خيارا للمستأجر (58).

نعم، لو شرط على المؤجر إبراءه من ذلك بمقدار ما نقص بحسب تعيين أهل الخبرة ثلثا أو ربعا أو نحو ذلك، أو أن يهبه ذلك المقدار إذا كان مال الإجارة عينا شخصية فالظاهر الصحة (59)، بل الظاهر صحة اشتراط

______________________________

(54) لأن الافراز مع توافقهما على إسقاط لقاعدة التبعية، فلا تجري القاعدة حينئذ.

(55) لا يكفي مجرد القصد في الإنشائيات مطلقا ما لم يكن مبرز خارجي في البين من لفظ أو قرينة معتبرة فيكون إنشاء حينئذ مشتملا على تمليك العين و المنفعة معا، و هو صحيح و لا إشكال فيه و يصير هذا إسقاطا للإفراز السابق.

(56) للأصل و ظهور الاتفاق.

(57) لوقوع مال الإجارة بعوض طبيعي المنفعة بحسب المتعارف لا بعوضها لو لم تكن آفة في البين.

(58) لعدم موجب له من نقص في العين أو ضرر من طرف المالك في البين إذ الآفة حصلت في ملك المستأجر كما إذا حصلت في سائر أملاكه.

(59) لعموم أدلة الشرط و اغتفار الجهالة فيها بما لا يغتفر في غيرها لو فرض ثبوت جهالة في البين.

ص: 222

البراءة على التقدير المذكور بنحو شرط النتيجة (60)، و لا يضره التعليق لمنع كونه مضرا في الشروط (61).

نعم، لو شرط براءته على التقدير المذكور حين العقد بأن يكون ظهور النقص كاشفا عن البراءة من الأول فالظاهر عدم صحته لأوله إلى الجهل بمقدار مال الإجارة حين العقد (62).

السادسة عشرة: يجوز إجارة الأرض مدة معلومة بتعميرها

السادسة عشرة: يجوز إجارة الأرض مدة معلومة بتعميرها و اعمال عمل فيها من كري الأنهار و تنقية الآبار و غرس الأشجار و نحو ذلك (63) و عليه يحمل قوله (64)، «لا بأس بقبالة الأرض من أهلها بعشرين سنة أو أكثر فيعمرها و يؤدي ما خرج عليها» و نحوه غيره.

______________________________

(60) و هو صحيح في المقام لكفايته في تحقق المشروط عند المتشرعة و المتعارف من الناس، و لا مانع في البين فتشمله إطلاق أدلة الشروط لا محالة، و مثله شرط سقوط الخيار، و قد ورد النص في صحة أخذ البراءة لمن تطبب أو تبيطر (1)، و ليس ذلك كله إلا من شرط النتيجة مع اتفاق الكل على الصحة فيها.

(61) لأن عمدة دليل كونه مانعا عن الصحة انما هو الإجماع و لو فرض اعتباره فالمتيقن منه بل مورد كلماتهم انما هو نفس العقد.

(62) إن قلنا بأن هذا النحو من الجهالة يوجب البطلان أيضا و لا دليل عليه لأن الجهالة المانعة ما كانت في أحد العوضين أو هما حين أنشأ العقد بحسب العرف و المفروض عدمها.

(63) مع مراعاة عدم لزوم الغرر و الجهالة.

(64) فعن الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي: «لا بأس بقبالة الأرض من أهلها بعشرين سنة أو أقل أو أكثر فيعمرها و يؤدي ما خرج عليها و لا يدخل

ص: 223


1- راجع صفحة: 108.

السابعة عشرة: لا بأس بأخذ الأجرة على الطبابة

السابعة عشرة: لا بأس بأخذ الأجرة على الطبابة و إن كانت من الواجبات الكفائية، لأنها كسائر الصنائع واجبة بالعرض (65) لانتظام نظام معائش العباد، بل يجوز و إن وجبت عينا (66) لعدم من يقوم بها غيره،

______________________________

أصلا في شي ء من القبالة» (1)، و قريب منه صحيحه الآخر(2)، و صحيح يعقوب بن شعيب (3)، عنه عليه السلام أيضا: «الرجل يعطي الأرض الخربة و يقول أعمرها و هي ملك ثلاث سنين أو خمس سنين أو ما شاء اللّه، قال عليه السلام: لا بأس» و مثلها غيرها و لكن الوجوه المحتملة في مثل هذه الأخبار أربعة.

الأول: أن تكون الأرض من إجارة العين.

الثاني: إجارة العمل بأن يؤجر العامل نفسه بمنفعة الأرض.

الثالث: أن تكون هذه معاملة خاصة في مقابل الإجارة و الجعالة.

الرابع: أن تكون من الجعالة المعهودة.

و الكل صحيح و المتبع على التعيين القرائن المعتبرة.

(65) يعني: واجبة بالمعنى الأعم من بذل العمل مجانا أو بعوض، لا أن يكون المراد تقوم الوجوب بالعوض حتى لا تجب بدونه كما قد يتوهم.

و خلاصة الكلام في نظائر المقام ان حبس المال و العمل مع احتياج الناس إليهما حرام لا أن يكون البذل المجاني واجبا، فهذه الاعمال النظامية نظير الطعام عند احتياج الناس إليه حيث يشتري من صاحبه بسعر الوقت مع وجوب بذله و حرمة احتكاره.

(66) لأنه ليس من الواجبات العبادية حتى يشمله دليل المنع على فرض تماميته، بل واجب نظامي، و كما أن تنظيم النظام النوعي يقتضي بذل العمل نفس هذا التنظيم يقتضي بذل المال بإزائه أيضا لئلا يتعطل صاحبه و لأن يرغب غيره في تحصيله و استكماله.

ص: 224


1- الوسائل باب: 93 من أبواب ما يكتسب به: 3.
2- الوسائل باب: من أبواب المزارعة.
3- الوسائل باب: من أبواب المزارعة.

و يجوز اشتراط كون الدواء عليه (67). مع التعيين الرافع للغرر، و يجوز أيضا مقاطعته على المعالجة إلى مدة أو مطلقا (68)، بل يجوز المقاطعة عليها بقيد البرء (69)، أو بشرطه إذا كان مظنونا (70) بل مطلقا، و ما قيل من عدم جواز ذلك لأن البرء بيد اللّه فليس اختياريا له و أن اللازم مع إرادة ذلك أن يكون بعنوان الجعالة لا الإجارة. فيه: أنه يكفى كون مقدماته العادية اختيارية (71) و لا يضر التخلف في بعض الأوقات، كيف و إلا لم يصح

______________________________

(67) لعموم أدلة الشرط الشامل لجميع ذلك كالبنّاء و الخيّاط و نحوهما، و اشتراط كون ما يحتاج إليه العمل عليهم.

(68) بنحو لم يكن في البين غرر مانع عن صحة الإجارة فتبطل الإجارة حينئذ و إن صحت بعنوان الجعالة.

(69) إذا كان من عادته حصول البرء بمعالجته لهذا المرض غالبا، كما في المتخصصين لمعالجة بعض الأمراض الذين اعتادوا لبرء المريض بحيث ليست في الإجارة جهالة، و لا فرق حينئذ بين جعل البرء غاية للإجارة أو قيدا للعمل أو شرطا فيه لفرض عدم جهالته على كل تقدير، و أما إن لم يكن من عادته ذلك فالإجارة باطلة في الصور الثلاثة إلا في الأخيرة بناء على أن الشرط الفاسد لا يفسد أن قلنا بأن الجهالة في الشرط توجب فساده.

(70) لعدم الجهالة حينئذ سواء حصل الظن من اعتياد الطبيب ببرء هذا المرض أو من الخارج لرفع الجهالة على أي تقدير، و كل ذلك صار مطابقا للسيرة في هذه الأعصار.

(71) مع انه نسلم أن البرء بيد اللّه تعالى و لكن أبى اللّه إلا أن يجري الأمور إلا بأسبابها، و جعل سبب البرء الرجوع الى الطبيب، و استعمال الدواء فيرجع ذلك إلى إرادة اللّه تعالى و الناتج كلها بإرادة اللّه و مشيته و لكنه تعالى جعل أسبابا ظاهرية مؤدية إليها غالبا.

ص: 225

بعنوان الجعالة أيضا (72).

الثامنة عشرة: إذا استؤجر لختم القرآن لا يجب أن يقرأه مرتبا بالشروع من الفاتحة و الختم بسورة الناس

الثامنة عشرة: إذا استؤجر لختم القرآن لا يجب أن يقرأه مرتبا بالشروع من الفاتحة و الختم بسورة الناس بل يجوز أن يقرأ سورة فسؤره على خلاف الترتيب، بل يجوز عدم رعاية الترتيب في آيات السورة أيضا (73).

______________________________

و ما يقال: من أن اختيارية المقدمات إنما تنفع فيما إذا لم تتخلل بينها و بين حصول المطلوب إرادة فاعل المختار و إلا فلا أثر لاختيارية المقدمات.

مردود: بأنه يصح تخلل إرادة البشر و أما إرادة اللّه تعالى التي تعلقت أزلا بترتب الأسباب على مسبباتها فلا يجري هذا الكلام فيها، فالمناط كله صدق الاختيارية عرفا و لو باختيارية بعض المقدمات كما في جميع الأمور.

(72) يظهر منهم كفاية مجرد صحة الانتساب في الجعالة و لو لم تكن المقدمات اختيارية فهي أوسع دائرة من الإجارة بكثير، فلو قال المريض في الجعالة للطبيب: لو حصل اتفاق في برئي بعلاجك فلك جعل كذا تصح الجعالة، مع أن الفقهاء لا يقولون بصحة الإجارة.

(73) كل ذلك للإطلاق و لا دليل على خلافه إلا دعوى الانصراف إلى ما هو المتعارف، و لكنه بدوي لا اعتبار به.

نعم، لو كانت قرينة معتبرة في البين على الترتيب يتعين الأخذ بها فالنزاع في المسألة صغروي لا أن يكون كبرويا، و الظاهر إنه لا يصح خلاف الترتيب في حروف الكلمة لكونه غلطا بل يشكل الجواز في بعض الآيات أيضا.

و أما ما يقال: من أنه ان كان المراد الجنس، أي: جنس القرآن فيجوز خلاف الترتيب، و إن كان المراد خصوص ما هو المعهود المتعارف فلا يصح.

ففيه: إن المراد ما هو المعهود المتعارف بما له من الحكم الشرعي و هو عدم وجوب الترتيب شرعا للأصل بعد عدم دليل عليه.

ص: 226

و لهذا إذا علم بعد الإتمام أنه قرأ الآية الكذائية غلطا أو نسي قراءتها يكفيه قراءتها فقط (74).

نعم، لو اشترط عليه الترتيب وجب مراعاته (75)، و لو علم إجمالا بعد الإتمام أنه قرأ بعض الآيات غلطا من حيث الأعراب أو من حيث عدم أداء الحرف من مخرجه أو من حيث المادة فلا يبعد كفايته و عدم وجوب الإعادة، لأن اللازم القراءة على المتعارف و المعتاد و من المعلوم وقوع ذلك من القارئين غالبا إلا من شذ منهم.

نعم، لو اشترط المستأجر عدم الغلط أصلا لزم عليه الإعادة مع العلم به في الجملة (76) و كذا الكلام في الاستئجار لبعض الزيارات المأثورة أو غيرها و كذا في الاستئجار لكتابة كتاب أو قرآن أو دعاء أو نحوها لا يضرّ في استحقاق الأجرة إسقاط كلمة أو حرف أو كتابتهما غلطا (77).

التاسعة عشرة: لا يجوز في الاستئجار للحج البلدي أن يستأجر شخصا من بلد الميت إلى النجف

التاسعة عشرة: لا يجوز في الاستئجار للحج البلدي أن يستأجر شخصا من بلد الميت إلى النجف و شخصا آخر من النجف إلى مكة أو الى الميقات و شخصا آخر منها إلى مكة، إذ اللازم أن يكون قصد المؤجر من البلد الحج (78) و المفروض أن مقصده النجف مثلا و هكذا، فما أتى به من

______________________________

(74) لفرض عدم وجوب الترتيب و هذا من ثمراته.

(75) لعموم وجوب الوفاء بالشرط.

(76) لمكان الالتزام بالشرط الذي التزما به.

(77) لا بد من تقييده بعدم التعمد و عدم كونه على خلاف المتعارف، و الوجه فيه حينئذ ما مر منه رحمه اللّه من وقوع ذلك غالبا و الإجارة منزلة على الغالب، فلا يضر و لا تبطل الإجارة بذلك.

(78) الحج البلدي يكون على قسمين:

الأول: أن يتصدى نائب واحد لمباشرة ذلك من حين الخروج من البلد

ص: 227

السير ليس مقدمة للحج (79)، و هو نظير أن يستأجر شخصا لعمرة التمتع و شخصا آخر للحج، و معلوم أنه مشكل (80)، بل اللازم على القائل بكفايته أن يقول بكفاية استئجار شخص للركعة الأولى من الصلاة و شخص آخر للثانية و هكذا يتمم (81).

______________________________

إلى الفراغ من الاعمال، و هذا لا يصح فيه استنابة شخص آخر لاعتبار وحدة النائب و مباشرته بنفسه في جميع مقدمات السير فيه إلى الفراغ من العمل، و الظاهر أن هذا هو المنساق من الحج البلدي عرفا فلا يجوز تعدد النائب في السير لأجل ذلك، سواء قلنا بوجوب مطلق المقدمة أم بخصوص الموصلة منها لأن مبنى الحكم شي ء آخر لا كيفية وجوب المقدمة.

الثاني: أن يكون السير و الذهاب لأجل النيابة عن المنوب عنه، سواء كان ذلك بمباشرة شخص واحد أم أشخاص متعددة بحيث كان سيرهم و ذهابهم طولا لأجل النيابة عن المنوب عنه، و هو خلاف المنساق من الحج البلدي عند المتشرعة، فلا يصح سواء قيل بوجوب مطلق المقدمة أم خصوص الموصلة منها، لأن مبنى عدم الصحة شي ء آخر لا ربط له بوجوب الموصلة و عدمه و منه تظهر الخدشة فيما ذكره بعض مشايخنا من ابتناء المسألة عليه.

(79) لا ريب في أنه مقدمة في الجملة، و لكنه لا تنفع هذه المقدمة لفرض اعتبار وحدة المباشر للسير من البلد الى الفراغ من العمل، و يمكن أن يكون مراده بنفي المقدمة نفي أصل النيابة فيه من باب نفي الحكم بلسان نفي الموضوع.

(80) مر ما يتعلق به في كتاب الحج (فصل في صورة حج التمتع) الشرط الخامس (1)، و لكن القياس مع الفارق لأن مسألة الحج و نحوه من التفكيك في الجزء و ما نحن فيه من التفكيك في الشرط الخارجي.

(81) هذا أيضا لا ربط له بالمقام لأنه من التفكيك في الاجزاء الداخلية

ص: 228


1- راجع ج: 12 صفحة: 362.

العشرون: إذا استؤجر للصلاة عن الميت فصلى و نقص من صلاته بعض الواجبات غير الركنية سهوا

العشرون: إذا استؤجر للصلاة عن الميت فصلى و نقص من صلاته بعض الواجبات غير الركنية سهوا، فإن لم يكن زائدا على القدر المتعارف الذي قد يتفق أمكن أن يقال لا ينقص من أجرته شي ء (82)، و إن كان الناقص من الواجبات و المستحبات المتعارفة أزيد من المقدار المتعارف ينقص من الأجرة بمقداره (83) إلا أن يكون المستأجر عليه الصلاة الصحيحة المبرئة للذمة (84)، و نظير ذلك إذا استؤجر للحج فمات بعد الإحرام و دخول الحرم حيث إن ذمة الميت تبرأ بذلك، فإن كان المستأجر عليه ما يبرئ الذمة (85) استحق تمام الأجرة و إلا فتوزع و يتسرد ما يقابل بقية الأعمال.

______________________________

لعمل واحد له شخصية في النيابة، و لا ملازمة بوجه بين صحة التفكيك في النيابة في الشرط الخارج عن العمل رأسا و بين التفكيك فيها في الاجزاء، بل الشرائط الداخلية أيضا كالطهارة و الاستقبال بالنسبة إلى الصلاة.

(82) لجريان الطريقة العرفية على ذلك و الإجارة منزلة على هذه الطريقة.

(83) لما مر مرارا من تقسيط الأجرة على الأجزاء.

(84) بحسب القواعد الثانوية الشرعية من التجاوز و الفراغ، و لا تعاد، و نحوها، و الظاهر أن هذا هو المراد فلا ينقص من أجرته شي ء إلا مع التصريح بالخلاف.

(85) كما هو الظاهر من حال المسلمين، و قد تقدم ما يتعلق بفروع هذه المسألة في كتاب الحج (1)، (مسألة 10) من فصل النيابة في الحج فلا وجه للإعادة و التكرار.

و الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا و الصلاة على رسوله و أوصيائه المعصومين.

ص: 229


1- راجع المجلد الثاني عشر صفحة: 243.

كتاب المضاربة

اشارة

كتاب المضاربة بسم اللّه الرحمن الرحيم و تسمى قراضا عند أهل الحجاز، و الأول من الضرب، لضرب العامل في الأرض لتحصيل الربح، و المفاعلة باعتبار كون المالك سببا له (1)

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين.

كتاب المضاربة

(1) قد مر مرارا أن المفاعلة غير متقومة بالطرفين (1)، كما في الاستعمالات الصحيحة كقوله تعالى وَ مَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ (2)، و قوله تعالى يُراؤُنَ النّاسَ وَ لا يَذْكُرُونَ اللّهَ (3)، و قوله تعالى وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا (4)، إلى غير ذلك من الآيات الشريفة، و في المحاورات العرفية يقال:

ساعده التوفيق، و عاجله بالعقوبة، و بارزه

ص: 230


1- راجع صفحة: 219- 220.
2- سورة النساء: 100.
3- سورة النساء: 142.
4- سورة آل عمران: 167.

و العامل مباشرا، و الثاني من القرض بمعنى القطع (2) لقطع المالك حصة من ماله و دفعه إلى العامل ليتجر به، و عليه العامل مقارض بالبناء للمفعول، و على الأول مضارب بالبناء للفاعل، و كيف كان عبارة عن دفع الإنسان (3) مالا الى غيره ليتجر به على أن يكون الربح بينهما (4) لا أن يكون تمام

______________________________

بالمحاربة إلى غير ذلك من الاستعمالات الصحيحة، و المنساق من هيئة المفاعلة مجرد تعدية المادة و إنهائها إلى الغير، مثلا الكتابة لا تقتضي إلا تعدية المادة إلى المكتوب، فيقال: كتب الحديث من دون التعدية إلى المكتوب إليه، بخلاف كاتبه فإنه يدل على تعديتها إلى الغير هذا هو المنساق منها، و أما التقوم بالطرفين فقد يكون و قد لا يكون.

(2) و الأولى أن يراد مطلق القطع حتى يشمل تقطيع الربح أيضا في ما بينهما.

(3) و الدفع عبارة أخرى عن إنشاء العقد فإن أنشأ بالدفع فهي معاملية فعلية، و إن أنشأ بالقول فالدفع يكون من آثاره، فيصح التعبير بكل منهما.

(4) بل هو: الإذن في الإتجار بالمال للاشتراك في ربحه.

و ليس فيها تعويض معاملي، و لا جعل شي ء لأحدهما على رقبة الآخر بل هي: «اعتبار خاص بين شخصين يكون من أحدهما المال و من الآخر العمل»، فهي نحو من أنحاء الشركة فإنها إما في العين أو في المنفعة أو في الحق أو بين المنفعة و العين، كما في المقام و يأتي في كتاب الشركة تفصيل الكلام، و تلحق المضاربة أحكام عقود كثيرة كالوكالة و الوديعة و الشركة و حكم أجرة المثل و الغصب و الجعالة و الصلح.

ثمَّ إن المضاربة من العقود المتعارفة بين الناس من قديم الأيام، و هي من بعض ما يقوم به معاش العباد في جميع الأزمنة و البلاد، كما في جميع العقود و مثلها لا بد و أن يؤخذ بما تطابقت عليه آراؤهم ما لم يظهر من الشرع خلافهم،

ص: 231

الربح للمالك (5) و لا يكون تمامه للعامل.

و توضيح ذلك أن من دفع مالا إلى غيره للتجارة.

تارة على أن يكون الربح بينهما و هي مضاربة.

و تارة: على أن يكون تمامه للعامل. و هذا داخل في عنوان القرض إن كان بقصده (6).

و تارة على أن يكون تمامه للمالك و يسمى عندهم باسم البضاعة.

و تارة لا يشترطان شيئا و على هذا أيضا يكون تمام الربح للمالك فهو

______________________________

و يأتي تفصيل هذا الإجمال إن شاء اللّه تعالى.

(5) من جهة قاعدة التبعية فيه لأنها معتبرة ما لم تكن جعل من المتعاقدين على الخلاف كما في المقام.

(6) لا ريب في تقوم كل عقد بالقصد كما مر في الشرائط العامة في البيع، و في المقام إن قصد القرض يترتب عليه حكمه قهرا، و إن لم يقصد القرض يكون من المضاربة الفاسدة، و يأتي حكمها في المسائل الآتية إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ ان القصد في المقام يكون على أقسام:

الأول: أن يقصد كل منهما القرض، و لا ريب في صحته، و لكنه مبني على صحة إنشاء القرض بغير لفظه الظاهر فيه، و لا بأس به مع وجود قرينة عليه.

الثاني: أن يقصد كل منهما المضاربة مع هذا الشرط و هو من المضاربة الفاسدة.

الثالث: أن يقصد المالك القرض، و قبل العامل على ما أعطاه المالك مع عدم التفاته إلى انه قصد القرض.

الرابع: أن يقصد العامل القرض و إعطائه المالك بعنوان المضاربة، و لا ريب في بطلانه، و من ذلك يظهر بطلان القسم الخامس، و هو أن يقصد المالك القرض و يقصد العامل المضاربة لعدم اجتماعهما على شي ء واحد.

ص: 232

داخل في عنوان البضاعة و عليهما يستحق العامل أجرة المثل (7) لعمله إلا أن يشترطا عدمه أو يكون العامل قاصدا للتبرع، و مع عدم الشرط و عدم قصد التبرع أيضا له أن يطالب الأجرة إلا أن يكون الظاهر منهما في مثله عدم أخذ الأجرة، و إلا فعمل المسلم محترم (8) ما لم يقصد التبرع.

و يشترط في المضاربة الإيجاب و القبول (9) و يكفي فيهما كل دال

______________________________

(7) لقاعدة احترام العمل، و لكن الأقسام الأربعة:

1- قصد العامل التبرع و وجود دال عليه لفظا.

2- شرط عدم الأجرة للعامل و لا ريب في عدم الاستحقاق في القسمين، لإقدامه على المجانية.

3- ظهور الحال أو المقال في التبرع مع الشك في قصده له.

4- عدم ظهور عليه أصلا في البين، و مقتضى أصالة احترام العمل هو استحقاق أجرة المثل في القسمين الأخيرين، و كذا لو شك في أنه من أي الأقسام الأربعة.

(8) لا ريب في كون قاعدة: «احترام العمل» من أهم القواعد النظامية و معنى احترامه لزوم تداركه لمن استوفاه، بل لمن فوته ما لم يدل دليل شرعي على الخلاف.

نعم، ربما يقال بقيام الإجماع على عدم التدارك بالتفويت، و هو مخدوش أن أريد به الكلية و لا معنى للزوم التدارك إلا الضمان فلا وجه لما يقال من عدم دلالة القاعدة على الضمان.

(9) لأنها متقومة بالتراضي من الطرفين بالوجدان، و كل ما كان كذلك هو عقد، و كل عقد متقوم بالإيجاب و القبول، و هذا من مرتكزات طرفي المضاربة و لم يرد من الشرع ما يشير إلى الخلاف، بل ظواهر الأدلة التقرير كما لا يخفى.

و منه يظهر الفرق بين العقد و الإيقاع بحسب ذاتهما لا بحسب من يصدر

ص: 233

قولا أو فعلا (10)، و الإيجاب القولي كأن يقول: «ضاربتك على كذا» و ما يفيد هذا المعنى فيقول «قبلت»

و يشترط فيها أيضا بعد البلوغ، و العقل و الاختيار

اشارة

و يشترط فيها أيضا بعد البلوغ، و العقل و الاختيار (11)، و عدم الحجر لفلس (12)، أو الجنون (13)، أمور:

الأول: أن يكون رأس المال عينا

الأول: أن يكون رأس المال عينا (14) فلا تصح بالمنفعة، و لا بالدين فلو كان له دين على أحد لم يجز أن يجعله مضاربة إلا بعد قبضه و لو أذن

______________________________

منهما، لأن الإيقاع بذاته و طبيعته متقوم بالواحد دون العقد.

و توهم: أن الفرق بينهما بحسب الموقع و المنشئ فإنه إذا أنشأ العقد من ولى الطرفين فهو إيقاع، و إن أنشأ منهما أو وكيلهما فهو عقد.

فاسد: لكونه خلاف المتعارف في العقود و الإيقاعات إذ لا ريب ان ولي الطرفين ينحل الى ولايتين، و كذا عقده ينحل إلى إيجاب و قبول منهما.

(10) أما الأول فلما تقدم مرارا من كفاية كل مظهر لفظي للمعنى المقصود في إبرازه إلا مع الدليل على الخلاف، و هو مفقود.

و أما الثاني فلان المعاطاة موافقة للقاعدة إلا ما نص فيه على الخلاف، و هو مفقود.

(11) هذه كلها من الشرائط العامة لكل عقد، و قد تعرضنا لمدركها في البيع و ما لحقه من العقود فلا وجه للإعادة.

(12) عدم الحجر لفلس معتبر في صاحب المال لا في العامل، لتعلق الحجر بماله دون عمله كما يأتي في كتاب الحجر إن شاء اللّه تعالى، و يأتي من الماتن رحمه الله في الثالثة من مسائل ختام المضاربة ذلك أيضا.

(13) لا بد من تبديله بالسفه لان ذكر العقل يغني عن الجنون، و إلا فلا بد من التعرض لموجبات عدم الحجر، و هي كثيرة كما يأتي في محله.

نعم، خرج الصغير بالبلوغ.

(14) للإجماع، و إلا فمقتضى الإطلاقات الصحة في المنفعة و الدين أيضا،

ص: 234

للعامل في قبضه ما لم يجدد العقد بعد القبض.

نعم، لو وكله على القبض و الإيجاب من طرف المالك و القبول منه بأن يكون موجبا قابلا صح و كذا لو كان له على العامل دين لم يصح جعله قراضا إلا أن يوكله في تعيينه ثمَّ إيقاع العقد عليه بالإيجاب و القبول بتولي الطرفين.

الثاني: أن يكون من الذهب أو الفضة المسكوكين بسكة المعاملة

الثاني: أن يكون من الذهب أو الفضة المسكوكين بسكة المعاملة بأن يكون درهما أو دينارا (15)، فلا تصح بالفلوس و لا بالعروض بلا خلاف بينهم، و إن لم يكن عليه دليل سوى دعوى الإجماع.

نعم، تأمل فيه بعضهم (16) و هو في محله لشمول العمومات إلا أن

______________________________

و يشهد لذلك العرف و الوجدان لفرض اعتبار المالية فيهما، فأي مانع بعد ذلك من شمول الأدلة لهما؟

نعم، في خبر السكوني عن الصادق عليه السلام قال: «أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل له على رجل مال فيتقاضاه و لا يكون عنده، فيقول: هو عندك مضاربة، قال عليه السلام:

لا يصلح حتى تقبضه منه» (1)، و لكن لفظ: «لا يصلح»، ليس له ظهور في المنع إن لم يكن ظاهر في الكراهة.

(15) لا دليل عليه إلا الإجماع كما يأتي منه، و لا وجه له لو فرض تحققه لأن الرائج في تلك الأعصار كان الدرهم و الدينار فوقع الإجماع عليه، و لو كانت مثل هذه الأعصار التي يكون المتداول فيها النقود الورقية لوقع الإجماع عليه أيضا و طريق الاحتياط أن يكون بعنوان الجعالة.

(16) و هو كل من لم يعتن بمثل هذه الإجماعات. و الحق ان قدماء أصحابنا «رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين» جمدوا على ما هو في أعصارهم

ص: 235


1- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام المضاربة.

يتحقق الإجماع و ليس ببعيد (17) فلا يترك الاحتياط، و لا بأس بكونه من المغشوش الذي يعامل به (18)، مثل الشاميات و القمري و نحوها.

نعم، لو كان مغشوشا يجب كسره (19) بأن كان قلبا لم يصح (20) و إن كان له قيمة، فهو مثل الفلوس، و لو قال للعامل بع هذه السلعة و خذ ثمنها قارضا لم يصح (21) إلا أن يوكله في تجديد العقد عليه بعد أن نض ثمنه.

______________________________

فصار بذلك تعقيدا في جملة من مسائل الفقه بعدهم، كما لا يخفى على الخبير.

(17) بأن كان غالبا لا من باب التقييد الأبدي.

(18) لفرض جريان المعاملة به و رواجه في السوق، فلا يضر غشه بشي ء من هذه الجهة.

(19) لقوله عليه السلام: في رواية موسى بن بكر بعد ما أخذ الدينار و قطعه نصفين: «القه في البالوعة حتى لا يباع شي ء فيه غش» (1)، و في خبر المفضل:

«اكسرها فإنه لا يحل بيع هذا و لا إنفاقه» (2)، و لا بد و أن يحمل على الغش الذي لا يعامل به، و قد تقدم التفصيل في بيع الصرف مسألة 6 (3).

(20) لما تقدم من وجوب كسره و حرمة المعاملة به في كتاب البيع (مسألة 20) من المكاسب المحرمة (4)، فلا وجه للإطلالة بالتكرار.

(21) الأقسام ثلاثة ..

الأول: أن يكون ذلك بعنوان الوكيل، كما ذكره الماتن فلا إشكال في الصحة حينئذ.

ص: 236


1- الوسائل باب: 86 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الصرف حديث: 5.
3- راجع المجلد الثامن عشر صفحة: 10.
4- تقدم في المجلد السادس عشر صفحة: 62.

الثالث: أن يكون معلوما قدرا و وصفا، و لا تفكي المشاهدة

الثالث: أن يكون معلوما قدرا و وصفا (22)، و لا تفكي المشاهدة و إن زال به معظم الغرر (23).

الرابع: أن يكون معينا، فلو أحضر مالين و قال: «قارضتك بأحدهما

الرابع: أن يكون معينا، فلو أحضر مالين و قال: «قارضتك بأحدهما أو

______________________________

الثاني: أن يكون بعنوان الإذن في المضاربة أعم من السلعة و ثمنها- و هذا مبني على صحة جعل المضاربة في غير النقدين- فتصح سواء جعل نفس السلعة مال المضاربة أو باعها و جعل الثمن مال المضاربة كما مر.

الثالث: أن يكون تعليقا في عقد المضاربة على بيع السلعة و اكتفى بذلك في الإيجاب بأن يرجع الإيجاب إلى قوله: «ضاربتك إن بعت السلعة و نقّدت ثمنه»، فان قلنا بأن مثل هذا التعليق يوجب البطلان فلا يتحقق عقد المضاربة بذلك، و إن قلنا بالعدم كما هو الحق لأن هذا تعليق على مقتضى العقد فتصح المضاربة.

(22) نسب ذلك إلى المشهور بل ادعي عليه الإجماع و شهرتهم و إجماعهم مستند إلى حديث نفي الغرر (1).

و لو فرض إقدام المتعارف على غير المعلوم دقة من حيث القدر و الوصف لا ريب في شمول الإطلاق و العموم له، فلا بد و ان يقيد هذا الشرط بما قلناه، مع أن المضاربة جائزة من الطرفين- كما سيأتي في مسألة 2- و بنائهم على التسامح في العقود الجائزة في الجملة.

(23) لعدم إقدام المتعارف بالنسبة إليه أيضا فلا تشمله الأدلة، بل يشمله حديث نفي الغرر (2)، و لا اختصاص له بالبيع كما مر في محله.

نعم، لو كان الجهالة مما يئول إلى العلم، و كان في معرض ذلك عرفا، و كانا بانيين عليه كمال موضوع في صندوق، فأوقعا المضاربة عليه و فتحا الصندوق و حسبا المال و تسلمه العامل، فلا دليل على بطلانه إلا دعوى أصالة

ص: 237


1- راجع صفحة: 21.
2- راجع صفحة: 21.

بأيهما شئت» لم ينعقد (24) الا أن يعين ثمَّ يوقعان العقد عليه.

نعم، لا فرق بين أن يكون مشاعا أو مفروزا (25) بعد العلم بمقداره و وصفه، فلو كان إملال مشتركا بين شخصين فقال أحدهما للعامل قارضتك بحصتي في هذا المال صح مع العلم بحصته من ثلث أو ربع و كذا لو كان للمالك مائة دينار مثلا فقال: «قارضتك بنصف من هذا المال» صح (26).

______________________________

الفساد. و هي محكومة بأصالة الصحة و الإطلاقات بعد رأي العرف ذلك من المضاربة.

(24) لا دليل عليه إلا دعوى الإجماع، و المتيقن منه على فرض تحققه ما إذا كانت في البين جهالة عرفا و أما مع العدم فمقتضى الإطلاق الصحة، كما لو أحضر عنده ألف دينار عراقي مثلا في مجموعة و ألف آخر في مجموعة أخرى، و قال: قارضتك بأحدهما أو بأيهما شئت، فلا وجه للبطلان، و كذا لو أحضر عنده ألف دينار عراقي و بقدره من نقد دولة أخرى، و كذا لو أحضر عنده ألف دينار و ألفين آخر، مع تحقق سائر شروط المضاربة، و كذا لو قال: ان عملت في السوق الفلاني فخذ هذا الألف، و إن عملت في غيره فخذ الألفين، و الوجه في ذلك كله عدم الجهالة في المضاربة عرفا.

و الظاهر انه ليس المراد بعدم التعيين- في قولهم- المردد من كل حيثية و جهة إذ لا يحتمله أحد فكيف يقع موردا للأغراض المعاملية؟! هذا و لكن طريق الاحتياط أن يكون بعنوان الصلح أو الجعالة.

(25) لظهور الإطلاق و الاتفاق و السيرة العرفية في المضاربات المعهودة عندهم.

و توهم: عدم صدق الإطلاق فلا يصح التمسك به.

باطل: للصدق العرفي وجدانا عند كل أحد، و قد أثبتنا أن المناط في الصدق- و خروج الشبهة عن الموضوعية- العرفي فلا بأس بالتمسك به.

(26) لتحقق المعلومية عرفا في جميع ذلك.

ص: 238

الخامس: أن يكون الربح مشاعا بينهما

الخامس: أن يكون الربح مشاعا بينهما، فلو جعل لأحدهما مقدارا معينا و البقية للآخر أو البقية مشتركة بينهما لم يصح (27).

السادس: تعيين حصة كل منهما، من نصف أو ثلث أو نحو ذلك

السادس: تعيين حصة كل منهما (28)، من نصف أو ثلث أو نحو ذلك الا أن يكون هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق.

______________________________

(27) استدل عليه .. تارة: بالإجماع.

و أخرى: بعدم الوثوق بحصول الزيادة، فلا تتحقق الشركة.

و ثالثة: بالنصوص التي وردت في المضاربة، منها قول أبي الحسن عليه السلام في موثق ابن عمار: «الربح بينهما و الوضعية على المال» (1)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و يمكن الخدشة في الكل أما الإجماع فعهدة تحققه بوجه معتبر على مدعيه و المظنون أن منشأه سائر ما ذكروه في وجه البطلان، و أما عدم الوثوق فلا كلية فيه.

و هو نزاع صغروي، و أما قوله عليه السلام: «الربح بينهما»، فيحتمل فيه وجوه ثلاثة:

الأول: مشترك بينهما.

الثاني: على كل ما جعلاه.

الثالث: بينهما في الجملة و تعين خصوص الأول يحتاج إلى دليل و هو مفقود، و مقتضى قاعدة السلطنة صحة الجميع و طريق الاحتياط في غير صورة الإشاعة أن يكون بنحو الجعالة و التصالح و التراضي، و سيأتي في المساقاة ما ينفع المقام.

(28) أرسلوه إرسال المسلمات بلا خلاف و لا إشكال، و تقتضيه المرتكزات العرفية أيضا سدا لباب النزاع و الخصومة.

ص: 239


1- الوسائل باب: 3 من أبواب المضاربة: 5.

السابع: أن يكون الربح بين المالك و العامل

السابع: أن يكون الربح بين المالك و العامل، فلو شرطا جزءا منه لأجنبي عنهما لم يصح (29).

الا أن يشترط عليه عمل متعلق بالتجارة (30).

نعم، ذكروا أنه لو اشترط كون جزء من الربح لغلام أحدهما صح و لا بأس به، خصوصا على القول بأن العبد لا يملك، لأنه يرجع الى مولاه، و على القول الآخر يشكل (31)، الا أنه لما كان مقتضى القاعدة صحة

______________________________

ثمَّ إن التعيين يتصور على أقسام:

الأول: التعيين في مقابل التردد المحض، تقدم انه لا يقدم عليه أحد.

الثاني: التعيين التفصيلي من كل جهة، و لا دليل على اعتباره من عقل أو نقل.

الثالث: التعيين بحسب الجملة و الإجمال بنحو يجعلونه في الأغراض المعاملية و هذا صحيح، و لا ريب أن هذا مراد الفقهاء أيضا، فيصح أن يقول:

«ضاربتك مثل مضاربة زيد مع عمرو» مع كون هذه المضاربة معلومة لديهما.

(29) نسب ذلك إلى المشهور و استندوا إلى أن قوام المضاربة بأن يكون الربح بين العامل و المالك و هو عين المدعى كما ترى، و يأتي من الماتن أن مقتضى القاعدة الصحة.

و أما أن يقال: أن هذا هو المنساق من النصوص المتقدمة.

و فيه: انها في مقام بيان ما هو الغالب من انهم يجعلون الربح بينهما لا للأجنبي، فليس لنا أن نقول إنما هو الغالب في الخارج من مقومات الحقيقة.

(30) لأنه يصير عاملا و يدخل فيما يأتي من (مسألة 27).

(31) لو قلنا بعدم جواز جعله لثالث يمكن دعوى الانصراف عن هذه الصورة لحكم العرف بأن الغلام تابع لمولاه سواء ملك أم لا.

ص: 240

الشرط حتى للأجنبي (32) و القدر المتيقن من عدم الجواز ما إذا لم يكن غلاما لأحدهما فالأقوى الصحة مطلقا، بل لا يبعد القول به في الأجنبي

______________________________

(32) لعموم أدلة الشروط (1)، و آية التجارة عن تراض، و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (2)، و لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (3)، و لا مانع عنه في البين إلا ما يقال: من أنه خلاف الإجماع، و خلاف مقتضى عقد المضاربة، و يكون من شرط النتيجة و هو باطل.

و الكل مخدوش: .. أما الأول: فهو استنادي اجتهادي كما يظهر من كلماتهم لا أن يكون تعبديا.

و أما الثاني: فعلى فرض التسليم فهو مناف لمقتضى الإطلاق لا أن يكون منافيا لقوام الذات.

و أما الأخير: فقد مر غير مرة انه صحيح فيما إذا كان نفس الشرط كافيا في تحققه، و لم يقم دليل بالخصوص على المنع عنه.

إن قيل: أن بناء المضاربة كما هو الغالب على كون الربح بينهما فإذا شرط للأجنبي يكون خارجا عنها فتبطل.

يقال: نعم، إن أحرز بدليل ان ما ذكر من مقوماتها الذاتية، بحيث إذا انتفى و لو في الجملة تنتفي أصل المضاربة فهو حق لا ريب فيه، و لكن إن كان من مقتضياتها الغالبية مع عدم الشرط فلا محذور في البين، و الشك في انه من أي القسمين يجزي في التمسك بالعمومات و الإطلاقات و جريان أصالة عدم كونه من المقومات الذاتية يكفي في الرجوع إلى الأصل، كما أثبتنا في باب الشروط.

و أما ما عن صاحب الجواهر و تبعه بعض المعاصرين من أن هذه العقود

ص: 241


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث: 4.
2- سورة المائدة: 1.
3- سورة النساء: 29.

أيضا و ان لم يكن عاملا، لعموم الأدلة (33).

الثامن: ذكر بعضهم أنه يشترط أن يكون رأس المال بيد العامل

الثامن: ذكر بعضهم أنه يشترط أن يكون رأس المال بيد العامل، فلو اشترط المالك أن يكون بيده لم يصح، لكن لا دليل عليه (35)

______________________________

الثلاثة أي: المضاربة و المساقاة و المزارعة على خلاف القاعدة فلا بد و إن يقتصر فيها على المتيقن، و المراد بالقاعدة هنا قاعدة تبعية النماء للأصل فخرج من هذه القاعدة في المقام خصوص كون الربح بين العامل و المالك فقط، و بقي الباقي تحت القاعدة فلا يصح مطلقا.

ففيه. أولا: أن هذه القاعدة من القواعد العقلائية تابعة لكيفية الجعل و خصوصية القرار المعاملي بأي نحو يرضى الطرفان، و يكفي في اعتبار هذه القاعدة العامة البلوى عدم ثبوت الردع عنها، و لم يثبت عنها الردع بوجه.

و ثانيا: لا ريب في حكومة قاعدة «الناس مسلطون على أموالهم» على قاعدة التعبية لأن الربح مال المالك فله أن يجعل لمن يشاء و بما يشاء بعد رضا العامل أيضا به، كما هو المفروض إذ الحق بينهما و لهما التوسعة و التضييق ما لم يرد نهي شرعي في البين.

و ثالثا: بأن العقود الثلاثة مما ورد الشرع عليها الا ان يرد من الشرع و في مثله لا بد من الأخذ بالإطلاق مطلقا مع الصدق عرفا ما لم يرد نهي بالخصوص على الخلاف.

و دعوى: عدم الصدق عرفا خلاف الوجدان كما يظهر بأدنى تأمل.

(33) أي: أدلة المضاربة و الشروط فإن عمومها و إطلاقها يشمل الجميع إلا ما نص على التخصيص بدليل معتبر، و الاحتياط في جعل ذلك خارجا عن حقيقة المضاربة و كونه بعنوان التراضي و المصالحة.

(34) هو العلامة رحمه اللّه في قواعده و قد خالف نفسه في تذكرته كما يأتي.

(35) بل مقتضى أصالة الصحة، و كذا الإطلاقات الصحة، و استدل في

ص: 242

فلا مانع أن يتصدى العامل للمعاملة مع كون المال بيد المالك- كما عن التذكرة.

التاسع: أن يكون الاسترباح بالتجارة

التاسع: أن يكون الاسترباح بالتجارة و أما إذا كان بغيرها كأن يدفع اليه ليصرفه في الزراعة- مثلا- و يكون الربح بينهما يشكل صحته، إذ القدر المعلوم من الأدلة هو التجارة (36)، و لو فرض صحة غيرها للعمومات-

______________________________

جامع المقاصد لاعتباره بأن يكون المال بيد غير العامل «خلاف وضع المضاربة».

و فيه: أن المناط كله تسلط العامل على المال بأي وجه كان، فلو كان المال في المصارف و البنوك المجعولة لوضع الأموال فيها و أذن المالك للعامل في الإتجار به فلا بأس، لعمومات الأدلة و إطلاقاتها بعد الصدق العرفي، و ذلك لأن كل عقد يتصور على أقسام:

الأول: إحراز الصدق شرعا و عرفا، و لا ريب في صحة التمسك بإطلاق الأدلة و عموماتها عند الشك في شرطية شي ء فيه لوجود المقتضي و فقد المانع.

الثاني: عدم إحراز الصدق كذلك، و لا ريب في عدم صحة التمسك بهما و المرجع حينئذ أصالة عدم ترتب الأثر.

الثالث: الشك في الصدق كذلك، و هو كالقسم الثاني لعدم صحة التمسك بهما في الشبهات الموضوعية.

الرابع: إحراز الصدق عرفا و الشك في الصدق شرعا و يصح التمسك بهما حينئذ لأن العقود كلها إمضائية فمع الصدق العرفي يتمسك بهما مطلقا في نفي القيدية المشكوكة، و لذا أثبتنا في الأصول أنه لا ثمرة لنزاع الصحيح و الأعم فيها.

الخامس: عكس ذلك و لا يصح التمسك بهما حينئذ، لفرض أنها عرفية إمضائية.

نعم، يصح إزالة الشك العرفي بالتأمل في الصدق الشرعي.

(36) و هو المنساق من المضاربة عرفا و لغة أيضا.

ص: 243

كما لا يبعد- (37) لا يكون داخلا في عنوان المضاربة.

العاشر: أن لا يكون رأس المال بمقدار يعجز المعامل عن التجارة به

العاشر: أن لا يكون رأس المال بمقدار يعجز المعامل عن التجارة به مع اشتراط المباشرة من دون الاستعانة بالغير، أو كان عاجزا حتى مع الاستعانة بالغير و الا فلا يصح، لاشتراط كون العامل قادرا على العمل (38) كما أن الأمر كذلك في الإجارة للعمل فإنه إذا كان عاجزا تكون باطلة (39)، و حينئذ فيكون تمام الربح للمالك (40) و للعامل أجرة عمله مع جهله.

______________________________

و يمكن الإشكال في كلا الدليلين إما الأول فلأنه لا وجه للتمسك بالقدر المتيقن مع وجود الإطلاقات و العمومات في البين مع الصدق العرفي.

و أما الثاني فلأنه مسلم لكنه غالبي.

نعم، لو شك في الصدق العرفي فالمرجع أصالة عدم ترتب الأثر.

(37) لعدم دليل على حصر العقود فيما هو المعهود بل مقتضى العمومات و الإطلاقات صحة كل عقد ما لم يكن دليل بالخصوص على بطلانه.

(38) اشتراط القدرة على العمل شرط عقلي كما في سائر الموارد و لكن الوجوه المتصورة في هذا الشرط ثلاثة:

الأول: أن يكون صرف وجود القدرة شرطا للصحة مطلقا و لو كان عاجزا بالنسبة إلى الجميع.

الثاني: أن تكون القدرة بنحو الوجود الانبساطي شرطا لها فتصح في المقدور و تبطل في غيره.

الثالث: القدرة بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع شرطا لها فتبطل بصرف وجود العجز و لو بالنسبة إلى جزء يسير من المال، و مقتضى الارتكازات العرفية المنزلة عليها الأدلة هو الثاني إلا أن تكون قرينة معتبرة في البين على الأخير.

(39) يجري فيه ما مر في سابقة.

(40) بل يكون الربح منبسطا بالنسبة إلى المقدور و غيره فله من الربح بما

ص: 244

بالبطلان (41)، و يكون ضامنا لتلف المال (42)، الا مع علم المالك بالحال (43).

______________________________

قدر عليه و الأحوط التصالح.

(41) لأصالة احترام العمل فيستحق العوض عند العرف و العقلاء إلا إذا أسقط الشارع أو العامل احترام العمل، و المفروض عدم تحقق ذلك.

هذا حكم الجهل بالبطلان. و أما مع العلم به فهو على أقسام:

الأول: أن يكون متبرعا بالعمل من كل جهة و لا ريب في عدم الاستحقاق حينئذ لمكان الإقدام و التبرع.

الثاني: أن يكون بانيا على أخذ العوض كما في جميع العقود الفاسدة الواقعة بين الناس حيث أن بناؤهم على أخذ العوض و لا ريب في الاستحقاق حينئذ ما لم يرد ردع من الشرع.

الثالث: أن يشك في أن العامل قاصد للتبرع أو لا؟ مقتضى أصالة احترام العمل استحقاق العوض حينئذ.

(42) لا وجه للضمان بالنسبة إلى المقدور لصحة المضاربة و كونه أمينا و كذا لا وجه له بالنسبة إلى غير المقدور، لقاعدة: «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده»، و إن صرح به في الشرائع و المسالك و قيده المحقق الثاني بصورة جهل المالك.

إلا أن يقال: إنه مع عدم القدرة ليس بمضاربة أصلا و مقتضى قاعدة اليد فيه الضمان حينئذ مطلقا.

و فيه: ما لا يخفى و الأحوط التراضي.

(43) لأنه حينئذ إقدام منه على إتلاف ماله بلا ضمان، و لكن قد تقدم غير مرة أن العلم بالفساد لا يوجب المجانية و إسقاط احترام المال.

ص: 245

و هل يضمن حينئذ جميعه، لعدم التميز مع عدم الإذن في أخذه على هذا الوجه، أو القدر الزائد لأن العجز انما يكون بسببه فيختص به، أو الأول إذا أخذ الجميع دفعة، و الثاني إذا أخذ أولا بقدر مقدوره ثمَّ أخذ الزائد و لم يمزجه مع ما أخذه أولا؟ أقوال: أقواها الأخير (44) و دعوى أنه بعد أخذ الزائد يكون يده على الجميع و هو عاجز عن المجموع من حيث المجموع و لا ترجيح الآن لأحد أجزائه إذ لو ترك الأول و أخذ الزيادة لا يكون عاجزا- كما ترى- إذ الأول وقع صحيحا و البطلان مستند الى الثاني (45) و سببه و المفروض عدم المزج. هذا، و لكن ذكر بعضهم (46) أن مع العجز المعاملة صحيحة فالربح مشترك و مع ذلك يكون العامل ضامنا مع جهل

______________________________

(44) الظاهر أنه لا وجه له أصلا أما بناء على بطلان أصل المضاربة و جريان قاعدة: «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده»، فلا وجه للضمان أصلا، و أما بناء على عدم جريان القاعدة فلا بد من الضمان بالنسبة إلى الجميع لقاعدة «اليد»، و أما بناء على ما اخترناه من التبعيض فلا ضمان بالنسبة إلى المقدور لأجل المضاربة الصحيحة و انها لا يضمن بصحيحها، و كذا بالنسبة إلى غير المقدور لأن «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».

(45) مع وحدة المضاربة و عدم تعدده و وقوعها على المجموع كيف يصح هذا التفكيك مع أن نسبة المضاربة إلى الأول و الآخر على حد سواء.

إلا أن يقال: بتحليل عقد المضاربة مع وحدتها صورة إلى عقود كثيرة فتصح بالنسبة إلى المقدور و تبطل بالنسبة إلى غيره، و هو يرجع الى ما قلناه.

و الحق إن كلماتهم غير منقحة في المقام كما لا يخفى على من راجعها من الأعلام.

(46) نقله في الجواهر عن المسالك.

ص: 246

المالك، و لا وجه له لما ذكرنا (47). مع أنه إذا كانت المعاملة صحيحة لم يكن وجه للضمان (48).

ثمَّ إذا تجدد العجز في الأثناء وجب عليه رد الزائد (49)، و الا ضمن (50).

مسألة 1: لو كان له مال موجود في يد غيره أمانة أو غيرها فضاربه

(مسألة 1): لو كان له مال موجود في يد غيره أمانة أو غيرها فضاربه عليها صح (51)، و ان كان في يده غصبا أو غيره مما يكون اليد فيه يد ضمان فالأقوى أنه يرتفع الضمان بذلك (52).

______________________________

(47) قال في الجواهر في المقام: «لعل المتجه في مفروض المسألة الفساد من غير فرق بين حالي العلم و الجهل، و ذلك لمعلومية اعتبار قدرة العامل على العمل في الصحة نحو ما ذكروه في الإجارة ضرورة لغوية التعاقد مع العاجز عن العمل الذي هو روح هذه المعاملة، فضلا عن معلومية بطلان وكالة من هو عاجز عن العمل، إذ هو أولى بذلك من الوصي الذي حكموا ببطلان وصايته مع عجزه عن القيام فيما أوصى به- إلى أن قال- و من ذلك ظهر لك سقوط جملة من الكلمات».

(48) لمنافاة التأمين للتضمين كما مر في كتاب الإجارة و المفروض في المقام ان العامل أمين.

(49) لأن القدرة معتبرة حدوثا و بقاء، فتبطل المضاربة بفقدها و تحقق العجز.

(50) لقاعدة اليد بعد خروجها عن التأمين، و بطلان المضاربة، فالمقتضي للضمان موجود و المانع عنه مفقود.

(51) لتحقق القبض. فيشمله الإطلاق و عدم دليل على قبض مستأنف جديد، كما هو كذلك في قبض العين الموقوفة و المرهونة و بيع الصرف و السلم، و كذا في مثل الوديعة و العارية.

(52) لانقلاب يد الضمان بعد الإذن الى الاستيمان.

ص: 247

لانقلاب اليد حينئذ فينقلب الحكم، و دعوى ان الضمان مغيى بالتأدية و لم تحصل، كما ترى (53)، و لكن ذكر جماعة (54) بقاء الضمان إلا إذا اشترى به شيئا و دفعه الى البائع فإنه يرتفع الضمان به لأنه قد قضى دينه بإذنه، و ذكروا نحو ذلك في الرهن أيضا و أن العين إذا كانت في يد الغاصب فجعله رهنا عنده انها تبقى على الضمان (55). و الأقوى ما ذكرنا في المقامين لما ذكرنا (56).

مسألة 2: المضاربة جائزة من الطرفين يجوز لكل منهما فسخها

(مسألة 2): المضاربة جائزة من الطرفين (57) يجوز لكل منهما فسخها (58) سواء كان قبل الشروع في العمل أو بعده، قبل حصول الربح

______________________________

هذا مضافا إلى ظهور الإطلاق و اتفاقهم على الحكم.

(53) لأن المراد بالتأدية إنما هو استيلاء المالك على ماله و سلطنته عليه و بإذنه في المضاربة يتحقق ذلك.

(54) بل نسبه في الحدائق إلى الشهرة، و لا دليل لهم إلا أصالة بقاء الضمان.

و فيه: انه مع الإذن كيف يجري الأصل لأن الإذن الحاصل و لو بالالتزام يذهب موضوع الأصل كما هو معلوم.

(55) و المدرك في الجميع ما تقدم من أصالة الضمان، و التمسك بقاعدة اليد. و لا وجه لهما كما تقدم.

(56) من انقلاب يد العدوان و ارتفاع الضمان بإذن المالك، سواء حصل إذنه في ضمن العقود اللازمة من الطرفين أو من طرف واحد أو العقود الإذنية كما في المقام، و سواء حصل الإذن بالمطابقة أو بالالتزامات العرفية.

(57) للإجماع، و تسالم الفقهاء عليه: و به يخرج عن أصالة اللزوم في العقود مطلقا.

(58) أي: رفع اليد عنها، فالمالك يرجع عن إذنه و العامل يمتنع عن العمل

ص: 248

أو بعده، نض المال أو كان به عروض، مطلقا كانت أو مع اشتراط الأجل و ان كان قبل انقضائه (59).

نعم، لو اشترط فيها عدم الفسخ الى زمان كذا يمكن أن يقال بعدم جواز فسخها قبله، بل هو الأقوى، لوجوب الوفاء بالشرط (60). و لكن عن

______________________________

في أي وقت شاءا، و أما ما حصل من الربح قبل ذلك فلا يزول حكمه بذلك للأصل.

(59) كل ذلك لقاعدة السلطنة على المال و العمل مع عدم دليل حاكم عليها، و هذا معنى جواز العقد من الطرفين، و لا معنى للجواز إلا صحة رفع اليد عن القرار المعاملي ما لم يعرض ملزم في البين.

(60) و لكن هذا الشرط يتصور على وجوه:

الأول: شرط لزوم المضاربة في مقابل تشريع الجواز لها شرعا.

الثاني: أن يكون الشرط تشديدا للالتزام الحاصل بأصل العقد و نحو توثيق له، و شرط انه لو لم يف المشروط عليه بالشرط كان للشارط رفع العقد من جهتين جهة أصل جوازه و جهة تخلف الشرط، و لا مانع عنه في البين كما إذا اجتمعت خيارات متعددة في البيع مثلا.

الثالث: أن يكون العقد الجائز من مجرد الظرف للشرط من قبيل القضية الحينية فيجب الوفاء به ما دام العقد باقيا، فإذا رفع لأجل جوازه ينتفي موضوع وجوب الوفاء، كما إذا نذر أحد ان يقرأ القرآن ما دام في المسجد فيجوز له الخروج عنه فينتفي موضوع وجوب الوفاء بالنذر.

و لا ريب في بطلان الأول نصا و إجماعا، و في كونه مبطل للعقد بحث معروف من أن الشرط الفاسد مفسد أولا؟ و قد مر تفصيله في كتاب البيع (1).

و أما الأخيرين فلا مانع من شمول عموم الوفاء بالشروط لهما و ليس هذا

ص: 249


1- راجع المجلد السابع عشر صفحة: 232.

المشهور بطلان الشرط المذكور (61). بل العقد أيضا (62)، لأنه مناف لمقتضى العقد (63)،

______________________________

من الشروط الابتدائية التي ادعى الإجماع على عدم وجوب الوفاء بها لأن المتيقن من إجماعهم على فرض اعتباره غير ذلك.

و أما دعوى: أن شرط اللزوم في العقود الجائزة ممتنع لأن لزومه متوقف على لزوم العقد، و المفروض أن لزوم العقد يحصل منه و هو ممتنع.

غير صحيحة: لأن البطلان مسلم إن أريد من ذكر الشرط اللزوم المطلق للعقد من كل جهة للموقوف و الموقوف عليه لا اللزوم التعليقي الإجمالي، فحينئذ يشمله عموم أدلة الشروط بعد عدم شمول إجماعهم لذلك من أن الشروط الابتدائية غير واجبة الوفاء فيجب الوفاء به ما دام العقد باقيا.

(61) إن كان بالوجه الأول مما مر و لا أقل من انه المتيقن من كلامهم، و لا بد في الشهرات و الإجماعات من الأخذ بالمتيقن مع الشك في التعميم و إن كان يظهر من بعض كلماتهم التعميم، و كذا لو قيل بأن تلك الشروط مستلزم للدور و أما بناء على ما تصورناه فلا محذور فيه.

(62) بناء على أن الشرط الفاسد مفسد و هو يصح فيما إذا كان بعنوان التقييد الحقيقي، و أما إن كان بعنوان الالتزام في الالتزام فلا دليل على بطلان العقد، بل مقتضى الإطلاقات و العمومات صحته و إن اقترن بما هو فاسد في نفسه، و تقدم حمل ما عن المشهور على الوجه الأول من أقسام الشروط.

(63) الأقسام ثلاثة:

الأول: ثبوت كون تشريع الجواز اقتضائيا و بنحو العلية التي لا يتغير و لا يتبدل، و لا ريب حينئذ في أن الشرط مخالف لمقتضاه.

الثاني: ثبوت أن ذلك بنحو اللااقتضائي، و لا ريب في صحة الشرط حينئذ لعدم منافاة ما فيه الاقتضاء مع ما هو بنحو اللااقتضاء.

ص: 250

و فيه منع بل هو مناف لإطلاقه (64)، و دعوى أن الشرط في العقود الغير اللازمة غير لازم الوفاء ممنوعة (65).

نعم، يجوز فسخ العقد فيسقط الشرط (66) و إلا فما دام العقد باقيا

______________________________

الثالث: الشك في أنه من أيهما و مقتضى أصالة عدم تشريع العقد بنحو ينافيه الشرط إلحاقه بالقسم الثاني، و قد مر في باب الشرط بعض الكلام فراجع.

(64) لأن الشك في أنه مناف للإطلاق أو للذات يكفي في عدم ثبوت كونه منافيا للذات، لأن المنافاة للإطلاق معلوم على أي تقدير و المنافاة للذات مشكوك فيرجع فيها إلى أصالة عدم المنافاة بالمعنى الذي ذكرناه في باب الشروط في البيع فراجع.

(65) لأنه لم يستدل على هذا المنع إلا بأمور قابلة للخدشة منها دعوى الإجماع.

و فيه: أنه على فرض ثبوته اجتهادي لا أن يكون تعبديا.

و منها: أنه ما لم يجب الوفاء بالعقد الذي اشترط ذلك الشرط كيف يجب الوفاء بالشرط، و ليس ذلك إلا من زيادة الفرع على الأصل.

و فيه: أن لزوم العقد شرعا شي ء و بناء المتعاقدين على إبقائه و عدم رفع اليد عنه شي ء آخر، فما دام الموضوع باقيا و كانا بانيين على عدم رفع اليد عنه يشمل الشرط الذي ذكر فيه عموم الأدلة الدالة على لزوم الوفاء بالشرط.

نعم، لهما رفع اليد عن الموضوع و ازالته و لا منافاة بينه و بين لزوم الشرط مع بقاء الموضوع، كما أن أحكام الزوجية بواجباتها و محرماتها مترتبة على الزوجية، مع انه يجوز للزوج إزالة جميع ذلك متى شاء و أراد بالطلاق، و كذا أحكام الاعتكاف بواجباتها و محرماتها مترتبة عليه مع أنه يجوز للمعتكف رفع اليد عن اعتكافه في اليومين الأولين.

(66) لأنه يصير حينئذ من زوال الحكم بزوال الموضوع، و لا يجري عليه

ص: 251

يجب الوفاء بالشرط فيه (67)، و هذا إنما يتم في غير الشرط الذي مفاده عدم الفسخ مثل المقام فإنه يوجب لزوم ذلك العقد (68) هذا، و لو شرط عدم فسخها في ضمن عقد لازم آخر فلا إشكال في صحة الشرط و لزومه (69) و هذا يؤيد ما ذكرنا من عدم كون الشرط المذكور منافيا لمقتضى العقد، إذ لو كان منافيا لزم عدم صحته في ضمن عقد آخر أيضا (70)، و لو شرط في عقد مضاربة عدم فسخ مضاربة أخرى سابقة صح، و وجب الوفاء به (71). إلا أن يفسخ هذه المضاربة فيسقط الوجوب (72) كما أنه لو اشترط في مضاربة مضاربة أخرى في مال آخر أو

______________________________

حكم الشرط الابتدائي أيضا لانصرافه الى غير المقام، و هو ما إذا ذكر الشرط مستقلا من غير ارتباطه بشي ء.

(67) فيكون كالشرط المذكور في البيع الخياري مثلا، فيجب على الشارط الوفاء به مع أنه يجوز له ازالة الموضوع بفسخ العقد إن كان له الخيار.

(68) تقدم أن شرط عدم الفسخ أعم من لزوم العقد فراجع.

(69) لوجود المقتضى و فقد المانع حينئذ، و لكن و إذا كان الشرط بنحو الوجه الثاني أو الثالث فيما مر في الوجوه الثلاثة المتصورة في ذكر الشرط في المقام دون القسم الأول.

(70) ظهر مما مر أن ذكر الشرط إن كان بنحو الوجه الأول لا يصح في ضمن العقد الآخر أيضا، إن ثبت أن المضاربة علة للجواز لا أن يكون لا اقتضاء بالنسبة إليه.

(71) لما مر من شمول دليل وجوب الوفاء بالشرط في العقود الجائزة أيضا فهذا الفرع و تاليه موافق للدليل و مخالف للمشهور، و طريق الاحتياط في جميع هذه الفروع التصالح و التراضي.

(72) لقاعدة زوال الحكم بزوال موضوعه و زوال كل عرض بانعدام معروضه.

ص: 252

أخذ بضاعة منه أو قرض أو خدمة أو نحو ذلك وجب الوفاء به (73) ما دامت المضاربة باقية، و إن فسخها سقط الوجوب، و لا بد أن يحمل ما اشتهر من أن الشروط في ضمن العقود الجائزة غير لازمة الوفاء على هذا المعنى (74)، و إلا فلا وجه لعدم لزومها مع بقاء العقد على حاله- كما اختاره صاحب الجواهر قدّس سرّه- بدعوى: أنها تابعة للعقد لزوما و جوازا (75)، بل مع جوازه هي أولى بالجواز (76)، و أنها معه شبه الوعد (77)، و المراد من قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ اللازمة منها (78) لظهور الأمر فيها في الوجوب المطلق، و المراد من

______________________________

(73) لما مر آنفا من غير فرق.

(74) و يمكن أن يقال إنّا لا نحتاج إلى هذا الحمل لأنّ عمدة دليلهم على عدم وجوب الوفاء إنما هو الإجماع، و لو تمَّ يكون المتيقن منه هذا المعنى، و إن كان لا يحتمله ظواهر كلماتهم و لكنه لا اعتبار به بعد موافقة الدليل و كثرة الاختلاف في تعبيراتهم كما لا يخفى على من راجعها.

(75) هذا الدليل عين المدعى كما لا يخفى على من تأمل فيه.

(76) لا وجه للأولوية أصلا، لأن دليل وجوب الوفاء بالشرط يشمل الشرط بلا دليل على الخلاف، و أما العقد فثبت جوازه بدليل مخصوص.

(77) هذا أيضا عين المدعى كما لا يخفى.

(78) لا ربط لهذا الاستدلال بالمقام، إذ ليس الكلام في العقد و انما البحث في الشرط المذكور فيه مع البناء على إبقاء العقد، مع أن كون المراد بآية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) خصوص اللازمة من العقود خلاف ما استدل به هو قدّس سرّه و غيره على أصالة اللزوم في كل عقد إلا ما خرج بالدليل فهذه الآية و أمثالها من الأدلة

ص: 253


1- سورة المائدة: 1.

قوله عليه السلام «المؤمنون عند شروطهم» بيان صحة أصل الشرط لا اللزوم (79) و الجواز، إذ لا يخفى ما فيه.

مسألة 3: إذا دفع إليه مالا و قال اشتر به بستانا مثلا أو قطيعا من الغنم

(مسألة 3): إذا دفع إليه مالا و قال اشتر به بستانا مثلا أو قطيعا من الغنم، فإن كان المراد الاسترباح بهما بزيادة القيمة صح مضاربة (80)، و ان كان المراد الانتفاع بنمائهما بالاشتراك ففي صحته مضاربة وجهان: من أن الانتفاع بالنماء ليس من التجارة فلا يصح، و من أن حصوله يكون بسبب الشراء فيكون بالتجارة، و الأقوى البطلان (81) مع إرادة عنوان المضاربة إذ هي ما يكون الاسترباح فيه بالمعاملات و زيادة القيمة (82) لا مثل هذه الفوائد.

______________________________

الثمانية التي ذكروها لإثبات أصالة اللزوم في كل عقد مطلقا إلا ما ثبت خلافه.

(79) هذا خلاف طريقته رحمه اللّه في الاستدلال به على اللزوم في موارد كثيرة من الجواهر و طريقة الفقهاء، بل و خلاف المنساق من ظواهر اللفظ، لأن سياقه بيان الحكم الوضعي و هو اللزوم في فرض صحة الموضوع.

(80) لكونه من المضاربة عرفا و لغة و شرعا فتشمله إطلاقات أدلتها و عموماتها.

(81) تردد المحقق رحمه اللّه في الشرائع و منشأه شمول أدلة المضاربة له و عدمه، و الشك في الشمول يكفي في جريان أصالة عدم ترتب الأثر، و في الجواهر: «لم أجد من جزم بالصحة من أصحابنا».

و فيه: أنه ليس بدليل يصح الاعتماد عليه فكم من حكم لم يجزم به في الطبقة السابقة و جزموا به اللاحقون، و يأتي تنقيح المقام.

(82) لا ريب في أن هذا هو الغالب من المضاربة، و أما كون ذلك مقوما لحقيقتها فهو أول الدعوى، و يمكن أن يقال: ان زيادة القيمة طريق إلى حصول الفائدة و الاسترباح في الاشتراك في المال و العمل فتصح بكل ما حصل فيه هذه

ص: 254

نعم، لا بأس بضمها إلى زيادة القيمة و ان لم يكن المراد خصوص عنوان المضاربة فيمكن دعوى صحته للعمومات (83).

مسألة 4: إذا اشترط المالك على العامل أن يكون الخسارة عليهما

(مسألة 4): إذا اشترط المالك على العامل أن يكون الخسارة عليهما (84) كالربح أو اشترط ضمانه لرأس المال ففي صحته وجهان، أقواهما الأول، لأنه ليس شرطا منافيا لمقتضى العقد- كما قد يتخيل- بل إنما هو مناف لإطلاقه (85) إذ مقتضاه كون الخسارة على المالك و عدم

______________________________

الجهة، سواء كان بالمضاربة الشائعة المعهودة أو بما تكون غير معهودة، و طريق الاحتياط في التراضي.

(83) لعدم دليل على حصر العقود فيما هو المعهود كما مر مرارا، و لا وجه لأصالة عدم ترتب الأثر مع صدق العموم عرفا.

(84) كون الخسارة على العامل يتصور على وجهين:

الأول: أن تتدارك من الربح، و هذا صحيح و متدارك شرط ذلك أو لا، و يكون الشرط حينئذ مؤكدا لما يأتي في (مسألة 35) من أن الربح وقاية لرأس المال.

الثاني: انه لو تلف من رأس المال شي ء و لم يحصل الربح يتدارك العامل ما تلف من كيسه و هذا هو المراد بالبحث في المقام، و من ذلك تظهر الخدشة في قول من قال: (ان هذا الشرط كأنه شرط غير معقول).

(85) البحث فيه.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الأخبار.

و ثالثة: بحسب العرف.

أما الأول فأصالة عدم تقيد المضاربة شرعا بهذا القيد الذي ينافيه هذا الشرط جارية بلا معارض و لا مزاحم، فيصح هذا الشرط بحسب الأصل

ص: 255

ضمان العامل إلا مع التعدي أو التفريط (86).

مسألة 5: إذا اشترط المالك على العامل أن لا يسافر مطلقا

(مسألة 5): إذا اشترط المالك على العامل أن لا يسافر مطلقا، أو الى البلد الفلاني، أو إلا الى البلد الفلاني، أو لا يشتري الجنس الفلاني، أو إلا

______________________________

و بمقتضى ما ذكرنا مرارا من أن مثل المضاربة بالنسبة إلى هذه الشروط لا اقتضائي لا أن يكون مقتضيا لعدمها بنحو العلية التامة.

و أما الثاني: فمنها قول الصادق عليه السلام في موثق ابن عمار: «الربح بينهما و الوضيعة على المال» (1)، و قوله عليه السلام: «له من الربح و ليس عليه من الوضيعة شي ء إلا أن يخالف أمر صاحب المال» (2)، و هذه الاخبار تحتمل وجوها:

الأول: أن تكون بيانا لحقيقة المضاربة عرفا و لغة و شرعا بحيث ينافيه تقييد خلافه.

الثاني: أن تكون بيانا للحكم الشرعي التعبدي لمطلق ما يسمى مضاربة عرفا.

الثالث: أن تكون حكما شرعيا للمضاربة المطلقة لا مطلق المضاربة، و المنساق منها عرفا هو أحد الأخيرين، و إثبات غيره يحتاج إلى دليل و هو مفقود، بل يمكن أن يقال أن المنصرف منها خصوص الأخير، و الشك في إرادة غيرها يكفي في عدم جواز التمسك بهذه الأخبار لإرادة الوجه الأول فيصح الشرط بحسب المنساق من الأخبار أيضا.

و أما الثالث: فمقتضى بنائهم على صحة كل شرط في كل قرار معاملي بينهم إلا إذا ثبت الردع عنه بدليل معتبر، فيصح الشرط بحسب العرف أيضا لفرض عدم ثبوت الردع.

(86) لأنه لا ريب في الضمان من جهة العدوان بالأدلة الأربعة.

ص: 256


1- الوسائل باب: 3 من أبواب المضاربة: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب المضاربة: 4 و 1.

الجنس الفلاني، أو لا يبيع من زيد مثلا، أو إلا يشتري من شخص، أو إلا من شخص معين، أو نحو ذلك من الشروط فلا يجوز له المخالفة (87)، و إلا ضمن المال لو تلف بعضا أو كلا و ضمن الخسارة مع فرضها (88)، و مقتضى القاعدة و إن كان كون تمام الربح للمالك على فرض إرادة القيدية (89) إذا أجاز المعاملة، و ثبوت خيار تخلف الشرط

______________________________

(87) كل ذلك لعموم وجوب الوفاء بالشرط في كل قرار معاملي- لازما كان أو جائزا- لأن مثل هذا الشرط يصير من سنخ المقومات لهذا القرار المعاملي، و لعدم جواز التصرف في مال الغير إلا بالقيد الذي قيد الإذن في التصرف فيه بذلك القيد، و هذا وجداني لكل عاقل فحينئذ لا ريب في بطلان تصرفه إن خالف.

(88) كل ذلك لقاعدة: «اليد» و عدم دليل حاكم عليها، و قاعدة تضمين الأمين لا تجري في المقام لفرض خروجه عن الأمانة بالتعدي و التصرف فيما لم يأذن فيه.

مضافا إلى النص الوارد- على طبق القاعدة- عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: «سألته عن الرجل يعطي المال مضاربة و ينهى أن يخرج به فخرج؟ قال عليه السلام: يضمن المال و الربح بينهما» (1)، و مثله غيره.

(89) تكرر مكررا أن القيد المتعارف.

تارة: يلحظ بنحو التقوم الذاتي.

و أخرى: بنحو الالتزام الخارج عن حقيقة الذات لكن بنحو الالتزام الوضعي.

و ثالثة: خارجة عن حقيقة الذات لكن بنحو الموضوع للحكم التكليفي فقط، فيصير مثل إيجاب شي ء في واجب آخر من دون أن يكون قيدا أو شرطا.

ص: 257


1- الوسائل باب: 1 من أبواب المضاربة: 4.

على فرض كون المراد من الشرط التزام في الالتزام (90) و كون تمام الربح له على تقدير الفسخ، إلا ان الأقوى (91) اشتراكهما في الربح على ما قرر، لجملة من الأخبار (92) الدالة على ذلك، و لا داعي إلى حملها على بعض

______________________________

و في الأول: يتعين البطلان و في الثاني يثبت الخيار.

و في الأخير: لا هذا و لا ذاك و انما يتحقق الإثم فقط، و يصح انطباق الثلاثة على المورد و على كل مورد يكون من هذا السنخ.

(90) عن بعض مشايخنا: «أن الالتزام في الالتزام انما يكون في العقود اللازمة دون الإذنية، إذ ليس فيها التزام حتى يتصور فيها الالتزام في الالتزام».

و فيه: أن المقام مثل البيع الخياري الذي يتحقق فيه الشرط، فكما أنه صحيح و جائز مع كون العقد جائزا، فأي فرق بينهما مع جواز العقد في كل منهما حتى يتصور الالتزام في الالتزام في العقود الجائزة الخيارية دون الإذنية مع اشتراكهما في الجواز، و لا ريب في أن للالتزام مراتب متفاوتة و تشمل تلك المراتب العقود اللازمة و الخيارية و الإذنية.

(91) نسب ذلك إلى المشهور بين الأصحاب أيضا.

(92) و هي كثيرة منها الصحاح المشتملة على أنه إذا خالف أمر المالك أو نهيه أو شرطه فهو ضامن و الربح بينهما، ففي صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «سألته عن الرجل يعطي المال مضاربة، و ينهي أن يخرج به فخرج؟ قال عليهما السلام: يضمن المال و الربح بينهما» (1)، و في صحيح أبي الصباح

ص: 258


1- الوسائل باب: 1 من أبواب المضاربة: 1.

المحامل (93) و لا إلى الاقتصار على مواردها (94) لاستفادة العموم من بعضها الآخر (95).

______________________________

الكناني عن أحدهما عليه السلام: «في الرجل يعمل بالمال مضاربة، قال عليه السلام: له الربح و ليس عليه من الوضيعة شي ء إلا أن يخالف عن شي ء مما أمر صاحب المال» (1)، إلى غير ذلك من الأخبار، و يمكن كونها مطابقة للقاعدة أيضا لأن مخالفة تلك الشروط موجبة لخروج العامل عن الأمانة، و لا ريب في أن الغرض من المضاربة انما هو الاسترباح و استنماء المال، و ذكر الشروط انما هو لزعم أن الربح يكون مع ذلك الشرط لا بدونه فلا أثر لمثل هذا القسم من الشرط في الواقع إلا خروج العامل من الأمانة إلى المخالفة بحسب الظاهر، فيصير مثل هذه الشروط من سنخ تخلف الداعي الذي لا يوجب البطلان و لا الخسارة.

(93) كحمل الاشتراط على إرادة الضمان إن تخلف مع كون الإذن في أصل المضاربة مطلقا غير مقيد به، و ربما يستظهر ذلك من صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام: «في المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح و ليس عليه من الوضعية شي ء إلا أن يخالف أمر صاحب المال، فإن العباس كان كثير المال و كان يعطي الرجال يعملون به مضاربة و يشترط عليهم أن لا ينزلوا بطن واد و لا يشتروا ذا كبد رطبة فإن خالفت شيئا مما أمرتك به فأنت ضامن المال» (2).

(94) و هو مخالفة المالك في أمره بالسفر إلى جهة خاصة أو مخالفة أمره باشتراء شي ء خاص بعينه، و الحق أن هذا الاقتصار من الجمود الذي لا وجه له و ان استظهر ذلك من عبارة الشرائع حيث اقتصر على ذكر مخالفة المالك في السفر و مخالفة أمره في اشتراء شي ء خاص بعينه، مع ما اشتهر من أن المورد لا يكون مخصصا لعموم الحكم.

(95) ففي صحيح جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل دفع الى رجل

ص: 259


1- الوسائل باب: 1 من أبواب المضاربة: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب المضاربة: 7.

مسألة 6: لا يجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر لنفسه

(مسألة 6): لا يجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر لنفسه أو غيره (96)، إلا مع إذن المالك عموما- كأن يقول اعمل به على حسب ما تراه مصلحة إن كان هناك مصلحة- أو خصوصا (97) فلو خلط بدون الإذن ضمن التلف (98) إلا أن المضاربة باقية و الربح بين المالين على

______________________________

مالا يشتري به ضربا من المتاع مضاربة فذهب فاشترى به غير الذي أمره، قال عليه السلام: هو ضامن و الربح بينهما على ما شرط» (1)، و في صحيح الكناني قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المضاربة يعطي الرجل المال يخرج به إلى الأرض، و ينهى أن يخرج به الى أرض غيرها، فعصى فخرج به إلى أرض أخرى فعطب المال؟ فقال عليه السلام: هو ضامن فإن سلم فربح فالربح بينهما» (2)، فإن الظاهر إطلاقها لكل مورد.

(96) لعدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه و بما أذن فيه.

(97) لوجود المقتضى للجواز حينئذ و فقد المانع عنه.

إلا أن مثل هذه الشروط من الملاك يتصور على أقسام:

الأول: ما يكون شرطا مقبولا عند العقلاء و أقدم على مثل هذا الشرط متعارف الناس أيضا.

الثاني: ما إذا كان للمالك غرض عقلائي شخصي في مثل هذا الشرط.

الثالث: ما إذا كان من مجرد الاقتراح الذي لم يقدم عليه نوع العقلاء مع أن العامل لا يرى المصلحة فيه فهل يجب متابعة هذا الشرط أو لا؟.

و هذا يجري في جميع الشروط المذكورة في الباب.

(98) لتحقق التعدي الموجب لخروجه عن الاستيمان فيوجب الضمان لا محالة.

ص: 260


1- الوسائل باب: 1 من أبواب المضاربة: 9.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب المضاربة حديث: 6.

النسبة (99).

مسألة 7: مع إطلاق العقد يجوز للعامل التصرف على حسب ما يراه

(مسألة 7): مع إطلاق العقد يجوز للعامل التصرف على حسب ما يراه من حيث البائع و المشتري و نوع الجنس المشترى (100)، لكن لا يجوز له أن يسافر من دون إذن المالك (101)، إلا إذا كان هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق و ان خالف فسافر فعلى ما مر في المسألة المتقدمة (102).

مسألة 8: مع إطلاق العقد و عدم الإذن في البيع نسيئة لا يجوز له ذلك

(مسألة 8): مع إطلاق العقد و عدم الإذن في البيع نسيئة لا يجوز له ذلك (103) إلا أن يكون متعارفا ينصرف إليه الإطلاق (104).

و لو خالف في غير مورد الانصراف فإن استوفى الثمن قبل اطلاع المالك فهو (105).

______________________________

(99) للنصوص التي تقدم بعضها، مضافا إلى الإجماع.

(100) لأنه لا وجه للإطلاق إلا ذلك مضافا إلى ظهور الاتفاق، و يمكن أن يستفاد من سياق الأخبار المتقدمة.

(101) لما مر من عدم جواز التصرف في مال الغير إلا فيما هو المأذون فيه إلا إذا كان الإطلاق شاملا له أيضا.

(102) فيتحقق الضمان و الربح بينهما، و في الصحيح: «سألته عن الرجل يعطي المال مضاربة، و ينهي أن يخرج به فخرج؟ قال عليه السلام: يضمن المال و الربح بينهما» (1).

(103) يكفي الشك في الإذن في عدم جواز التصرف، لأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بالإذن من صاحب المال.

(104) فيجوز حينئذ لوجود المقتضى و فقد المانع فتصح النسيئة.

(105) لتبدل النسيئة بالحلول و استيفاء الثمن فتصح المضاربة، كما يأتي في

ص: 261


1- الوسائل باب: 1 من أبواب المضاربة: 1.

و إن أطلع المالك قبل الاستيفاء فإن أمضى فهو (106)، و إلا فالبيع باطل (107) و له الرجوع على كل من العامل و المشتري (108) مع عدم وجود المال عنده أو عند مشتر آخر منه (109). فإن رجع على المشتري بالمثل أو القيمة لا يرجع هو على العامل، إلا أن يكون مغرورا من قبله (110) و كانت القيمة أزيد من الثمن فإنه حينئذ يرجع بتلك الزيادة عليه (111). و إن رجع على العامل يرجع هو على المشتري

______________________________

(مسألة 34) فلا وجه لبطلانها و احتياجها إلى اجازة المالك.

نعم، لو كان في نفس النسية من حيث هي غرض عقلائي و فات ذلك الغرض تحتاج صحة المضاربة حينئذ إلى إجازة المالك، و منه يظهر انه لا وجه للتقييد بقبل اطلاع المالك فتصح المضاربة بعد استيفاء الثمن، و لو كان بعد اطلاعه بل هذه الصورة أولى بالصحة، لأنه يمكن رضا المالك بما وقع بعد اطلاعه و سكوته.

(106) فتصح المضاربة لاستجماع شرائط الصحة.

(107) لصدوره بلا إذن من له الإذن.

(108) لجريان يد الجميع على ماله فيجري عليه حكم تعاقب الأيادي على مال المالك.

(109) مع تحقق التفريط من العامل الموجب للضمان، بلا فرق بين وجود المال و عدمه فمع وجوده و تعاقب الأيادي عليه يرجع المالك إلى كل من شاء في أخذ عين ماله، و مع التلف يرجع الى المثل أو القيمة.

(110) أما عدم رجوع المشتري على العامل فلكون التلف تحت يده فيكون قرار الضمان عليه، و هذا هو حكم جميع موارد تعاقب الأيادي من رجوع كل سابق إلى اللاحق دون العكس، و أما رجوعه إليه في صورة الغرور من قبله فلقاعدة أن «المغرور يرجع إلى من غره».

(111) لأن الغرور انما حصل بالنسبة إلى الزيادة فقط، و أما بالنسبة إلى

ص: 262

بما غرم (112) إلا أن يكون مغرورا منه (113) و كان الثمن أقل فإنه حينئذ يرجع بمقدار الثمن (114).

مسألة 9: في صورة إطلاق العقد لا يجوز له أن يشتري بأزيد من قيمة المثل

(مسألة 9): في صورة إطلاق العقد لا يجوز له أن يشتري بأزيد من قيمة المثل، كما أنه لا يجوز أن يبيع بأقل من قيمة المثل (115)، و إلا بطل (116).

نعم، إذا اقتضت المصلحة أحد الأمرين لا بأس به (117).

______________________________

مقدار الثمن فقد أقدم المشتري بنفسه على ضمان المبيع به فلا غرور فيه.

(112) يعني: إن رجع المالك الى العامل يرجع العامل إلى المشتري بما غرم للمالك، لكون المال تحت يد المشتري و كون التلف عنده، و لقاعدة: «رجوع كل سابق إن رجع إليه المالك إلى اللاحق في الأيادي المتعاقبة»، كما فصلناها في كتاب البيع.

(113) أي يكون المشتري مغرورا من العامل.

(114) أما الرجوع بمقدار الثمن فلفرض كون التلف في يد المشتري و عدم الغرور بالنسبة إليه، بل هو أقدم على أخذ المبيع بالثمن فلا بد له من دفعه إن لم يدفعه سابقا و الا فلا شي ء عليه بالنسبة إلى الثمن، و أما عدم الرجوع بالزيادة على الثمن فلفرض أن المشتري مغرور من العامل فلا وجه لرجوع العامل عليه فيغرمها العامل بلا رجوع منه إلى أحد.

(115) لعدم الإذن في الصورتين، مضافا إلى الإجماع على عدم الجواز فيهما.

(116) أي: تتوقف الصحة على إجازته فإذا أجاز صح.

(117) لشمول الإذن له حينئذ إن كان بما هو المتعارف، لأن الإذن و الإطلاق منزل على ما هو الشائع و المفروض أن ما فيه المصلحة هو كذلك، و أما إذا كان على خلاف المتعارف فهو مشكل إن لم يكن ممنوعا.

ص: 263

مسألة 10: لا يجب في صورة الإطلاق أن يبيع بالنقد

(مسألة 10): لا يجب في صورة الإطلاق أن يبيع بالنقد (118)، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر (119)، و قيل بعدم جواز البيع (120) إلا بالنقد المتعارف، و لا وجه له إلا إذا كان جنسا لا رغبة للناس فيه غالبا (121).

مسألة 11: لا يجوز شراء المعيب إلا إذا اقتضت المصلحة

(مسألة 11): لا يجوز شراء المعيب (122) إلا إذا اقتضت المصلحة (123)، و لو اتفق فله الرد أو الأرش على ما تقتضيه المصلحة (124).

مسألة 12: المشهور- على ما قيل- أن في صورة الإطلاق يجب أن يشتري بعين المال

(مسألة 12): المشهور- على ما قيل- أن في صورة الإطلاق يجب أن يشتري بعين المال (125)، فلا يجوز الشراء في الذمة (126)، و بعبارة أخرى يجب أن يكون الثمن شخصيا من مال المالك لا كليا في الذمة

______________________________

(118) أي بنقد البلد، و لكنه مشكل مع كون البيع به شائعا متعارفا.

(119) إن كان هذا شائعا بين الناس.

(120) قال في الشرائع: «يقتضي إطلاق الإذن البيع نقدا بثمن المثل من نقد البلد»، و الظاهر أن مراده ما إذا انصرف الإذن إليه و لا نزاع في البين لاتفاق الكل على اعتبار نقد البلد حينئذ.

(121) بحيث لا يشمله إطلاق الإذن.

(122) لعدم الإذن أو الشك في شموله له.

(123) لصحة استكشاف الإذن من المصلحة مضافا إلى ظهور الإجماع.

(124) لأن العامل كوكيل المالك لا بد له من مراعاته لمصلحة الموكل مهما أمكنه.

(125) صرح بذلك في الشرائع، و كذا في اللمعة و حيث أن الشهيد التزم بأن لا يذكر الا المشهور يمكن استفادة الشهرة من ذكره رحمه اللّه.

(126) مقالة المشهور على فرض صحة النسبة إليهم تحتمل وجوها:

الأول: الشراء في ذمة المالك مستقلا و إثبات شي ء في ذمته و إلزامه

ص: 264

و الظاهر أنه يلحق به الكلي في المعين أيضا (127)، و علل ذلك بأنه القدر المتيقن، و أيضا الشراء في الذمة قد يؤدي إلى وجوب دفع غيره (128)، كما إذا تلف رأس المال قبل الوفاء و لعل المالك غير راض بذلك، و أيضا إذا اشترى بكلي في الذمة لا يصدق على الربح أنه ربح مال المضاربة، و لا يخفى ما في هذه العلل (129) و الأقوى- كما هو المتعارف- جواز الشراء في الذمة و الدفع من رأس المال (130) ثمَّ إنهم لم يتعرضوا لبيعه،

______________________________

بتأديته، إن لم يكن أداؤه من مال المضاربة.

الثاني: شراؤه في ذمته بقيد أدائه من مال المضاربة.

الثالث: الشراء في ذمة العامل من حيث أنه عامل المضاربة، و يرجع هذا الى الثاني كما يأتي و لا ريب في بطلان الأول، و أما الأخيران فلا وجه لبطلانهما و يمكن أن يكون مراد المشهور هو الأول أيضا، فلا وجه للإشكال عليه لاتفاق الكل على بطلانه، و حينئذ فيصير النزاع لفظيا فمن يقول بالبطلان يريد الأول و هو المتفق عليه بينهم كما قلنا، و من يستظهر منه الصحة يريد أحد الأخيرين و تأتي وجوه أخرى في كلام الماتن.

(127) لا وجه للإلحاق بناء على ما قلنا، و كذا بناء على ما استظهره رحمه اللّه لأن المتيقن من أدلتهم على فرض ما إذا كان الشراء في الذمة المحضة لا فيما إذا كانت له خارجية، و لو في الجملة كالكلي في المعين.

(128) قد ذكر الوجهان في الجواهر.

(129) إذ الأول مردود بظهور الإطلاق في الكلمات، و الثاني بأنه يمكن ثبته و ضبطه بما لا يؤدي إلى الخلاف، و الأخير بأنه مخالف للصدق العرفي، فإن العرف يراه مال المضاربة و لو بالنظر المسامحي.

(130) بناء على ما قلناه من الاحتمال في كلام المشهور يكون هذا مسلما بينهم، و بلا إشكال فيه لديهم.

ص: 265

و مقتضى ما ذكروه وجوب كون المبيع أيضا شخصيا لا كليا (131) ثمَّ الدفع من الأجناس التي عنده، و الأقوى فيه أيضا جواز كونه كليا و إن لم يكن في التعارف مثل الشراء. ثمَّ إن الشراء في الذمة يتصور على وجوه:

أحدها: أن يشتري العامل بقصد المالك و في ذمته من حيث المضاربة.

الثاني: أن يقصد كون الثمن في ذمته من حيث إنه عامل و وكيل عن المالك و يرجع الى الأول، و حكمها الصحة و كون الربح مشتركا بينهما على ما ذكرنا، و إذا فرض تلف مال المضاربة قبل الوفاء كان في ذمة المالك يؤدي من ماله الآخر (132).

الثالث: أن يقصد ذمة نفسه و كان قصده الشراء لنفسه و لم يقصد الوفاء حين الشراء من مال المضاربة ثمَّ دفع منه، و على هذا الشراء صحيح (133) و يكون غاصبا في دفع مال المضاربة من غير إذن المالك إلا إذا كان مأذونا في الاستقراض و قصد القرض (134).

الرابع: كذلك لكن مع قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين الشراء

______________________________

(131) يمكن أن يقال أن غلبة وقوع ذلك في الخارج منعهم عن التعرض له، و إلا فمقتضى الإطلاق صحة ذلك أيضا.

(132) بحيث يعد ذلك من فروع المضاربة و متمماتها حتى لا يحتاج الى عقد مضاربة جديدة بعد ذلك.

(133) لأصالة الصحة، و لكنه يخرج عن عنوان المضاربة حينئذ لفرض صحة الشراء لنفسه فيخرج عن كونه عاملا للمضاربة لو لم يكن في البين قرينة على الخلاف كما هو المفروض.

(134) أو يبيع ما اشتراه لنفسه عن المالك بقصد الوفاء بمال المضاربة، أو غير ذلك مما يصح انتسابه الى المالك.

ص: 266

حتى يكون الربح له (135)، فقصد نفسه حيلة منه، و عليه يمكن الحكم بصحة الشراء (136) و إن كان عاصيا في التصرف في مال المضاربة من غير إذن المالك و ضامنا له بل ضامنا للبائع أيضا حيث إن الوفاء بمال الغير غير صحيح (137)، و يحتمل القول ببطلان الشراء لأن رضى البائع مقيد بدفع الثمن (138) و المفروض أن الدفع بمال الغير غير صحيح فهو بمنزلة السرقة كما ورد في بعض الأخبار أن من استقرض و لم يكن قاصدا للأداء فهو سارق، و يحتمل صحة الشراء و كون قصده لنفسه لغوا بعد أن كان بناؤه الدفع من مال المضاربة فإن البيع و إن كان بقصد نفسه وكيلا في ذمته إلا أنه ينصب على هذا الذي يدفعه فكأن البيع وقع عليه (139)، و الأوفق بالقواعد الوجه الأول (140)، و بالاحتياط الثاني، و أضعف الوجوه الثالث (141)، و إن لم يستبعده الآقا البهبهاني قدّس سرّه.

______________________________

(135) بناء على عدم جريان قاعدة تبعية النماء للمال في المقام لأجل قصد نفسه و هو مبني على تقديم قصد نفسه على القاعدة، و هذا أول الكلام و يأتي من الماتن الإشارة الى ما قلناه.

(136) لما مر من أصالة الصحة لو لا ما مر من قاعدة تبعية النماء للمال.

(137) أي: بلا اجازة من المالك.

(138) نعم، و لكن غير مقيد بدفع الثمن من خصوص مال المضاربة و لو كان مقيدا به لا وجه للبطلان أيضا لمكان قاعدة التبعية.

(139) فيكون من تعيين الكلي في المعين بقرينة كونه عاملا و مال المضاربة بيده، و يمكن وجود قرائن أخرى في البين.

(140) و إليه يرجع الوجه الثاني، بل و بعض الوجوه الأخر لجريان قاعدة التبعية بناء على ما قلناه.

(141) لو لا قاعدة التبعية.

ص: 267

الخامس: أن يقصد الشراء في ذمته من غير التفات إلى نفسه و غيره (142)، و عليه أيضا يكون المبيع له، و إذا دفعه من مال المضاربة يكون عاصيا (143)، و لو اختلف البائع و العامل في أن الشراء كان لنفسه أو لغيره و هو المالك المضارب يقدم قول البائع، لظاهر الحال (144). فيلزم بالثمن من ماله و ليس له إرجاع البائع إلى المالك المضارب (145).

مسألة 13: يجب على العامل بعد تحقق عقد المضاربة ما يعتاد بالنسبة إليه

(مسألة 13): يجب على العامل بعد تحقق عقد المضاربة ما يعتاد بالنسبة إليه و إلى تلك التجارة في مثل ذلك المكان و الزمان من العمل، و تولي ما يتولاه التاجر لنفسه من عرض القماش و النشر و الطي و قبض الثمن و إيداعه في الصندوق و نحو ذلك مما هو اللائق و المتعارف (146)،

______________________________

(142) يمكن إرجاعه إلى الوجه الثاني إذا كان الاشتراء بما هو عامل مع أن مقتضى قاعدة التبعية كون الربح للمال.

(143) أو لم تجر العادة على مثل هذه التصرفات في مال المضاربة، و كذا فيما مر مما حكم قدّس سرّه فيه بالعصيان.

(144) ذكره المحقق رحمه اللّه في الشرائع و تبعه غيره، و إطلاقه ممنوع إلا إذا حصل الاطمئنان العادي منه كما في سائر الموارد التي يعتمد فيها على ظاهر الحال.

نعم، يمكن أن يقال أن قصده مما لا يعرف إلا من قبله، و في مثله جرى بناؤهم على تقديم قول القاصد، مع أن ظاهر إضافة البيع الى نفسه يقتضي ذلك أيضا و لكنهما على إطلاقهما مشكل في موارد الخصومات.

(145) إن ثبت دعوى البائع بحجة معتبرة و لم ير المالك المضارب قلب المعاملة إلى نفسه، و إلا فالظاهر الجواز فيما إذا أعطي العامل الثمن من مال المالك المضارب.

(146) كل ذلك لفرض جريان العرف و العادة بذلك و أدلة المضاربة منزلة

ص: 268

و يجوز له استئجار من يكون المتعارف استئجاره مثل الدلال و الحمال و الوزان و الكيال و غير ذلك (147)، و يعطي الأجرة من الوسط (148)، و لو استأجر فيما يتعارف مباشرته بنفسه فالأجرة من ماله (149) و لو تولى بنفسه ما يعتاد الاستئجار له فالظاهر جواز أخذ الأجرة إن لم يقصد التبرع (150)، و ربما يقال بعدم الجواز، و فيه أنه مناف لقاعدة احترام عمل المسلم المفروض عدم وجوبه عليه (151).

مسألة 14: قد مر أنه لا يجوز للعامل السفر من دون إذن المالك

(مسألة 14): قد مر أنه لا يجوز للعامل السفر من دون إذن المالك (152)، و معه فنفقته في السفر من رأس المال (153)، إلا إذا اشترط

______________________________

على العرفيات، و ربما يكون العامي أعرف بها من الفقيه فلا وجه لبسط قولهم في هذه الأمور

(147) لما تقدم في سابقة من غير فرق.

(148) لأنه المطلوب على كل حال و في جميع الأحوال.

(149) لأنه خلاف المأذون فيه حينئذ و حيث لا اذن فلا بد من الخسارة في ماله.

(150) لشمول إطلاق عقد المضاربة و جواز أخذ الأجرة على العمل المحترم نفسه أيضا.

(151) و عدم قصده التبرع و حصول التسبيب في الجملة من المالك فهذا العمل في الحقيقة يكون مما استوفاه المالك تسبيبا فلا يعقل وجه لعدم الضمان حينئذ.

(152) لأنه تصرف في مال الغير بدون اذنه و هو حرام بالأدلة الأربعة كما تقدم مكررا.

(153) لأن الإذن في الشي ء اذن في لوازمه المتعارفة، و لظهور الإجماع، و لما يأتي من صحيح ابن جعفر.

ص: 269

المالك كونها على نفسه (154)، و عن بعضهم (155)، كونها على نفسه مطلقا، و الظاهر أن مراده فيما إذا لم يشترط كونها من الأصل (156)، و ربما يقال له تفاوت ما بين السفر و الحضر (157)، و الأقوى ما ذكرنا من جواز أخذها من أصل المال بتمامها من مأكل و مشرب و ملبس و مسكن و نحو ذلك مما يصدق عليه النفقة، ففي صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السلام: في المضارب ما أنفق في سفره فهو من جميع المال فإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه، هذا و أما في الحضر فليس له أن يأخذ من رأس المال شيئا (158)، إلا إذا اشترط على المالك ذلك.

مسألة 15: المراد بالنفقة ما يحتاج إليه من مأكول و ملبوس

(مسألة 15): المراد بالنفقة ما يحتاج إليه من مأكول و ملبوس و مركوب و آلات يحتاج إليها في سفره و أجرة المسكن و نحو ذلك (159)،

______________________________

(154) فيكون عليه حينئذ لمكان الشرط.

(155) نسب ذلك إلى الشيخ بدعوى: أن بناء العامل في المضاربة كون مقدار من الربح له فقط، و حينئذ فجميع ما يصرف في تحصيله يكون عليه.

و فيه .. أولا: أنه مع تصريح المالك و بناء المتعاملين على كون النفقة لأحدهما فقط كيف تصح هذه الدعوى؟! و ثانيا: إن بناء العامل في المضاربة كون مقدار من الربح له و الخسارة إما على المالك أو عليهما، فلا يتصور وجه لقوله رحمه اللّه مطلقا.

(156) بل هو المتعين على ما قلناه.

(157) نسب ذلك إلى الشيخ أيضا بدعوى أن التفاوت هو الذي حصل بالسفر المأذون فيه فيشمله الإذن دون غيره.

و فيه: أن المتعارف و السيرة على خلافه.

(158) لأصالة حرمة التصرف في مال الغير إلا بإذن صريح أو نص صحيح.

(159) لحكم العرف بأن ذلك كله من نفقة السفر.

ص: 270

و أما جوائزه و عطاياه و ضيافاته و مصانعاته فعلى نفسه (160)، إلا إذا كانت التجارة موقوفة عليها (161).

مسألة 16: اللازم الاقتصار على القدر اللائق

(مسألة 16): اللازم الاقتصار على القدر اللائق، فلو أسرف حسب عليه (162).

نعم، لو قتر على نفسه أو صار ضيفا عند شخص لا يحسب له (163).

مسألة 17: المراد من السفر، العرفي، لا الشرعي

(مسألة 17): المراد من السفر، العرفي (164)، لا الشرعي فيشمل السفر فرسخين أو ثلاثة، كما أنه إذا أقام في بلد عشرة أيام أو أزيد كان نفقته من رأس المال لأنه في السفر عرفا.

نعم، إذا أقام بعد تمام العمل لغرض آخر مثل التفرج أو لتحصيل مال له أو لغيره مما ليس متعلقا بالتجارة فنفقته في تلك المدة على نفسه (165)، و إن كان مقامه لما يتعلق بالتجارة و لأمر آخر بحيث يكون كل منهما علة مستقلة لو لا الآخر، فإن كان الأمر الآخر عارضا في البين فالظاهر جواز أخذ

______________________________

(160) لعدم كونها من نفقة السفر عرفا فالأقسام ثلاثة، ما يعلم أنه من نفقة السفر، و ما يشك في أنه من نفقته، و ما يعلم بأنه ليس منها، و لا يجوز الأخذ إلا في الأول.

(161) فتكون من نفقة التجارة حينئذ كما يهدي إلى الظالم لئلا يمنع عن التجارة و لأن يسهل طريقها.

(162) لعدم الإذن فيكون ضامنا.

(163) لأن المناط في النفقة الصرف الفعلي لا الاقتضائي.

(164) لأنه المنصرف عند العرف و الأدلة منزلة عليه إلا مع وجود الدليل على الخلاف و هو مفقود.

(165) لعدم كون إقامته لأجل ما يتعلق بالتجارة، فلا تصرف النفقة حينئذ من رأس المال.

ص: 271

تمام النفقة من مال التجارة (166)، و إن كانا في عرض واحد ففيه وجوه:

ثالثها التوزيع (167)، و هو الأحوط في الجملة، و أحوط منه كون التمام على نفسه، و إن كانت العلة مجموعهما بحيث يكون كل واحد جزءا من الداعي فالظاهر التوزيع (168).

مسألة 18: استحقاق النفقة مختص بالسفر المأذون فيه

(مسألة 18): استحقاق النفقة مختص بالسفر المأذون فيه (169)، فلو سافر من غير إذن أو في غير الجهة المأذون فيه أو مع التعدي عما أذن فيه ليس له أن يأخذ من مال التجارة (170).

مسألة 19: لو تعدد أرباب المال كأن يكون عاملا لاثنين أو أزيد

(مسألة 19): لو تعدد أرباب المال كأن يكون عاملا لاثنين أو أزيد أو

______________________________

(166) للصدق العرفي بأن السفر للتجارة فيشمله إطلاق الدليل، مع أن عروض العوارض غالبي.

نعم، مع عدم الصدق كذلك فهي على نفسه لأصالة عدم الإذن بعد الشك في شمول إطلاق الأدلة له.

(167) إن لم يصدق عرفا إنه لمصلحة التجارة أو شك فيه و إلا فعلى المالك.

(168) للصدق العرفي بالنسبة إلى كل منهما فيلحق كلا حكمه، و خلاصة القول: أن منشأ بقائه أما منحصر في غرض المضاربة، أو منحصر في غرض نفسه، أو مشترك بينهما، أو كل من الغرضين منشأ على سبيل المبادلة بحيث لو لم يكن أحدهما لكفى الآخر في المنشأية، و في الأول يكون على المالك و في الثاني على نفسه و في الثالث يوزع، و في الآخر يمكن أن يكون على المالك لصدق انه في غرض المضاربة و لكن الأحوط التصالح.

(169) لما مر من ان الإذن في الشي ء إذن في لوازمه العرفية و من اللوازم العرفية أخذ النفقة.

(170) لأصالة عدم حق له عليه إلا فيما هو المأذون فيه.

ص: 272

عاملا لنفسه و غيره توزع النفقة (171)، و هل هو على نسبة المالين أو على نسبة العملين قولان (172).

مسألة 20: لا يشترط في استحقاق النفقة ظهور ربح

(مسألة 20): لا يشترط في استحقاق النفقة ظهور ربح (173) بل ينفق من أصل المال و إن لم يحصل ربح أصلا.

نعم، لو حصل الربح بعد هذا تحسب من الربح (174) و يعطى المالك تمام رأس ماله ثمَّ يقسم بينهما (175).

مسألة 21: لو مرض في أثناء السفر فإن كان لم يمنعه من شغله

(مسألة 21): لو مرض في أثناء السفر فإن كان لم يمنعه من شغله فله أخذ النفقة (176) و إن منعه ليس له (177) و على الأول لا يكون منها ما

______________________________

(171) لتعدد الموضوع فيتعدد الحكم لا محالة.

(172) مقتضى كون مورد المضاربة هو المال و العمل متفرع عليه هو الأول، و لكن الظاهر ان العرف و أهل الخبرة بهذه الأمور أعرف من الفقيه فيرجع إليهم و الأحوط التراضي أو التصالح.

(173) لأن صرف النفقة مقدمة لتحصيل الربح، فكيف يجعل متوقفا على حصوله، هذا مضافا إلى الأصل و الإطلاق.

(174) لأن الربح وقاية لحفظ رأس المال عما يرد عليه من النقص، و بعد حصوله يجبر النقص ثمَّ يقسم كما يأتي تفصيل ذلك في المسائل الآتية.

(175) لبناء المضاربة على التحفظ حينئذ على رأس المال و جبر نقصه من الربح.

(176) لوجود المقتضى له و فقد المانع فله أخذها حينئذ فيشمله الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(177) لما يقال من السفر حال المرض ليس للتجارة فلا وجه لأخذها حينئذ، و في إطلاقه منع خصوصا إن كان زمان المرض قصيرا و ما أنفقه فيه يسيرا.

ص: 273

يحتاج إليه للبرء من المرض (178).

مسألة 22: لو حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء السفر

(مسألة 22): لو حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء السفر فنفقة الرجوع على نفسه (179)، بخلاف ما إذا بقيت و لم تنفسخ فإنها من مال المضاربة (180).

مسألة 23: قد عرفت الفرق بين المضاربة و القرض و البضاعة

(مسألة 23): قد عرفت الفرق بين المضاربة و القرض و البضاعة، و أن في الأول الربح مشترك، و في الثاني للعامل، و في الثالث للمالك، فإذا قال خذ هذا المال مضاربة و الربح بتمامه لي كان مضاربة فاسدة (181)، إذا

______________________________

(178) لأنه ليس لمصلحة المضاربة بل من المصلحة الشخصية لنفس العامل، و لا ربط لها بالمالك هذا و لكنه مشكل على إطلاقه.

(179) لزوال موضوع المضاربة، مضافا إلى ظهور الاتفاق و لكن الأقسام ثلاثة:

الأول: ما إذا عد الرجوع أجنبي عن المضاربة رأسا و لم يحصل تسبيبا من المالك.

الثاني: ما إذا كان من شؤونها عرفا و حصل تسبيب منه.

الثالث: الشك في انه من أيهما، و في الأول لا وجه لوجوب النفقة بل لا وجه لاحتماله، و في الثاني يتعين الوجوب، و في الأخير مقتضى الأصل عدم الوجوب و التمسك بدليل المضاربة في القسم الأخير لا وجه له لفرض الشك في الموضوع.

(180) للأصل موضوعا و حكما، و لأن السفر ذهابا و إيابا كان من مصالحها فيصح للعامل أخذ نفقة الرجوع أيضا كما مر.

(181) يمكن أن يجعل جملة (و الربح بتمامه لي) قرينة معتبرة على أنه أراد من المضاربة البضاعة، و فساد المضاربة على فرض تحققها مبني على أن يكون هذا الشرط فاسدا، و على أن الشرط الفاسد مفسد، و قد أثبتنا بطلان الثاني في

ص: 274

علم أنه قصد الإبضاع (182)، فيصير بضاعة و لا يستحق العامل أجرة (183)، إلا مع الشرط أو القرائن الدالة على عدم التبرع و مع الشك فيه و في إرادة الأجرة يستحق الأجرة أيضا لقاعدة احترام عمل المسلم (184)، و إذا قال خذه قراضا و تمام الربح لك فكذلك مضاربة فاسدة (185)، إلا إذا علم أنه أراد القرض (186)، و لو لم يذكر لفظ المضاربة بأن قال خذه و اتجر به و الربح بتمامه لي كان بضاعة (187)، إلا مع العلم بإرادة المضاربة

______________________________

كتاب البيع و أنه لا يكون مفسدا، و أما الأول ففيه بحث و تفصيل قد تقدم.

(182) بل و كذا لو احتمل أيضا و تكون جملة (و الربح بتمامه لي) قرينة معينة لهذا الاحتمال.

(183) لتقوم البضاعة بذلك و المفروض انه إما معلوم كونه بضاعة أو لفظه ظاهر فيها لاحتفافه بجملة (و الربح بتمامه لي).

(184) و هي من الأصول النظامية العقلائية و لا اختصاص لها بالمسلم بل تشمل كل من لم يسقط عمله عن الاحترام إما بقصد التبرع أو أن الشارع أسقط احترام عمله، و يمكن جريان أصالة عدم قصد التبرع بناء على أن قصد التبرع مانع عن الأجرة لا أن يكون قصد الأجرة شرط في استحقاقها، و الظاهر أنه كذلك احتفاظا على احترام المال و العمل مهما أمكن.

(185) يمكن أن يجعل قوله: «و تمام الربح لك» انه أراد تمليك العين و جعل ذلك من القرض لا القراض كما يمكن أن يجعل من المضاربة مع إهداء جميع الربح له، و لا بأس بذلك للتوسع في الهدية بما يتوسع في غيرها.

(186) أو يحتمل ذلك و يجعل قوله: «و تمام الربح لك» قرينة معينة لهذا الاحتمال.

(187) لظهور لفظه في ذلك. و أما اشتغال ذمته بأجرة المثل للعامل فالظاهر تحققه لمكان التسبيب و الاحترام إلا مع صدق التبرع و المجانية.

ص: 275

فتكون فاسدة (188)، و لو قال خذه و اتجر به و الربح لك بتمامه فهو قرض (189)، إلا مع العلم بإرادة المضاربة ففاسد (190)، و مع الفساد في الصور المذكورة يكون تمام الربح للمالك (191)، و للعامل أجرة عمله (192)، إلا مع علمه بالفساد (193).

مسألة 24: لو اختلف العامل و المالك في أنها مضاربة فاسدة

(مسألة 24): لو اختلف العامل و المالك في أنها مضاربة فاسدة أو قرض (194).

______________________________

(188) مر التفصيل فيه فلا وجه للإعادة.

(189) لظهور اللفظ فيه عرفا، و لكنه مبني على صحة إنشاء العقود بغير ألفاظها المتعارفة.

و أما توهم: أن القرض غير مقصود للمالك فلا وجه له.

مردود: لأن طريق استفادة المقاصد مربوطة بظواهر اللفظ، و المفروض أن لفظه ظاهر فيه.

(190) أما إرادة المضاربة و جعل اللفظ كاشفا عنها فلا بأس به لفرض اكتفاء العرف بذلك مع اطلاعهم على هذا العلم و التباني.

و أما الفساد فمبني .. أولا: على أن هذا الشرط فاسد أو لا؟

و ثانيا: على أن الشرط الفاسد مفسد أو لا؟

و قد أثبتنا عدم كونه مفسدا و كون أصل الشرط فاسدا مورد البحث.

(191) لقاعدة التبعية مع عدم القرينة على الخلاف.

(192) لقاعدة الاحترام و أصالة عدم قصد التبرع بناء على ما مر و تحقق الاستيفاء بالتسبيب.

(193) قد مر مرارا أن العلم بالفساد لا يوجب سقوط الاحترام مع الاستيفاء.

نعم، لو علم انه مع العلم بالفساد قصد التبرع لا أجرة له حينئذ.

(194) فيدعي المالك القرض مع الخسران أو التلف لتضمين العامل و عدم

ص: 276

أو مضاربة فاسدة أو بضاعة (195)، و لم يكن هناك ظهور و لا قرينة معينة (196)، فمقتضى القاعدة التحالف (197)، و قد يقال بتقديم قول من يدعي الصحة، و هو مشكل إذ مورد الحمل على الصحة ما إذا علم أنهما أوقعا معاملة معينة و اختلفا في صحتها و فسادها لا مثل المقام الذي يكون الأمر دائرا بين معاملتين على إحداهما صحيح و على الأخرى باطل، نظير ما

______________________________

استحقاقه لاجرة عمله، و يدعي العامل المضاربة الفاسدة لنفي الضمان عن نفسه و استحقاقه لأجرة المثل، و يمكن فرضه مع حصول الربح أيضا فيدعي المالك المضاربة الفاسدة فيكون الربح له و العامل القرض ليكون الربح له.

(195) فيدعي المالك البضاعة مع الخسران لتضمين العامل و هو يدعي المضاربة الفاسدة لنفي الضمان عن نفسه، و أما حصول الربح فيدعي المالك البضاعة ليكون تمام الربح له و عدم شي ء للعامل ان كان بناؤه على التبرع بالعمل، و أما إن كان بناؤه على أخذ أجرة المثل فلا ثمرة لهذا النزاع من هذه الجهة لأنه يستحق أجرة المثل على أي تقدير، سواء كان الواقع بينهما مضاربة فاسدة أم بضاعة.

(196) لأنه مع وجودهما لا بد من أتباعهما و الحكم بمفادهما فلا نزاع حينئذ في البين.

(197) هذه الدعوى تتصور على وجوه:

الأول: أن لا يكون ملزما فلا أثر له لأن العامل في كلتا الصورتين لا يضمن المال لعدم تضمين الأمين، و ليس له شي ء من الربح فيهما و له أجرة العمل، لقاعدة الاحترام ما لم يكن اقدام على التبرع و المجانية، فأي إلزام في البين يكون مورد النزاع نفيا أو إثباتا حتى يكون مورد التحالف أو المدعي و المنكر مع تقوّم التخاصم مطلقا بوجود ملزم في البين.

الثاني: أن يحرر المالك دعواه بنحو لا يستحق العامل معه الأجرة على

ص: 277

إذا اختلفا في أنهما أوقعا البيع الصحيح أو الإجارة الفاسدة مثلا (198)، و في مثل هذا مقتضى القاعدة التحالف و أصالة الصحة لا تثبت كونه بيعا مثلا (199)، لا إجارة أو بضاعة صحيحة مثلا لا مضاربة فاسدة.

مسألة 25: إذا قال المالك للعامل خذ هذا المال قراضا و الربح بيننا

(مسألة 25): إذا قال المالك للعامل خذ هذا المال قراضا و الربح بيننا

______________________________

عمله فيدعي عليه التبرع و هو ينكر ذلك، و مع عدم البينة يحلف المنكر و يثبت قوله لأنه لا ريب في أن التخاصم حينئذ من المدعي و المنكر.

الثالث: أن يقرر بنحو التحالف بأن يكون نظير المالك مثلا إلى أنه قرض، و العامل إلى أنها مضاربة فاسدة بلحاظ نفس هذين الموضوعين فقط مع قطع النظر عن لوازمهما، لكن هذا النحو من الدعوى بعيد عن دعاوي العقلاء و يمكن أن يكون من اللغو لما مر آنفا من وجود اعتبار ملزم في التخاصم مطلقا.

(198) هذه عبارة الجواهر.

و فيه .. أولا: أنه أصل الدعوى و عين المدعي.

و ثانيا: انهما اتفقا على وقوع عقد بينهما و اختلفا في صحته و فساده، و الفساد ينفي بالأصل كما قاله في الجواهر.

و ثالثا: كل منهما ينفي صدور العقد الفاسد عن صاحبه بالأصل، و مقتضى التوسعة في أصالة الصحة التي هي أهم الأصول النظامية شمولها لجميع ذلك كله إلا مع الدليل على الخلاف.

(199) و فيه أن المفاد المطابقي للأصل نفي الفساد فيما وقع بينهما، و هو حكم وضعي شرعي و لا وجه لكونه مثبتا.

و تلخص: أن أصالة الصحة التي هي من أهم الأصول النظامية و أعمها تجري في كل مورد شك فيه بين الصحة و الفساد، إلا مع وجود دليل معتبر على الخلاف.

ص: 278

صح (200) و لكل منهما النصف، و إذ قال و نصف الربح لك فكذلك، و كذا لو قال و نصف الربح لي، و إن الظاهر أن النصف الآخر للعامل (201)، و لكن فرق بعضهم (202)، بين العبارتين و حكم بالصحة في الأولى لأنه صرح فيها بكون النصف للعامل و النصف الآخر يبقى له على قاعدة التبعية، بخلاف العبارة الثانية فإن كون النصف للمالك لا ينافي كون الآخر له أيضا على قاعدة التبعية فلا دلالة فيها على كون النصف الآخر للعامل، و أنت خبير بأن المفهوم من العبارة عرفا كون النصف الآخر للعامل (203).

مسألة 26: لا فرق بين أن يقول خذ هذا المال قراضا

(مسألة 26): لا فرق بين أن يقول خذ هذا المال قراضا و لك نصف ربحه أو قال خذه قراضا و لك ربح نصفه في الصحة و الاشتراك في الربح بالمناصفة (204)، و ربما يقال بالبطلان في الثاني (205) بدعوى أن مقتضاه كون ربح النصف الآخر بتمامه للمالك، و قد يربح النصف فيختص به أحدهما أو يربح أكثر من النصف فلا يكون الحصة معلومة، و أيضا قد لا

______________________________

(200) لأصالة الصحة و ظهور الإطلاق و الاتفاق.

(201) أما في الأول فلظاهر اللفظ عرفا و أما في الأخيرين فللتنصيص و الحق أن إيكال ذلك كله إلى متعارف المحاورات أولى من التعرض له.

(202) قاله في الشرائع و قرره في المسالك معللا بما في المتن و التعليل عليل، و يمكن أن يجعل النزاع لفظيا بالاختلاف بحسب الخصوصيات و الجهات المحفوفة بالكلام، و اختلاف عرف بعض البلاد مع بعض.

(203) لأن ذلك هو المنساق من هذه العبارة و في المحاورات العرفية و هي مقدمة على قاعدة التبعية كما تقدم.

(204) لظهور اللفظ في المضاربة المعهودة و لفظ «النصف» في تنصيف الربح بينهما سواء قيل بنحو العبارة الأولى أو الثانية.

(205) نسب الى الشيخ رحمه اللّه في أحد قوليه مستدلا بما في المتن.

ص: 279

يعامل إلا في النصف، و فيه أن المراد ربح نصف ما عومل به و ربح فلا إشكال (206).

مسألة 27: يجوز اتحاد المالك و تعدد العامل مع اتحاد المال

(مسألة 27): يجوز اتحاد المالك و تعدد العامل (207) مع اتحاد المال أو تميز مال كل من العاملين، فلو قال ضاربتكما و لكما نصف الربح صح و كانا فيه سواء و لو فضل أحدهما على الآخر صح أيضا و إن كانا في العمل سواء فإن غايته اشتراط حصة قليلة لصاحب العمل الكثير، و هذا لا بأس به (208)، و يكون العقد الواحد بمنزلة عقدين مع اثنين، و يكون كما لو قارض أحدهما في نصف المال بنصف و قارض الآخر في النصف الآخر بربع الربح و لا مانع منه (209)، و كذا يجوز تعدد المالك و اتحاد

______________________________

(206) لأنه بعد صدق المضاربة عليه في متعارف الناس الغير المبني على الدقة تترتب عليها أحكامها قهرا، و العرف لا يفرق بين الصورتين في كون كل منهما من المضاربة إلا مع احتفاف الكلام بقرائن خاصة و المفروض عدمها، و أما احتمال الجهالة فلا يخفى عدم ثبوتها في مثل هذا التعبير مع سائر التعبيرات التي تقال في عقد المضاربة.

(207) عمدة الصور ثمانية:

الأول: وحدة المالك و العامل.

الثاني: تعدد كل منهما.

الثالث: وحدة المالك و تعدد العامل.

الرابع: وحدة العامل و تعدد المالك، و كل منهما إما مع التساوي في الربح أو مع التفاضل فيه، و الكل صحيح لإطلاق دليل المضاربة الشامل لجميع ما يتصور فيها من الأقسام ما لم يكن دليل على الخلاف، و لا دليل كذلك.

(208) للأصل و العموم و الإطلاق الشامل لجميع تلك الصور.

(209) لما مر في سابقة.

ص: 280

العامل بأن كان المال مشتركا بين اثنين فقارضا واحدا بعقد واحد بالنصف، مثلا متساويا بينهما أو بالاختلاف بأن يكون في حصة أحدهما بالنصف و في حصة الآخر بالثلث أو الربع- مثلا- و كذا يجوز مع عدم اشتراك المال بأن يكون مال كل منهما ممتازا و قارضا واحدا مع الاذن في الخلط مع التساوي في حصة العامل بينهما، أو الاختلاف بأن يكون في مال أحدهما بالنصف و في مال الآخر بالثلث أو الربع (201).

مسألة 28: إذا كان مال مشتركا بين اثنين فقارضا واحدا

(مسألة 28): إذا كان مال مشتركا بين اثنين فقارضا واحدا و اشترطا له نصف الربح و تفاضلا في النصف الآخر بأن جعل لأحدهما أزيد من الآخر مع تساويهما في ذلك المال أو تساويا فيه مع تفاوتهما فيه، فإن كان من قصدهما كون ذلك النقص على العامل بالنسبة إلى صاحب الزيادة بأن يكون كأنه اشترط على العامل في العمل بماله أقل مما شرطه الآخر له، كأن اشترط هو للعامل ثلث ربح حصته، و شرط له صاحب النقيصة ثلثي ربح حصته- مثلا- مع تساويهما في المال فهو صحيح (211)، لجواز اختلاف الشريكين في مقدار الربح المشترط للعامل (212).

و إن لم يكن النقص راجعا إلى العامل بل على الشريك الآخر بأن يكون المجعول للعامل بالنسبة إليهما سواء، لكن اختلفا في حصتهما بأن لا يكون على حسب شركتهما، فقد يقال فيه بالبطلان لاستلزامه زيادة

______________________________

(210) كل ذلك لظهور الإطلاق و أصالة الصحة.

(211) و يقوم عقد المضاربة مقام عقد الشركة أيضا مع قصدها من دون احتياج إلى إيجاد عقد الشركة، لما مر من أن عقد المضاربة يشتمل على عقود كثيرة.

(212) مراده ظواهر الإطلاقات و قاعدة السلطنة، فلا وجه لجعله من

ص: 281

لأحدهما على الآخر مع تساوي المالين أو تساويهما مع التفاوت في المالين بلا عمل من صاحب الزيادة لأن المفروض كون العامل غيرهما، و لا يجوز ذلك في الشركة و الأقوى الصحة (213)، لمنع عدم جواز الزيادة لأحد الشريكين بلا مقابلتها لعمل منه فإن الأقوى جواز ذلك بالشرط (214) و نمنع كونه خلاف مقتضى الشركة (215)، بل هو خلاف

______________________________

المصادرة كما عن بعض.

(213) لصدق المضاربة على الجميع فتشملها إطلاق أدلتها من غير محذور مضافا إلى أصالة الصحة و آية التراضي (1).

(214) لا ريب في أن الشركة هنا مالية لا أن تكون عقدية، و العقد الواقع بين الشريكين منحصر بالمضاربة فقط فلا بد و إن يبحث في أن الشركة المالية التي تقتضي التساوي في الربح مع تساوي المالين بلا عمل زائد من أحدهما، هل يكون هذا النحو من التساوي مقتضى ذات هذا القسم من الشركة بحيث لا يقبل التخلف و لو بالشرط في ضمن عقد المضاربة الواقعة على المالين، أو أنه يقبل التخلف بذلك؟ الحق هو الأخير لقاعدة السلطنة فإن صاحب المال في الشركة المالية مسلط على ماله و ربح ماله و كل ما يتعلق به كما و كيفا و من سائر الجهات و على فرض الصحة لا فرق بين أن يكون الشرط من شرط الفعل أو النتيجة لصحتها في نظائر المقام.

(215) لما مر من أن مقتضى قاعدة السلطنة هو التسلط على المالين بأي نحو شاء كل واحد من الشريكين.

نعم، عند عدم التعرض لشي ء من الخصوصيات يكون المنساق منها التساوي فيصير التساوي مقتضى الإطلاق فيتغير بالشرط لا أن يكون مقتضى الذات حتى لا يتغير به.

ص: 282


1- سورة النساء: 29.

مقتضى إطلاقها، مع أنه يمكن أن يدعي الفرق بين الشركة و المضاربة و إن كانت متضمنة للشركة (216).

مسألة 29: تبطل المضاربة بموت كل من العامل و المالك

(مسألة 29): تبطل المضاربة بموت كل من العامل و المالك (217)، أما الأول فلاختصاص الاذن به (218)، و أما الثاني فلانتقال المال بموته إلى وارثه فإبقاؤها يحتاج إلى عقد جديد بشرائطه فإن كان المال نقدا صح (219)، و إن كان عروضا فلا، لما عرفت من عدم جواز المضاربة على غير النقدين، و هل يجوز لوارث المالك إجازة العقد بعد موته، قد يقال (220) بعدم الجواز لعدم علقة له بالمال حال العقد بوجه من الوجوه (221) ليكون واقعا على ماله أو متعلق حقه. و هذا بخلاف إجارة

______________________________

(216) لا ريب في أن الشركة التي تتضمنها المضاربة ليست من الشركة العقدية المستقلة بين أصل المالين، بل الشركة بين المالك و العامل في الربح و لا ربط للشركة العقدية بالمقام مع أنه ينتج عكس المقصود، لأن المراد إثبات صحة اشتراط التفاضل، و المضاربة بمعزل عن ذلك لأنها عقد جائز لا أثر للشرط و لزومه فيها، و يمكن أن يكون مراده رحمه اللّه بدعوى الفرق بينهما بعد لزوم الشرط في المضاربة مع بقائها و عدم رفع اليد عنها، كما مر منه قدّس سرّه أن المضاربة في المقام أوسع دائرة من الشركة لأنها جعلت في موضوع الشركة فالشرط يكون في المضاربة في الواقع لا أن يكون في الشركة فتأمل.

(217) لأنها جائزة و هذا من شؤون العقود الجائزة، مضافا إلى الإجماع و ما ذكره في المتن.

(218) يمكن تعميم الإذن للعامل و وارثه بأن يذكره المالك في عقد المضاربة كما لا يخفى.

(219) تقدم سابقا صحة المضاربة بالعروض أيضا في الجملة.

(220) يظهر ذلك من المحقق في الشرائع.

(221) يمكن إثبات العلقة الاقتضائية كما يأتي منه.

ص: 283

البطن السابق في الوقف أزيد من مدة حياته فإن البطن اللاحق يجوز له الإجازة لأن له حقا بحسب جعل الواقف، و أما في المقام فليس للوارث حق حال حياة المورث أصلا و إنما ينتقل إليه المال حال موته، و بخلاف إجازة الوارث لما زاد من الثلث في الوصية و في المنجز حال المرض على القول بالثلث فيه فإن له حقا فيما زاد فلذا يصح إجازته، و نظير المقام إجارة الشخص ماله مدة مات في أثنائها على القول بالبطلان بموته فإنه لا يجوز للوارث إجازتها، لكن يمكن أن يقال (222)، يكفي في صحة الإجازة كون المال في معرض الانتقال إليه و إن لم يكن له علقة به حال العقد فكونه سيصير له كاف، و مرجع إجازته حينئذ إلى إبقاء ما فعله المورث له قبوله و لا تنفيذه فإن الإجازة أقسام: قد تكون قبولا لما فعله الغير كما في إجازة بيع ماله فضولا، و قد تكون راجعا إلى إسقاط حق كما في إجازة المرتهن لبيع الراهن و إجازة الوارث لما زاد عن الثلث، و قد تكون إبقاء لما فعله المالك كما في المقام (223).

مسألة 30: لا يجوز للعامل أن يوكل وكيلا في عمله أو يستأجر أجيرا إلا بإذن المالك

(مسألة 30): لا يجوز للعامل أن يوكل وكيلا في عمله أو يستأجر أجيرا إلا بإذن المالك (224).

______________________________

(222) و هو الحق كما تأتي الإشارة إلى دليله.

(223) الأولى أن يعلل ذلك بأن المضاربة من العقود الإذنية يكفي في تحققها كل ما كان مبرزا للإذن و الرضا قولا كان أو فعلا، أو بالاختلاف بأن يكون قولا من طرف و فعلا من طرف آخر، و لا ريب في أن الإجازة مبرزة للرضا فتكفي مع قبول الطرف.

و بذلك يظهر فساد جملة من الكلمات حيث بنوا صحة الإجازة على ثبوت الولاية فراجع و تأمل.

(224) لأصالة عدم حق له على ذلك، و أصالة عدم صحة التصرف في مال

ص: 284

نعم، لا بأس بالتوكيل أو الاستئجار في بعض المقدمات على ما هو المتعارف (225)، و أما الإيكال إلى الغير وكالة أو استئجار في أصل التجارة فلا يجوز من دون إذن المالك، و معه لا مانع منه، كما أنه لا يجوز له أن يضارب غيره إلا بإذن المالك (226).

مسألة 31: إذا أذن في مضاربة الغير

(مسألة 31): إذا أذن في مضاربة الغير فإما أن يكون بجعل العامل الثاني عاملا للمالك أو بجعله شريكا معه في العمل و الحصة و إما بجعله عاملا لنفسه، أما الأول فلا مانع منه و تنفسخ مضاربة نفسه على الأقوى (227)، و احتمال بقائها مع ذلك لعدم المنافاة كما ترى (228)، و يكون الربح مشتركا بين المالك و العامل الثاني و ليس للأول شي ء (229)،

______________________________

الغير إلا بإذنه.

(225) لأن التعارف يكون قرينة عرفية على ثبوت الإذن.

(226) كل ذلك لأصالة عدم حق له على مثل هذه التصرفات إلا بإذن صريح أو شاهد صحيح.

(227) لكفاية ذلك في الرجوع عن الإذن في المضاربة الأولى الواقعة مع نفس العامل عند العرف فتبطل لا محالة.

(228) لأن بقاؤها من الجمع بين المتنافيين فلا بد إما من بطلان الأولى أو الثانية، و العرف يرى أن الإذن في المضاربة الثانية عن المالك مستقلا ابطال للأولى. هذا بحسب الأنظار المسامحية العرفية المبتنية عليها المسائل الفقهية و أما بحسب التحقيق كما جزم به في الجواهر صحة ذلك لأنها من سنخ الإذن و الوكالة، و يجوز فيهما جعل وكيلين عرضيين، بل يتصور أقسام كثيرة يظهر موضوعها و أحكامها لمن تأمل.

(229) لأنه لا معنى لبطلان المضاربة الأولى و صحة الثانية إلا ذلك بناء على ما قلناه و أما بناء على التحقيق فيشتركان أو يقتسمان.

ص: 285

إلا إذا كان بعد أن عمل عملا و حصل ربح فيستحق حصته من ذلك (230)، و ليس له أن يشترط على العامل الثاني شيئا من الربح بعد أن لم يكن له عمل بعد المضاربة الثانية (231) بل لو جعل الحصة للعامل في المضاربة الثانية أقل مما اشترط له في الأولى كأن يكون في الأولى بالنصف و جعله ثلثا في الثانية لا يستحق تلك الزيادة (232) بل ترجع إلى المالك، و ربما يحتمل جواز اشتراط شي ء من الربح أو كون الزيادة له، بدعوى أن هذا المقدار و هو إيقاع عقد المضاربة ثمَّ جعلها للغير نوع من العمل يكفي في جواز جعل حصة من الربح له (233)، و فيه أنه وكالة لا مضاربة (234).

______________________________

(230) لأجل صحة المضاربة الأولى ما لم يرجع عنها، و المفروض عدم الرجوع إلا بعد حصول مقدار من الربح، فلا بد من أن تؤثر المضاربة الصحيحة الأولى أثرها، و أما بناء على الصحة فيشتركان أو يقتسمان في البقية.

(231) لأصالة عدم حق له على ذلك.

نعم، بناء على جواز جعل شي ء من الربح للأجنبي يصح هذا الشرط و قد تقدم في أول كتاب المضاربة فراجع، و كذا بناء على صحة التشريك.

(232) لقاعدة تبعية النماء للمالك بلا معارض في البين.

(233) احتمله في الجواهر و علله بما في المتن.

(234) الأقسام ثلاثة:

الأول: أن يعلم من حال المالك أنه راض بشرط شي ء من الربح لتحصيل هذا الغرض.

الثاني: أن يعلم بعدم رضائه به.

الثالث: أن يشك في رضائه و عدمه، و الشرط صحيح بناء على الأول دون الأخيرين، و لعل نظر صاحب الجواهر إلى الأول و لا فرق بناء عليه بين كونه وكالة أو مضاربة بعد شمول الإذن و الرضا للشرط أيضا.

ص: 286

و الثاني أيضا لا مانع منه (235)، و تكون الحصة المجعولة له في المضاربة الأولى مشتركة بينه و بين العامل الثاني على حسب قرارهما.

و أما الثالث فلا يصح من دون ان يكون له عمل مع العامل الثاني و معه يرجع إلى التشريك (236).

مسألة 32: إذا ضارب العامل غيره مع عدم الإذن من المالك

(مسألة 32): إذا ضارب العامل غيره مع عدم الإذن من المالك فإن أجاز المالك ذلك كان الحكم كما في الإذن السابق في الصور المتقدمة فيلحق كلا حكمه (237) و إن لم يجز بطلت المضاربة الثانية (238)، و حينئذ فإن كان العامل الثاني عمل و حصل الربح فما قرر للمالك في المضاربة الأولى فله (239)، و أما ما قرر للعامل فهل هو أيضا له أو للعامل الأول أو مشترك بين العاملين؟ وجوه و أقوال (240)، أقواها الأول (241)، لأن المفروض بطلان المضاربة الثانية فلا يستحق العامل الثاني شيئا، و ان العامل الأول لم يعمل حتى يستحق فيكون تمام الربح للمالك إذا أجاز

______________________________

(235) فتفسخ المضاربة الأولى عن المالك و تحدث مضاربة أخرى مع عاملين شريكين، لأن الإذن في التشريك يقتضي ذلك و هذا من لوازمه العرفية.

(236) فلا يكون قسما مستقلا و لا يكون عاملا لنفسه لأنه ليس بمالك فلا يصح له ذلك.

(237) لأن الإجازة اللاحقة كالإذن السابق عرفا و شرعا و عقلا، و قد تقدم ذلك في بيع الفضولي فراجع فلا وجه للتكرار.

(238) لتقوم صحتها بإذن المالك أو إجازته و المفروض انتفاؤهما.

(239) أي: للمالك لقاعدة تبعية النماء للملك و لما وقع بينهما من القرار في عقد المضاربة.

(240) لم يظهر كونها لأصحابنا و نسب إلى الشافعية كما في المسالك.

(241) أي: للمالك لما مر من قاعدة التبعية.

ص: 287

تلك المعاملات الواقعة على ماله، و يستحق العامل الثاني أجرة عمله مع جهله بالبطلان على العامل الأول، لأنه مغرور من قبله (242)، و قيل يستحق على المالك، و لا وجه له (243)، مع فرض عدم الاذن منه له في العمل.

هذا إذا ضاربه على أن يكون عاملا للمالك، و اما إذا ضاربه على ان يكون عاملا له و قصد العامل في عمله العامل الأول فيمكن ان يقال ان الربح للعامل الأول (244)، بل هو مختار المحقق في الشرائع، و ذلك بدعوى أن المضاربة الأولى باقية بعد فرض بطلان الثانية و المفروض ان العامل قصد العمل للعامل الأول فيكون كأنه هو العامل فيستحق الربح (245)،

______________________________

(242) قد مر مكررا أن المناط في عدم استحقاق أجرة المثل قصد المجانية لا العلم بالفساد و لا جهة أخرى فمع عدم قصدها يستحق أجرة المثل جاهلا كان بالفساد أو عالما به.

(243) و إن كان له وجه مع الإجازة اللاحقة من المالك للمعاملات الواقعة منه، بل يمكن القول بالاستحقاق الطولي أيضا لفرض إن عمل العامل الأول يرجع إلى المالك، و هذا يرجع إليه أيضا بواسطته فيتحقق الاستيفاء الطولي في الجملة.

(244) بعد فرض كون العامل الأول كالآلة المحضة للمالك كيف يتصور كون الربح له؟! و لو فرض كونه له فهو من حيث كونه عاملا فيرجع بالأخرة إلى المالك.

نعم، لو قال أحد أنه له من حيث نفسه في عرض المالك يكون له حينئذ و لكن لا أظن إن مثل المحقق يقول بذلك فلا بد من التصرف في عبارة المحقق لو فرض ظهورها فيما ذكر.

(245) قصد العمل للعامل الأول يتصور على قسمين:

ص: 288

و عليه اجرة عمل العامل إذا كان جاهلا بالبطلان (246)، و بطلان المعاملة لا يضر بالإذن الحاصل منه للعمل له (247)، لكن هذا انما يتم إذا لم يكن المباشرة معتبرة في المضاربة الأولى و اما مع اعتبارها فلا يتم (248)، و يتعين كون تمام الربح للمالك إذا أجاز المعاملات و إن لم تجز المضاربة الثانية.

مسألة 33: إذا شرط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة

(مسألة 33): إذا شرط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالا أو عملا كأن اشترط المالك على العامل أن يخيط له ثوبا أو يعطيه

______________________________

الأول: قصد العمل له من حيث انه عامل فيرجع إلى المالك بلا إشكال.

الثاني: أن يقصد له في حد نفسه من حيث هو، و هذا يصح أن يكون الربح له كما اختاره المحقق، لكن مع التفات العامل الثاني بأن المال مضاربة من المالك كيف يتحقق منه هذا القصد، فلا بد لهم (رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين) من التفصيل من هذه الجهة.

(246) إن لم يقصد المجانية و إلا فلا أجرة له كان عالما بالفساد أو جاهلا به.

(247) يعني يتحقق من العامل الأول استيفاء عمل العامل الثاني فيضمن العامل الأول أجرة المثل له بالاستيفاء. فتلخص: أن الاقسام أربعة:

الأول: أن يقصد العامل الثاني العمل للمالك.

الثاني: أن يقصد العمل للعامل الأول من حيث انه عامل.

الثالث: أن يقصد العمل للعامل الأول من حيث نفسه في عرض المالك.

الرابع: الشك في قصد العامل الثاني.

و لا ريب أن الربح للمالك في القسمين الأولين، بل و كذا لا ريب في البطلان في الثالث و الربح فيه أيضا للمالك لقاعدة التبعية و كذا الرابع.

ففي جميع الأقسام يرجع الربح بالأخرة إلى المالك.

(248) يمكن القول بأنه يتم حتى مع اعتبار المباشرة لأنه و إن تخلف عن

ص: 289

درهما أو نحو ذلك أو بالعكس فالظاهر صحته (249)، و كذا إذا اشترط أحدهما على الآخر بيعا أو قرضا أو قراضا أو بضاعة أو نحو ذلك (250)، و دعوى أن القدر المتيقن ما إذا لم يكن من المالك إلا رأس المال و من العامل إلا التجارة، مدفوعة بأن ذلك من حيث متعلق العقد فلا ينافي اشتراط مال أو عمل خارجي في ضمنه (251)، و يكفي في صحته عموم أدلة الشروط (252)، و عن الشيخ الطوسي رحمه اللّه فيما إذا اشترط المالك على العامل بضاعة بطلان الشرط دون العقد في أحد قوليه و بطلانهما في القول الآخر، قال: لأن العامل في القراض لا يعمل عملا بغير جعل و لا قسط من الربح و إذا بطل الشرط بطل القراض لأن قسط العامل يكون مجهولا، ثمَّ قال: و إن قلنا أن القراض صحيح و الشرط جائز لكنه لا يلزم الوفاء به لأن البضاعة لا يلزم القيام بها كان قويا (253)، و حاصل كلامه في وجه

______________________________

الشرط و ذلك يوجب الضمان لكنه لا يوجب الحرمان عن الحصة بعد حصول الربح و قد تقدم في مسألة 5 فراجع.

(249) لعموم أدلة الشروط و إطلاقها الشامل لجميع هذه الشروط كما يأتي من الماتن، و ليست فيها مخالفة للكتاب و السنة و لمقتضى العقد حتى تبطل، مضافا إلى ظهور الإجماع- بعد بطلان قول من ذهب إلى الخلاف- و السيرة ما لم يكن محذور في البين.

(250) لعين ما مر في سابقة من غير فرق.

(251) مع أن الأخذ بالقدر المتيقن إنما يكون في مورد إجمال الدليل، و مع كونه مبين و في مقام البيان فلا وجه للأخذ بالقدر المتيقن.

(252) بعد صدق المضاربة عرفا على ما اشترط فيها بعض الشروط أيضا فلا مجال لتوهم أن التمسك بالإطلاق لا يصح لأنه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

(253) هذا مبني على أن الشروط في العقود الجائزة غير لازم الوفاء و أما مع

ص: 290

بطلانهما أن الشرط المفروض مناف لمقتضى العقد فيكون باطلا و ببطلانه يبطل العقد لاستلزامه جهالة حصة العامل من حيث إن للشرط قسطا من الربح و ببطلانه يسقط ذلك القسط و هو غير معلوم المقدار، و فيه منع كونه منافيا لمقتضى العقد فإن مقتضاه ليس أزيد من أن يكون عمله في مال القراض بجزء من الربح، و العمل الخارجي ليس عملا في مال القراض، هذا مع أن ما ذكره من لزوم جهالة حصة العامل بعد بطلان الشرط ممنوع، إذ ليس الشرط مقابلا بالعوض في شي ء من الموارد و إنما يوجب زيادة العوض فلا ينقص من بطلانه شي ء من الحصة حتى تصير مجهولة (254)، و أما ما ذكره في قوله: و إن قلنا (إلخ) فلعل غرضه أنه إذا لم يكن الوفاء بالشرط لازما يكون وجوده كعدمه فكأنه لم يشترط فلا يلزم الجهالة في الحصة، و فيه أنه على فرض إيجابه للجهالة (255)، لا يتفاوت الحال بين لزوم العمل به و عدمه حيث إنه على التقديرين زيد بعض العوض لأجله، هذا و قد يقرر في وجه بطلان الشرط المذكور أن هذا الشرط لا أثر له أصلا لأنه ليس بلازم الوفاء حيث إنه في العقد الجائز و لا يلزم من تخلفه أثر

______________________________

لزومها ما دام العقد باقيا فلا قوة فيه أصلا.

(254) و على فرض صيرورتها مجهولة لا تضر هذه الجهالة لكونها عارضة على العقد لا أن تكون حادثة حينه، مع أن الجهل في الجملة يغتفر في المضاربة لبنائها على مثل هذا النحو من الجهالة.

(255) لا يرد هذا الإشكال على الشيخ لأنه لا يقول بإيجاب الجهالة في ما ذكره، و إنما تعرض لذلك احتمالا ثمَّ رده بأن الشرط في العقود الجائزة ليس كالضميمة لأحد العوضين، فلا يقع شي ء من العوض بإزائه على كل من تقديري صحته و فساده فلا منشأ لإيجاب فساده جهالة العوض لأنه كإيجاب الشي ء لما يلازم نقيضه.

ص: 291

التسلط على الفسخ حيث إنه يجوز فسخه و لو مع عدم التخلف، و فيه أولا ما عرفت سابقا من لزوم العمل بالشرط في ضمن العقود الجائزة ما دامت باقية و لم تفسخ و إن كان له أن يفسخ حتى يسقط وجوب العمل به، و ثانيا لا نسلم أن تخلفه لا يؤثر في التسلط على الفسخ إذ الفسخ الذي يأتي من قبل كون العقد جائزا إنما يكون بالنسبة إلى الاستمرار، بخلاف الفسخ الآتي من تخلف الشرط، فإنه يوجب فسخ المعاملة من الأصل، فإذا فرضنا أن الفسخ بعد حصول الربح فإن كان من القسم الأول اقتضى حصوله من حينه فالعامل يستحق ذلك الربح بمقدار حصته، و إن كان من القسم الثاني يكون تمام الربح للمالك و يستحق العامل أجرة المثل لعمله و هي قد تكون أزيد من الربح و قد تكون أقل فيتفاوت الحال بالفسخ و عدمه إذا كان لأجل تخلف الشرط (256).

مسألة 34: يملك العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره

(مسألة 34): يملك العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره من غير توقف على الإنضاض أو القسمة لا نقلا و لا كشفا على المشهور، بل الظاهر الإجماع عليه (257)، لأنه مقتضى اشتراط كون الربح بينهما، و لأنه

______________________________

(256) و لكنه مبني على أن الفسخ بأحد أسبابه من حين إنشاء الفسخ، أو من أول البيع، و فيه نزاع معروف بينهم و قد فصلنا القول فيه في الخيارات من كتاب البيع فراجع.

و ثانيا: أنه لا محذور في تحقق منا شي ء كثيرة لرفع العقد ففي المقام لرفعه منشآن أحدهما من ناحية تخلف الشرط و الآخر من ناحية الجواز.

(257) قال في المسالك: «لا يكاد يتحقق خلاف و لا نقل في كتب الخلاف عن أحد من أصحابنا».

أقول: و هو الذي تقتضيه مرتكزات المتعارف أيضا، فإن العمال في المضاربات الواقعة بين الناس يرون أنفسهم ذا ملك و مال بمجرد ظهور

ص: 292

مملوك (258) و ليس للمالك فيكون للعامل، و للصحيح: «رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه و هو لا يعلم، قال: يقوّم فإن زاد درهما واحدا انعتق و استسعى في مال الرجل» إذ لو لم يكن مالكا لحصته لم ينعتق أبوه (259).

نعم، عن الفخر عن والده (رحمهما اللّه) أن في المسألة أربعة أقوال و لكن لم يذكر القائل و لعلها من العامة (260).

أحدها: ما ذكرنا.

الثاني: أنه يملك بالانضاض لأنه قبله ليس موجودا خارجيا، بل هو مقدر موهوم.

الثالث: أنه يملك بالقسمة لأنه لو ملك قبله لاختص بربحه، و لم يكن وقاية لرأس المال.

الرابع: أن القسمة كاشفة عن الملك سابقا لأنها توجب استقراره، و الأقوى ما ذكرنا لما ذكرنا، و دعوى أنه ليس موجودا كما ترى (261).

______________________________

الربح من دون توقف على شي ء.

(258) المراد من الملكية هنا المملوكية الاعتبارية العرفية و لا ريب في أن العامل و المالك- بل و غيرهما- يعتبر أن مالكية العامل للحصة بعد الظهور، فلا منشأ للخدشة.

(259) و ما يقال: من انه من الانعتاق فلا ربط له بالمقام.

مردود: بأن الانعتاق بلا سبب غير ممكن لأنه من حصول المعلول بلا علة فلا بد له من سبب، و السبب هو الملكية الحاصلة للمشتري.

(260) يظهر من التذكرة انها للعامة دون أصحابنا.

(261) و كل هذه الأقوال باطلة.

أما الأول: فلما قاله رحمه اللّه.

ص: 293

و كون القيمة أمرا وهميا ممنوع (262)، مع أنا نقول إنه يصير شريكا في

______________________________

و أما الثاني: فلأن الملكية أمر اعتباري يكفي فيها الوجود الاعتباري، و مع ظهور الربح يعتبر الوجود الاعتباري للربح عرفا لأن الزائد على رأس المال موجود بالوجود الاعتباري، و هذا المقدار يكفي في صحة اعتبار الملكية مع انه لا تعتبر في المالية و الملكية الوجود العيني الخارجي لصحة اعتباره. و أما التعبير بأنه «مقدر موهوم» خلط بين الاعتباريات المبنية عليها جملة كثيرة من المسائل الفقهية، و بين الوهميات التي لا فرض لها إلا في الوهم مع أن بينهما فرق واضح عقلا و عرفا و شرعا.

و أما الثالث: فلأن الملكية على أقسام تعرضنا لها في موارد كثيرة من كتاب البيع منها الملكية المتزلزلة، و ملكية العامل من هذا القبيل و تستقر ببقاء رأس المال. و أما قوله: «لو ملك- قبل القسمة- لاختص بربحه» لا وجه له لأن هذه الملكية متزلزلة- منوطة ببقاء رأس المال- و غير مستقرة فلا يختص بالعامل إلّا بعد تسليم رأس المال إلى المالك.

و أما الرابع: فمقتضى ظواهر الأدلة حصول الملكية للعامل من حين ظهور الربح مطلقا فلا وجه للكشف، و لعله أراد بالكشف الملكية المتزلزلة كما قلنا فلا نزاع حينئذ في البين.

(262) مقتضى ظهور تسالمهم أن له مطالبة القسمة عدم كون القيمة وهميا و لا يعتبر في المالية و الملكية الوجود العيني الخارجي لصحة اعتبار المالية و الملكية في الذميات بلا إشكال، بل المناط كله فيهما صحة الاعتبار لدى العقلاء و لا ريب في صحة اعتبارها في القيمة الحاصلة للعين الخارجية التي تزداد بها الرغبات في العين.

ثمَّ أن القيمة و ارتفاعها على أقسام.

الأول: المستقر منها فعلا، و لا ريب في صحة المالية و الملكية و تعلق

ص: 294

العين الموجودة بالنسبة (263) و لذا يصح له مطالبة القسمة، مع أن المملوك لا يلزم أن يكون موجودا خارجيا فإن الدين مملوك مع أنه ليس في الخارج (264)، و من الغريب إصرار صاحب الجواهر قدّس سرّه على الإشكال في ملكيته بدعوى أنه حقيقة ما زاد على عين الأصل و قيمة الشي ء أمر وهمي لا وجود له لا ذمة و لا خارجا، فلا يصدق عليه الربح (265).

______________________________

الخمس بذلك لفرض زيادة المالية و الملكية.

الثاني: ما تحصل و تزول، كجملة من زيادات الأسعار التي تتحقق و تزول في زمان يسير كقيمة بعض أوراق المالية في بعض الموارد.

الثالث: ما يكون له تحقق بحيث يعتني به عند التجار، و قد ذكرنا في كتاب الخمس الفرق بين هذين القسمين مراتب في تعلق الخمس و عدمه فراجع.

(263) لأن زيادة القيمة من مراتب وجود العين موجودة بوجودها و معتبرة بنفس اعتبارها، و لكن جعل نفس زيادة القيمة من الاعتباريات العقلائية التي تتعلق بها الأغراض المعاملية أولى من هذه التكلفات.

(264) لأن المالية و الملكية تدور مدار صحة الاعتبار و لا ريب في صحة اعتبار المال و الملك لما في الذمة.

و توهم: إن ما في الذمة حيث أن له مطابق خارجي يصح اعتبار الملك و المال فيه بخلاف المقام حيث انه ليس له مطابق خارجي.

فاسد: لأن الربح و الاسترباح و زيادة القيمة من أهم المقاصد العقلائية و أغراضهم المعاملية و أهم الاعتبارات العرفية، فكيف لا تكون لها خارجية مع أن خارجية الاعتبارات العرفية و الثروة المالية تدور مدار ذلك.

(265) خلاصة قول صاحب الجواهر: إن ما زاد على العين من الوهميات، و ليست الوهميات مما تتعلق بها الأحكام الشرعية، لكونها قائمة بالوهم و الخيال، و هذا منه قدّس سرّه بعيد لأنه جعل في كتابه الشريف في موارد مختلفة الزيادة

ص: 295

نعم، لا بأس أن يقال إنه بالظهور ملك أن يملك بمعنى أن له الإنضاض فيملك (266)، و أغرب منه أنه قال: «بل لعل الوجه في خبر عتق الأب ذلك أيضا (267) بناء على الاكتفاء بمثل ذلك في العتق المبني على السراية»، إذ لا يخفى ما فيه (268)، مع أن لازم ما ذكره كون العين بتمامها ملكا للمالك حتى مقدار الربح (269)، مع أنه ادعى الاتفاق على عدم كون مقدار حصة العامل من الربح للمالك (270). فلا ينبغي التأمل في أن

______________________________

و القيمة و الأرباح من الاعتباريات كما لا يخفى على المتفحص فيه- هذا مضافا إلى أنه مخدوش في حد نفسه- مخالف لأقواله الشريفة في موارد من كتابه، فلا بد و إن يحمل على نفي الفعلية المطلقة لا نفي المعرضية من كل جهة.

(266) مع صحة اعتبار الملكية له فعلا بنظر العرف لا نحتاج إلى هذا التكلف و نقول: «ملك أن يملك»، و ليس هذا إلا الأكل من القفا.

(267) الحق أن هذا بعيد من مثل صاحب الجواهر لأن «ملك أن يملك» ليس موجبا للعتق، بل هو اقتدار على تحصيل سبب العتق و لم يقل أحد أنه موجب للعتق بل و لا ينبغي أن يقال.

(268) لكونه مخالفا للأصل و العرف لأن ملكه لأن يملك أباه على فرض كونه موجبا لعتق أبيه لا ربط له بالمقام، فإنه ملك أن يملك قيمة أبيه لا نفسه حتى يوجب العتق لو فرض كونه صحيحا.

(269) لأن صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث جعل الربح أمرا وهميا فمقتضى قاعدة التبعية كون الربح و العين للمالك هذه خلاصة إشكال الماتن رحمه اللّه عليه و لكنه غير وارد إذ ليس المراد بما ذكره نفي الحيثية عن الربح رأسا و لا كونه معرضا لملكية العامل، كيف و انه صرح بعد ذلك بأنه ملك أن يملك فمراده قدّس سرّه من قوله: «قيمة الشي ء أمر وهمي» عدم الوجود الخارجي و الذمي لا نفي كل حيثية بالنسبة إلى العامل.

(270) تبين مما قلنا أن صاحب الجواهر رحمه اللّه لا يقول بأن مقدار حصة العامل

ص: 296

الأقوى ما هو المشهور (271).

نعم، إن حصل خسران أو تلف بعد ظهور الربح خرج عن ملكية العامل لا أن يكون كاشفا عن عدم ملكيته من الأول (272)، و على ما ذكرنا يترتب عليه جميع آثار الملكية من جواز المطالبة بالقسمة و إن كانت موقوفة على رضى المالك، و من صحة تصرفاته فيه من البيع و الصلح و نحوهما، و من الإرث (273) و تعلق الخمس و الزكاة و حصول الاستطاعة (274) للحج و تعلق حق الغرماء به و وجوب صرفه في الدين مع المطالبة إلى غير ذلك.

مسألة 35: الربح وقاية لرأس المال فملكية العامل له

(مسألة 35): الربح وقاية لرأس المال (275) فملكية العامل له

______________________________

للمالك، بل هو في مقام نفي الفعلية و إثبات المعرضية.

(271) و هو المرتكز في أذهان الناس أيضا و يمكن توجيه كلام مثل صاحب الجواهر رحمه اللّه إليه أيضا.

(272) إلا إذا صدق في عرف التجار أن هذه التجارة غير رابحة من الأول فيصح الكشف حينئذ، و لعل مراد من يقول بالكشف ذلك أيضا فلا نزاع حينئذ في البين، كما لا نزاع بين القول بالكشف و الملكية المتزلزلة، كما قد يقال في ملكية المرأة لتمام المهر قبل الطلاق، و بالطلاق قبل الدخول يرجع النصف إلى الزوج.

(273) الإرث ثابت على أي تقدير سواء كان بالنسبة إلى المال أو إلى الحق الثابت على كل تقدير، لإطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من ترك حقا أو مالا فهو لورثته» (1).

(274) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الموارد و المباني.

(275) للإجماع و السيرة، و لأن مقتضى قاعدة التبعية كون جميع الربح

ص: 297


1- لم أعثر على مصدر الحديث في المجامع إلا أن الفريقين أوردوه في كتبهم الفقهية الاستدلالية و تلقوه بالقبول فقد أورده الشهيد في المسالك ج: 2 كتاب الشفعة في مسألة أن الشفعة تورث، ط الحجرية، و في المغني لابن قدامة ج: 6 صفحة: 154 كتاب الإجارة ط: بيروت.

بالظهور متزلزلة (276) فلو عرض بعد ذلك خسران أو تلف يجبر به إلى أن تستقر ملكيته، و الاستقرار يحصل بعد الإنضاض و الفسخ و القسمة فبعدها إذا تلف شي ء لا يحسب من الربح (277). بل تلف كل على صاحبه (278).

و لا يكفي في الاستقرار قسمة الربح فقط (279) مع عدم الفسخ بل و لا قسمة الكل كذلك و لا بالفسخ مع عدم القسمة (280) فلو حصل خسران أو

______________________________

للمالك خرج منها صورة عدم تحقق الخسران و بقي الباقي، و أما حصول الملكية في الجملة للعامل فهو لأجل بناء المضاربة عليه، و مع أن الربح عند متعارف التجار إنما يلحظ بعد التحفظ على رأس المال و مع تحقق الخسران فيه فليس بناؤهم على احتساب الربح ما لم يجبر أصل المال به و أما الاستدلال بقول الصادق عليه السلام في موثق ابن عمار: «الربح بينهما و الوضيعة على المال» (1)، فأسقطه عن الاعتبار ظهور ذيله في كون الوضيعة على رأس المال مطلقا فهو مما لا يقول به أحد.

نعم، لا بأس بالاستدلال بظاهر صدره بناء على صحة التقطيع في الروايات و تقدم في الخمس ما يصلح للمقام، و إن كان إجراء جميع ما مر في الخمس فيما نحن فيه يحتاج إلى بسط الكلام.

(276) إذ لا معنى لكونه وقاية لرأس المال إلا ذلك.

(277) للأصل، و ظهور الإجماع، و انتهاء المضاربة بذلك، فلا معنى لتدارك ضرر الغير بملك شخص آخر.

(278) لما مر من استقرار الملكية لكل منهما، و صيرورة كل منهما أجنبيا عن الآخر.

(279) لأصالة بقاء حكم المضاربة، مضافا إلى ظهور الإجماع و كذا الكلام في قسمة الكل لو لم يكن ذلك فسخا فعليا.

(280) هذا يتصور على أقسام.

ص: 298


1- الوسائل باب: 3 من أبواب المضاربة حديث: 3.

تلف أو ربح كان كما سبق فيكون الربح مشتركا و التلف و الخسران عليهما و يتم رأس المال بالربح (281).

نعم، لو حصل الفسخ و لم يحصل الإنضاض و لو بالنسبة إلى البعض و حصلت القسمة فهل تستقر الملكية أم لا؟ إن قلنا بوجوب الإنضاض على العامل فالظاهر عدم الاستقرار، و إن قلنا بعدم وجوبه (282) ففيه وجهان

______________________________

الأول: أن يكون عدم القسمة كاشفا عن أن الفسخ كان لأجل غرض صحيح في البين لا أن يكون لأجل إبطال عقد المضاربة أصلا من حيث الموضوع و الحكم، و لا ريب في بقاء المضاربة موضوعا و حكما حينئذ و يترتب عليها جميع آثارها.

الثاني: عكس ذلك بأن يكون الفسخ قرينة على أن عدم القسمة كان لأجل جهة من الجهات الخارجية لا لأجل بقاء عقد المضاربة، و لا ريب في بطلان المضاربة حينئذ.

الثالث: الشك في انه من أي القسمين، و الظاهر صحة جريان الاستصحاب موضوعا و حكما لفرض الشك في تأثير الفسخ و عدم استظهار شي ء بالنسبة إليه، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فراجع و تأمل.

و توهم: أن هذا الأصل تعليقي فلا اعتبار به.

مردود: بأنه قد أثبتنا في الأصول اعتبار الاستصحاب التعليقي مطلقا.

و ثانيا: كيف يكون تعليقيا مع أنه غير معلق لا في ظاهر الدليل و لا في الواقع على شي ء، و ليس في البين إلا اليقين السابق و الشك اللاحق.

نعم، يمكن أن يتخيل و يجعل ذلك من التعليقي، و هذا جار في جملة كثيرة من الاستصحابات المطلقة كما لا يخفى على أهله.

(281) لأن هذا من آثار بقاء المضاربة، و المفروض بقاؤها في القسم الأول و الأخير.

(282) و هو الأقوى للأصل بعد عدم دليل عليه من نص أو إجماع معتبر.

ص: 299

أقواهما الاستقرار (283)، و الحاصل إن اللازم أولا دفع مقدار رأس المال للمالك، ثمَّ يقسم ما زاد عنه بينهما على حسب حصتهما فكل خسارة و تلف قبل تمام المضاربة يجبر بالربح و تماميتها بما ذكرنا من الفسخ و القسمة (284).

مسألة 36: إذا ظهر الربح و نضّ تمامه أو بعض منه فطلب أحدهما قسمته

(مسألة 36): إذا ظهر الربح و نضّ تمامه أو بعض منه فطلب أحدهما قسمته، فإن رضي الآخر فلا مانع منها (285) و إن لم يرض المالك لم يجبر عليها (286) لاحتمال الخسران بعد ذلك و الحاجة إلى جبره به، قيل (287):

______________________________

(283) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الخصوصيات و الجهات، و ليست المسألة تعبدية صرفة حتى يرجع فيها إلى الشرع، و لا من الموضوعات المستنبطة حتى يتبع فيها نظر الفقيه، فإن دلت القرائن الخارجية على بقاء المضاربة و أن الفسخ و القسمة و الإنضاض وقع لغرض يعمل بها، و إن دلت على انقطاع المضاربة يعمل بها أيضا، و إن لم يكن شي ء منها في البين و بقي الموضوع على الإهمال و الإجمال و التحير فأصالة بقاء المضاربة موضوعا و حكما جارية. و منه يظهر أن الاختلاف لفظي فتأمل تعرف ذلك.

كما يظهر من ذلك انه لا وجه لتعليق الحكم على وجوب الإنضاض و عدمه، إذ لا ربط له بقطع المضاربة إلا إذا كان من القرائن المعتبرة على انقطاعها بذلك فيرجع إلى ما قلناه.

(284) و هذا هو مقتضى المرتكزات في المضاربات الدائرة بينهم من تدارك الخسارة بالربح فليس، في البين تعبد شرعي من هذه الجهة حتى نحتاج إلى نقل الأقوال.

(285) لوجود المقتضى لها و فقد المانع عنها.

(286) لأصالة عدم السلطنة على إجبار الغير إلا بدليل يدل عليها. هذا مضافا إلى ما في المتن، و لكن كل ذلك مبني على عدم تمامية المضاربة.

(287) نسب ذلك إلى العلامة في قواعده.

ص: 300

و إن لم يرض العامل فكذلك أيضا (288)، لأنه لو حصل الخسران وجب عليه ردّ ما أخذه و لعله لا يقدر بعد ذلك عليه لفواته في يده و هو ضرر عليه، و فيه أن هذا لا يعدّ ضررا (289) فالأقوى انه يجبر إذا طلب المالك (290)، و كيف كان إذا اقتسماه ثمَّ حصل الخسران فإن حصل بعده ربح يجبر فهو، و إلا ردّ العامل أقل الأمرين من مقدار الخسران و ما أخذ من الربح لأن الأقل إن كان هو الخسران فليس عليه إلا جبره و الزائد له و إن كان هو الربح فليس عليه إلا مقدار ما أخذ، و يظهر من الشهيد (291) رحمه اللّه أن قسمة الربح موجبة لاستقراره و عدم جبره للخسارة الحاصلة بعدها (292) لكن قسمة مقداره ليست قسمة له من حيث إنه مشاع في جميع المال فأخذ مقدار منه ليس أخذا له فقط حيث قال- على ما نقل عنه-: «إن المردود أقل الأمرين مما أخذه العامل من رأس المال لا من الربح، فلو كان رأس المال مائة و الربح عشرين فاقتسماه العشرين، فالعشرون التي هي الربح مشاعة في الجميع نسبتها إلى رأس المال نسبة السدس فالمأخوذ سدس

______________________________

(288) هذا و ما قبله مبني على عدم تمامية المضاربة عرفا، و إلا فيصح الإجبار حينئذ لاستقرار ملكية كل منهما لحصته من الربح حينئذ فمقتضى قاعدة السلطنة صحة الإجبار حينئذ.

(289) لإمكان التحفظ من أن يتصرف، بل و لو تصرف و أغرم عليه أيضا لكون غرامته بدلا عن تصرفه.

(290) مع صدق تمامية المضاربة عرفا.

(291) و لا دليل من شرع أو عرف ما دامت المضاربة باقية.

(292) لعل نظر رحمه اللّه إلى صورة عدم تمامية المضاربة كما يظهر من تعليله.

و أما ما وجه به صاحب الجواهر كلام الشهيد من حمله على صورة فسخ المضاربة فهو حمل بعيد كما لا يخفى على من راجع تمام كلامه في المسالك.

ص: 301

الجميع فيكون خمسة أسداسها من رأس المال و سدسها من الربح فإذا اقتسماها استقر ملك العامل على نصيبه من الربح و هو نصف سدس العشرين، و ذلك درهم و ثلثان يبقى معه ثمانية و ثلث من رأس المال، فإذا خسر المال الباقي ردّ أقل الأمرين مما خسر و من ثمانية و ثلث».

و فيه (293) مضافا إلى أنه خلاف ما هو المعلوم من وجوب جبر الخسران الحاصل بعد ذلك بالربح السابق إن لم يلحقه ربح و ان عليه غرامة ما أخذه منه- أنظار أخر:

منها: إن المأخوذ إذا كان من رأس المال فوجوب ردّه لا يتوقف على حصول الخسران بعد ذلك.

و منها: أنه ليس مأذونا في أخذ رأس المال فلا وجه للقسمة المفروضة.

و منها: إن المفروض أنهما اقتسما المقدار من الربح بعنوان أنه ربح لا بعنوان كونه منه و من رأس المال، و دعوى انه لا يتعين لكونه من الربح بمجرد قصدهما مع فرض إشاعته في تمام المال، مدفوعة: بأن المال بعد حصول الربح يصير مشتركا بين المالك و العامل، فمقدار رأس المال مع حصة من الربح للمالك و مقدار حصة الربح المشروط للعامل له، فلا وجه لعدم التعين بعد تعيينهما (294) مقدار مالهما في هذا المال، فقسمة الربح في الحقيقة قسمة لجميع المال و لا مانع منها (295).

______________________________

(293) نقل رحمه اللّه كل ذلك من الجواهر.

(294) إذ لا ينفك التعين عن التعيين الذي لهما حق ذلك لكونهما من الصفات الإضافية كما هو معلوم.

(295) لفرض ثبوت حق لهما عليها فيكون المقتضى موجودا و المانع مفقودا كما هو المفروض.

ص: 302

مسألة 37: إذا باع العامل حصته من الربح بعد ظهوره صح

(مسألة 37): إذا باع العامل حصته من الربح بعد ظهوره صح مع تحقق الشرائط من معلومية المقدار و غيره، و إذا حصل خسران بعد هذا لا يبطل البيع (296)، بل يكون بمنزلة التلف فيجب عليه جبره بدفع أقل الأمرين (297) من مقدار قيمة ما باعه و مقدار الخسران.

مسألة 38: لا إشكال في أن الخسارة الواردة على مال المضاربة

(مسألة 38): لا إشكال في أن الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح (298) سواء كان سابقا عليها أو لاحقا ما دامت المضاربة باقية و لم يتم عملها (299).

نعم، قد عرفت ما عن الشهيد (300) من عدم جبران الخسارة اللاحقة بالربح السابق إذا اقتسماه و أن مقدار الربح من المقسوم تستقر

______________________________

(296) لأصالة لزومه، و عدم موجب لبطلانه إلا توهم أن الخسران يكشف عن بطلان البيع، إما لعدم الملك أو لتعلق حق المالك بجبر خسران رأس ماله و هو فاسد لفرض تحقق الملكية الظاهرية، و هي تكفي في صحة البيع و لزومه بعد إمكان جعل الخسران بمنزلة التلف و مجرد الشك في اللزوم و عدمه يكفي في الرجوع إلى أصالة اللزوم.

(297) لأصالة عدم وجوب الزائد عليه هذا بالنسبة إلى المالك، و أما بالنسبة إلى المشتري فالبيع لازم بالثمن المسمى لقرار المعاوضة عليه جامعا للشرائط.

ثمَّ إن دفع القيمة إنما هو في ما إذا كان المورد قيميا، و أما مع كونه مثليا فيجب دفع المثل.

(298) لبناء المضاربة على التحفظ على أصل المال بالربح الحاصل عند العرف.

(299) لإطلاق الدليل الشامل لجميع ذلك.

(300) و قد عرفت أنه لا وجه له إلا إذا كان الإنضاض و القسمة كافيا في الاستقرار، و لا كلية في ذلك لاختلاف ذلك باختلاف الأغراض و الخصوصيات.

ص: 303

ملكيته. و أما التلف فإما أن يكون بعد الدوران في التجارة أو بعد الشروع فيها أو قبله، ثمَّ إما أن يكون التالف البعض أو الكل، و أيضا إما أن يكون بآفة من اللّه سماوية أو أرضية أو بإتلاف المالك أو العامل أو الأجنبي على وجه الضمان (301)، فإن كان بعد الدوران في التجارة فالظاهر جبره بالربح (302) و لو كان لاحقا مطلقا سواء كان التالف البعض أو الكل كان التلف بآفة أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبي (303)، و دعوى: أن مع الضمان كأنه لم يتلف لأنه في ذمة الضامن، كما ترى (304).

نعم، لو أخذ العوض يكون من جملة المال (305)، بل الأقوى ذلك إذا كان بعد الشروع في التجارة (306)، و إن كان التالف الكل كما إذا اشترى في الذمة و تلف المال قبل دفعه إلى البائع فأداه المالك أو باع العامل المبيع

______________________________

(301) و حكم جميع تلك الصور لا بد و إن ينقح بحسب القواعد العامة و يأتي التعرض لبعضها.

(302) لظهور الإجماع عليه و عدم الخلاف فيه، و العرف يشهد له أيضا ما لم يكن منهما شرط على الخلاف.

(303) لإطلاق الدليل الشامل لجميع ذلك.

(304) أصل الدعوى كانت من جامع المقاصد، و ضعّفها جمع منهم، نفسه رحمه اللّه، و وجه الضعف انه مخالف لإطلاق معقد الإجماع، و لأن الضمان لا ينافي الجبران عرفا و عقلا و شرعا، فالجبران حكم ثابت بالأصل، و الضمان حكم ثانوي حصل بالتلف، و لا تنافي بينهما فإن انجبر بالربح يسقط الضمان، و إلا فيثبت الضمان و يسقط الانجبار بالربح.

(305) لأنه لا خسران و لا تلف حينئذ فيكون رأس المال تاما و تماما ما لم يكن غرض آخر في البين.

(306) لجريان ما مر آنفا فيه أيضا.

ص: 304

و ربح فأدى (307). كما ان الأقوى في تلف البعض الجبر و إن كان قبل الشروع أيضا (308) كما إذا سرق في أثناء السفر قبل أن يشرع في التجارة أو في البلد أيضا قبل أن يسافر، و اما تلف الكل قبل الشروع في التجارة فالظاهر انه موجب لانفساخ العقد، إذ لا يبقى معه مال التجارة حتى يجبر أو لا يجبر (309).

نعم، إذا أتلفه أجنبي و أدى عوضه تكون المضاربة باقية، و كذا إذا أتلفه العامل (310).

مسألة 39: العامل أمين

(مسألة 39): العامل أمين (311).

______________________________

(307) كل ذلك لصدق المضاربة على عمل العامل للعقد السابق الواقع بينه و بين المالك، و احتمال أنه إذا دفعه المالك عند تلف الكل فهو أجنبي عن المضاربة السابقة.

فاسد: لفرض أن دفعه للمال إنما هو بعنوان إبقاء المضاربة السابقة لا بعنوان آخر.

هذا كله إذا لم يكن التلف مورد فقد غرض عقلائي بالنسبة إلى المالك و إلا فتبطل المضاربة.

(308) لتحقق عقد المضاربة الموجب لترتب أحكامها مطلقا ما لم يدل دليل على الخلاف، و هو مفقود إلا احتمال الانصراف، و لكنه بدوي لا اعتبار به.

(309) لو كان مورد المضاربة عين المال من حيث هو، و أما لو كان الموضوع مالية المال بنحو الاعتبار العرفي فهي باقية اعتبارا، و لو بأن يبدلها المالك بمال آخر كما في صورة الإتلاف.

(310) لبقاء المالية و إن تلفت العين فالمضاربة باقية ببقاء المال.

(311) للإجماع، و السيرة، و ظواهر الأدلة و هذا الأمانة أمانة مالكية و تكون شرعية ثانوية تقريرا لما فعله المالك، و الظاهر انه من المسلمات الفطرية فضلا

ص: 305

فلا يضمن إلا بالخيانة (312) كما لو أكمل بعض مال المضاربة أو اشترى شيئا لنفسه فأدى الثمن من ذلك، أو وطأ الجارية المشتراة أو نحو ذلك، أو التفريط بترك الحفظ، أو التعدي بأن خالف ما أمره به أو نهاه عنه كما لو سافر مع نهيه عنه أو عدم إذنه في السفر، أو اشترى ما نهى عن شرائه، أو ترك شراء ما أمره به فإنه يصير بذلك ضامنا (313) للمال لو تلف و لو بآفة سماوية و إن بقيت المضاربة كما مر، و الظاهر ضمانه للخسارة الحاصلة بعد ذلك أيضا (314)، و إذا رجع عن تعدّيه أو خيانته فهل يبقى الضمان أو لا؟

وجهان، مقتضى الاستصحاب بقاؤه كما ذكروا في باب الوديعة أنه لو أخرجها الودعي عن الحرز بقي الضمان و إن ردها بعد ذلك إليه (315)،

______________________________

عن الفقهية، و تدل عليه نصوص كثيرة في أبواب متفرقة تقدمت جملة منها في كتاب الوديعة و غيرها (1).

(312) لانقلاب الموضوع حينئذ فيصير الأمين خائنا فتشمله قاعدة «اليد» لا محالة.

(313) لتحقق الخيانة في جميع ذلك كله، و هي عبارة أخرى عن التعدي و التفريط، و تقدم في كتاب الوديعة معنى كل منهما (2).

(314) للأصل بعد بقاء المضاربة، و عدم دليل على الخلاف، و بعد تحقق الموضوع تشمله جميع الأدلة الدالة على جبران الخسران بالربح.

ثمَّ الظاهر انه لا فرق بين ضمان المال و ضمان الوضيعة لاتحاد منشأ الضمان- و هي تحقق الخيانة- في كل واحد منهما إلا مع وجود قرينة على اختلافهما حكما، و هو يحتاج إلى التأمل.

(315) تقدم كل ذلك في (مسألة 24 و 26) من أحكام الوديعة فلا وجه

ص: 306


1- راجع ج: 18 صفحة: 284- 286.
2- راجع ج: 18 صفحة: 284- 287.

و لكن لا يخلو عن إشكال لأن المفروض بقاء الإذن (316) و ارتفاع سبب الضمان (317)، و لو اقتضت المصلحة بيع الجنس في زمان و لم يبع ضمن الوضيعة (318) إن حصلت بعد ذلك، و هل يضمن بنية الخيانة مع عدم فعلها؟ وجهان (319) من عدم كون مجرد النية خيانة، و من صيرورة يده حال النية بمنزلة يد الغاصب، و يمكن الفرق بين العزم عليها فعلا و بين العزم على أن يخون بعد ذلك.

مسألة 40: لا يجوز للمالك أن يشتري من العامل شيئا من مال المضاربة

(مسألة 40): لا يجوز للمالك أن يشتري من العامل شيئا من مال المضاربة لأنه ماله (320).

______________________________

للإعادة بالتكرار.

(316) بقاؤه مشكل جدا، و ما ذكره قدّس سرّه عين المدعى لأنه كان مقيدا بالأمانة حدوثا و بقاء و المفروض زوالها في الجملة فبأي وجه يجزم ببقاء الإذن، و يمكن الاختلاف باختلاف الخصوصيات و الجهات فربما يحكم ببقاء الاستيمان و ربما يحكم بعدمه و ربما يتردد فيه.

(317) الكلام فيه عين الكلام في سابقة من غير فرق.

(318) لتحقق الخيانة و ارتفاع الأمانة.

(319) الظاهر هو الأول إن كان في مقام الغصب و التغلب على المالك لأنه لو اطلع الناس على نيته لعدوه من الخائنين مع الفرض، فعدم عد النية من الخيانة إنما هو لأجل عدم الاطلاع عليها، و منه يظهر ان الفرق الذي ذكره قدّس سرّه غير صحيح إذا لوحظ باعتبار اطلاع العرف على نيته، إذ العرف يعدونه من الخيانة سواء كان بانيا عليها فعلا أو فيما بعد ذلك، و تقدم التفصيل في كتاب الوديعة (1).

(320) إن كان المانع منحصرا بهذا فقط، فيمكن دفعه لأن المالك مسلط

ص: 307


1- راجع ج: 18 صفحة: 288.

نعم، إذا ظهر الربح يجوز له أن يشتري حصة العامل منه (321) مع معلومية قدرها، و لا يبطل بيعه بحصول الخسارة بعد ذلك فإنه بمنزلة التلف، و يجب على العامل ردّ قيمتها (322) لجبر الخسارة كما لو باعها من غير المالك، و أما العامل فيجوز أن يشتري من المالك قبل ظهور الربح بل بعده (323). لكن يبطل الشراء بمقدار حصته من المبيع لأنه ماله (324).

نعم، لو اشترى منه قبل ظهور الربح بأزيد من قيمته بحيث يكون الربح حاصلا بهذا الشراء يمكن الإشكال فيه حيث إن بعض الثمن حينئذ يرجع إليه من جهة كونه ربحا (325) فيلزم من نقله إلى البائع عدم نقله من

______________________________

على ماله فيبدل بعض ماله ببعضه الآخر لغرض عقلائي، كما إذا كان عنده مائة دينار عراقي مثلا فبدلها بألف ريال سعودي من ماله و وضع المبدّل في خزينته بهذا العنوان، و لا مانع فيه من عقل أو شرع إلا أن يقال أن التبديل أعم من البيع و الشراء.

نعم، الغالب في المعاوضات اختلاف المالكين و تغايرهما، و يمكن دعوى انصراف الأدلة عما إذا اشترى ماله بماله، و لكنه انصرافه بدوي و ظاهرهم التسالم على جواز تحليل المالك أمته إلى عبده بلا حاجة إلى قبول العبد و يمكن أن يستأنس منه الجواز في المقام.

(321) لاختلاف المالكين حينئذ.

(322) بعد إقدام المالك على الثمن المسمى، و عدم جبر الزيادة إن كانت القيمة أكثر يجبر برد نفس ثمن المسمى و لو كان أقل من القيمة لأجل إقدام المالك عليه.

(323) لوجود المقتضى للشراء منه و فقد المانع عنه فتشمله الأدلة لا محالة.

(324) تقدم ما يتعلق بهذا التعليل.

(325) أي بالنسبة إلى رأس المال و إن كان خسرانا بالنسبة إلى المشتري،

ص: 308

حيث عوده إلى نفسه، و يمكن دفعه بأن كونه ربحا متأخر عن صيرورته للبائع فيصير أولا للبائع الذي هو المالك من جهة كونه ثمنا و بعد أن تمت المعاملة و صار ملكا للبائع و صدق كونه ربحا يرجع إلى المشتري الذي هو العامل على حسب قرار المضاربة فملكية البائع المتقدمة طبعا (326)، و هذا مثل ما إذا باع العامل مال المضاربة الذي هو مال المالك من أجنبي بأزيد من قيمته فإن المبيع ينتقل من المالك و الثمن يكون مشتركا بينه و بين العامل، و لا بأس به فإنه من الأول يصير ملكا للمالك ثمَّ يصير بمقدار حصة العامل منه له بمقتضى قرار المضاربة، لكن هذا على ما هو المشهور من أن مقتضى المعاوضة دخول المعوض في ملك من خرج عنه العوض و أنه لا يعقل غيره، و أما على ما هو الأقوى من عدم المانع من كون المعوض لشخص و العوض داخل في ملك غيره و أنه لا ينافي حقيقة المعاوضة (327) فيمكن أن يقال: من الأول يدخل الربح في ملك العامل بمقتضى قرار المضاربة فلا يكون هذه الصورة مثالا للمقام و نظيرا

______________________________

و الأول هو المناط في ملك العامل لا الثاني، فلا يرد ما ذكره بعض الأعاظم في المقام من أن بذل العامل أزيد من قيمة السلعة خسارة عليه- إلخ.

(326) يمكن فيه تصوير التقدم و التأخر الزماني الفرضي أيضا كما مر.

(327) لأن القرارات المعاملية تدور مدار الأغراض الصحيحة ما لم ينه عنها الشارع فمهما تحقق غرض صحيح غير منهي عنه تشمله الإطلاقات و العمومات، سواء كان ذلك على ما هو الغالب من دخول العوض في ملك من خرج منه المعوض، أو كان غير ذلك مع تحقق غرض صحيح في البين.

و توهم: انه لا يتحقق معنى المعاوضة إلا بأن يدخل المعوض في ملك من خرج عنه العوض لتقوم ذات المعاوضة بذلك.

مخدوش: فإن أول من ظهر منه ذلك العلامة رحمه اللّه و تبعه غيره بيان ذلك: إن

ص: 309

له (328).

مسألة 41: يجوز للعامل الأخذ بالشفعة من المالك في مال المضاربة

(مسألة 41): يجوز للعامل الأخذ بالشفعة من المالك في مال المضاربة و لا يجوز العكس (329)، مثلا إذا كانت دار مشتركة بين العامل و الأجنبي فاشترى العامل حصة الأجنبي بمال المضاربة يجوز له إذا كان قبل ظهور الربح أن يأخذها بالشفعة، لأن الشراء قبل حصول الربح يكون للمالك فللعامل أن يأخذ تلك الحصة بالشفعة منه، و أما إذا كانت الدار مشتركة بين المالك و الأجنبي فاشترى العامل حصة الأجنبي ليس للمالك الأخذ بالشفعة لأن الشراء له فليس له أن يأخذ بالشفعة ما هو له.

مسألة 42: لا إشكال في عدم جواز وطء العامل للجارية

(مسألة 42): لا إشكال في عدم جواز وطء العامل للجارية التي اشتراها بمال المضاربة بدون إذن المالك (330) سواء كان قبل ظهور الربح

______________________________

قوام المعاوضة و البدلية بأن يكون شي ء عوض عن شي ء آخر، و أما دخول العوض في ملك من خرج عنه المعوض فهو غالبي في المعاوضات و ليس من لوازم ذات التبديل و التعويض، و تقدم بعض الكلام في الإجارة (1) و البيع (2)، فراجع و لا وجه للإعادة بالتكرار.

(328) لأن البحث في المقام كان مبنيا على ما هو المشهور بين الفقهاء و ما ذكرناه عنوان مستقل صحيح للعمومات و الإطلاقات و تحقق الغرض الصحيح و لا ربط له بما هو المشهور المبني عليه المقام و نظيره.

(329) أما جواز الأول فلوجود المقتضي للأخذ بالشفعة و فقد المانع فتشمله أدلة الشفعة، و أما عدم الجواز في الثاني فلعدم موضوع للشفعة حينئذ على ما ذكره في المتن.

(330) لأصالة الحرمة في الأعراض إلا أن يدل على الحلية دليل صحيح أو

ص: 310


1- راجع صفحة: 217.
2- تقدم في ج: 16 صفحة: 220.

أو بعده، لأنها مال الغير أو مشتركة بينه و بين الغير الذي هو المالك (331).

فان فعل كان زانيا يحد مع عدم الشبهة (332) كاملا إن كان قبل حصول الربح و بقدر نصيب المالك إن كان بعده، كما لا إشكال في جواز وطئها إذا أذن له المالك (333) بعد الشراء و كان قبل حصول الربح، بل يجوز بعده على الأقوى (334) من جواز تحليل أحد الشريكين (335) صاحبه وطأ الجارية المشتركة بينهما، و هل يجوز له وطؤها بالإذن السابق في حال إيقاع عقد المضاربة أو بعده قبل الشراء أم لا؟ المشهور على عدم الجواز، لأن التحليل إما تمليك أو عقد و كلاهما لا يصلحان قبل الشراء (336). و الأقوى- كما عن الشيخ قدّس سرّه في النهاية- الجواز لمنع كونه أحد الأمرين (337)، بل

______________________________

نص صريح و هو مفقود.

(331) و لا يجوز لأحد الشريكين وطي الجارية المشتركة من دون تحليل من الآخر نصا و إجماعا، كما سيأتي في كتاب النكاح.

(332) أما الزنا فلعدم تحقق موجب الحلية كما مر، و أما الحد فلترتبه على ثبوت موضوعه قهرا و هو متحقق، و يأتي في محله، و أما الشبهة فلأن في مورد وطي الشبهة لا زنا فلا حد له لأنه وطي محلل شرعا، و يترتب عليه جميع أحكام وطئ المحلل إلا ما خرج بالدليل كما يأتي في كتاب النكاح إن شاء اللّه تعالى.

(333) لوجود المقتضى و فقد المانع، لكن يأتي إن شاء اللّه تعالى أن مجرد الإذن لا يكفي في جواز الوطي إلا إذا كان بعنوان التحليل.

(334) لقاعدة السلطنة، و بعض الاخبار التي يأتي في كتاب النكاح فلا وجه لذكره هنا.

(335) على ما يأتي تفصيله في كتاب النكاح و لا وجه للإعادة هنا.

(336) فيرجع إلى أصالة حرمة التصرف حينئذ.

(337) بل و لو كان من أحد الأمرين فلا ريب في أن المناط فيهما حصول

ص: 311

هو إباحة و لا مانع من إنشائها قبل الشراء إذا لم يرجع عن اذنه بعد ذلك كما إذا قال اشتر بمالي طعاما ثمَّ كل منه (338). هذا مضافا إلى خبر

______________________________

عنوان التحليل فهو الجامع بينهما، و لأجل كونهما مشتملا على هذا الجامع يوجبان الحلية، و التحليل ليس إلا الإذن في الوطي، و الحصر بينهما كما في ظاهر الآية الشريفة إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ (1)، إنما هو لوجود الجامع بينهما فيصح التحليل بنفس تحقق الجامع أيضا، فلا وجه حينئذ للرجوع إلى أصالة عدم ترتب الأثر مع وجود الإذن و التحليل الجامع بين الأمرين.

إن قيل: ظاهر الحصر إنشاء التحليل بأحدهما فقط فما لم ينشأ بأحدهما فلا يحصل التحليل و لا أثر للإذن حينئذ.

يقال: مع العلم بأن الجامع هو عنوان الإذن و التحليل و عدم انحصار عنوان التحليل و الإذن بصيغة خاصة، بل يحصلان بأي لفظ ظاهر فيه ظهور عرفي و لو بالقرينة فلا مانع منه لشمول العمومات له.

نعم، لو شك في الحصول شكا مستقرا لا يصح التمسك بالعمومات حينئذ، فيرجع إلى أصالة عدم ترتب الأثر.

(338) فيحصل منه إنشاءان مترتبة لا أن يكون الثاني من مجرد إحراز الرضا القلبي حيث يكتفى به و لو لم يكن إنشاء في البين كما في صحة الصلاة في مكان الغير مع العلم بالرضا و إن لم يظهر منه إنشاء الرضا أبدا، فلا فرق من هذه الجهة بين المثال و بين ما نحن فيه بعد صدق كون الثاني إنشاء مبرزا عرفا، و مترتبا على الأول و عدم كونه من مجرد الرضا القلبي من دون إبرازه في الخارج فيكون المقام مثل أن يقول شخص: «اشتر لي بيتا و هي عمرى لك ما دامت حياتك» فيصح العمرى بعد الشراء، و لا يحتاج إلى إنشاء جديد بالنسبة إلى العمرى.

ص: 312


1- سورة المؤمنون: 6.

الكاهلي (339) عن أبي الحسن عليه السلام: «قلت: رجل سألني أن أسألك أن رجلا أعطاه مالا مضاربة يشتري ما يرى من شي ء، و قال له: اشتر جارية تكون معك و الجارية إنما هي لصاحب المال إن كان فيها وضيعة فعليه و إن كان ربح له فللمضارب أن يطأها؟ قال عليه السلام: نعم». و لا يضر ظهورها في كون الشراء من غير مال المضاربة من حيث جعل ربحها للمالك، لأن الظاهر عدم الفرق بين المضاربة و غيرها في تأثير الإذن السابق و عدمه،

______________________________

نعم، لو قال: «اشتر لي بيتا و أجعلها عمرى لك» يحتاج حينئذ إلى إنشاء آخر كما هو واضح.

(339) ظهر مما ذكرنا أن الخبر (1)، ورد على طبق القاعدة لا أن يكون مخالفا لها، و لا ريب في اعتبار سنده و صراحة منه، و المناقشة فيه بأنه متروك مبنية على اجتهاد من تركه فيكون الترك اجتهاديا لا أن يكون لأجل أنه وصل إليه حجة معتبرة دالة على تركه و لم يصل إلينا فلا وجه للاعتماد على مثل هذا الترك أبدا.

و أما الإشكال على متنه.

أولا: بأن الجارية لم تكن من مال المضاربة لقول السائل: «هي لصاحب المال».

و ثانيا: أن قول المالك: «اشتر جارية تكون معك» لا يدل على كونها من مال المضاربة لأن الكون معه أعم من ذلك.

و ثالثا: أن مراد المالك من قوله: «تكون معك» أن تكون الجارية فراشا للعامل فلا ربط للحديث بالمضاربة.

و الكل باطل .. أما الأول: فلظهور قوله: «انما هي لصاحب المال» في كونه

ص: 313


1- الوسائل باب: 11 من أبواب المضاربة.

و أما وطء المالك لتلك الجارية فلا بأس به (340) قبل حصول الربح بل مع الشك فيه لأصالة عدمه، و أما بعده فيتوقف على إذن العامل فيجوز معه على الأقوى من جواز إذن أحد الشريكين صاحبه (341).

مسألة 43: لو كان المالك في المضاربة امرأة

(مسألة 43): لو كان المالك في المضاربة امرأة فاشترى العامل زوجها فإن كان بإذنها فلا إشكال في صحته (342) و بطلان نكاحها (343) و لا ضمان عليه و إن استلزم ذلك الضرر عليها بسقوط مهرها (344) و نفقتها (345)، و إلا ففي المسألة أقوال: البطلان مطلقا للاستلزام المذكور فيكون خلاف مصلحتها، و الصحة كذلك لأنه من أعمال المضاربة المأذون

______________________________

من مال المضاربة ظهور عرفيا في هذه القضية الواقعة بينهما.

و أما الثاني: فلأن ظهور السؤال و الجواب في مورد المضاربة خصوصا مع اهتمام الناس بأموالهم و عدم بذلها لغيرهم سيما في مثل الجواري يدل على كونها من مال المضاربة، و بذلك يظهر الجواب عن الثالث أيضا لأن بذل الجارية مجانا للغير بعيد عن السياق.

(340) لوجود المقتضى و فقد المانع بالنسبة إليه.

(341) يأتي التفصيل في محله و لا وجه للتكرار هنا.

(342) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها فتشمله الأدلة قطعا.

(343) لما يأتي في كتاب النكاح من أنه لو اشترت الزوجة زوجها يبطل النكاح بينهما و ظاهرهم التسالم عليه، و يقتضيه المرتكز العرفي أيضا، و قد ذكروا قاعدة كلية و هي: «لا يجتمع الملك مع النكاح».

(344) فيه تفصيل يأتي في كتاب النكاح.

(345) لأن هذا الضرر إنما جاء من ناحية الحكم الشرعي، مع انها لو كانت متوجهة إلى ذلك لكانت مقدمة عليه بنفسها فلا تجري قاعدة الضرر حينئذ، هذا مضافا إلى ما يأتي من الماتن في توجيه عدم الضرر.

ص: 314

فيها في ضمن العقد كما إذا اشترى غير زوجها، و الصحة إذا أجازت بعد ذلك، و هذا هو الأقوى، إذ لا فرق بين الإذن السابق و الإجازة اللاحقة، فلا وجه للقول الأول مع أن قائله غير معلوم و لعله من يقول بعدم صحة الفضولي إلا فيما ورد دليل خاص، مع أن الاستلزام المذكور ممنوع لأنها لا تستحق النفقة إلا تدريجا فليست هي مالا لها فوّته عليها و إلا لزم غرامتها على من قتل الزوج، و أما المهر فإن كان ذلك بعد الدخول فلا سقوط و إن كان قبله فيمكن أن يدعى عدم سقوطه أيضا بمطلق المبطل و إنما يسقط بالطلاق فقط، مع أن المهر كان لسيدها لا لها (346). و كذا لا وجه للقول الثاني بعد أن كان الشراء المذكور على خلاف مصلحتها، لا من حيث استلزام الضرر المذكور (347) بل لأنها تريد زوجها لأغراض أخر و الإذن الذي تضمنه العقد منصرف عن مثل هذا، و مما ذكرنا ظهر حال ما إذا اشترى العامل زوجة المالك، فإنه صحيح مع الإذن السابق أو الإجازة اللاحقة، و لا يكفيه الإذن الضمني في العقد للانصراف (348).

مسألة 44: إذ اشترى العامل من ينعتق على المالك

(مسألة 44): إذ اشترى العامل من ينعتق على المالك فإما أن يكون بإذنه أو لا، فعلى الأول و لم يكن فيه ربح صح و انعتق عليه (349) و بطلت المضاربة بالنسبة إليه لأنه خلاف وضعها أو خارج عن عنوانها، حيث إنها مبنية على طلب الربح المفروض عدمه، بل كونه خسارة محضة فيكون

______________________________

(346) لا بد من تذكير الضميرين لأن المفروض مملوكية الزوج لا الزوجة كما انه لا بد و إن يقيد بما إذا لم يهب السيد المهر إلى أحدهما.

(347) لما مر من الوجهين في عدم الضرر.

(348) لو لم يكن بدويا و كذا في سابقة.

(349) لشمول أدلة الانعتاق لهذه الصورة بلا إشكال و تقدم التفصيل في

ص: 315

صحة الشراء من حيث الإذن من المالك لا من حيث المضاربة، و حينئذ فإن بقي من مالها غيره بقيت بالنسبة إليه (350) و إلا بطلت من الأصل و للعامل أجرة عمله (351) إذا لم يقصد التبرع، و إن كان فيه ربح فلا إشكال في صحته (352)، لكن في كونه قراضا- فيملك العامل بمقدار حصته من العبد (353)، أو يستحق عوضه على المالك للسراية (354)- أو بطلانه مضاربة و استحقاق العامل أجرة المثل لعمله (355) كما إذا لم يكن ربح، أقوال، لا يبعد ترجيح الأخير (356) لا لكونه خلاف وضع المضاربة للفرق

______________________________

كتاب البيع فلا وجه للإعادة بالتكرار.

(350) لانحلال العقد و انبساطه بحسب أجزائه فالمقتضي للصحة موجود و المانع عنها مفقود.

(351) أما البطلان فلانتفاء موضوع الصحة، و أما أجرة العمل فلاحترامه و تحقق التسبيب من المالك، فإن هذا النحو من التسبيب من موجبات الضمان عرفا، و إن لم يكن مطلق الإذن موجبا له.

(352) لتحقق طبيعي الملكية بالنسبة إلى غير من ينعتق عليه، و هو موجب للصحة فتشمله العمومات و الإطلاقات.

(353) لعموم الأدلة الشامل لهذه الصورة بناء على عدم السراية.

(354) جمعا بين الحقين و تغليبا للحرية مهما أمكن، مضافا إلى ما تقدم في (مسألة 34) من الصحيحة.

(355) أما البطلان فلكونه خلاف المتعارف في المضاربات المعهودة و الشك في شمول الأدلة له يجزي في عدم صحة التمسك بها، و أما استحقاق الأجرة فلفرض احترام العمل، و تحقق التسبيب في الجملة.

(356) لصحة دعوى انصراف أدلة المضاربة على فرض شمولها عن مثل الفرض.

ص: 316

بينه و بين صورة عدم الربح، بل لأنه فرع ملكية المالك المفروض عدمها و دعوى أنه لا بد أن يقال إنه يملكه آنا ما ثمَّ ينعتق أو تقدر ملكيته حفظا لحقيقة البيع على القولين في تلك المسألة و أي منهما كان يكفي في ملكية الربح، مدفوعة (357) بمعارضتها بالانعتاق الذي هو أيضا متفرع على ملكية المالك فإن لها أثرين في عرض واحد ملكية العامل للربح و الانعتاق و مقتضى بناء العتق على التغليب تقديم الثاني، و عليه فلم يحصل للعامل ملكية نفس العبد (358) و لم يفوت المالك عليه أيضا شيئا (359) بل فعل ما يمنع عن ملكيته (360)، مع أنه يمكن أن يقال إن التفويت من الشارع لا منه (361) لكن الإنصاف أن المسألة مشكلة (362) بناء على لزوم تقدم ملكية المالك و صيرورته للعامل بعده، إذ تقدم الانعتاق على ملكية العامل عند المعاوضة في محل المنع (363).

______________________________

(357) أي: في خصوص المقام لوجود معارض أقوى و إلا فأصل الدعوى صحيحة كما تقدم في كتاب البيع.

(358) مع انه بناء على أن ملكيته متفرعة على ملكية المالك و مع عدم حصولها له و تحقق الانعتاق فكيف تحصل ملكية العامل؟!

(359) إن لم يكن الإذن في الشراء من التسبيب و إلا فبحصول التسبيب.

حصل التفويت، و الظاهر كونه تسبيب عرفا كما في جميع القرارات المعاملية.

(360) و هذا عبارة أخرى عن التفويت.

(361) لكن لو لم يكن قرار معاملي بينهما كيف يتحقق التفويت من الشارع و هل يمكن تحقق الحكم بلا موضوع؟!

(362) ظهر مما ذكرنا عدم الإشكال على ما قلناه.

(363) لأن دليل تغليب العتق اقتضائي امتناني لا يجري فيما إذا كان معارضا بشي ء آخر و أمكن الجمع بينهما كما في المقام.

ص: 317

نعم، لو قلنا إن العامل يملك الربح أولا بلا توسط ملكية المالك بالجعل الأولى حين العقد و عدم منافاته لحقيقة المعاوضة لكون العوض من مال المالك و المعوض مشتركا بينه و بين العامل- كما هو الأقوى- لا يبقى إشكال (364)، فيمكن أن يقال بصحته مضاربة (365)، و ملكية العامل حصته من نفس العبد على القول بعدم السراية (366)، و ملكيته عوضها إن قلنا بها. و على الثاني- أي إذا كان من غير إذن المالك- فإن أجاز فكما في صورة الإذن (367)، و إن لم يجز بطل الشراء (368) و دعوى البطلان و لو مع الإجازة لأنه تصرف منهي عنه (369) كما ترى إذ النهي ليس عن المعاملة بما هي بل لأمر خارج فلا مانع من صحتها مع الإجازة (370)، و لا

______________________________

(364) و قد قررنا ذلك فيما سبق فراجع (مسألة 40).

(365) بعد صدقها عليه عرفا.

و أما دعوى: أن مال المضاربة لا بد و إن يكون موردا للتقليب و التقلب و النقل و الانتقالات المتواردة، فإن أريد بذلك تقوم حقيقتها به فلا ريب في بطلانه. و ان أريد به أن الغالب فيها ذلك فهو صحيح، و لكن لا يعتبر في قوام ذاته بعد الصدق العرفي.

(366) بناء على اختصاصها بالعتق الاختياري دون غيره كما هو المنساق من أدلة السراية.

(367) لما مر مكررا من عدم الفرق بين الإذن السابق و الإجازة اللاحقة.

(368) لصدوره حينئذ عن غير أهله و في غير محله.

(369) لكونه موجبا لتلف مال المالك.

و فيه: ما ذكره رحمه اللّه و خلاصته أن المالك مسلط على ماله فله الإجازة بكل ما شاء و أراد.

(370) لأن المقام من صغريات الفضولي، و قد أثبتوا صحته مع حصول

ص: 318

فرق في البطلان مع عدمها بين كون العامل عالما بأنه ممن ينعتق على المالك حين الشراء أو جاهلا (371)، و القول بالصحة مع الجهل لأن بناء معاملات العامل على الظاهر فهو كما إذا اشترى المعيب جهلا بالحال، ضعيف، و الفرق بين المقامين واضح (372) ثمَّ لا فرق في البطلان بين كون الشراء بعين مال المضاربة أو في الذمة بقصد الأداء منه و إن لم يذكره لفظا (373).

نعم، لو تنازع هو و البائع في كونه لنفسه أو للمضاربة قدم قول البائع (374).

______________________________

الإجازة، و كونها موافقة للقاعدة، و مراده من النهي في المقام النهي عن التصرف في جميع العقود الفضولية لا النهي المختص بالمقام حتى يستشكل بعدم وجوده، و قد أثبتنا في بيع الفضولي إن مثل هذا النهي لا أثر له أصلا بعد حصول الإجازة فراجع.

(371) لعدم أثر لعلمه و جهله، و إنما المناط كله صحة انتساب الشراء إلى المالك.

(372) لأن الظاهر في الأشياء الصحة و يمكن إحرازها بالأمارات المعتبرة، أو بأصالة الصحة، و يشملها إذن المالك حينئذ لا محالة لكون ذلك متعارفا في التجارات المتداولة بين الناس، و الظاهر في المماليك انهم ليسوا ممن ينعتق على المالك، مع أن في مورد العيب لا ترد خسارة على المالك لتداركه بالخيار بخلاف المقام إذ لا وجه لرجوع الحر إلى المملوكية، و العبودية، و هذا فرق واضح بين المقامين.

(373) لوقوع الشراء في الصورتين بمال المضاربة و المفروض عدم اجازة المالك لها فيهما.

(374) لكون قوله مطابقا للظاهر على التقديرين فإنه إن ادعى المضاربة

ص: 319

و يلزم العامل به ظاهرا (375) و إن وجب عليه التخلص منه (376). و لو لم يذكر المالك لفظا و لا قصدا كان له ظاهرا و واقعا (377).

مسألة 45: إذا اشترى العامل أباه أو غيره ممن ينعتق عليه

(مسألة 45): إذا اشترى العامل أباه أو غيره ممن ينعتق عليه فإن كان قبل ظهور الربح و لا ربح فيه أيضا (378) صح الشراء و كان من مال القراض (379)، و إن كان بعد ظهوره، أو كان فيه ربح (380) فمقتضى القاعدة و إن كان بطلانه لكونه خلاف وضع المضاربة فإنها موضوعة- كما مر- للاسترباح بالتقليب في التجارة، و الشراء المفروض من حيث

______________________________

يكون قوله مطابقا لظاهر حال العامل من حيث هو عامل، و إن ادعى أن المشتري اشتراه لنفسه يكون مطابقا لظاهر الخطاب، و لكن لا بد من إثبات قوله بالبينة إن أمكن و إلا فباليمين كما انه لا بد من تقييده بما إذا لم يكن أظهر في البين.

(375) لأنه لا معنى لتقديم قوله إلا إلزام خصمه به ظاهرا، و أما الواقع فلا يتغير عما هو عليه.

(376) لما يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى من أن موازين القضاء انما ينفع في رفع الخصومة ظاهرا، و لكن الواقع باق على حاله.

(377) لحجية ظاهر لفظه في قوله اشتريت بالنسبة إلى نفسه حينئذ من دون قرينة على الخلاف لا واقعا و لا ظاهرا.

(378) أي: ما دام في يد العامل، و يمكن أن يجعل هذه الكلمة «لا ربح فيه أيضا» بيانا و تأكيدا لموضوع الصحة و عدم الانعتاق، فكأنه قال قبل ظهور الربح مع انه لا ربح فيه واقعا، و هذا قسم من الأقسام التي يتعرض لها بعد ذلك.

(379) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها لفرض أن العامل لا شي ء له من هذه المعاملة حتى يملك شيئا من العبد، و يوجب ذلك العتق فلا بد حينئذ من الصحة.

(380) أي: معرضيته للربح عند متعارف التجار و صيرورته فعليا بعد ذلك،

ص: 320

استلزامه للانعتاق ليس كذلك (381)، إلا أن المشهور بل ادعي عليه الإجماع (382) صحته، و هو الأقوى (383) في صورة الجهل بكونه ممن ينعتق عليه، فينعتق مقدار صحته من الربح منه و يسري في البقية و عليه عوضها للمالك مع يساره و يستسعى العبد فيه مع إعساره (384)، لصحيحة ابن أبي عمير، عن محمد بن قيس عن الصادق (385): «في رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه و هو لا يعلم، قال عليه السلام:

يقوّم فإن زاد درهما واحدا انعتق و استسعى في مال الرجل».

و هي مختصة بصورة الجهل (386) المنزل عليها إطلاق كلمات العلماء

______________________________

و هذا هو القسم الثاني.

(381) كون مال المضاربة في معرض التقليب و التقلب مسلّم، و لكن كون ذلك مقوما لحقيقتها أول الدعوى.

نعم، الغالب في المضاربات الواقعة خارجا هو ذلك فلا نسلم كون البطلان مقتضى القاعدة بحسب ذات المضاربة.

(382) يظهر ذلك عن جمع منهم صاحب السرائر و الجواهر، و المتيقن من هذا الإجماع خصوص الصحة في الجملة لا سائر الجهات المربوطة بالمسألة من تعيين الساعي في بقية القيمة و سائر الفروع المتفرعة عليه، بل لا بد فيها من الرجوع إلى الدليل.

(383) ظهر مما من أن الصحة موافقة للعمومات و الإطلاقات بعد عدم كون التقليب و التقلب من مقوماتها الذاتية كما تقدم.

(384) هذه الفروع موضع تنقيحها محل آخر، و لا يكتفي فيها بهذا الإجمال الذي ذكره رحمه اللّه.

(385) لا وجه للاختصاص بعد كونه ورد في كلام السائل، و ما هو المسلم من أن المورد لا يكون مخصصا لإطلاق الجواب.

(386) يمكن القول بالتعميم إلى صورة العلم من جهة بناء العتق على

ص: 321

أيضا (387)، و اختصاصها بشراء الأب لا يضر بعد كون المناط كونه ممن ينعتق عليه (388) كما أن اختصاصها بما إذا كان فيه ربح لا يضر أيضا بعد عدم الفرق بينه و بين الربح السابق (389)، و إطلاقها من حيث اليسار و الإعسار في الاستسعاء أيضا منزل على الثاني جمعا بين الأدلة (390)، هذا و لو لم يكن ربح سابق (391) و لا كان فيه أيضا لكن تجدد بعد ذلك قبل أن يباع (392) فالظاهر أن حكمه أيضا

______________________________

التغليب مطلقا، و لأصالة الصحة في المقام، و لما مر آنفا من أن مورد السؤال لا يكون مقيدا لإطلاق الحكم فتنزيل إطلاق الكلمات على ما ذكر تنزيل بغير دليل.

(387) فيكون ذكر الأب مثالا لعنوان من ينعتق عليه فيشمل جميع ما مر في كتاب البيع من الأقارب (1).

(388) الربح فيمن ينعتق عليه يتصور على أقسام.

الأول: الربح الحاصل حين الشراء و بقائه مستمرا.

الثاني: الربح الحاصل حين الشراء و زواله بعده بقليل.

الثالث: المعرضية العرفية للربح في يد العامل- و لكن لم يحصل بعد- بحيث يقال أن المعاملة رابحة. و سيأتي القسم الرابع.

(389) أي: دليل الانعتاق القهري و دليل السراية، و ما دل على انه مع تمكنه فعليه، و مع عدمه يستسعي العبد، و تفصيل هذا الإجمال لا بد و إن يذكر في محله مع خروج جميع هذه الفروع في هذه المسألة عن مورد الابتلاء.

(390) أي: الحاصل حين حدوث الشراء.

(391) ما دام في يد العامل و هذا هو القسم الرابع.

(392) أما الانعتاق فلفرض ملك العامل لبعض من ينعتق عليه، و أما السراية

ص: 322


1- تقدم في ج: 18 صفحة: 91.

الانعتاق و السراية بمقتضى القاعدة (393) مع إمكان دعوى شمول إطلاق الصحيحة أيضا (394) للربح المتجدد فيه فيلحق به الربح الحاصل من غيره لعدم الفرق (395).

مسألة 46: قد عرفت أن المضاربة من العقود الجائزة

اشارة

(مسألة 46): قد عرفت أن المضاربة من العقود الجائزة (396)، و أنه يجوز لكل منهما الفسخ إذا لم يشترط لزومها في ضمن عقد لازم، بل أو

______________________________

فلقاعدة السراية، و بناء العتق على التغليب التي ثبتت في محلها.

(393) مع أن ما هو المسلم بين أصحابنا، و المركوز في أذهان الأنام تغليب الحرية مهما أمكنهم ذلك.

(394) كما إذا كان مال المضاربة مركبا من من ينعتق عليه و من غيره فربح في غيره، فيجري فيه جميع ما تقدم من الصور و أحكامها لفرض صحة انتساب الربح إلى المجموع و منه من ينعتق عليه.

نعم، لو كانت التجارة متغايرة عرفا بأن كان بالنسبة إلى من ينعتق عليه تجارة مستقلة و لم يربح فيه بشي ء و كان غيره أيضا مستقلة و ربح فيه و كانت التجارتان متباينتان في عرف التجار فلا وجه للإلحاق حينئذ، و بذلك يمكن أن يجمع بين كلماتهم المشتتة فراجع و تأمل.

(395) تقدم في المسألة الثانية من أول الكتاب فلا وجه للإعادة خوفا من الإطالة بالتكرار.

(396) لعموم ما دل على وجوب الوفاء بالشرط الشامل لذلك كله، و الإشكال عليه منحصر بأنه مخالف لذات المضاربة لبناء ذاتها على الجواز فلا تقبل التغيير لكون تغييرات الذات و انقلابه محال كما ثبت في محله.

و فيه: إنه صحيح إذا ثبت أن الذات ذاتي بالذاتي المنطقي، و هو باطل لأن الاعتباريات بمعزل عن ذلك، بل هي اعتباريات عقلائية لا اقتضائية بالنسبة إلى العوارض الخارجية، و كونها عن اقتضاء ذاتي يحتاج إلى عناية زائدة و وجود

ص: 323

في ضمن عقدها أيضا (397). ثمَّ قد يحصل الفسخ من أحدهما و قد يحصل البطلان و الانفساخ لموت أو جنون أو تلف مال التجارة بتمامها أو لعدم إمكان التجارة لمانع أو نحو ذلك (398)، فلا بد من التكلم في حكمها من حيث استحقاق العامل للأجرة و عدمه، و من حيث وجوب الإنضاض (399) عليه و عدمه إذا كان بالمال عروض، و من حيث وجوب الجباية عليه و عدمه إذا كان به ديون على الناس، و من حيث وجوب الرد إلى المالك و عدمه، و كون الأجرة عليه أو لا، فنقول: إما أن يكون الفسخ من المالك أو العامل، و أيضا إما أن يكون قبل الشروع في التجارة، أو في مقدماتها، أو بعده قبل ظهور الربح، أو بعده في الأثناء، أو بعد إتمام التجارة بعد إنضاض الجميع، أو البعض، أو قبله قبل القسمة، أو بعدها، و بيان أحكامها في طي مسائل (400).

الأولى: إذا كان الفسخ أو الانفساخ و لم يشرع في العمل

الأولى: إذا كان الفسخ أو الانفساخ و لم يشرع في العمل و لا في مقدماته فلا إشكال و لا شي ء له و لا عليه (401)، و إن كان بعد تمام العمل

______________________________

دليل خاص عليه و هو مفقود و مقتضى الأصل عدمها.

(397) أما حصول الفسخ من أحدهما أو من كليهما فلا ريب في انحلال المضاربة به لأن هذا هو معنى جواز المضاربة. و أما البطلان في البقية فهو واضح إما لزوال الموضوع أو لفقد شرائط الصحة كما تقدم.

(398) الإنضاض: هو جعل المال نقدا بعد أن كان متاعا.

(399) فهذه كلها موضوعات للفروع الآتية.

(400) أما عدم الإشكال في انفساخ المضاربة فلزوال موضوعها، و منه يظهر حكم انه لا شي ء له و لا عليه إذ لم يحصل منه عمل حتى يستحق شيئا.

(401) فلا إشكال في تمامية المضاربة و انه لا شي ء للعامل و لا عليه زائدا عما بنيا عليه من الربح فيقتسمانه.

ص: 324

و الإنضاض فكذلك (402) إذ مع حصول الربح يقتسمانه و مع عدمه لا شي ء للعامل و لا عليه إن حصلت خسارة (403) إلا أن يشترط المالك كونها بينهما على الأقوى من صحة هذا الشرط (404) أو يشترط العامل على المالك شيئا إن لم يحصل ربح (405)، و ربما يظهر من إطلاق بعضهم (406) ثبوت أجرة المثل مع عدم الربح، و لا وجه له أصلا (407) لأن بناء المضاربة على عدم استحقاق العامل لشي ء سوى الربح على فرض حصوله كما في الجعالة.

الثانية: إذا كان الفسخ من العامل في الأثناء قبل حصول الربح

الثانية: إذا كان الفسخ من العامل في الأثناء قبل حصول الربح فلا أجرة له لما مضى من عمله (408)، و احتمال استحقاقه لقاعدة الاحترام لا

______________________________

(402) أما عدم شي ء للعامل فلفرض عدم حصول الربح فينتفي حقه الاقتضائي بانتفاء الموضوع، و أما عدم شي ء عليه إن حصلت خسارة فلأنه لا بد و إن يجبر الخسارة بالربح لا من مال العامل و المفروض عدم الربح.

(403) تقدم التفصيل في (مسألة 4) فلا وجه للتكرار بالإعادة.

(404) بناء على صحة هذا الشرط كما هو الظاهر.

و دعوى: كونه مخالف لمقتضى المضاربة.

مردود: بأنه مخالف لإطلاقها الغالبي لا ذاتها.

(405) يظهر ذلك من العلامة في التذكرة.

(406) لما مر و يأتي من إقدامه على العقد الذي بناؤه على عدم الاستحقاق لشي ء إلا بعض الربح فقط، و لم يحصل ذلك.

(407) لما تقدم من إقدام العامل على أن ما يكون له إنما هو من الربح- لو حصل- لا من غيره.

(408) لإقدامه على أن ما يستحقه إنما هو من الربح فقط فهو قد حصر عوض عمله في الربح فقط باختياره، و أسقط احترام عمله من هذه الجهة.

ص: 325

قولان، أقواهما العدم أيضا بعد كونه هو المقدم على المعاملة الجائزة التي مقتضاها عدم استحقاق شي ء إلا الربح (409)، و لا ينفعه بعد ذلك كون إقدامه من حيث البناء على الاستمرار (410).

الثالثة: لو كان الفسخ من العامل بعد السفر بإذن المالك

الثالثة: لو كان الفسخ من العامل بعد السفر بإذن المالك و صرف جملة من رأس المال في نفقته فهل للمالك تضمينه مطلقا أو إذا كان لا لعذر منه؟ وجهان، أقواهما العدم لما ذكر من جواز المعاملة و جواز الفسخ في كل وقت فالمالك هو المقدم على ضرر نفسه (411).

______________________________

(409) مضافا إلى أصالة براءة ذمة المالك عن إعطاء شي ء له، و منشأ القول الآخر الذي هو ثبوت أجرة العمل قاعدة الاحترام أولا، و التسبيب من المالك ثانيا، و الاستيفاء ثالثا.

و الكل مخدوش لأن ذلك كله فيما إذا لم يكن إقدام من العامل على إسقاط ذلك كله، و هو اقدامه على العقد الجائز الذي هو في معرض الزوال فكأنه أقدم على هتك حرمة عمله، و لكن الحكم مع ذلك مشكل لصدق الاستيفاء و الاحترام في العقود الجائزة إذا فسخ الطرف أو انفسخ عند المتشرعة فالأحوط لهما التراضي.

(410) لعدم ربط لهذا البناء بالضمان فمع صدق الاستيفاء و نحوه يضمن كان بانيا عليه أو لا و مع عدم الصدق لا ضمان كذلك.

(411) بإقدامه على المعاملة الجائزة كما مر نظير ذلك في ذيل المسألة الثانية بالنسبة إلى العامل، و لكن إطلاق القول بالنسبة إلى صورة عدم العذر مشكل إن لم يكن ممنوعا لإطلاق ما مر من النص (1)، من أخذه لنفقة السفر فلا يترك الاحتياط.

ص: 326


1- ذكره الماتن في صفحة: 270 و في الوسائل باب: 6 من أبواب المضاربة حديث:

الرابعة: لو حصل الفسخ أو الانفساخ قبل حصول الربح و بالمال عروض لا يجوز للعامل التصرف فيه بدون إذن المالك ببيع و نحوه

الرابعة: لو حصل الفسخ أو الانفساخ قبل حصول الربح و بالمال عروض لا يجوز للعامل التصرف فيه بدون إذن المالك ببيع و نحوه (412)، و إن احتمل تحقق الربح بهذا البيع، بل و إن وجد زبون (413) يمكن أن يزيد في الثمن فيحصل الربح (414).

نعم، لو كان هناك زبون بان على الشراء بأزيد من قيمته لا يبعد جواز إجبار المالك على بيعه منه، لأنه في قوة وجود الربح فعلا، و لكنه مشكل مع ذلك (415). لأن المناط كون الشي ء في حد نفسه زائد القيمة (416) و المفروض عدمه (417)، و هل يجب عليه البيع و الإنضاض إذا طلبه

______________________________

(412) لأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه، و المفروض زواله و انتفاؤه.

(413) الزبون: دفع المال لأن يشتري به فعلا و يطلق على المشتري.

(414) في جميع هذه الموارد مع إقدام متعارف التجار على البيع فيها يمكن أن يقال بأن له مطالبة المالك بتمكينه من البيع لفرض ثبوت حق اقتضائي له أيضا: فيكون جميع ذلك من شؤون حقه الاقتضائي.

(415) لأصالة عدم ثبوت حق الإجبار لأحد على أحد. و لو بدل رحمه اللّه قوله: «لا يبعد جواز إجبار المالك» ب «يصح له مطالبة المالك» لسلم عن هذا الإشكال.

(416) هذا مسلم لا ريب فيه بالنسبة إلى اشتراك العامل مع المالك في العروض و أما استحقاقه لتحصيل الربح فمناطه المعرضية العرفية للبيع، سواء كان ذلك لزيادة القيمة السوقية أو لوجود الراغب الفعلي الشخصي فيه بالزيادة فلا فرق فيهما من هذه الجهة، و لكن مقتضى الأصل عدم الولاية على الإجبار في القسمين للعامل ببيع حصته و طلب القيمة بناء على كونه شريكا مع المالك بعد ظهور الربح.

(417) و لو فرض وجوده يشكل الإجبار أيضا.

ص: 327

المالك أو لا؟ قولان أقواهما عدمه (418)، و دعوى أن مقتضى قوله عليه السلام:

«على اليد ما أخذت حتى تؤدي» وجوب رد المال إلى المالك (419) كما كان، كما ترى (420).

الخامسة: إذا حصل الفسخ و الانفساخ بعد حصول الربح قبل إتمام العمل أو بعده

الخامسة: إذا حصل الفسخ و الانفساخ بعد حصول الربح قبل إتمام العمل أو بعده و بالمال عروض فإن رضيا بالقسمة كذلك فلا إشكال (421)، و إن طلب العامل بيعها فالظاهر عدم وجوب إجابته (422)، و إن احتمل ربح فيه خصوصا إذا كان هو الفاسخ (323)، و إن طلبه المالك ففي وجوب

______________________________

نعم، تصح المطالبة بالبيع على كل حال.

(418) لأصالة البراءة عن الوجوب بعد عدم دليل عليه هذا إذا لم يكن تعارف على الخلاف.

(419) بدعوى: انه يجب عليه البيع و الإنضاض و لو من دون إجبار مقدمة لرد المال- إلى المالك- الذي هو واجب بمقتضى قاعدة اليد.

(420) لأن قاعدة اليد تدل على وجوب رد المال كما أذن المالك فيه، و المفروض انه أذن في التغيير و التبديل بحسب عقد المضاربة، فلا منشأ لوجوب الإنضاض- مقدمة للرد- مع هذا الإذن بل هو تصرف في مال الغير من دون إحراز إذنه، بل مقتضى وجوب رد الأمانة إلى صاحبه وجوب الرد بلا إنضاض.

(421) لوجود المقتضي لصحة القسمة حينئذ و فقد المانع عنها فتصح لا محالة.

(422) للأصل بعد زوال القرار العقدي بينهما بواسطة الفسخ أو الانفساخ إلا إذا كان عرف معتبر على لزوم الإجابة حينئذ فيتبع لا محالة لبناء العقد عليه عرفا، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن يقول بالوجوب أي: فيما إذا كان عرف معتبر على البيع حينئذ و من يقول بالعدم أي في صورة عدمه.

(423) لأن الفسخ حصل من ناحيته فلا وجه لوجوب اجابته.

ص: 328

إجابته و عدمه وجوه (424)، ثالثها التفصيل بين صورة كون مقدار رأس المال نقدا فلا يجب و بين عدمه فيجب، لأن اللازم تسليم مقدار رأس المال كما كان (425) عملا بقوله صلّى اللّه عليه و آله «على اليد» (426) و الأقوى عدم الوجوب مطلقا (427)، و إن كان استقرار ملكية العامل للربح موقوفا على (الإنضاض) (428)، و لعله يحصل الخسارة بالبيع (429)

______________________________

(424) وجه وجوب الإجابة ان ذلك مع طلبه من متممات المضاربة و ان حصل الفسخ و الانفساخ صورة، و وجه عدم الوجوب الجمود على تمامية المضاربة بأحدهما و صيرورة المالك أجنبيا بالفسخ و الانفساخ فلا موضوع للوجوب حينئذ، و يظهر أن نزاعهم في الوجوب و عدمه صغروي، و المرجع متعارف التجار فقد يحكمون بأن البيع من متمماته، و قد يحكمون بالعدم، و مع الشك فالمرجع أصالة البراءة عن الوجوب إن صدق انقطاع المضاربة بالكلية عرفا، و مع عدم الصدق المرجع استصحاب بقاء لوازم المضاربة، و هذه خلاصة أقوالهم المتشتته فراجع و تأمل.

(425) اللازم انما هو التسليم بمالية المال لا بعين شخصية، و ذلك لا ينافي وجوب إجابته في البيع.

(426) بناء على انقطاع المضاربة بالكلية. و أما بناء على بقائها و لو في الجملة عرفا يشكل التمسك بإطلاقه في نظائر المقام مما للغير فيه حق اقتضائي، إذ للعامل حينئذ حق اقتضائي في المال فله أن يعمل حقه كيف ما يريد.

(427) هذا الإطلاق ممنوع فيما إذا كان متعارف التجار على الخلاف، و تقدم في (مسألة 35) ما يناسب المقام.

(428) هذا مسلّم و لكن لا ربط له بوجوب اجابة المالك و عدمه.

(429) دليل آخر لعدم وجوب الإجابة.

ص: 329

إذ لا منافاة (430)، فنقول لا يجب عليه الإنضاض بعد الفسخ (431) لعدم الدليل عليه (432)، لكن لو حصلت الخسارة بعده قبل القسمة بل أو بعدها يجب جبرها بالربح (433) حتى أنه لو أخذه يسترد منه.

السادسة: لو كان في المال ديون على الناس فهل يجب على العامل أخذها

السادسة: لو كان في المال ديون على الناس فهل يجب على العامل أخذها و جبايتها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا؟ وجهان، أقواهما العدم (434) من غير فرق بين أن يكون الفسخ من العامل أو المالك (435).

السابعة: إذا مات المالك أو العامل قام وارثه مقامه

السابعة: إذا مات المالك أو العامل قام وارثه مقامه فيما مر من الأحكام (436).

______________________________

و فيه: أن هذا الاحتمال جار في كل بيع يقع في المضاربة.

نعم، لو فرض تسامح من العامل في ذلك لا يجب الإجابة.

(430) أي: لا منافاة بين جبر الخسارة بالربح و استقرار ملكية العامل على الإنضاض.

(431) بيان لعدم المنافاة.

(432) إن تمت المضاربة عرفا، و قد تقدم في (مسألة 35) ما يرتبط بالمقام فراجع و تأمل.

(433) مع بقاء المضاربة، و الحق أن متعارف التجار في المضاربة أعرف بهذه الخصوصيات من غيرهم فلا وجه لهذا الإتعاب لفظا و معنى.

(434) الظاهر اختلاف ذلك أيضا بحسب اختلاف المتعارف بين التجار و العمال و أنواع المضاربات فإن عقد المضاربة ينزل على ما هو المتعارف.

(435) و لا بد من الاحتياط في هذه المسائل الفاقدة للدلائل.

(436) لانتقال المال و الحق إلى الورثة فينتقل الحكم لا محالة بانتقال موضوعا، إلا إذا كان الحق مختصا بالعامل أو كان شي ء من مجرد الحكم فقط كوجوب الإنضاض على ما قيل فلا وجه للإرث حينئذ.

ص: 330

الثامنة: لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد من التخلية

الثامنة: لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد من التخلية بين المالك و ماله (437)، فلا يجب عليه الإيصال إليه (438).

نعم، لو أرسله إلى بلد آخر غير بلد المالك و لو كان بإذنه يمكن دعوى وجوب الرد إلى بلده، لكنه مع ذلك مشكل (439)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«على اليد ما أخذت» أيضا لا يدل على أزيد من التخلية (440)، و إذا احتاج الرد إليه إلى الأجرة فالأجرة على المالك (441) كما في سائر الأموال.

نعم، لو سافر به بدون إذن المالك إلى بلد آخر و حصل الفسخ فيه يكون حاله حال الغاصب (442) في وجوب الرد و الأجرة، و إن كان ذلك

______________________________

(437) لما مر في أحكام القبض و التسليم من أنهما عبارة أخرى عن التخلية بين المال و مالكه.

(438) مقتضى وجوب رد الأمانات إلى أهلها هو الإيصال، إلا إذا كان نفس التخلية و إعلام المالك بذلك إيصالا عرفا فيجزي حينئذ فيصير النزاع لفظيا.

(439) لأصالة البراءة عن الوجوب من غير دليل حاكم عليها، إلا إذا كانت قرينة معتبرة على الخلاف فتتبع لا محالة لوقوف قرار عقد المضاربة عليها حينئذ.

(440) إن لم تكن قرينة معتبرة في البين على الخلاف، و الا فهي المتبعة.

(441) لأنها حينئذ من مصالح المالك فلا بد و ان تكون عليه، و مقتضى الأصل عدم وجوبها على العامل.

(442) لأنه غاصب حينئذ بالنسبة إلى الخصوصية التي أقدم عليها بدون إذن المالك فيشمله إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (1)، فتكون الخسارات عليه لقوله عليه السلام: «الغصب كله مردود» (2).

ص: 331


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب حديث: 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب حديث: 3.

منه للجهل بالحكم الشرعي (443) من عدم جواز السفر بدون إذنه.

مسألة 47: قد عرفت أن الربح وقاية لرأس المال

(مسألة 47): قد عرفت أن الربح وقاية لرأس المال (444) من غير فرق بين أن يكون سابقا على التلف أو الخسران أو لاحقا فالخسارة السابقة تجبر بالربح اللاحق و بالعكس (445)، ثمَّ لا يلزم أن يكون الربح حاصلا من مجموع رأس المال، و كذا لا يلزم أن تكون الخسارة واردة على المجموع، فلو اتجر بجميع رأس المال فخسر ثمَّ اتجر ببعض الباقي فربح يجبر ذلك الخسران بهذا الربح، و كذا إذا اتجر بالبعض فخسر ثمَّ اتجر بالبعض الآخر أو بجميع الباقي فربح (446)، و لا يلزم في الربح أو الخسران أن يكون مع بقاء المضاربة حال حصولها فالربح مطلقا جابر للخسارة و التلف مطلقا (447) ما دام لم يتم عمل المضاربة (448)، ثمَّ إنه يجوز

______________________________

(443) لعدم إناطة الأحكام الوضعية بالعلم و العمد إجماعا، و لا فرق في الجهل بين القصور و التقصير.

(444) للإجماع و السيرة كما تقدم في (مسألة 35).

(445) لشمول ما ذكروه من الدليل لجميع ذلك كله.

(446) كل ذلك لأن المناط صدق الخسران و صدق الربح، و مهما تحقق خسران و ربح يجبر الخسران بالربح لتعلق الحكم في الدليل على وجود الربح و وجود الخسران من غير لحاظ تقدم أحدهما على الآخر زمانا.

(447) المراد بالإطلاق في المقامين تقدم الربح على الخسران أو بالعكس.

(448) لبناء المضاربة على أن يتحفظ على الربح وقاية لرأس المال و عليه السيرة المستمرة عند الناس، و أما أن غاية ذلك محدودة بعد تمامية عمل المضاربة و بعد التمامية فلا جبران للخسران فهو واضح لا ريب فيه لأنه من انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه حينئذ، و قد تقدم في (مسألة 35) أن تماميتها باستقرار ملكية العامل للربح عرفا، و أما مع عدمها فمجرد الأخذ أعم من بطلان

ص: 332

للمالك أن يسترد بعض مال المضاربة في الأثناء (449)، و لكن تبطل بالنسبة إليه و تبقى بالنسبة إلى البقية و تكون رأس المال (450)، و حينئذ فإذا فرضنا أنه أخذ بعد ما حصل الخسران أو التلف بالنسبة إلى رأس المال مقدارا من البقية ثمَّ اتجر العامل بالبقية أو ببعضها فحصل ربح يكون ذلك الربح جابرا للخسران أو التلف السابق بتمامه (451)، مثلا إذا كان رأس المال مائة فتلف منها عشرة أو خسر عشرة و بقي تسعون، ثمَّ أخذ المالك

______________________________

المضاربة، و تماميتها و بطلانها تختلف باختلاف الموارد و الخصوصيات و ليس فيهما حد محدود يتعرض له الفقيه.

(449) لقاعدة السلطنة و جواز عقد المضاربة.

(450) أما البطلان بالنسبة إلى ما أخذ فلانتفاء موضوع الصحة بالنسبة إليه، و أما بقاؤها بالنسبة إلى البقية فللأصل، و العموم و الإطلاق بعد كون الحكم انبساطيا لا أن يكون مجموعيا من حيث المجموع، فما يأتي منه في (مسألة 12) من مسائل الختام من بطلان أصل المضاربة لو فسخ أحد الشريكين عقد المضاربة مع انه مخالف للتحقيق مناف للمقام أيضا، مضافا إلى أن ما هناك أولى بالصحة من المقام، ثمَّ أن استرداد بعض مال المضاربة يكون على أقسام.

الأول: ما إذا كانا بانيين على إبقاء المضاربة بعد ذلك.

الثاني: ما إذا شك في بنائهما.

الثالث: ما إذا كان ذلك كاشفا عن تمامية المضاربة و إتمامها، و جميع الأحكام المذكورة في هذه المسألة مبني على القسمين الأولين.

(451) مع بطلان المضاربة بالنسبة إلى ما أخذه المالك من رأس المال كما اعترف رحمه اللّه لا وجه لملاحظته جزء من مال المضاربة في الانجبار و عدمه لصيرورته حينئذ كسائر أموال المالك الخارجة عن مورد المضاربة رأسا.

نعم، لو لم يكن الأخذ بعنوان إبطال المضاربة بالنسبة إلى المأخوذ و لم

ص: 333

من التسعين عشرة و بقيت ثمانون فرأس المال تسعون (452)، و إذا اتجر بالثمانين فصار تسعين فهذه العشرة الحاصلة ربحا تجبر تلك العشرة و لا يبقى للعامل شي ء (453)، و كذا إذا أخذ المالك بعد ما حصل الربح مقدارا من المال- سواء كان بعنوان استرداد بعض رأس المال أو هو مع الربح (454) أو من غير قصد إلى أحد الوجهين- ثمَّ اتجر العامل بالباقي أو ببعضه فحصل خسران أو تلف يجبر بالربح السابق بتمامه (455) حتى المقدار الشائع منه في الذي أخذه المالك، و لا يختص الجبر بما عداه حتى

______________________________

يصدق البطلان بالنسبة إليه عرفا كما مر، أو شككنا فيه فمقتضى الأصل بقاء المضاربة، و يترتب عليه أحكامها كما تقدم آنفا فحينئذ أن الربح و الخسران يلحظ بالنسبة إلى ما وقع عليه عقد المضاربة، و هو التمام هذا إذا لم يكن عرف معتبر بين التجار على الخلاف و إلا فيتبع ما هو المتعارف.

(452) أي: بلحاظ العشرة التي يربح العامل بعد ذلك و يجبر بها الخسران، كما يأتي منه رحمه اللّه.

(453) لفرص التساوي بين الربح و الخسران فلا موضوع لثبوت شي ء للعامل مع بقاء عقد المضاربة.

(454) بعد تحقق الربح يثبت حق العامل فيما أخذه المالك لانفساخ المضاربة بالنسبة إلى المأخوذ كما مر، فلا بد فيه من رد سهم العامل إليه لاستقرار ملك العامل في حصته من ربحه.

نعم، لو لم يكن الأخذ بعنوان فسخ المضاربة و لم ينطبق عليه ذلك عرفا لكان ما ذكره رحمه اللّه حقا.

(455) لما مر من عدم الفرق بين كون الربح قبل الخسران أو بالعكس، لكن كل ذلك مبني على عدم تمامية المضاربة و مع تماميتها لا وجه للجبران و الخسران حينئذ فقوله رحمه اللّه: «أو هو مع الربح» إن كان ذلك كاشفا لدى المتعارف

ص: 334

يكون مقدار حصة العامل منه باقيا له (456) مثلا إذا كان رأس المال مائة فربح عشرة ثمَّ أخذ المالك عشرة ثمَّ اتجر العامل بالبقية فخسر عشرة أو تلف منه عشرة يجب جبره بالربح السابق حتى المقدار الشائع منه في العشرة المأخوذة، فلا يبقى للعامل من الربح السابق شي ء، و على ما ذكرنا فلا وجه لما ذكره المحقق و تبعه غيره (457) من أن الربح اللاحق لا يجبر مقدار الخسران الذي ورد على العشرة المأخوذة، لبطلان المضاربة بالنسبة إليها فمقدار الخسران الشائع فيها لا ينجبر بهذا الربح فرأس المال الباقي بعد خسران العشرة في المثال المذكور لا يكون تسعين، بل أقل منه بمقدار حصة خسارة العشرة المأخوذة، و هو واحد و تسع فيكون رأس المال الباقي تسعين إلا واحد و تسع و هي تسعة و ثمانون إلا تسع (458)، و كذا لا وجه لما ذكره بعضهم في الفرض الثاني (459) أن مقدار الربح الشائع في

______________________________

عن تمامية المضاربة فلا وجه للجبران حينئذ.

نعم، قوله: «من غير قصد إلى أحد الوجهين» لا يستظهر منه تمامية المضاربة لاستصحاب بقائها مع عدم هذا القصد.

(456) لما مر من جبران الخسران في أي وقت حصل بالربح مطلقا ما دامت المضاربة باقية.

(457) الحق إن هذا النزاع صغروي فمن يقول ببقاء المضاربة بالنسبة إلى ما أخذه المالك لا بد و ان يقول بلحاظ الخسران و الجبر بالنسبة إليه أيضا، و من يقول ببطلان المضاربة بالنسبة إليه فلا موضوع للجبر و الخسران بالنسبة إلى المأخوذ حينئذ، و قد مر التفصيل في ذلك.

(458) و الوجه فيه واضح بناء على بطلان المضاربة في العشرة، و لكن قد مر أن الاسترداد أعم من ذلك.

(459) أي ما أخذ المالك- بعد ما حصل الربح- مقدارا من رأس المال.

ص: 335

العشرة التي أخذها المالك لا يجبر الخسران اللاحق و أن حصة العامل منه يبقى له و يجب على المالك رده إليه (460) فاللازم في المثال المفروض عدم بقاء ربح للعامل بعد حصول الخسران المذكور (461)، بل قد عرفت سابقا أنه لو حصل ربح و اقتسماه في الأثناء، و أخذ كل حصته منه ثمَّ حصل خسران أنه يسترد من العامل مقدار ما أخذ (462)، بل و لو كان الخسران بعد الفسخ قبل القسمة بل أو بعدها إذا اقتسما العروض (463)، و قلنا بوجوب الإنضاض على العامل و أنه من تتمات المضاربة (464).

مسألة 48: إذا كانت المضاربة فاسدة فإما أن يكون مع جهلهما بالفساد

(مسألة 48): إذا كانت المضاربة فاسدة فإما أن يكون مع جهلهما بالفساد، أو مع علمهما، أو علم أحدهما دون الآخر، فعلى التقادير الربح بتمامه للمالك لإذنه في التجارات و إن كانت مضاربته باطلة (465).

نعم، لو كان الإذن مقيدا بالمضاربة توقف ذلك على إجازته و إلا

______________________________

(460) لفرض شيوع حصة العامل فيما أخذه.

(461) بناء على سقوط ما أخذه المالك عن مورد المضاربة و عدم ربح في البقية.

(462) بناء على تمامية المضاربة بمثل الاقتسام الذي حصل بينهما، و لكنه أول الدعوى.

(463) كل ذلك مبني على تمامية المضاربة و انقضائها رأسا بينهما بما ذكره قدّس سرّه، و هو عين المدعى و مخالف للمتعارف بين المضاربين، و مع الشك في بقاها و انقضائها مقتضى الأصل هو البقاء.

(464) قد تقدم أن ذلك فيما لو كانت أمارة معتبرة دالة على بقاء المضاربة.

(465) لأن عنوان المضاربة طريق عرفي و شرعي إلى تحقق التجارة و الاسترباح فالإذن فيها معلوم بلا اشكال، و مقتضى تبعية النماء للملك كون الربح للمالك.

ص: 336

فالمعاملات الواقعة باطلة (466)، و على عدم التقييد أو الإجازة يستحق العامل مع جهلهما أجرة عمله (467)، و هل يضمن عوض ما أنفقه في السفر على نفسه لتبين عدم استحقاقه للنفقة أو لا، لأن المالك سلطه على الإنفاق مجانا؟ وجهان، أقواهما الأول (468) و لا يضمن التلف و النقص (469)، و كذا الحال إذا كان المالك عالما دون العامل فإنه يستحق الأجرة و لا يضمن التلف و النقص (470)، و إن كانا عالمين أو كان العامل

______________________________

(466) الأقسام ثلاثة ..

الأول: إحراز الإذن في أصل التجارة حتى مع بطلان المضاربة يكون الربح للمالك بلا إشكال.

الثاني: إحراز تقييد الإذن بخصوص المضاربة الصحيحة فقط و لا إشكال في بطلان أصل المعاملات، فلا موضوع للربح حتى يكون للمالك إلا إذا أجازها و حينئذ يدور مدار كيفية الإجازة، فإن أجازها لنفسه بنحو الشركة في الربح يكون للعامل أيضا، و إلا فلا ربح له.

الثالث: الشك في أنه من أي القسمين و مقتضى الأصل عدم التقييد بعد ثبوت أصل الإذن فيكون الحكم كالقسم الأول.

(467) لقاعدة احترام العمل التي هي من أهم القواعد النظامية المعتبرة بين العقلاء مع تحقق التسبيب منه عرفا، و يأتي منه رحمه اللّه خلاف ذلك في المسألة السادسة من مسائل الختام.

(468) لقاعدتي «اليد» و «من أتلف مال الغير فهو له ضامن»، و لكنهما محكومتان بقاعدة «ما لا يضمن بصحيحة لا يضمن بفاسده»، و بقاعدة «الإقدام» و «الاذن مجانا في صرف المال»، و انه لا تضمين على الأمين فلا ضمان حينئذ فيكون الثاني هو الأقوى.

(469) لعين ما تقدم في سابقة.

(470) أما استحقاق الأجرة فلقاعدة احترام العمل. و أما عدم ضمان التلف

ص: 337

عالما دون المالك فلا أجرة له لإقدامه على العمل مع علمه بعدم صحة المعاملة (471) و ربما يحتمل في صورة علمهما أنه يستحق حصته من الربح من الجعالة (472)، و فيه أن المفروض عدم قصدها (473)، كما أنه ربما يحتمل استحقاقه أجرة المثل إذا اعتقد أنه يستحقها مع الفساد، و له وجه (474)، و إن كان الأقوى خلافه (475)، هذا كله إذا حصل ربح و لو قليلا، و أما مع عدم حصوله فاستحقاق العامل الأجرة و لو مع الجهل مشكل لإقدامه على عدم العوض لعمله مع عدم حصول الربح (476). و على هذا

______________________________

و النقص فلما مر في سابقة من قاعدة عدم تضمين الأمين.

(471) قد مر مكررا في هذا الكتاب أن مجرد العلم بالفساد لا يوجب الإقدام المجاني بالنسبة إلى المال و العمل.

(472) بناء على كونه عقدا لا من باب مجرد التسبيب و إلا فهما متباينان.

نعم، لو قلنا أن التسبيب بها يحصل بعقد المضاربة أيضا تصح حينئذ و لا إشكال فيه، و الاختلاف بين ذاتهما لا يضر بهذا الانطباق.

(473) لو لم يكف قصد عنوان المضاربة المشتملة على الجعالة أيضا في الجملة لقصد الجعالة إجمالا لكان الإشكال في موقعه، و لكن عدم الكفاية مشكل لبنائهم على التسهيل في الجعالة بكل ما أمكنهم ذلك كما تقدم في كتاب الجعالة فلا وجه للتكرار.

(474) لعدم جريان دليلهم على نفي الاستحقاق بالإقدام المجاني في هذه الصورة، و لكن بناء على ما مر منا مكررا من أن العلم بالفساد لا يوجب الإقدام المجاني لا فرق بين الصورتين.

(475) جمودا على أن العلم بالفساد يوجب الإقدام المجاني، و لكن لا دليل عليه كما عرفت مكررا.

(476) يمكن أن يكون حصول الربح من باب مجرد الداعي، و المعروف

ص: 338

ففي صورة حصوله أيضا يستحق أقل الأمرين من مقدار الربح و أجرة المثل (477)، لكن الأقوى خلافه (478)، لأن رضاه بذلك كان مقيدا بالمضاربة (479) و مراعاة الاحتياط في هذا و بعض الصور المتقدمة أولى (480).

مسألة 49: إذا ادعى على أحد أنه أعطاه كذا مقدارا مضاربة

(مسألة 49): إذا ادعى على أحد أنه أعطاه كذا مقدارا مضاربة و أنكر و لم يكن للمدعي بينة فالقول قول المنكر مع اليمين (481).

مسألة 50: إذا تنازع المالك و العامل في مقدار رأس المال

(مسألة 50): إذا تنازع المالك و العامل في مقدار رأس المال الذي أعطاه للعامل قدّم قول العامل بيمينه (482) مع عدم البينة (483) من غير فرق بين كون المال موجودا أو تالفا مع ضمان

______________________________

بينهم أن تخلف الداعي لا يضر و حينئذ فتجري قاعدة «احترام العمل» فيستحق الأجرة.

(477) لأن الأقل إن كان هو مقدار الربح فهو قد أقدم عليه، و ان كان أجرة المثل فإقدامه باطل لفرض فساد المضاربة.

(478) و حينئذ فإن فسدت المضاربة فيكون الضمان بالمثل و لا وجه لأقل الأمرين حينئذ.

(479) لو لم يكن ذلك من باب الداعي و إلا فلا أثر له.

(480) بل لازم في الجملة في هذه المسائل التي ليست فيها دليل معتبر إلا الظنون الاجتهادية.

(481) أما سماع قول المنكر فلمطابقة قوله للأصل، و أما اليمين فلقاعدة «أن البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»، و مع فقد الأولى يتعين الأخير لا محالة.

(482) لما يأتي من أصالة عدم إعطاء الأزيد مما يقوله العامل.

(483) لما عرفت في المسألة السابقة من غير فرق.

ص: 339

العامل (484) لأصالة عدم إعطائه أزيد مما يقوله و أصالة براءة ذمته إذا كان تالفا بالأزيد، هذا إذا لم يرجع نزاعهما إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من الربح (485) كما إذا كان نزاعهما بعد حصول الربح و علم أن الذي بيده هو مال المضاربة (486)، إذ حينئذ النزاع في قلة رأس المال و كثرته و يرجع إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من هذا المال الموجود إذ على تقدير قلة رأس المال يصير مقدار الربح منه أكثر فيكون نصيب العامل أزيد و على تقدير كثرته بالعكس (487). و مقتضى الأصل كون جميع هذا المال للمالك (488) إلا بمقدار ما أقرّ به للعامل، و على هذا أيضا لا فرق بين كون المال باقيا أو تالفا بضمان العامل، إذ بعد الحكم بكونه للمالك إلا كذا

______________________________

(484) ذكر هذا القيد لأجل انه مع عدم الضمان في صورة التلف لا أثر للدعوى حتى تسمع، و لا بد في الدعوى المسموعة من وجود الأثر الشرعي كما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

(485) المناط في الدعوى المقررة مفهومها المطابقي، و أما لوازمها فإن كان لفظ الدعوى ظاهرا فيها ظهورا عرفيا يقبل الدعوى فيه، و إن لم يكن كذلك فلا وجه لقبول الدعوى بل لا بد و ان يقرر بنحو ظاهر في المدعي.

(486) أي: رأس المال مع الربح الحاصل منه.

(487) كما إذا كان في يد العامل ألف دينار مثلا من مال المضاربة، و قال: إن رأس المال كان مأتي دينار- مثلا و الباقي ربح فيكون نصيبه من الربح أربعمائة- على فرض التنصيف- و في الفرض إذا كان رأس المال أربعمائة مثلا يصير نصيبه ثلاثمائة من ستمائة.

أقول: هذا في الجملة صحيح لا إشكال فيه مع ظهور الدعوى في ما قلناه.

(488) خصوصا إذا كان ظهور الربح لارتفاع القيمة السوقية لا لأجل شراء مال بأقل قيمته أو بيعه بأكثر منها. ثمَّ انه لا وجه لاحتمال كون هذا الأصل

ص: 340

مقدار منه فإذا تلف مع ضمانه لا بد أن يغرم المقدار الذي للمالك.

مسألة 51: لو ادعى المالك على العامل أنه خان أو فرّط في الحفظ

(مسألة 51): لو ادعى المالك على العامل أنه خان أو فرّط في الحفظ فتلف، أو شرط عليه أن لا يشتري الجنس الفلاني، أو لا يبيع من زيد، أو نحو ذلك فالقول قول العامل في عدم الخيانة و التفريط (489) و عدم شرط المالك عليه الشرط الكذائي (490)، و المفروض أن مع عدم الشرط (491) يكون مختارا في الشراء و في البيع بين من أي شخص أراد.

نعم، لو فعل العامل ما لا يجوز له إلا بإذن من المالك كما لو سافر أو باع بالنسيئة و ادعى الإذن من المالك فالقول قول المالك في عدم الإذن (492)، و الحاصل أن العامل لو ادعى الإذن فيما لا يجوز إلا بالإذن قدم فيه قول المالك المنكر، و لو ادعى المالك المنع فيما يجوز إلا مع المنع قدم قول العامل المنكر له (493).

مسألة 52: لو ادعى العامل التلف و أنكر المالك قدم قول العامل

(مسألة 52): لو ادعى العامل التلف و أنكر المالك قدم قول العامل

______________________________

محكوما بقاعدة اليد لاعتراف ذي اليد بأن أصل المال للمالك.

(489) لأنه أمين فلا يضمن بمجرد دعوى الخيانة ما لم تثبت بالحجة المعتبرة.

(490) المنساق عرفا من تقرير هذا الدعوى أن يكون النزاع في الإطلاق و التقييد العرفي الظاهري فالعامل يدعي الإطلاق و المالك يدعي التقييد بالشرط، و مقتضى المحاورات جريان أصالة عدم التقييد في نظير ذلك.

نعم، يمكن تقرير الدعوى بوجه آخر و على هذا الوجه يخرج من المدعي و المنكر.

(491) هذه الجملة عبارة أخرى عما يأتي بعد ذلك من قوله رحمه اللّه: «و لو ادعى المالك المنع فيما يجوز إلا مع المنع».

(492) لأصالة عدم الإذن إلا إذا ثبت بحجة معتبرة.

(493) وجه تقديم القولين في الموضعين انه مقتضى الأصل في كل منهما.

ص: 341

لأنه أمين (494) سواء كان بأمر ظاهر أو خفي (495)، و كذا لو ادعى الخسارة أو ادعى عدم الربح أو ادعى عدم حصول المطالبات في النسيئة مع فرض كونه مأذونا في البيع بالدين و لا فرق في سماع قوله بين أن يكون الدعوى قبل فسخ المضاربة أو بعده (496).

نعم، لو ادعى بعد الفسخ التلف بعده ففي سماع قوله لبقاء حكم أمانته و عدمه لخروجه بعده عن كونه أمينا (497) وجهان و لو أقرّ بحصول الربح ثمَّ بعد ذلك ادعى التلف أو الخسارة و قال إني اشتبهت في حصوله لم يسمع منه لأنه رجوع عن إقراره الأول (498). و لكن لو قال ربحت ثمَّ

______________________________

(494) و مقتضى أمانته و بناء المالك عليها في عقد المضاربة عدم صحة تضمينه إلا بعد ثبوت خيانته.

(495) لفرض ثبوت أمانته في الموردين فتشمله إطلاق ما دل على انه لا تضمين على الأمين كما تقدم.

(496) لشمول أمانته المالكية لجميع ذلك إلا مع دليل على الخلاف و هو مفقود.

(497) زوال عقد المضاربة بالفسخ لا يوجب خروج الأمين عن أمانته مع كون وضع يده على المال بإذن مالكي شرعي و بلا وجه محرم، و منه يظهر قوة الوجه الأول فيسمع قوله بيمينه.

(498) لأنه رجوع عن إقراره الأول إذا عد ذلك منافيا للإقرار فلا يقبل ذلك، و لكن إن كان ذلك بنحو التفسير و البيان أو الشرح أو بيان منشأ الاشتباه فلا وجه لكونه رجوعا عن الإقرار ما لم تكن قرينة على الخلاف في البين، فلو أقرّ بأن لزيد بن عمرو عليّ عشرة دنانير، ثمَّ قال بعد ذلك اشتبهت و الدائن زيد بن خالد لا يعد هذا رجوعا عن الإقرار إذ لم يثبت الإقرار الأول بعد حتى يتحقق الرجوع عنه.

ص: 342

تلف أو ثمَّ حصلت الخسارة قبل منه (499).

مسألة 53: إذا اختلفا في مقدار حصة العامل و أنه نصف الربح مثلا- أو ثلثه قدم قول المالك

(مسألة 53): إذا اختلفا في مقدار حصة العامل و أنه نصف الربح مثلا- أو ثلثه قدم قول المالك (500).

مسألة 54: إذا ادعى المالك أني ضاربتك على كذا

(مسألة 54): إذا ادعى المالك أني ضاربتك على كذا مقدار و أعطيتك فأنكر أصل المضاربة أو أنكر تسليم المال إليه فأقام المالك بينة على ذلك فادعى العامل تلفه لم يسمع منه (501) و أخذ بإقراره المستفاد من إنكاره الأصل (502).

نعم، لو أجاب المالك بأني لست مشغول الذمة لك بشي ء ثمَّ بعد الإثبات ادعى التلف، قبل منه لعدم المنافاة بين الإنكار من الأول و بين دعوى التلف (503).

______________________________

نعم، لو قال لزيد بن عمرو عليّ عشرة دنانير، ثمَّ قال: ليس له عليّ شي ء يعد هذا في العرف و العقل من الرجوع عن الإقرار الأول، و سيأتي في كتاب الإقرار تفصيل ما يتعلق بالمقام.

(499) لأنه أمين فيشمله إطلاق ما دل على عدم تضمين الأمين.

(500) لأصالة تبعية النماء للملك فيكون جميع النماء له إلا ما أقر به لغيره، مضافا إلى ظهور الإجماع على تقديم قوله ما لم يثبت العامل قوله بحجة معتبرة.

(501) يعني يحكم عليه بالضمان و لا يسمع قوله في التلف مع يمينه كما كان يسمع قبل الإنكار و اقامة المالك البينة على بطلان إنكاره، و ذلك لخروجه عن الأمانة بإنكار أصل المضاربة أو إنكار التسليم، و الظاهر قبول البينة منه لو أقامها على التلف، و يأتي التفصيل في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

(502) لا يخفى قصور العبارة و حق التعبير أن يقال: لأنه معترف بالمال على فرض ثبوت المضاربة، و قد ثبتت بالبينة الشرعية فلا موضوع لسماع إنكاره مع اليمين.

(503) لأنه يمكن أن يكون التلف بلا ضمان بأن وقع بلا تعد و تفريط، و لا

ص: 343

مسألة 55: إذا اختلفا في صحة المضاربة الواقعة بينهما و بطلانها

(مسألة 55): إذا اختلفا في صحة المضاربة الواقعة بينهما و بطلانها قدم قول مدعي الصحة (504).

مسألة 56: إذا ادعى أحدهما الفسخ في الأثناء و أنكر الآخر قدّم قول المنكر

(مسألة 56): إذا ادعى أحدهما الفسخ في الأثناء و أنكر الآخر قدّم قول المنكر (505) و كل من يقدّم قوله في المسائل المذكورة لا بد له من اليمين (506).

مسألة 57: إذا ادعى العامل الرد و أنكره المالك قدم قول المالك

(مسألة 57): إذا ادعى العامل الرد و أنكره المالك قدم قول المالك (507).

مسألة 58: لو ادعى العامل في جنس اشتراه أنه اشتراه لنفسه و ادعى المالك أنه اشتراه للمضاربة قدّم قول العامل

(مسألة 58): لو ادعى العامل في جنس اشتراه أنه اشتراه لنفسه و ادعى المالك أنه اشتراه للمضاربة قدّم قول العامل، و كذا لو ادعى أنه

______________________________

يعد دعوى العامل عدم اشتغال ذمته للمالك خيانة للمالك حتى يسقط عن الأمانة كما سقط في الصورة السابقة.

(504) لأصالة الصحة الجارية في جميع العقود المتنازع في صحتها و فسادها، و كذا كل عقد شك في صحته و فساده من سائر الجهات كما تقدم في كتاب البيع.

(505) لأصالة عدم حدوث الفسخ إلا إذا ثبت بدليل و هو مفقود.

(506) لأصالة عدم سقوط النزاع إلا بحجة معتبرة، و هي منحصرة في البينة.

و اليمين، و مع عدم البينة فلا بد من اليمين، و مجرد السماع ليس له موضوعية في سقوط الدعوى بل هو طريق لإعمال موازين القضاء، و يأتي التفصيل في محله إن شاء اللّه تعالى.

(507) لأصالة عدم الرد فيقبل قول المالك مع يمينه.

و ما يقال: من انه أمين و قبول قول الأمين كالأمارة الموجودة، فلا تصل النوبة إلى الأصل.

مردود: للشك في شمول ما دل على قبول قول الأمين للمقام فيتعين

ص: 344

اشتراه للمضاربة و ادعى للمالك أنه اشتراه لنفسه، لأنه أعرف بنيته (508)، و لأنه أمين فيقبل قوله، و الظاهر أن الأمر كذلك (509) لو علم أنه أدّى الثمن من مال المضاربة بأن ادعى أنه اشتراه في الذمة لنفسه ثمَّ أدّى الثمن من مال المضاربة و لو كان عاصيا في ذلك (510).

مسألة 59: لو ادعى المالك أنه أعطاه المال مضاربة و ادعى القابض أنه أعطاه قرضا يتحالفان

(مسألة 59): لو ادعى المالك أنه أعطاه المال مضاربة و ادعى القابض أنه أعطاه قرضا يتحالفان (511) فإن حلفا أو نكلا للقابض أكثر

______________________________

الرجوع إلى الأصل.

(508) أي: القاعدة المعروفة في الفقه: «أن كل ما لا يعلم إلا من قبل القائل يقبل قوله فيه بيمينه» ما لم تكن حجة على الخلاف.

(509) لجريان العلة المذكورة في المتن في هذه الصورة أيضا من كونه أعرف بنيته، و اعترافه بخيانته و عصيانه لا يوجب انتفاء كونه أعرف بنيته.

إن قيل: ظاهر الإعطاء من مال المضاربة انه اشتراه لها.

يقال: نعم لو لم يدع انه اشتراه لنفسه، و هذا الظاهر ينفع في صورة الشك لا في صورة الاعتراف بالخلاف.

(510) بناء على شمول القاعدة التي قدمناها لهذه الصورة أيضا و شمول انه لا تضمين على الأمين لها و الأول مشكل و الثاني أشكل.

(511) يمكن تقرير هذا الدعوى بنحو يكون من التحالف، كما يمكن تقريره بنحو يكون من المدعى و المنكر، و المناط على كيفية التقرير لدى الحاكم و استظهاره لذلك.

أما الأول: فبأن يكون الدعوى في نصف الربح مثلا حيث أن القابض يدعى تمام الربح لأنه يدعي القرض فيكون تمام الربح له لتبعية النماء للأصل، و المالك يدعي استحقاق حصته كالنصف مثل فاستحقاق القابض للنصف مما اتفقا عليه، و النزاع بينهما في النصف الآخر، و كل منهما يدعيه لنفسه فلو كانت

ص: 345

الأمرين من أجرة المثل (512)، و الحصة من الربح، إلا إذا كانت الأجرة زائدة عن تمام الربح فليس له أخذها لاعترافه بعدم استحقاق أزيد من الربح.

مسألة 60: إذا حصل تلف أو خسران فادعى المالك انه أقرضه و ادعى العامل أنه ضاربه

(مسألة 60): إذا حصل تلف أو خسران فادعى المالك انه أقرضه و ادعى العامل أنه ضاربه قدم قول المالك مع اليمين (513).

______________________________

صورة النزاع هكذا فهو مورد التداعي، و بعد التحالف أو النكول يقسم المال بينهما.

و أما الثاني: فلأنه بعد إقرار القابض العامل بعدم استحقاقه لأجرة عمله لإقراره بأنه استقراض لنفسه أيضا، و المالك معترف ثبوت حصة من الربح للعامل لاعترافه بالمضاربة فينحصر النزاع في غير تلك الصحة و القابض العامل يدعي الإقراض، و هو مخالف للأصل و المالك ينكره فيصير من المدعي و المنكر، و أما دعوى المالك المضاربة فدعوى غير ملزمة و لا أثر لها شرعا لاعترافه باستحقاق العامل القابض لحصة من الربح، فلا يتوجه الحلف إليه حتى يكون من التحالف. و بالجملة كيفية تقرير الدعوى و القرائن المحفوفة بها مختلفة، و لا بد للحاكم من ملاحظتها ثمَّ الحكم بما حصل له.

(512) لا وجه لأجرة المثل بعد اتفاقهما على عدم استحقاقه لها، بل له الحصة من الربح باعتراف المالك، و يقسم الزائد بينهما إن كان المورد من التحالف و تحالفا، و يكون للمالك ظاهرا إن حلف على نفي دعوى القابض إن كان المورد من المدعي و المنكر.

(513) لأصالة الضمان في الأموال التالفة عند غير ملاكها التي هي من الأصول العقلائية و الثابتة بالنص (1)، و الإجماع و هي مقدمة على أصالة البراءة عن الضمان هذا إذا سقطت الأصول الموضوعية بالتعارض، كأصالة عدم

ص: 346


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب.

مسألة 61: لو ادعى المالك الإبضاع و العامل المضاربة يتحالفان

(مسألة 61): لو ادعى المالك الإبضاع و العامل المضاربة يتحالفان (514) و مع الحلف أو النكول منهما يستحق العامل أقل الأمرين

______________________________

الإقراض و أصالة عدم القراض، و لنا أن نقول بأنه تجري أحدهما دون الأخرى فإن أصالة عدم الإقراض تجري و يكون مفادها المطابقي عدم ضمان القابض، و أما أصالة عدم القراض لا تنفع في الضمان إلا إذا ثبت عنوان موجب له من قرض أو نحوه، فيصير هذا الأصل مثبتا و تجري حينئذ أصالة عدم الإقراض بلا معارض، و يشهد لما ذكرناه خبر ابن عمار قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل استودع رجلا ألف درهم فضاعت، فقال الرجل كانت عندي وديعة، و قال الآخر: انما كانت لي عليك قرضا؟ فقال عليه السّلام: المال لازم إلا أن يقيم البينة انها كانت وديعة» (1)، و طريق الاحتياط التراضي.

(514) يمكن فرض التداعي في هذه الصورة، كما يمكن فرض المدعي و المنكر، و كل منهما تابع لكيفية تقرير الدعوى.

أما الأول: فله أقسام.

الأول: أن يدعي المالك الإبضاع بلا أجرة.

الثاني: أن يدعيه بأجرة مثل تكون أقل من الحصة المدعاة مما حصل من الربح.

الثالث: أن يدعيه بأجرة تكون مباينة لها، ففي جميع هذه الصور يصح فرض التداعي و التحالف لتباين الدعويين عرفا.

و أما الثاني: فهو أيضا أقسام.

الأول: كون الإبضاع مع الأجرة للعامل و هي محيطة بتمام الربح فمقتضى تسالمهما على احترام العمل و ان الربح هو القدر المشترك بينهما يقر به المالك و يدعيه العامل فيستحق العامل تمام الربح، و يكون المالك مدعيا للسقوط

ص: 347


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الوديعة حديث: 1.

من الأجرة و الحصة من الربح (515)، و لو لم يحصل ربح فادعى المالك المضاربة لدفع الأجرة و ادعى العامل الإبضاع استحق العامل بعد التحالف أجرة المثل لعمله (516).

مسألة 62: إذا علم مقدار رأس المال و مقدار حصة العامل

(مسألة 62): إذا علم مقدار رأس المال و مقدار حصة العامل و اختلفا في مقدار الربح الحاصل فالقول قول العامل (517) كما أنهما لو اختلفا في

______________________________

بالحصة فيقدم قول العامل بيمينه.

الثاني: كون الأجرة دون الحصة أو بقدرها، و العامل يدعي التمام و المالك ينكره، و يقدم قول المالك بيمينه.

الثالث: كون الأجرة أزيد من الحصة و دون تمام الربح و يقدم قول المالك بيمينه في الزائد على الأجرة.

و بالجملة: كيفية الحكم تختلف بكيفية تقرير الدعوى، و يمكن أن يجعل النزاع بذلك لفظيا، إذ لا نزاع مع تعين الموضوع و ظهوره عرفا في تقرير الدعوى.

(515) لو كانت الأجرة أقل من الحصة فهما متسالمان على استحقاق العامل لقدر الأجرة من جهة احترام عمله، و حينئذ يكون العامل مدعيا للزائد فيقدم قول المالك بيمينه، و لو كانت الحصة أقل من الأجرة فاستحقاق العامل لها متفق عليه بينهما فلا نزاع فيه بينهما و المالك يقر باستحقاق العامل للزائد عليها و العامل ينكر ذلك فيؤخذ المالك بإقراره و يعمل العامل بحسب تكليفه فيما بينه و بين اللّه تعالى، و يأتي في كتاب الإقرار بعض ما ينفع المقام.

(516) بعد اتفاقهما على احترام عمله و تحقق التسبيب من المالك لا وجه للتحالف، بل يحلف العامل على نفي القراض و يحكم بأجرة المثل، و يمكن أن تفرض المسألة بنحو آخر.

(517) لأنه أمين، و لأصالة عدم حدوث ربح زائد على ما يدعيه العامل.

ص: 348

حصوله و عدمه كان القول قوله (518)، و لو علم مقدار المال الموجود فعلا بيد العامل و اختلفا في مقدار نصيب العامل منه فإن كان من جهة الاختلاف في الحصة أنها نصف أو ثلث فالقول قول المالك قطعا (519)، و إن كان من جهة الاختلاف في مقدار رأس المال فالقول قوله أيضا، لأن المفروض أن تمام هذا الموجود من مال المضاربة أصلا و ربحا، و مقتضى الأصل كونه بتمامه للمالك إلا ما علم جعله للعامل، و أصالة عدم دفع أزيد من مقدار كذا إلى العامل لا تثبت كون البقية ربحا (520)، مع انها معارضة بأصالة عدم حصول الربح أزيد من مقدار كذا فيبقى كون الربح تابعا للأصل إلا ما خرج (521).

مسائل

اشارة

مسائل:

الأولى: إذا كان عنده مال المضاربة فمات فإن علم بعينه فلا اشكال

الأولى: إذا كان عنده مال المضاربة فمات فإن علم بعينه فلا اشكال (522)، و إلا فإن علم بوجوده في التركة الموجودة من غير تعيين فكذلك (523)

______________________________

(518) لأصالة عدم حدوث الربح، و لأنه أمين كما مر.

(519) لما يأتي من أن مقتضى قاعدة التبعية كون جميع ما في يد العامل للمالك إلا بقدر ما أقر به للعامل، و لا ينفعه ثبوت يده على المال لاعترافه بأن المال مال الغير.

(520) لكونها من الأصول المثبتة التي لا اعتبار بها.

(521) بعد فرض أن يد العامل يد أمانة و ليست أمارة للملكية.

(522) في كونه للمالك و عدم تعلق حق الورثة به، و قد ذكر الفقهاء صورا ستة و تبعهم الماتن و هذه إحداها.

(523) هذه هي الصورة الثانية و حكمها ما ذكره في المتن للعلم بوجود مال

ص: 349

و يكون المالك شريكا مع الورثة بالنسبة (524) و يقدم على الغرماء إن كان الميت مديونا لوجود عين ماله في التركة، و إن علم بعدم وجوده في تركته و لا في يده و لم يعلم أنه تلف بتفريط أو بغيره أو رده على المالك فالظاهر عدم ضمانه (525) و كون جميع تركته للورثة، و إن كان لا يخلو عن إشكال بمقتضى بعض الوجوه الآتية (526)، و أما إذا علم ببقائه في يده إلى ما بعد

______________________________

الغير في التركة في الجملة.

(524) مقتضى الأصل عدم حدوث هذه الشركة إلا أن يدل عليها دليل بالخصوص، و المال الموجود من غير تعيين في المقام يتصور على أقسام.

الأول: أن يكون هذا المال ممزوجا و غير متميز عن مال العامل كما إذا كان مال المضاربة حنطة أو مثلها من الحبوب و امتزجت بمثلها من مال العامل، و في هذه الصورة تتحقق الشركة لتحقق موضوعها بلا إشكال.

الثاني: أن يكون متميزا في حد نفسه، و لكن المال تردد في جملة أموال المالك من نوعه و سنخه، كما إذا كان مال المضاربة من سنخ القماش و اشتبه بسنخه من قماش العامل، فالجزم بالشركة في هذه الصورة مشكل جدا، و يشهد له ما ورد في الدرهم الودعي (1)، فلا بد من التراضي و التسالم.

الثالث: ما إذا اشتبه أن المورد من أي القسمين المذكورين، و الحكم في هذه الصورة أيضا مشكل لأصالة عدم تحققها من غير دليل يدل عليها، و التمسك بالأدلة اللفظية للشركة تمسك بالعام بدليل لم يحرز موضوعه، فحكم المصنف صحيح في القسم الأول فقط، و يأتي في كتاب الشركة ما ينفع المقام.

(525) هذه هي الصورة الثالثة و وجه عدم الضمان أصالة براءة ذمته عن الضمان، و قاعدة «عدم تضمين الأمين عند الشك فيه».

(526) بناء على أن صرف حدوث اليد بأي وجه كان منشأ للضمان إلا إذا

ص: 350


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الصلح حديث: 1.

الموت (527) و لم يعلم أنه موجود في تركته الموجودة أو لا بأن كان مدفونا في مكان غير معلوم أو عند شخص آخر أمانة أو نحو ذلك، أو علم بعدم وجوده (528) في تركته مع العلم ببقائه في يده بحيث لو كان حيا أمكنه الإيصال إلى المالك أو شك في بقائه (529) في يده و عدمه أيضا، ففي ضمانه في هذه الصور الثلاث و عدمه خلاف و إشكال على اختلاف مراتبه، و كلمات العلماء في المقام و أمثاله كالرهن و الوديعة و نحوهما مختلفة، و الأقوى الضمان في الصورتين الأوليين، لعموم قوله عليه السّلام: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» حيث إن الأظهر شموله للأمانات أيضا (530)، و دعوى خروجها لأن المفروض عدم الضمان فيها، مدفوعة بأن غاية ما يكون خروج بعض الصور منها (531) كما إذا تلفت بلا تفريط أو ادعي

______________________________

علم بالخلاف و لو لم تكن اليد ثابتة فعلا. و لكنه دعوى بلا دليل كما سيأتي في بعض الصور الآتية.

(527) هذه هي الصورة الرابعة و سيأتي حكمها.

(528) هذه هي الصورة الخامسة.

(529) هذه هي الصورة السادسة و سيأتي حكم الصورتين.

(530) عدم تضمين الأمين مما يوافق العرف و الوجدان و الشرع فالأمانات خارجة عن مورد اليد إما تخصصا أو تخصيصا، و الظاهر هو الثاني لأن الظاهر من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (1)، اليد المبتنية على الرد لا اليد المبتنية على الاستيمان و الأمانة، و في موارد الشك لا يصح التمسك بقاعدة اليد لأنه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

(531) ظاهرهم الاتفاق على خروج الأمانات مطلقا- شرعية كانت أو

ص: 351


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب، و في كنز العمال ج: 10 صفحة: 42 حديث: 2257 ط: حيدر آباد.

تلفها كذلك إذا حلف و اما صورة التفريط و الإتلاف و دعوى الرد في غير الوديعة و دعوى التلف و النكول عن الحلف فهي باقية تحت العموم (532)، و دعوى ان الضمان في صورة التفريط و التعدي من جهة الخروج عن كونها أمانة أو من جهة الدليل الخارجي، كما ترى لا داعي إليها (533). و يمكن ان يتمسك بعموم ما دل على وجوب رد الأمانة (534) بدعوى ان الرد أعم

______________________________

مالكية- ما لم يثبت التعدي أو التفريط، مع انه لو علم خروج بعض الصور و شك في المقام في انه من الداخل أو الخارج لا يصح التمسك به لأنه تمسك بالدليل في الموضوع المشتبه.

(532) ففي جميع ذلك يتصور أقسام ثلاثة.

الأول: ثبوت الخيانة فلا إشكال في الضمان حينئذ.

الثاني: مجرد دعوى ذلك كما ذكره في المتن مع النكول عن الحلف في كل واحد منها، و الظاهر كونه كالقسم الأول إن كان نكوله عن الحلف من طرق إحراز اتهامه.

الثالث: ما إذا لم تكن خيانة و اتهام في البين، و كانت اليد مسبوقة بالأمانة، فلا محذور من استصحاب الاستيمان حينئذ فلا وجه للضمان.

(533) الداعي هو الوجدان الحاكم بأن المتعدي ضامن و الأمين لا يضمن و هذا من القرائن المحفوفة.

نعم، أصالة الضمان في مال الغير الذي يقع في اليد يمكن جريانها بناء على أنها أصل مستقل برأسها من غير استناد فيها إلى قاعدة اليد، و هي من الأصول النظامية العقلائية، و لكنه مشكل لأنه لو كان هذا الأصل من الأصول النظامية المعتبرة لما وقع الخلاف من الفقهاء في نظائر المقام مع أن ما دل على عدم صحة تضمين الأمين حاكم عليها.

(534) لا وجه لإثبات الضمان به لأنه تكليفي محض.

ص: 352

من رد العين ورد البدل و اختصاصه بالأول ممنوع (535) الا ترى انه يفهم من قوله عليه السّلام: «المغصوب مردود» وجوب عوضه عند تلفه (536)، هذا مضافا إلى خبر السكوني (537) عن علي رضى اللّه عنه: انه كان يقول: «من يموت و عنده مال مضاربة قال إن سماه بعينه قبل موته فقال هذا لفلان فهو له و إن مات و لم يذكر فهو أسوة الغرماء».

______________________________

نعم، يثبت الضمان بالتفريط و عموم وجوب رد الأمانة لا يثبت التفريط بلا إشكال.

نعم، يمكن أن يقال إن من كثرة اهتمام الشارع بل العقلاء برد الأمانات- كما سبق في كتاب الوديعة- يستكشف أن الرد أعم من التكليفي و الوضعي فيمكن إثبات الضمان بما دل على وجوب رد الأمانة أيضا.

(535) بيان الاختصاص أن الضمان انما يثبت بدليل معتبر كما في موارد الغصب، و أما مع الشك في أصل ثبوته كما في المقام فلا وجه له أصلا.

و بالجملة عدم جواز تضمين الأمين إلا بعد ثبوت التعدي و التفريط مقدم على الحكم بالضمان في المقام. و وجه المنع استفادة الضمان من كثرة ما ورد من اهتمام الشارع و العقلاء بالتحفظ على الأمانات كما عرفت فتأمل.

(536) الفرق انه في المغصوب يثبت الضمان عرفا و شرعا بالعين مع وجوده، و بالبدل مع التخلف بخلاف المقام الذي يشك في أصل ثبوته.

(537) و فيه .. أولا: أن المنساق منه إنما صورة العلم بوجود المال لديه، و ثانيا: لا بد من تخصيصه في صورة التلف بما إذا ثبت التعدي و التفريط، إذ لا وجه للضمان بدونه قطعا، و مقتضى الأصل عدم التفريط فلا وجه لضمان الميت في الصور الثلاثة الأخيرة من هذه الجهة هذا حكم ضمان الميت.

و أما حكم الورثة بالنسبة إلى التصرف في التركة فقد يقال: بأن مقتضى العلم الإجمالي بوجود مال الغير في التركة انه لا يجوز لهم التصرف فيها في

ص: 353

و اما الصورة الثالثة: فالضمان فيها أيضا لا يخلو عن قوة (538) لأن الأصل بقاء يده عليه إلى ما بعد الموت (539). و اشتغال ذمته بالرد عند المطالبة (540)، و إذا لم يمكنه ذلك لموته يؤخذ من تركته بقيمته (541)، و دعوى ان الأصل المذكور معارض بأصالة براءة ذمته من العوض و المرجع بعد التعارض قاعدة اليد المقتضية لملكيته، مدفوعة بأن الأصل الأول حاكم على الثاني (542)، هذا مع انه يمكن الخدشة في قاعدة اليد

______________________________

الصورتين الأولتين من الثلاثة الأخيرة.

و فيه: أن العلم الإجمالي إذا كان بعض أطرافه خارجا عن مورد الابتلاء لا تنجز له، و المفروض أن مال الغير فيها خارج عن مورد ابتلاء الورثة لعدم قدرتهم على التصرف فيه فمقتضى عمومات الإرث و قاعدة السلطنة جواز تصرفهم فيما ورثوا من مورثهم، و طريق الاحتياط واضح.

(538) ظهر من جميع ما مر انه لا قوة فيه فراجع و تأمل.

(539) مجرد بقاء اليد لا يوجب الضمان لفرض كونه أمينا إلا إذا ثبت التعدي أو التفريط و مقتضى الأصل عدمهما فتجري أصالة البراءة بلا محذور في البين.

(540) لكنه لا يثبت التفريط المعلق حكم الضمان في الأدلة عليه. و أما الإشكال على هذا الأصل بأنه تعليقي قد أجبنا عنه في الأصول بصحة الاستصحابات التعليقية فراجع.

(541) لا وجه لهذا الحكم ما لم يثبت عند الورثة ضمانه للمال، و مع عدم الضمان كيف يلزمون بدفع القيمة خصوصا مع وجود القصر بينهم؟!

(542) ان ثبت به الضمان، و لكن تقدم أنه لا يثبت الضمان إلا إذا ثبت التعدي أو التفريط، و الأصل عدمهما فتكون أصالة عدم التعدي أو التفريط مقدمة على أصالة بقاء يده و حاكمة عليها، و حينئذ فلا يبقى موضوع لمعارضة

ص: 354

بأنها مقتضية للملكية إذا كانت مختصة (543). و في المقام كانت مشتركة و الأصل بقاؤها على الاشتراك (544) بل في بعض الصور يمكن ان يقال إن يده يد المالك من حيث كونه عاملا له كما إذا لم يكن له شي ء أصلا فأخذ رأس المال و سافر للتجارة و لم يكن في يده سوى مال المضاربة فإذا مات يكون ما في يده بمنزلة ما في يد المالك (545) و إن احتمل ان يكون قد

______________________________

أصالة بقاء اليد مع أصالة البراءة و حكومة الأولى على الثانية.

(543) هذا من مجرد الدعوى بلا دليل عليه، و مخالف لعموم الدليل و إطلاقه، إذ المنساق من الكلمات أنها أمارة على الاختصاص و بها ينفي الاشتراك عند الشك فيه.

(544) لا ريب في تحقق اليد و مع تحققها كيف يجري الأصل؟! و حينئذ فمن يقول باستفادة الاختصاص من قاعدة اليد لا مجرى للأصل و من يقول باستفادة الملكية منها فالأمر أوضح.

ثمَّ ان المال الذي يكون تحت يد شخص آخر يتصور على أقسام:

الأول: ما إذا أحرز الاشتراك و ان اليد يد اشتراكية لا اختصاصية، و في مثله لا وجه لاستفادة الاختصاص من اليد لفرض العلم باختلاف، و لا ريب أن المقام ليس منه.

الثاني: ما إذا كان مختصا حدوثا و شك في الاشتراك بقاء، و لا ريب في استفادة الاختصاص من ظاهر اليد مضافا إلى الأصل.

الثالث: ما إذا كان مشكوكا من الأول مثل المقام حيث انه يشك في انه أدى مال المضاربة أو أن المال الباقي عنده من المضاربة؟ لا ريب في استفادة الاختصاص من اليد.

(545) هذا مسلم بالنسبة إلى ما أحرز أنه مال المالك لا بالنسبة إلى ما شك في انه من مال المالك أو لا فإن اليد حينئذ أمارة على انه لذي اليد.

ص: 355

تلف جميع ما عنده من ذلك المال و انه استفاد لنفسه ما هو الموجود في يده، و في بعض الصور يده مشتركة بينه و بين المالك كما إذا سافر و عنده من مال المضاربة مقدار و من ماله أيضا مقدار.

نعم، في بعض الصور لا يعد يده مشتركة أيضا فالتمسك باليد بقول مطلق مشكل (546). ثمَّ إن جميع ما ذكر إنما هو إذا لم يكن بترك التعيين عند ظهور أمارات الموت مفرطا و إلا فلا إشكال في ضمانه (547).

الثانية: ذكروا من شروط المضاربة التنجيز

الثانية: ذكروا من شروط المضاربة التنجيز، و انه لو علقها على أمر متوقع بطلت (548)، و كذا لو علقها على أمر حاصل إذا لم يعلم بحصوله.

نعم، لو علق التصرف على أمر صح (549) و إن كان متوقع الحصول، و لا دليل لهم على ذلك إلا دعوى الإجماع على ان اثر العقد لا بد ان يكون حاصلا من حين صدوره (550)، و هو ان صح إنما يتم في التعليق على

______________________________

(546) قد مر أن اليد أمارة على الاختصاص ما لم يكن دليل أقوى على الخلاف و ليس كذلك.

(547) لكونه خائنا حينئذ و خارج عن الأمانة فتشملها قاعدة اليد لا محالة.

(548) المضاربة من صغريات سائر العقود التي قالوا ببطلان التعليق فيها، و قد ذكرنا جميع أدلتهم و ناقشنا فيها في الشرائط العامة للبيع (1)، و لعل عدم تعرض جمع من الفقهاء لهذا الشرط لعدم تمامية الدليل لديهم.

(549) لأصالة الصحة و العمومات و الإطلاقات مع أن المورد خارج عن دليل البطلان تخصصا لفرض عدم التعليق في العقد.

(550) هذا أحد أدلتهم- و هو العمدة منها- لبطلان التعليق، و بعضهم ذكروا ذلك في اشتراط التنجيز، و آخرون ذكروه لبطلان التعليق و مرجعهما إلى واحد،

ص: 356


1- راجع ج: 16 صفحة: 249.

المتوقع حيث إن الأثر متأخر و اما التعليق على ما هو حاصل فلا يستلزم التأخير (551)، بل في المتوقع أيضا إذا أخذ على نحو الكشف بأن يكون المعلق عليه وجوده الاستقبالي لا يكون الأثر متأخرا (552).

نعم، لو قام الإجماع على اعتبار العلم بتحقق الأثر حين العقد تمَّ في صورة الجهل، لكنه غير معلوم (553). ثمَّ على فرض البطلان لا مانع من

______________________________

و لو فرض تحقق الإجماع فالظاهر أن منشأه ما أدعوه من الأدلة الاجتهادية بأنظارهم فإذا بطلت الأدلة فلا وجه لإجماعهم.

(551) بل التعليق على المتوقع لا يستلزم التأخير في مقام الإنشاء و إنما المتأخر هو المنشأ، و لا بأس به كما فصلناه في البيع فراجع.

(552) مع أن هذا الشرط الذي ذكروه في المقام- و في جملة من العقود لو كان له دليل- ليس من الشروط التعبدية، بل لا بد و أن يرجع إلى استنكار الأذهان السليمة و أهل المحاورة المستقيمة فما استنكروه يبطل و ما لم يستنكروه يصح، فلا وجه لتطويل البحث في ذلك، و المتيقن من إجماعهم على فرض تحققه انما هو ما استنكره أهل المحاورة فقط.

(553) لكثرة اختلاف كلماتهم في مورد نقل هذا الإجماع فبعضهم نقلوه في اعتبار التنجيز و آخرون نقلوه في بطلان التعليق، و الظاهر أن مرادهما واحد فلا وجه لجعل ذلك منشأ لبطلان الإجماع كما عن بعض.

نعم، بعض الفقهاء ذكروا ذلك في التعليق على أمر غير حاصل، و بعضهم فصلوا بين معلوم الحصول فيما بعد و قالوا بصحته و بين مجهول الحصول فلا يصح، و لا ريب أن للجهل مراتب فرب مجهول الحصول يكون متوقع الحصول و بمنزلة معلوم الحصول لديهم، و ما كان هذا حاله فكيف يمكن أن يدعى إجماع معتبر على جامع واحد بين هذه التفاسير التي ذكروها، مضافا إلى أن نفس المجمعين يستدلون بأدلة خاصة، فلو كان الإجماع صحيحا لديهم فما

ص: 357

جواز التصرف و نفوذه من جهة الإذن لكن يستحق حينئذ أجرة المثل لعمله (554) إلا أن يكون الإذن مقيدا بالصحة فلا يجوز التصرف أيضا (555).

الثالثة: قد مر اشتراط عدم الحجر بالفلس في المالك

الثالثة: قد مر اشتراط عدم الحجر بالفلس في المالك و اما العامل فلا يشترط فيه ذلك لعدم منافاته لحق الغرماء.

نعم، بعد حصول الربح يمنع من التصرف إلا بالاذن من الغرماء بناء على تعلق الحجر بالمال الجديد (556).

______________________________

وجه استدلالهم بغيره.

(554) كما تقدم مرارا من احترام العمل و حصول التسبيب.

(555) الأقسام ثلاثة.

الأول: تقييد الإذن بالصحة.

الثاني: إطلاق الإذن بالنسبة إلى الصحة و عدمها.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 19، ص: 358

الثالث: عدم إحراز الإطلاق بالنسبة إليهما، و لا يجوز التصرف في الأول بلا إشكال كما انه يجوز في الثاني كذلك، و أما الثالث فحيث إن صحة التصرف منوطة بإحراز الإذن و المفروض عدم إحرازه فلا يجوز التصرف فيصير كالقسم الأول.

و توهم الرجوع إلى الإطلاق. لا وجه له في هذا القسم لفرض عدم إحراز الإطلاق و الشك فيه.

(556) سيأتي الإشكال فيه في كتاب الحجر إن شاء اللّه تعالى، ثمَّ على فرض تعلق الحجر بالمال الجديد يعتبر عدم محذور آخر في البين مثل كونه وقاية لرأس المال.

نعم، بعد تمامية المضاربة يكون المحذور منحصرا بتعلق الحجر بماله الجديد.

ص: 358

الرابعة: تبطل المضاربة بعروض الموت

الرابعة: تبطل المضاربة بعروض الموت كما مر أو الجنون أو الإغماء كما مر في سائر العقود الجائزة، و ظاهرهم عدم الفرق بين كون الجنون مطبقا أو أدواريا (557)، و كذا في الإغماء بين قصر مدته و طولها، فإن كان إجماعا (558)، و إلا فيمكن ان يقال بعدم البطلان في الأدواري و الاغماء القصير المدة، فغاية الأمر عدم نفوذ التصرف حال حصولهما (559) و اما بعد الإفاقة فيجوز من دون حاجة إلى تجديد العقد سواء كانا في المالك أو العامل (560)، و كذا تبطل بعروض السفه لأحدهما (561) أو الحجر للفلس

______________________________

(557) في الأدواري و في قصر المدة في الإغماء كلام يأتي.

(558) ظاهرهم ثبوت الإجماع، كما أن ظاهر المجمعين عدم الفرق بين طول المدة و قصرها. و لكن يمكن أن يقال: أن مدرك المجمعين على فرض تحققه إنما هو ما ارتكز في الأذهان من زوال القرار المعاملي و العقدي و لو آنا ما و عوده يحتاج إلى دليل، و يمكن أن يناقش فيه بأنه لو زال انما يزول عن مرتبة الالتفات الفعلي التفصيلي، و أما في واقع النفس فيكون باقيا كما في نية العبادات حين الغفلة عنها فعلا و توجه النفس إلى غيرها. ففي ما إذا كانت مدة الإغماء قصير و الأدوار أيضا كذلك و شككنا في بقاء مرتكزات النفس و زوالها عن محلها يستصحب البقاء لا محالة.

نعم، في الأدواري الكثير المدة و الإغماء كذلك خصوصا بعض مراتب الإغماء و الجنون يمكن أن يقال عرفا بزوال جميع المرتكزات حتى من خزانة النفس، و لكنه مع ذلك مشكل لما ثبت في محله من إن معلومات النفس لا تزول بالموت فكيف بمثل الجنون و الإغماء.

(559) لظهور إجماعهم في ذلك.

(560) في بعض موارد قصر الأدواري و الإغماء كما تقدم.

(561) لا دليل عليه إلا ظهور الإجماع و هو مشكل، لأن سفه الآذن لا يوجب

ص: 359

في المالك أو العامل أيضا (562) إذا كان بعد حصول الربح إلا مع إجازة الغرماء (563).

الخامسة: إذا ضارب المالك في مرض الموت صح

الخامسة: إذا ضارب المالك في مرض الموت صح و ملك العامل الحصة و إن كانت أزيد من اجرة المثل على الأقوى من كون منجزات المريض من الأصل (564) بل و كذلك على القول بأنها من الثلث لأنه ليس مفوتا لشي ء على الوارث، إذ الربح أمر معدوم و ليس مالا موجودا للمالك و إنما حصل بسعي العامل (565).

السادسة: إذا تبين كون رأس المال لغير المضارب

السادسة: إذا تبين كون رأس المال لغير المضارب سواء كان غاصبا أو جاهلا بكونه ليس له فإن تلف في يد العامل أو حصل خسران فلمالكه الرجوع على كل منهما (566)، فإن رجع على المضارب لم يرجع على

______________________________

بطلان عمل المأذون إذا كان حصول الإذن في حال الرشد و الكمال.

(562) مقتضى الأصل عدم بطلان المضاربة في صورة حجر العامل بالفلس، و إن كان ممنوعا عن تصرفه في حصته.

(563) لعل مراده بطلان تصرف العامل في حصته أيضا، و أما بطلان أصل المضاربة بعروض الفلس فلا دليل عليه بل الأصل ينفيه.

(564) فصلنا ذلك في كتاب الحجر عند بيان منجزات المريض فراجع و لا وجه للتكرار.

(565) نعم و لكن سببه كان من المالك، و الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الموارد فإذا كان الاسترباح نوعيا عرفيا بحيث أن كل من عمل بهذا المقدار من المال ربح الربح الخاص، و كانت الورثة من أهل ذلك يمكن أن يعد تفويتا بخلاف غير هذه الصورة.

(566) أما الرجوع على كل منهما فلجريان يدهما على المال. و أما جعل الخسران نظير التلف فلا وجه له فإنه إذا أجاز المالك المعاملات التي حصلت

ص: 360

العامل (567)، و إن رجع على العامل رجع- إذا كان جاهلا- على المضارب، و إن كان جاهلا أيضا لأنه مغرور من قبله (568)، و إن حصل ربح كان للمالك إذا أجاز المعاملات الواقعة على ماله (569) و للعامل اجرة المثل على المضارب مع جهله (570) و الظاهر عدم استحقاقه الأجرة عليه مع عدم حصول الربح لأنه أقدم على عدم شي ء له (571) مع عدم حصوله، كما انه لا يرجع عليه إذا كان عالما بأنه ليس له لكونه متبرعا بعمله حينئذ (572).

______________________________

بها الخسران لم يرجع على أحد بشي ء، فإن ردها رجع بأصل ماله لا بالخسران فقط، إذا لا وجه لجعله مثل التلف في هذا الحكم.

(567) إن كان العامل جاهلا بالحال لأن يده حينئذ يد أمانة، و أما إن كان عالما فيصح الرجوع إليه أيضا لجريان يده على المال و سقوط أمانته مع علمه بالغصب.

(568) فتشمله قاعدة «المغرور يرجع إلى من غره» و إطلاقها يشمل ما إذا كان الغار عالما أو جاهلا به إذا كان في مقام تحميل المال على شخص.

(569) لكون الربح نماء ماله، و المفروض أنه أجاز المعاملة الواقعة عليه فيملكه حينئذ لوجود المقتضي و فقد المانع.

(570) لقاعدة احترام العمل و حصول التسبيب.

(571) هذا مخالف لقاعدة: «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده»، و قد تقدم منه رحمه اللّه الفتوى بما ينافي المقام في (مسألة 48) فراجع، كما تقدم منا غير مرة أن العلم بالفساد لا يوجب الإقدام على المجانية.

نعم، لو قصد التبرع يسقط احترام ماله حينئذ.

(572) لا ريب في أن علمه بأنه ليس له، ليس ملازما لقصد التبرع كاشتراء شي ء من السارق مع علمه بالسرقة.

ص: 361

السابعة: يجوز اشتراط المضاربة في ضمن عقد لازم

السابعة: يجوز اشتراط المضاربة (573) في ضمن عقد لازم (574) فيجب على المشروط عليه إيقاع عقدها مع الشارط (575) و لكن لكل منهما فسخه بعده (576)، و الظاهر انه يجوز اشتراط عمل المضاربة على العامل بأن يشترط عليه أن يتجر بمقدار كذا من ماله إلى زمان كذا على أن

______________________________

(573) الظاهر سقوط لفظ «عقد» من قلمه الشريف كما سيصرح فيما بعد.

(574) لعموم أدلة الشروط و إطلاقها الشامل للمقام بعد عدم كونه مخالفا للكتاب و السنة.

و توهم: أن حقيقة المضاربة غير قابلة للاشتراط.

فاسد: إذ ليس المراد بالاشتراط اشتراط نفس العمل الخارجي بقيد وجوده الخارجي و تقومه به، بل المراد الوجود العنواني الاعتباري الإنشائي من حيث كونه طريقا إلى ما في الخارج بإيجاد سببه من عقد المضاربة و سائر ما يتعلق به كما في جميع الإنشائيات و الاعتباريات.

(575) لعموم ما دل على وجوب الوفاء بالشرط من النص (1)، و الإجماع.

(576) لأن المشروط كان إيجاد العقد على حسب الوظيفة الشرعية و المفروض انه حصل، و بعد ذلك يترتب عليه حكمها من جواز عقد المضاربة و صحة الفسخ فيها لفرض أن هذا من حدود المضاربة الشرعية.

نعم، لو اشترط لزوم المضاربة فقد تقدم ما يتعلق به في (مسألة 2) من أول الكتاب فراجع.

و الحاصل: إن اشتراط عقد المضاربة في ضمن عقد لازم يتصور على وجوه.

الأول: مجرد إنشاء عقد المضاربة على ما هو المعهود في الشريعة من غير نظر إلى الجري العملي فيها مع تعلق غرض صحيح بذلك، و لا ريب حينئذ

ص: 362


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث: 4.

يكون الربح بينهما نظير شرط كونه وكيلا في كذا في عقد لازم (577) و حينئذ لا يجوز للمشروط عليه فسخها كما في الوكالة (578).

الثامنة: يجوز إيقاع المضاربة بعنوان الجعالة

الثامنة: يجوز إيقاع المضاربة بعنوان الجعالة (579) كأن يقول إذا اتجرت بهذا المال و حصل ربح فلك نصفه فيكون جعالة تفيد فائدة المضاربة (580)،

______________________________

في تحقق الشرط كما لا ريب في عدم خروج هذه المضاربة عن حقيقتها الشرعية من الجواز بالنسبة إلى الطرفين.

الثاني: أن يكون نظرهما إلى جعل المضاربة الجائزة لازما فاشترطوا في ضمن عقد لازم لأجل هذا الغرض، و لا ريب حينئذ في عدم جواز الفسخ لكل منهما بناء على ما تقدم في (مسألة 2).

الثالث: ما إذا لم يعلم أن المراد هو الأول أو الأخير، فلا يجوز التمسك بعموم دليل وجوب الوفاء بالشرط لعدم إحراز الموضوع لأنه إن كان مجرد إنشاء العقد فقد وقع، و إن كان غيره فلم يعلم انه المراد أو لا، فيرجع حينئذ إلى دليل الجواز في المضاربة.

(577) كل ذلك لعموم دليل وجوب الوفاء بالشرط الشامل لكل ذلك بعد عدم كونه مخالفا للكتاب.

(578) لصيرورة العمل واجبا عليه بالشرط كما في سائر الشروط السائغة، و ظاهرهم الاتفاق عليه في المقام، و في شرط الوكالة و إن كان شروط الوكالة من شرط النتيجة.

(579) لأصالة الصحة، و قاعدة السلطنة، و عموم دليل الجعالة.

(580) لتقوم المضاربة بمطلق إحراز الإذن في التجارة الشامل لجميع صور حصول الإذن، و إبرازه في الخارج، و تحمل كل من الجعالة و المضاربة من المسامحة ما لا يتحملها غيرهما من العقود فالمقتضي حينئذ موجود و لا مانع

ص: 363

و لا يلزم ان يكون جامعا لشروط المضاربة (581).

فيجوز مع كون رأس المال من غير النقدين (582) أو دينا أو مجهولا جهالة لا توجب الغرر (583)، و كذا في المضاربة المشروطة في ضمن عقد بنحو شرط النتيجة (584) فيجوز مع كون رأس المال من غير النقدين.

______________________________

في البين إلا ما يتوهم.

تارة: من أن الجعالة إيقاع و المضاربة عقد و بينهما تباين.

و فيه: ما أثبتناه سابقا من أن الجعالة يصح أن تكون من الإيقاع كما يصح أن تنطبق على العقد، و يصح أن تكون من مطلق التسبيب فهي الجامع بين الجميع، و تتصور بصور مختلفة.

و أخرى: بأن المضاربة مخالف لدليل (أن الربح تابع للأصل)، فلا بد من الاقتصار فيها على غير المقام.

و فيه: بعد فرض كون الجعالة تقيد فائدة المضاربة في المقام فيشملها عين دليل صحة المضاربة من النص و الإجماع غاية الأمر أن الفرق هو الاختلاف في التعبير بينهما.

(581) للأصل و إطلاق دليلها و إفادتها لفائدة المضاربة أعم من أن تكون شروط المضاربة معتبرة فيها.

(582) لأن هذا الشرط- على فرض اعتباره- معتبر في عنوان المضاربة المعهودة لا فيما يفيد فائدتها، و لا ريب في أن الإذن أعم منها عرفا و شرعا.

(583) لما مر من تحمل الجعالة لذلك كله.

(584) لأن تحمل الجعالة للمسامحة في حصولها بنحو لا يتحمله غيرها أوجب حصولها، و لو بنحو شرط النتيجة أيضا مع أن أساس المضاربة متقوم بالإذن، و هو يحصل من شرط النتيجة أيضا فلا وجه للإشكال فيه من هذه الجهة لحصول الإذن بنفس هذا، و لا أظن أحدا يستشكل فيه فيصح حصول المضاربة

ص: 364

التاسعة: يجوز للأب و الجد الاتجار بمال المولى عليه

التاسعة: يجوز للأب و الجد الاتجار بمال المولى عليه بنحو المضاربة (585) بإيقاع عقدها، بل مع عدمه أيضا بأن يكون بمجرد الإذن منهما (586) و كذا يجوز لهما المضاربة بماله مع الغير على ان يكون الربح مشتركا بينه و بين العامل و كذا يجوز ذلك للوصي في مال الصغير مع ملاحظة الغبطة و المصلحة و الأمن من هلاك المال (587).

العاشرة: يجوز للأب و الجد الإيصاء بالمضاربة بمال المولى عليه

العاشرة: يجوز للأب و الجد الإيصاء بالمضاربة بمال المولى عليه (588) بإيقاع الوصي عقدها لنفسه أو لغيره مع تعيين الحصة من الربح أو إيكاله إليه (589)، و كذا يجوز لهما الإيصاء بالمضاربة في حصة الصغير

______________________________

بنحو شرط النتيجة في المضاربة الحقيقية، أيضا، و لا نحتاج إلى تكلف إرجاعها إلى الجعالة في المضاربة.

(585) لولايتهما على ذلك، و للإجماع و النصوص التي يأتي التعرض لبعضها في الوصية.

(586) فيصير من سنخ المضاربة المعاطاتية لا العقدية.

(587) كل ذلك لعموم ولايتهم الشامل لجميع ذلك كله مضافا إلى أدلة خاصة منها صحيحة محمد بن مسلم، عن الصادق عليه السّلام: «في مال اليتيم، قال:

العامل به ضامن و لليتيم الربح إذا لم يكن للعامل مال، و قال: إن عطب اداه» (1)، و منها روايات أخرى ذكرت في كتاب الوصية.

(588) هذه المسألة مذكورة في كتب القوم في موردين.

الأول: في كتاب الوصية.

الثاني: في كتاب المضاربة.

(589) لعموم ولايته و ظهور الإجماع و أصالة الصحة بعد الولاية.

ص: 365


1- الوسائل باب: 75 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.

من تركتهما بأحد الوجهين (590)، كما انه يجوز ذلك لكل منهما بالنسبة إلى الثلث المعزول لنفسه (591) بأن يتجر الوصي به أو يدفعه إلى غيره مضاربة و يصرف حصة الميت في المصارف المعينة للثلث (592). بل و كذا يجوز الإيصاء منهما بالنسبة إلى حصة الكبار أيضا (593) و لا يضر كونه ضرارا عليهم من حيث تعطيل ما لهم إلى مدة (594) لأنه منجبر بكون الاختيار لهم في فسخ المضاربة و إجازتها، كما أن الحال كذلك بالنسبة إلى ما بعد البلوغ في الصغير فإن له أن يفسخ أو يجيز، و كذا يجوز لهما الإيصاء

______________________________

(590) إذ لا فرق بعد ثبوت الولاية لهما بين إيقاعهما بنفسهما المضاربة، أو الإيصاء بإيقاع المضاربة في حصة المولى عليه لفرض ثبوت ولايته مطلقا.

و توهم: انه لا وجه للقسم الثاني لعدم الولاية على الحصة بعد لأنه من المال المتجدد.

باطل: لأنه مقتضى ولايته مراعاة ما هو الصلاح و الأصلح للمولى عليه فعلا أو شأنا كما يدل عليه أن لهما تزويج المولى عليه مع المصلحة، فالمصلحة الشأنية تكفي في ثبوت الولاية و إن لم تكن فعلية من كل جهة.

(591) لوجود المقتضي و فقد المانع فيشمله الإطلاق بلا محذور.

(592) لقاعدة السلطنة، مضافا إلى الإطلاقات و العمومات بلا مانع في البين و لا اختصاص لهذا الحكم بخصوص الأب و الجد كما يظهر منه قدّس سرّه، بل يجوز لكل أحد أن يوصي بالمضاربة في ثلثه المعزول أو يوجد مضاربة بنفسه فيه.

(593) إن كان فيها غرض صحيح عند المتعارف، لعموم أدلة الوصية بالخير و لا محذور فيه إلا توهم أنه ضرر على الكبار.

و فيه: انه ليس ضررا ماليا قطعا، و لو فرض انه تصرف في سلطنته فهو منجبر بالخيار كما في المتن فلا ضرر في البين على أحد.

(594) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الموارد فقد يكون نفعا و قد يكون

ص: 366

بالاتجار بمال القصير على نحو المضاربة بأن يكون هو الموصي به (595) لا إيقاع عقد المضاربة لكن إلى زمان البلوغ أو أقل، و أما إذا جعل المدة أزيد فيحتاج إلى الإجازة بالنسبة إلى الزائد (596)، و دعوى: عدم صحة هذا النحو من الإيصاء لأن الصغير لا مال له حينه و إنما ينتقل إليه بعد الموت و لا دليل على صحة الوصية العقدية في غير التمليك فلا يصح أن يكون إيجاب المضاربة على نحو إيجاب التمليك بعد الموت (597)، مدفوعة:

بالمنع (598)، مع أنه الظاهر من خبر خالد بن بكر الطويل في قضية ابن

______________________________

ضررا و قد لا يكون شي ء منهما، و بعد انجبار الضرر بالخيار لا محذور مطلقا هذا إذا لم تعد الوصية إضرارا بالورثة و حيفا بالنسبة إليهم و إلا فتبطل من أصلها و لا تصل النوبة إلى الخيار.

(595) لأصالة الصحة و عموم أدلة الوصية بلا مانع في البين من الضرر و غيره، مضافا إلى عموم أدلة ولايتهما.

(596) لأن التصرف بالنسبة إلى الزائد كان بلا مجوز شرعي، و يكون من الفضولي فيحتاج إلى الإجازة لا محالة هذا إذا لم تكن مصلحة في التصرف في الزائد، و إلا فالوصية نافذة من دون حاجة إلى الإجازة فالأقسام ثلاثة.

الأول: الوصية الضررية و هي باطلة.

الثاني: ما إذا كانت فيها المصلحة حدوثا و بقاء و هي نافذة.

الثالث: ما إذا شك في انه من أيهما، و مقتضى قاعدة الصحة الحمل عليها فيكون مثل القسم الثاني، و لكن الأحوط في الزائد الإجازة من الورثة.

(597) لأنه تعليق، و التعليق لا يصح إلا في الوصية التمليكية فقط دون غيرها، سواء كانت عقدا أم إيقاعا.

(598) لان عمدة الدليل على بطلان التعليق انما هو الإجماع، و المتيقن منه ما إذا كان التعليق على غير مقتضى العقد فلا يشمل مثل المقام.

ص: 367

أبي ليلى و موثق محمد بن مسلم المذكورين في باب الوصية (599)، و أما بالنسبة إلى الكبار من الورثة فلا يجوز بهذا النحو لوجوب العمل بالوصية (600)، و هو الاتجار فيكون ضررا عليهم من حيث تعطيل حقهم من الإرث (601) و إن كان لهم حصتهم من الربح خصوصا إذا جعل

______________________________

(599) ففي خبر خالد بن بكر قال: «دعاني أبي حين حضرته الوفاة، فقال: يا بني اقبض مال إخوتك الصغار، و أعمل به، و خذ نصف الربح، و أعطهم النصف، و ليس عليك ضمان، فقدمتني أم ولد أبي الى ابن أبي ليلى، فقالت: إن هذا يأكل أموال ولدي. قال: فاقتصصت عليه ما أمرني به أبي، فقال لي ابن أبي ليلى: إن كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه، ثمَّ اشهد على ابن ابي ليلى ان أنا حركته فأنا له ضامن، فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقصصت عليه قصتي، ثمَّ قلت له: ما ترى؟ فقال: أما قول ابن أبي ليلى فلا استطيع رده، و أما فيما بينك و بين اللّه عز و جل فليس عليك ضمان» (1)، و في موثق ابن مسلم عن الصادق عليه السّلام: «انه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده و بمال لهم و أذن له عند الوصية أن يعمل بالمال و أن يكون الربح بينه و بينهم؟ فقال: لا بأس به من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك و هو حي» (2)، فإن إطلاقهما يشمل الإيصاء بالاتجار أيضا و ان كان فيهما احتمالات أخرى كما ذكر في المطولات، و منه يظهر أن تعبير الماتن ب (الظاهر) مشكل مع وجود الاحتمالات الأخرى.

(600) نصا و إجماعا كما يأتي في محله، و حيث إن نفس المضاربة مورد الوصية لا يجوز فسخها و تغييرها بالأدلة الثلاثة.

(601) لا كلية في كون هذا ضررا و تعطيلا للحق كما إذا مات الموصي في الليل مثلا و حصل الربح في المضاربة في أول يوم موته، و حصل الإنضاض في عصر هذا اليوم، و انفسخت المضاربة و حصلت قسمة التركة في ثاني يوم

ص: 368


1- الوسائل باب: 92 من أبواب الوصايا حديث: 2 و 1.
2- الوسائل باب: 92 من أبواب الوصايا حديث: 2 و 1.

حصتهم أقل من المتعارف (602).

الحادية عشرة: إذا تلف المال في يد العامل بعد موت المالك من غير تقصير

الحادية عشرة: إذا تلف المال في يد العامل بعد موت المالك من غير تقصير فالظاهر عدم ضمانه، و كذا إذا تلف بعد انفساخها بوجه آخر (603).

الثانية عشرة: إذا كان رأس المال مشتركا بين اثنين فضاربا واحدا

الثانية عشرة: إذا كان رأس المال مشتركا بين اثنين فضاربا واحدا ثمَّ فسخ أحد الشريكين هل تبقى بالنسبة إلى حصة الآخر أو تنفسخ من الأصل؟ وجهان أقربهما الانفساخ (604).

نعم، لو كان مال كل منهما متميزا و كان العقد واحدا لا يبعد بقاء العقد بالنسبة إلى الآخر (605).

______________________________

الموت أو ثالثة، فأي ضرر و أي تعطيل للحق حينئذ؟! نعم، لو طالت المدة قد يلزم ذلك فتتوقف صحتها بالنسبة إلى حصتهم على إجازتهم.

نعم، لو عد مثل هذه الوصية حيفا و إضرارا فتبطل من أصلها، و لا تصل النوبة إلى الإجازة.

(602) هذه الصورة تعد من الحيف في الوصية فتبطل من أصلها، و الحق انه قدّس سرّه خلط بين الفروع و المسائل الكثيرة المتصورة في هذه المسائل، و لم يبينها حق التبيين.

(603) لأنه أمين و عدم خروجه عن الأمانة بذلك كله و لا ضمان على الأمين، و منه يظهر أن التعبير ب (الظاهر) لا وجه له.

(604) بدعوى: أن المضاربة كانت واحدة فلا تتبعض.

و فيه: أن مقتضى الأصل بقاؤها، و يمكن تحليل العقد الواحد و اختلافه بقاء و فسخا بالنسبة إلى أجزاء متعلقة، و قد مر منه رحمه اللّه ما هو ظاهر المنافاة في (مسألة 47) عند قوله رحمه اللّه: «و لكن تبطل بالنسبة اليه و تبقى بالنسبة إلى البقية»، فراجع.

(605) و كذا لو كان المال مشاعا بينهما و إن كان العقد متعددا

ص: 369

الثالثة عشرة: إذا أخذ العامل مال المضاربة و ترك التجارة به إلى سنة مثلا

الثالثة عشرة: إذا أخذ العامل مال المضاربة و ترك التجارة به إلى سنة مثلا فإن تلف ضمن (606)، و لا يستحق المالك عليه غير أصل المال (607) و إن كان آثما في تعطيل مال الغير.

الرابعة عشرة: إذا اشترط العامل على المالك عدم كون الربح جابرا للخسران مطلقا

الرابعة عشرة: إذا اشترط العامل على المالك عدم كون الربح جابرا للخسران مطلقا فكل ربح حصل يكون بينهما، و إن حصل خسران بعده أو قبله أو اشترط أن لا يكون الربح اللاحق جابرا للخسران السابق أو بالعكس فالظاهر الصحة (608)، و ربما يستشكل بأنه خلاف وضع المضاربة، و هو كما ترى (609).

الخامسة عشرة: لو خالف العامل المالك فيما عينه جهلا أو نسيانا

الخامسة عشرة: لو خالف العامل المالك فيما عينه جهلا أو نسيانا أو

______________________________

لأصالة بقاء الإذن.

(606) لقاعدة اليد بعد سقوط أمانته بتعطيل مال الغير عمدا.

(607) لعدم إتلافه مالا للمالك، و انما صار تعطيله موجبا لعدم حصول النفع له، و مقتضى الأصل عدم ضمانه.

(608) لأن المضاربة لا اقتضاء بالنسبة إلى هذه الجهات.

نعم، الغالب كون الربح بينهما و الوضيعة على رأس المال كما في الأخبار (1)، و ذلك لا يوجب تقوم حقيقتها بذلك.

(609) لأن وضع المضاربة على أن يكون الربح تحت اختيارهما بأي نحو شاءوا و أرادوا، و إن كان الغالب فيها على ما هو المذكور في الأخبار (2)، لكنه لا يوجب التقوم الذاتي و لكن الاحتياط في عدم إجراء أحكام خصوص المضاربة عليه و إن صح للعامل العمل لأجل الإذن الحاصل من المالك فيه، و يكون الربح بينهما على ما تراضيا عليه.

ص: 370


1- الوسائل باب: 3 من أبواب المضاربة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب المضاربة حديث: 5.

اشتباها كما لو قال لا تشتر الجنس الفلاني أو من الشخص الفلاني مثلا فاشتراه جهلا فالشراء فضولي موقوف على إجازة المالك (610)، و كذا لو عمل بما ينصرف إطلاقه إلى غيره فإنه بمنزلة النهي عنه (611)، و لعل منه ما ذكرنا سابقا من شراء من ينعتق على المالك مع جهله بكونه كذلك، و كذا الحال إذا كان مخطئا في طريقة التجارة (612) بأن اشترى ما لا مصلحة في شرائه عند أرباب المعاملة في ذلك الوقت بحيث لو عرض على التجار حكموا بخطئه.

السادسة عشرة: إذا تعدد العامل

السادسة عشرة: إذا تعدد العامل كأن ضارب اثنين بمائة مثلا بنصف الربح بينهما متساويا أو متفاضلا، فإما أن يميز حصة كل منهما من رأس المال كأن يقول على أن يكون لكل منه نصفه، و إما أن لا يميز، فعلى الأول الظاهر عدم اشتراكهما في الربح و الخسران و الجبر (613) إلا مع الشرط (614)، لأنه بمنزلة تعدد العقد، و على الثاني يشتركان فيها (615).

______________________________

(610) لوقوعه بلا إذن و في غير محله فيصح بالإجازة.

(611) فإن الانصراف المعتبر كالنهي، بل يكفي عدم ثبوت الإذن، و لا يحتاج إلى إثبات النهي.

(612) فإن الخطأ خارج عن منصرف إطلاق الإذن فيكون فضوليا لا محالة، و لكنه مسلّم فيما إذا كان الخطأ عن تقصير، و لكن لو كان عن قصور و كان اتفاقيا فالظاهر كونه معفوا، و شمول الإطلاق له لأن المالك لو آخذ العامل بذلك يلازم على المؤاخذة فيستفاد منه شمول الإذن له.

(613) لإذن المنساق من تمييز الحصة قطع الاشتراك مطلقا، و ما يأتي منه رحمه اللّه من انه بمنزلة تعدد العقد.

(614) تقدم في المسألة الرابعة عشر فلا وجه للتكرار.

(615) لفرض الإشاعة و عدم التمييز و الاشتراك فهما حينئذ من لوازم عدم التمييز.

ص: 371

و إن اقتسما بينهما فأخذ كل منهما مقدارا منه (616) إلا أن يشترطا عدم الاشتراك فيها (617) فلو عمل أحدهما و ربح و عمل الآخر و لم يربح أو خسر يشتركان في ذلك الربح و يجبر به خسران الآخر (618)، بل لو عمل أحدهما و ربح و لم يشرع الآخر بعد في العمل فانفسخت المضاربة يكون الآخر شريكا و إن لم يصدر منه عمل لأنه مقتضى الاشتراك في المعاملة (619)، و لا يعد هذا من شركة الأعمال- كما قد يقال- فهو نظير ما إذا آجرا نفسيهما لعمل بالشركة فهو داخل في عنوان المضاربة (620) لا الشركة، كما أن النظير داخل في عنوان الإجارة.

السابعة عشرة: إذا أذن المالك للعامل في البيع و الشراء نسيئة

السابعة عشرة: إذا أذن المالك للعامل في البيع و الشراء نسيئة فاشترى نسيئة و باع كذلك فهلك المال فالدين في ذمة المالك (621)، و للديان- إذا علم بالحال أو تبين له بعد ذلك- الرجوع على كل

______________________________

(616) أي من رأس المال لأن هذا الأخذ لا يوجب الاختصاص فرأس المال باق بعد على الإشاعة بينهما.

(617) في ضمن عقد لازم، أو في ضمن عقد المضاربة بناء على وجوب الوفاء بالشرط المذكور في ضمن العقود الجائزة أيضا ما دام العقد باقيا و الإشكال: على صحة هذا الشرط بأنه مناف للشركة فيبطل من هذه الجهة.

مدفوع: بأن هذا النحو من الشركة التي هي نحو مضاربة في الواقع لا اقتضاء من هذه الجهات، فلا بأس بالشرط للإطلاقات و العمومات.

(618) هذا متفرع على اشتراط الاشتراك.

(619) إن لم يكن قرينة عرفية على الخلاف.

(620) لتباينهما على المضاربة بالفرض.

نعم، هي مضاربة يتعدد فيها العامل كما أن ما ذكره من التنظير إجارة يتعدد فيها الأجير.

(621) لأنه أذن في الاستدانة فيكون عليه لا محالة.

ص: 372

منهما (622)، فإن رجع على العامل و أخذ منه رجع هو على المالك (623)، و دعوى: أنه مع العلم من الأول ليس له الرجوع على العامل لعلمه بعدم اشتغال ذمته، مدفوعة: بأن مقتضى المعاملة ذلك (624)، خصوصا في المضاربة، و لا سيما إذا علم أنه عامل يشتري للغير و لكن لم يعرف ذلك الغير أنه من هو و من أى بلد، و لو لم يتبين للديان أن الشراء للغير يتعين له الرجوع على العامل في الظاهر و يرجع هو على المالك (625).

الثامنة عشرة: يكره المضاربة مع الذمي خصوصا إذا كان هو العامل

الثامنة عشرة: يكره المضاربة مع الذمي خصوصا إذا كان هو العامل لقوله عليه السّلام: «لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي و لا يبضعه بضاعة و لا يودعه وديعة و لا يصافيه المودة» و قوله عليه السّلام: «إن أمير المؤمنين عليه السّلام كره مشاركة اليهودي و النصراني و المجوسي إلا أن يكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم» (626) و يمكن أن يستفاد من هذا الخبر كراهة مضاربة من لا يؤمن منه في معاملاته من الاحتراز عن الحرام.

التاسعة عشرة: الظاهر صحة المضاربة على مائة دينار مثلا

التاسعة عشرة: الظاهر صحة المضاربة على مائة دينار مثلا

______________________________

(622) أما المالك فلالتزامه بكون الدين عليه. و أما العامل فلجريان يده على المال. هذا مع بقاء المضاربة و أما مع انفساخها بالمرة و تماميتها من كل جهة فالعامل يصير كالأجنبي، إلا أن يقال أن يده السابق موجب لصحة الرجوع إليه.

(623) لفرض تفرع يد العامل عليه.

(624) فإن القرار المعاملي عند العقلاء أنه يرجع كل واحد من المتعاملين.

إلى آخر في الدرك الحاصل له في تلك المعاملة، و هذا القرار المعاملي العقلائي ممضاة شرعا بالعمومات و الإطلاقات.

(625) لأنه السبب في ذلك فيستقر الضمان عليه.

(626) كما في خبر علي بن رئاب (1)، و خبر السكوني (2).

ص: 373


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الشركة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الشركة حديث: 2.

كليا (627) فلا يشترط كون مال المضاربة عينا شخصية فيجوز إيقاعهما العقد على كلي ثمَّ تعيينه في فرد، و القول بالمنع لأن القدر المتيقن العين الخارجي من النقدين ضعيف، و أضعف منه احتمال المنع حتى في الكلي في المعين إذ يكفي في الصحة العمومات (628).

متمم العشرين: لو ضاربه على ألف- مثلا- فدفع إليه نصفه فعامل به

______________________________

(627) للعمومات و الإطلاقات الشاملة لذلك أيضا. و لكن عن جمع دعوى الإجماع على عدم صحة المضاربة على الدين. و يمكن أن يقال: إن المتيقن منه على فرض اعتباره ما إذا كان الدين على ذمة الأجنبي أو العامل دون نفس المالك، فإن ذمة المالك كنقده الخارجي عرفا خصوصا إن كان من ذوي الاعتبار و الشرف- قولا و عملا و مالا- هذا إذا كان الكلي مضافا إلى الذمة.

و أما لو كان المراد نفس الكلي من حيث هو من غير إضافة حين عقد المضاربة فالظاهر الصحة أيضا.

و توهم: أن الكلي من غير إضافة إلى الذمة أو الخارج لا وجود له، فلا وجه للصحة.

باطل: لأنه يكفي اعتبار الوجود إذا كان في معرض التعيين- كما في المقام- إذ الاعتبار خفيف المؤنة كما هو واضح.

(628) ربما يستشكل في التمسك بالعمومات.

أولا: بأن المضاربة مخالفة للأصل فلا بد من الاقتصار فيها على القدر المتيقن.

و ثانيا: بما ورد في الروايات «حتى تقبضه» (1).

و لا وجه لهما: أما الأول: فلا مخالفة فيها للأصل إلا ما يقال: من أن النماء تابع للأصل، فيكون تمامه للمالك، و في المضاربة يتبعض فيكون مخالفا للأصل.

ص: 374


1- الوسائل باب: 5 من أبواب المضاربة.

ثمَّ دفع إليه النصف الآخر فالظاهر جبران خسارة أحدهما بربح الآخر لأنه مضاربة واحدة و أما لو ضاربه على خمسمائة فدفعها إليه و عامل بها و في أثناء التجارة زاده و دفع خمسمائة أخرى، فالظاهر عدم جبر خسارة إحداهما بربح الأخرى (629). لأنهما في قوة مضاربتين.

نعم، بعد المزج و التجارة بالمجموع يكونان واحدة (630).

______________________________

و فيه: إن النماء تابع للأصل إذا لم يتحقق فيه جعل و قرار معاملي، و الا فالمدار على الجعل ورودا أو حكومة على المبنيين و مع تحقق الجعل و تراضيهما عليه كيف يعقل أن يكون مخالفا للأصل؟! و العجب من مثل صاحب الجواهر حيث تعرض لذلك و أوقع غيره في هذه المغالطة.

و أما الثاني: فنستدل بنفس الحديث إذا كان الكلي في معرض القبض و الإقباض كما هو الغالب في القرارات المعاملية الدائرة بين الناس خصوصا في هذه الأعصار، لأن المراد من قوله عليه السّلام: «حتى يقبض» ليس خصوص القبض الخارجي، بل المراد الاطمئنان العرفي بالتسليط على المال كما في جملة من الصكوك المتداولة في هذه الأعصار مع انه ليس من قبض النقد و انما العامل صار مسلطا على المال.

(629) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف القرائن و الخصوصيات، فقد تعد كونهما مضاربة واحدة، و قد تعد متعددة، و في مورد التعدد لا يجبر السابق باللاحق، للشك في موضوع الجبران.

(630) يمكن أن يجعل النزاع بينهم لفظيا لأن الظاهر اختلاف ذلك أيضا باختلاف الجهات و الخصوصيات، فقد يحكم العرف بالوحدة و قد يحكم بالتعدد.

تمَّ كتاب المضاربة و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على أشرف خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

ص: 375

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.